الحماية الجنائية لمعلومات و بيانات الحاسب الآلي


بين أحكام القانون المصري والمقارن


إن مقومات النظام الآلي من معلومات وبيانات مما يعد مالاً بالضرورة , حيث يمكن على كل حال ترجمة تلك المعلومات إلى قيمه مالية أو على الأقل يمكن استغلالها ماليًا, حيث أن القابلية للاستغلال المالي لا تعني أنها واردة على شيئًا يعتبر مالاً في ذاته , وإنما فقط يمكن استغلاله ماليًا, حيث أن هذه البيانات قد يكون غير متاح الحصول عليها للجميع , ولكن يمكن ذلك فقط بمقابل مادي محدد من قبل مالكها, وعلى ذلك فإن الحصول عليها عنوة بأي طريقة بغير رضاء من له الحق في تقاضي مقابل عنها يكون في حقيقته سرقة للمنفعة .


وحيث أن قانون العقوبات المصري في المادة 311 منه لم يشترط أن ينصب فعل الاختلاس المكون للركن المادي لجريمة السرقة على محل مادي , لذلك تصلح الأشياء غير المادية والمعنوية كالمعلومات أن تكون موضوعًا لجريمة السرقة , وذلك حتى لا تجرد هذه الأشياء من الحماية القانونية مما يفتح المجال واسعًا للاعتداء عليها , ولما كان المشرع لم يشر في نص المادة 311 عقوبات إلى الشئ أو المال محل السرقة مما يفيد بأن طبيعة هذا المحل لا يرد عليها أي قيد أو تخصيص من المشرع ويستوي لديه بالتالي أن تقع السرقة على أشياء مادية أو معنوية , وبالتالي يشمل هذا المحل في جريمة السرقة كافة الأموال أو كل عناصر الذمة المالية حتى ولو كانت هذه الأموال غير مادية كقواعد البيانات طالما كانت تقبل الاختلاس , ووفقا لذلك تصلح قواعد البيانات وبرامج الكمبيوتر أن تكون محلاً لجريمة السرقة, باعتبارها طاقة ذهنية تقبل التملك والحيازة بذاتها من خلال الأسلاك التي تمر بها , كما أنها تقبل الانتقال , وهي لا تنتقل إلا بموافقة مالكها وهذه الموافقة يترجمها الرقم الكودي وكلمة السر حيث يعدان بمثابة المفتاح الذي يتحكم فيها , وعلى ذلك وبالرغم من أن تلك البيانات شئ غير مادي إلا أنها تصلح على هذا النحو لأن تكون محلاً لجريمة السرقة .


خاصة لو تمت معالجة تلك البيانات اليكترونيًا فتتجسد في كيان مادي يتمثل في نبضات اليكترونية أو إشارات اليكترونية ممغنطة يمكن تخزينها على وسائط ونقلها وبثها وحجبها واستغلالها ماليًا , فضلاً عن إمكانية تقديرها كميًا من حيث المبدأ وقياسها باعتبارها شيئا له وجود مادي محسوس .


وفي هذا الصدد حكمت محكمة بروكسل بأن البيانات المعالجة اليكترونيًا هي أشياء محسوسة ومادية يصح أن يرد عليها الاختلاس


ومن التطبيقات القضائية لتوافر القصد الجنائي في مجال الإجرام ألمعلوماتي قضت محكمة استئناف بروكسل كذلك في حكم لها صدر في ديسمبر 1986 "من توافر القصد الجنائي في حق متهم صنع بصورة غير مشروعة نسخًا احتياطية من برامج معلوماتية بغية حيازتها والاحتفاظ بها بسوء نية لاستعمالها بعد ذلك في أغراضه الشخصية "


ومن هذا المنطلق اتجه القضاء الفرنسي إلى وقوع جريمة السرقة بتصوير مستندات دون موافقة صاحبها على الرغم من ترك المستندات الأصلية


Cf .par.ex:crim 29 Avr 1986 , Jcp edG 1968 ,P .192


وقد كان اعتبار تصوير المستندات سرقة خطوة نحو اعتبار نسخ الشرائط الممغنطة ( الديسكات ) سرقة , فقد اتجهت أحكام القضاء الفرنسي إلى وقوع السرقة من المستخدمين في إحدى الشركات الذين قاموا بنسخ الديسكات الخاصة بتلك الشركة بدون موافقة صاحب الحق في ذلك


Crim . 12 Janv . 1989 , bull . crim n87 -82 , lamy




وكذلك اتجهت أحكام القضاء البلجيكي نفس الوجهة التي تبناها القضاء الفرنسي عندما اعتبر أن نسخ المعلومات مشكلاً لجريمة السرقة


Anvers , Bdec,1984 , T.corr. Bruxelles ,31 Janv


1986,T.corr . Bruxelles Bmai 1988





وأيضًا وصفت الدائرة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية , نقل الوثائق بالتصوير بالسرقة


كما أن محكمة جنح مونبيليه في حكم شهير لها صادر بتاريخ 26/8/1978 اعتمدت مبدأ سرقة المعلومات بإدانة مبرمج معلومات قام بإعادة نسخ برنامج قام بتأليفه لإحدى المنشآت

