{ الباب الأول }:
( الفصل الأول ) :

التعريف اللغوي و الاصطلاحي للتكفير :-

الكفر في اللغة :
بمعنى الستر و التغطية , يقال لمن غطى ذرعه بالثوب : قد كفر درعه و يقال للمزارع : " كافرا " لأنه يغطي البذر بالتراب , و منه سمي الكفر الذي هو ضد الإيمان " كفرآ " لإن فيه تغطية للحق بجحد أو غيره , و قيل : سمي الكافر " كافرا " لأنه قد غطى قلبه بالكفر (5)

و الكفر في الإصطلاح :
يقول الشيخ بكر أبوزيد في كتابه درء الفتنة و الكفر في الإصطلاح هو إعتقادات و أقوال و أفعال جاء في الشرع ما يدل أن من وقع فيها ليس من المسلمين و قد حكى جمع من أهل العلم إجماع العلماء على أن الكفر يكون بمجرد القول أو الفعل .

( الفصل الثاني ) :

أصل ظاهرة التكفير و منشأها ( الخوارج ) :-

إن أصل هذه الظاهرة أساسا هم الخوارج و الخوارج في اللغة :
يقول الشهرستاني في كتابه الملل و النحل : الخوارج جمع خارج،وخارجي اسم مشتق من الخروج، وقد أطلق علماء اللغة كلمة الخوارج في آخر تعريفاتهماللغوية في مادة ((خرج)) على هذه الطائفة من الناس؛ معللين ذلك بخروجهم عن الدين أوعلى الإمام علي، أو لخروجهم على الناس.
في الاصطلاح: اختلف العلماءفي التعريف الاصطلاحي للخوارج، وحاصل ذلك:

منهم من عرفهم تعريفاًسياسياً عاماً، اعتبر الخروج على الإمام المتفق على إمامته الشرعية خروجاً في أيزمن كان.


قال الشهرستاني في كتابه الملل و النحل : ((كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقتالجماعة عليه يسمى خارجياً، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدينأو كان بعدهم على التابعين لهم بإحسان والأئمة في كل زمان)) .

ومنهممن خصهم بالطائفة الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه. قال الأشعري كما نقل الشهرستاني في الملل: ((والسببالذي سُمّوا له خوارج؛ خروجهم على علي بن أبي طالب)).

زاد ابن حزم في كتابه الفصل في الملل و النحل (بأن اسم الخارجي يلحق كل من أشبه الخارجين على الإمام عليّ أو شاركهم في آرائهم فيأي زمن ).


إذن أصل ظاهرة التكفير هم الخوارج و الخوارج هم الفئةالتي خرجت على الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه بعد أن كانت تحارب معه، و يغلب على هذه الفرقة الإنفعال والتطرف في السلوك، والتزّمت في الدين والتحجّر في الفكر، تكونت بعد معركةصفين، بسبب رفضها لنتيجة التحكيم، وأصبحت العبارة التي صاغها أحدهم ( لا حكم الالله ) شعار هذه الطائفة، وكان تأسيسها في منتصف القرن الأول الهجري.

ـ لما طالت الحرب بين معاوية رضي الله عنه و علي رضي الله عنه في وقعة صفين وكاد النصر أن يتمَّ لجيش علي لولا رفع المصاحف منقبل أصحاب معاوية ودعوا أصحاب علي الى مافيها. مما ادى الى الاضطرابوالفوضى في جيش علي، اضطر بعد ذلك علي رضي الله عنه على الرجوع من صفين الى الكوفةفلم تدخل معه الخوارج وأتوا حروراء فنزل منهم بها اثنا عشر الفا، وسموا حينذاك (بالحرورية ) نسبة الى هذه القرية، ( وبالمحكمة ) أي الذين يقولون لاحكم الا لله ـوهما اسمان كثيرا مايطلقان على الخوارج، وأمروا عليهم رجلا منهم اسمه عبد الله بنوهب الراسبي.

ـ عندما انطلت خدعة رفع المصاحف على جماعة من اصحاب علي رضي الله عنه ورفعهم شعار (لا حكم الا لله ) قاتلهم الامام علي بن ابي طالب في النهروان مقاتلة شديدة، فماانفلت منهم الاّ أقل من عشرة، انهزم اثنان منهم الى عمان واثنان الى كرمان واثنانالى سجستان واثنان الى الجزيرة وواحد الى تل مورون في اليمن، وظهرت بدع الخوارج فيهذه المواضع وبقيت الى اليوم.

وأول من بويع بالامامة منالخوارج عبد الله بن وهب الراسبي في منزل زيد بن حصين بايعه عبد الله بن الكواء،وعروة بن جرير، ويزيد بن عاصم المحاربي، وجماعة غيرهم.

