ماهية ظاهرة الارهاب الدولي
I ماهية الإرهاب الدولي
لقد دارت العديد من النقاشات الفكرية و المعرفية حول مفهوم الإرهاب هذا المفهوم السياسي و العسكري و الإستراتيجي الذي استحوذ على الحيز الكبير من اهتمامات الباحثين و الدارسين و كذلك اهتمامات المجتمع الدولي.

لقد كثر الكلام عن تحديد الإرهاب و اضطربت الآراء و المصطلحات على ايضاح مفهومه وعلى الرغم من كثرة التعاريف و الحدود التي وضعت لمعنى الإرهاب لم نقف على حد جامع مانع لحقيقة الإرهاب و كل تعريف لحقيقة ما حوله يكون مطردا منعكس ، مع ذلك فإن كثيرا من الباحثين في هذا الموضوع قد ذكروا من التعاريف للإرهاب ما يزيد عن 100 تعريف (1) .
و بالرغم من اختلاف التفاسير بصدده و تباين الآراء حول أسبابه و تداعياته إلا أن هناك اجماع حول هدف واحد هو مكافحة هذه الظاهرة التي تمس بأمن الأفراد كما تمس أمن الدول.
و حول عدم وجود تعريف جامع مانع و غياب التوحيد و التحديد عن مفهوم الإرهاب برزت عدة تساؤلات حول فحوى الإختلاف: هل الإختلاف راجع إلى:
- طبيعة هذه الظاهرة المعقدة؟
أو إلى
- إديولوجية كل باحث و تأثيراتهم النفسية الداخلية و الخارجية؟
أو إلى
- قناعة رجال السلطة السياسية و المتصدرين لمجالس الحكم لتلك الدول بتحديد تعريف معين للإرهاب قد يدخل أفعالهم هم أنفسهم و دولهم تحت اسم الإرهاب؟

و في دراستنا هذه سوف نحاول من خلال هذا الفصل التطرق إلى مفهوم الإرهاب من خلال تعريفه
* لغة
* اصطلاحا
من خلال تقسيم التعاريف و التطرق إلى جذوره التاريخية و بعض المفاهيم الدالة عليه لننتقل إلى معرفة أسبابه و دوافعه و كذا الحلول الممكنة له.