وفي الولايات المتحدة الأمريكية حكمت محكمة ولاية تكساس بمعاقبة أحد العاملين السابقين في إحدى شركات الكمبيوتر على جريمة سرقة بعض برامج الكمبيوتر وبيعها في إحدى الشركات المنافسة , وفي معرض تسبيبها للحكم قررت المحكمة بأنه يتعين رفض حجة المدعي من أن قانون ولاية تكساس يعاقب على جريمة سرقة الأشياء المملوكة إذا بلغت خمسين دولار , وأن الجريمة لذلك لم تتوافر لأن قيمة الشرائط التي سجلت عليها برامج الكمبيوتر لا تساوى أكثر من خمسة وثلاثين دولار , حيث أن القيمة الحقيقية للبضائع المسروقة لا تتمثل في هذه الشرائط وإنما فيما تحتويه من معلومات وعليه فقد أسست المحكمة حكمها على أساس أن سرقة برامج الكمبيوتر كمعلومات يعد استيلاء على حق من حقوق الملكية بالمعنى الدقيق .


وعلى ذلك يتضح أن البرامج والبيانات تصلح لأن تكون محلا للاختلاس بوصفها " خلق فكري " وأن النسخ يعد بالنظر إلى طبيعة البيانات المخزنة اليكترونيا طريقة يمكن لاختلاسها لأن الاستيلاء يتحقق به .


وهذا ما تجري عليه كذلك أحكام القضاء الفرنسي , وخاصة الحكم الصادر من محكمة النقض الفرنسية المعروف باسم borquin , والتي تتلخص وقائعه في قيام عاملين من عمال مطبعة بوركان قاما داخل المطبعة وبأدواتها بتصوير سبعة وأربعين شريطًا أخرى وقاما بتصويرهم خارج المطبعة وعلى ماكيناتهم الخاصة بهدف إنشاء شركة منافسة جديدة فيما بعد , وقدما للمحاكمة بتهمة السرقة , وصدر الحكم بإدانتهم فأيدت محكمة النقض الفرنسية هذا الحكم لتوافر جريمة السرقة ضدهما , والتي تتمثل في سرقة بعض الشرائط وفي سرقة المحتوى ألمعلوماتي للبعض الأخر , وذلك مدة الوقت اللازم لنسخ هذه المعلومات , وذلك يعد بلا شك اتجاه صريح من محكمة النقض الفرنسية بصلاحية البرامج والبيانات بالرغم من طبيعتها المعنوية لأن تكون محلا للاختلاس ذو الطبيعة المادية .


حيث أن قيام الجناة بنسخ برامج وقواعد بيانات دون رضاء مالكها فعل يتحقق به ركن الاختلاس في جريمة السرقة , وذلك لأن الاستيلاء عليها يتحقق واضحًا جليًا فيما يرتبه النسخ من وقوع البيانات حقيقة وبكل فوائدها ومزاياها الاقتصادية وغيرها تحت سيطرة المتهمين فيصبح بمقدورهم التصرف فيها بحرية وتوجيهها , وبها يظهر المتهمون بمظهر المالك ويغتصبون سلطة مالكها في ذلك بتجريد البيانات من الذمة المالية للشركة .


وتأييداً لذلك حكمت محكمة النقض الفرنسية أيضًا في حكمها الصادر في قضية Logolixa سنة 1979 و التي قررت فيه بأن " إعادة إنتاج مستندات بدون علم ورضاء مالكها يشكل جريمة سرقة , لأن مرتكب هذا الفعل وكان مستخدمًا بأحد المشروعات نسخ عن طريق تصوير مستندات سرية تحتوى على خطة هيكلة المشروع يكون قد استولى بطريق الغش على هذه البيانات "


ولما كانت قواعد البيانات المعالجة اليكترونيا تعد مالاً بطبيعة الحال باعتبار أن لها قيمة اقتصادية تستحق الحماية القانونية , بالرغم من كونها غير محسوسة , ولكن يمكن ترجمتها في كيان مادي حين تراها شيئًا ماديًا ملموسًا حين تترجم على شاشات الحاسب الآلي في صورة أفكار , وحين تظهر في صورة أوراق مطبوعة , وبالتالي فإن تلك البيانات والمعلومات والتي تنتقل عبر الأسلاك عن طريق انتقال نبضات ورموز تمثل شفرات تتحول إلى معلومات معينة لها أصل يمكن سرقته والاستيلاء عليه وبالتالي فإن لها كيان مادي .


وقياسًا على ذلك فإن محكمة النقض في كلا من فرنسا ومصر قد استقرت على أن الكهرباء وإن كانت غير ملموسة , فإنها قابلة للسرقة وذلك باعتبار أن الكهرباء لها كيان مادي إذ تسري في الأسلاك التي تمر من خلالها وعلى ذلك يمكن اختلاسها , وانطباق نصوص السرقة عليها . حيث أن حقيقة التشابه بين سرقة المعلومات والبيانات وبين سرقة التيار الكهربائي , يكمن في أن كليهما ليس له مادية الأشياء الملموسة .


وتأسيساً على ذلك فإن قواعد البيانات تكون ملك لصاحبها وله هي وحده الحق في الاستئثار بها , وذلك بعد أن يمنع الغير من الحصول عليها بتأمينها بكلمة السر وبرامج حوائط المنع واستخدام تقنيات التشفير , بما يؤكد أنها جديرة بالحماية القانونية الجنائية , وتصلح لأن تكون بذاتها محلا لجريمة السرقة .