ـكان لرفع الشعار المستمد من القرآن الكريم ( لا حكم الا الله ) التأثير الخطير علىاستقطاب بسطاء الناس من خلال الايحاء بالتمسك بكتاب الله مع ان هذاالشعار. ـ كما عبر سيد نا علي بن ابي طالب ـ هو ( كلمة حق يراد بها باطل )،اضافة الى كثرة عبادة هؤلاء وتعمقهم في الدين حتى سُمّو المتعمقين، وقراءتهم القرآناذ كانوا يسَمون بقراء القرآن.
ـ ذهبوا إلى القول بتكفير علي وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل، وكل من رضي بتحكيم الحكمين.
ـ قالوا : إن مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب فهو مخلد في الناروأما صغائر الذنوب فإن الإنسان اذا تاب منها فالله يغفرها له.
ويجوز عندهم أن يكون الأنبياء ـ قبل البعثة ـ من أهل الفسق والكفر كما يجوز علىالأنبياء بعد بعثهم الكفر وارتكاب الصغائر والسهو والنسيان. ـ إباحة قتل أطفالالمخالفين لأفكارهم ونسائهم.
ـ استحلوا دماء أهل العهدوالذمة وأموالهم .
ـ قالوا : ان القرآن هو كلام الله المنزل على النبي بواسطةجبرائيل وانه مخلوق مثل بقية الأشياء.


ـ قالوا : ان كلخبر ورد عن النبي يخالف ظاهر الكتاب لا يعمل به، وان كل خبر لا يكون متواترا لا يجوزان يتخذ دليلا (6) .


أسباب ظهور الخوارج :

إن عرض أسباب ظهور فرقة الخوارج في صدر الإسلام يقربنا من معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ظهور امتداد هذه الفرقة متمثلة في جماعات التكفير الحديثة و من أهم أسباب ظهور فرقة الخوارج ما يلي :

1-النزاع حول الخلافة:
وربمايكون هذا هو أقوى الأسباب في خروجهم، فالخوارج لهم نظرة خاصة في الإمام معقدةوشديدة، والحكام القائمون في نظرهم لا يستحقون الخلافة، لعدم توفر شروط الخوارجالقاسية فيهم، أضف إلى هذا عدم الاستقرار السياسي الذي شجعهم على الخروج، وإلىالحسد الذي كان كامناً في نفوسهم ضد قريش. إضافة إلى أنهم فسروا الخلاف بين عليومعاوية رضي الله عنهما بأنه نزاع حول الخلافة. ومن هنا استسهلوا الخروج على عليّومعاوية من بعده.



2-قضية التحكيم:
فقد أجبروا الإمام عليّعلى قبول التحكيم، وحينما تم ذلك طلبوا منه أن يرجع عنه بل ويعلن إسلامه، فرد عليهمرداً عنيفاً.


وهناك من يقلل من شأن هذه القضية كعامل في ظهور الخوارج،ولا شك أن هذا خطأ، فقد كان التحكيم من الأسباب القوية في ظهورهم.


وقدرد بعض العلماء وشنع على من يقول من المؤرخين وكتاب الفرق، بأن كان في قضية التحكيمخداع ومكر، كالقاضي ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم؛ حيث فصّل القول في هذاالأمر.


3-جور الحكام وظهور المنكرات:

هكذا كان الخوارجيرددون في خطبهم ومقالاتهم، أن الحكام ظلمة والمنكرات فاشية، والواقع أنهم حينماخرجوا فعلوا أضعاف ما كان موجودا من المظالم والمنكرات، حينما رأوا أن قتالالمخالفين لهم قربة إلى الله تعالى، وأن الأئمة ابتداءً بالإمام علي –مع عدلهوفضله- ثم بحكام الأمويين والعباسيين-كلهم ظلمة في نظرهم دون تحرٍّ أو تحقيق، مع أنإقامة العدل والنهي عن المنكرات يتم بغير تلك الطريقة التي ساروا عليها في استحلالدماء مخالفيهم حكاماً ومحكومين.


4-العصبية القبلية:

التيماتت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر عمر رضوان الله عليهما. ثمقامت في عهد عثمان وما بعده قوية شرسة، وكانت قبل الإسلام بين ربيعة- وأكثر الخوارجمنهم- وبين مضر قوية، وقد قال المأمون في إجابته لرجل من أهل الشام طلب منه الرفقبالخوارج: ((وأما ربيعة فساخطة على الله منذ بعث نبيه من مضر، ولم يخرج اثنان إلاخرج أحدهما شارياً)).


وهناك أسباب أخرى مثل العوامل الاقتصادية؛ كقصة ذيالخويصرة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وثورتهم الممقوتة على عثمان رضي الله عنه؛حيث نهبوا بيت المال بعد قتله مباشرة، ونقمتهم على عليّ في معركة الجمل، ومنها كذلكالحماس الديني الذي مدحهم به بعض المستشرقون كجولد زيهر حينما ذكر أن تمسك الخوارجالشديد بالقرآن أدى بهم إلى الخروج على المجتمع، والمغالطة في قوله هذا واضحة، فإنالتمسك بالقرآن لا يؤدي إلى الخروج على المجتمع و سفك دماء الأبرياء.