أولا:تعريف الإرهاب
*الدلالة اللغوية للإرهاب:
في اللغة العربية رهب (بكسر الهاء) فالإرهاب مصدر أرهب يرهب إرهابا من باب أكرم و فعله المجدد (رّهب) و اسم الفاعل راهب و الراهب هو المخيف و هو الأسد و الكاهن و نقول رهبان….أي كهنة و في القرآن الكريم سورة الحديد و رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله.
و الإرهاب و الخوف و الخشية و الرعب و الوجل و الإضطراب و الفزع هي كلمات متقاربة تدل على الخوف إلا أن بعضها أبلغ من بعض في الخوف.
كان يقال في الماضي (رهبوب خير من رحموت) أي أن الخوف من القتال خير من تعريض النفس للقتل، و قالت العرب أن تكون مرهوبا خير من أن تكون مرحوما (2).
و إذا ما اتبعنا كلمة رهب أو أرهب في القرآن الكريم و جدناها تدل على الخوف الشديد في قوله تعالى: و إياي فارهبون سورة النحل (51) أي تخافوني.
و يدعوننا رغبا و رهبا أي طمعا و خوفا سورة الأنبياء (90).
و أعدوا لهم ما استطعته من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم أي تخيفونهم سورة الأنفال(60) .
لأنتم أشد رهبة من صدورهم من الله سورة الحشر (13).
و اضمم إليك جناحك من الرهب سورة القصص (32).
إن دراسة و تحليل معنى الآيات يوضح لنا أن القرآن الكريم استعمل الرهبة و ترهبون في هذه الآية ليزرع الخوف و الرعب في نفس العدو و إشعاره بقوة الآخر لئلا يقدم على العدوان ذلك أن الإرهاب هو عمل وقائي ذو دلالات إيجابية و لا دلالة له على الإرهاب بمعناه المتداول المعرف في القانون الجنائي بل هو خطوة نحو السلام لأنه يمنع العدو من ممارسة عدوانه (3)
و بذلك فإن الإرهاب في الشرع قسمان:
1- إرهاب مشروع شرعه الله لنا و أمرنا به و هو إعداد القوة و التأهب لمقاومة أعداء الله في قوله تعالى: و أعدوا لهم ما استطعته من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم… فهذه الآية تنص على وجوب بذل المسلمين قصارى جهدهم في التسليح و إعداد القوة و تدريب الجيوش حتى يرهبهم العدو و هو أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين.
2- قسم مذموم و يحرم فعله و ممارسته و هو من كبائر الذنوب و يستحق مرتكبه العقوبة و الذم و هو يكون على مستوى الدول و الجماعات و الأفراد و حقيقته الإعتداء على الآمنين بالسطو من قبل دول مجرمة أو عصابات أو أفراد بسلب الأموال و الممتلكات و الإعتداء على الحرمات و إخافة الطرق خارج المدن و التسلط على الشعوب من قبل الحكام الظلمة من كبت الحريات و تكميم الأفواه و نحو ذلك.
* إن المقصود من كل ذلك أن لا شيء عند العرب أو في تاريخهم أو ديانتهم يؤكد على وجود بدعة الإرهاب التي إكتشفها الغرب و ألصقها بالعرب و المسلمين بشكل خاص.
فالمسلم من المنظور الغربي أضحى رمزا للإرهاب فكل من يدافع من أجل حرية و استقلال بلده و الدفاع عن النفس و الحقوق المشروعة يسمى أيضا إرهابا في حين يسمى العمل الإرهابي الذي يمارسه الأقوياء و المحتلون ضد الضعفاء حماية للأمن و مكافحة الإرهاب فيتحول الضحية مجرما و إرهابيا…و يوصف من يمارس الإرهاب من الأقوياء حاميا للأمن و السلام(4).
*الدلالة الإصطلاحية لمفهوم الإرهاب:
لقد حاول أساتذة القانون و العلوم السياسية عبر العقود الأخيرة لهذا القرن تحليل ظاهرة الإرهاب و العنف إلا أنهم لم يتوصلوا إلى حل نهائي لتحديد مفهوم الإرهاب بشكل منطقي جامع و مانع لذلك إرتأينا تقسيم تعاريف الإرهاب إلى:
تعاريف سياسية: كثيرة جدا منها:
*معجم علم السياسة:
الإرهاب هو استعمال العنف لغايات سياسية بممارسات خارجة عن القانون و عن اختصاص الدول بالمحافظة عليه على الساحة الدولية هكذا يساهم الإرهاب بنشر العنف السياسي و ينزع إلى إثارة التساؤلات حول طبيعة العلاقات الدولية(5).
* معجم روبير:
الإرهاب هو الإستخدام المنظم لوسائل استثنائية للعنف من أجل تحقيق هدف سياسي كالإستيلاء أو المحافظة أو ممارسة سلطة و على وجه الخصوص فهو مجموعة من أعمال تنفذها منظمة سياسية للتأثير على السكان و خلق مناخ بإعدام الأمن (6).
أما واردلو Wardlaw فيعرفه بأنه استخدام العنف أو التهديد باستخدامه من فرد أو جماعة تعمل إما لصالح سلطة قائمة أو صدها عندما يكون الهدف من ذلك العمل و هو خلق حالة من القلق الشديد لدى مجموعة من الضحايا المباشرة للإرهاب و إجبار تلك المجموعة على الموافقة على المطالب السياسية لمرتكبي العمل الإرهابي (7).
و عموما تركز التعاريف السياسية لمفهوم الإرهاب على أن استخدام القوة أو العنف يكون بهدف رئيسي هو تحقيق أغراض سياسية.


تعاريف اجتماعية:
على اعتبار أن الإرهاب يمس جوانب عدة لا يمكن حصرها فقط في الجانب السياسي فإن للجانب الإجتماعي دور مهم في ظاهرة الإرهاب و قد صنفت تعريفات ذات علاقة مباشرة مع المجتمع و السكان منها:
* موسوعة علم السياسة:
الإرهاب هو كل عمل أو وسيلة يستخدم القوة المادية و النفسية لإشاعة الذعر و الهلع و إزهاق أرواح الناس الأبرياء و يجردهم من أرضهم و ممتلكاتهم و يعرضهم للإبادة الجماعية بدون وجه حق أو أي مسوغ قانوني أو تشريعة سماوية يقوم به الفرد أو جماعة أو دولة بهدف تحقيق أغراض سياسية أو غير سياسية(8).
أما وولتر Walter الإرهاب بأنه عملية رعب تتألف من 3 عناصر: فعل العنف أو التهديد باستخدامه و ردة الفعل العاطفية الناجمة عن أقصى درجات خوف الضحايا أو الضحايا المحتملة و اخذ التأثيرات التي تصيب المجتمع بسبب العنف أو التهديد باستخدامه و الخوف الناتج من ذلك (9).
كذلك تناول أدونيس العكرة: الإرهاب و يعرفه بأنه منهد نزاع عنيف يرمي الفاعل بمقتضاه و بواسطة الرهبة الناجمة عن العنف إلى تغليب رأية سياسي أو إلى فرض سيطرته على المجتمع أو الدولة من أجل المحافظة على علاقات اجتماعية عامة أو من اجل تغييرها أو تدميرها.
و عليه فإن التعاريف الإجتماعية لمفهوم الإرهاب مست كل ما له علاقة بالأفراد و المجتمع بدأ من إثارة الخوف و الذعر…….وصولا إلى بعض التأثيرات الناجمة عنه.
تعاريف إديولوجية:
كما لأهمية البواعت السياسية و الإجتماعية في ارتكاب الإرهاب فإن للبواعت الإديولوجية دورا مهم أيضا في القيام بفعل إرهابي و قد قدم الفقيه بسيوني بتعريف حديث للإرهاب حيث يعتبره استراتيجية عنف محرم دوليا تحفزها بواعث عقائدية (إديولوجية) أو تتوخى إحداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة من مجتمع معين لتحقيق الوصول إلى السلطة أو للقيام بالرعاية لمطلب أو لمظلمة بغض النظر عما إذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل انفسهم أو نيابة عنها أو نيابة عن دولة من الدول.
أما د. نبيل حلمي يعرف الإرهاب بأنه استخدام غير مشروع للعنف أو التهديد به بواسطة مجموعة أو دولة ضد فرد أو جماعة او دولة ينتج عنه رعب يعرض للحظة أرواحا بشرية أو يهدد حريات أساسية و يكون الغرض منه الضغط على الجماعة او الدولة لكي تغير سلوكها (أفكارها) اتجاه موضوع ما.
و أيضا في محاولة للتركيز على الناحية الإديولوجية أو الإستراجية للظاهرة يعرف تورك (Turk) الإرهاب بأنه إديولوجية أو استراتيجية تبرر الإرهاب الفتاك أو غير الفتاك بقصد ردع المعارضة السياسية بزيادة الخوف لديها في طريق ضرب أهداف عشوائية. (10)

تعاريف إقتصادية:
هناك تعاريف اقتصادية التي تدخل في الفعل الإرهابي بمنعى الأفعال الإرهابية التي تدخل في مسار اقتصادي هي كل تلك الأحادث المتصلة بالأشياء المادية قصد التدمير أو التخريب أو الإفساد سواء الأموال أو الممتلكات الخاصة أو العامة و قد عرف د. عبد العزيز سرحان الإرهاب على أنه:
كل اعتداء على الأرواح و الأموال و الممتلكات العامة أو الخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي العام بمصادرة المختلفة بما في ذلك المباديء الأساسية لمحكمة العدل الدولية و يعتبر أن الإرهاب يرتكز على الإستعمال غير مشروع للقوة(11).
*موسوعة أشهر الإغتيالات السياسية في العالم:
الإرهاب هو الإستخدام الإنساني للقوة و عمل موجة إلى الأشياء بقصد تدميرها أو إفسادها أو تخريبها أو السيطرة عليها (12).
و عموما فإن العمل الإرهابي هو كل عمل يرتكب لتحقيق غاية سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو إيديولوجية أو دينية و هذا ما ذهب إليه إيريك ديفيدEric David
على أن الإرهاب هو أي عمل من أعمال العنف المسلح الذي يرتكب لتحقيق أهداف سياسية أو فلسفية أو إديولوجية أو دينية.
الهوامش


1- الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي : معنى الإرهاب و حقيقتهwww.Albalagh.com
2- رغم كل ما قيل عن الإرهاب ……ما الغموض قائما صحيفة الشرق الأوسط
www-Asharqalawsat.com
3- الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي : معنى الإرهاب وحقيقته : مرجع سابق
4- الإرهاب كما وصفه الإسلام: www.Albalagh.com
5- غي هرميه – برتراند بادي – بيار بيزنيوم ، فليب بيرو:معجم علم السياسة و المؤسسات السياسية (عربي ، فرنسي،إنجليزي) هيثم اللمع : بيروت ، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ، الطبعة الأولى ، السنة 2005 م ، ص(43) .
6- هناك تعريف لكل من : لاروس الفرنسي : هو مجموعة أعمال العنف التي ترتكبها جماعات ثوربة أو أسلوب عنيف تستخدمه الحكومة أما أوكسفورد : هو استخدام العنف و التخويف بصفة خاصة لتحقيق أغراض سياسية .
7- أحمد محمد رفعت ، صالح بكر الطيار :الإرهاب الدولي باريس ، مركز الدراسات العربي الأوروبي ، الطبعة ال,لى ، السنة 1998 ، ص(216 ،217 ).
8- ناظم عبد الواحد الجاسور : موسوعة علم السياسة عمان ، دار المجدلاوي ، للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى ، السنة 2004 ،ص(47 ).
9- أحمد محمد رفعت صالح بكر الطيار: الإرهاب الدولي : مرجع سابق ص218 .
10- نفس المرجع ص(224) .
11- نفس المرجع ص(221).
12- فهد الساكت : موسوعة أشهر الإغتيالات السياسية في العالم ،عمان ، دار اسامة للنشرو التوزيع ، الطبعة الأولى السنة 2000 ص(8) .