يتزايد في وقتنا الحاضر يوماً بعد يوم استخدام بطاقات الدفع كوسيلة حديثة من وسائل الوفاء بدلاً من تداول النقود، وبدأت البطاقات تتفوق علي وسائل الوفاء التقليدية لما توفره من حماية ومزايا لحاملها. وتدل الإحصاءات على تزايد حجم إصدار البطاقات وزيادة المعاملات التي تتم بواسطتها، وقد صاحب هذه الزيادة تزايد حالات استخدام البطاقات بطريق غير مشروع، الأمر الذي يدفع مصدري البطاقات إلى الاستمرار في تطوير نظام الدفع بالبطاقة للحد من الاستخدام غير المشروع لها. غير أن هذا التطوير والتحديث لم ينجح في الوقاية نهائياً من الاستعمال غير المشروع للبطاقة، كما أن المسؤولية المدنية وحدها لا تكفي لردع من تسول له نفسه استعمال بطاقة الدفع بشكل غير مشروع، فلا بد من وجود حماية جنائية تحمي الثقة التي يوليها الجمهور في هذه الوسيلة الجديدة.
وقد تدخل المشرع في بعض الدول بوضـع نصوص جنائية محددة لمواجهة صورة أو أكثر من صور الاسـتخدام غير المشروع للبطاقة، في حين لم يتدخل المشرع في الكثير من الدول ـ ومن بينها مصر والمملكة العربية السعودية ـ بوضـع حماية خاصة لتلك الوسيلة الجـديدة من وسائل الوفاء؛ ما دفع الفقه والقضاء إلى محاولة استخلاص الحماية الجنائية لبطاقات الدفع من خلال النصوص الجنائية الموجودة، فإلي أي مدي تكفل تلك النصــوص حماية بطاقــة الدفع، في ضوء مبدأ شرعية الجـــرائم والعقوبات الذي يعتــبر حجر الزاوية في أي تشريع جنائي ومضمونه حصر مصادر التجــريم والعقاب في نصوص القانون Ni infraction، ni peine، sans texte؛ فتحديد الأفعال التي تعد جرائم وبيان أركانها وتحديد العقوبات المقررة لها سواء من حيث نوعها أو مقدارها، كل ذلك من اختصاص المشرع، وليس للقاضي شأن في ذلك. فالقاضي لا يستطيع أن يعتبر فعلا معيناً جريمة إلا إذا وجد نصا جرم فيه المشرع هذا الفعل، فإن لم يجد هذا النص فلا سبيل إلى اعتبار الفعل جريمة ولو اقتنع بأنه مناقض للعدالة أو الأخلاق أو الدين أو ضار بالمجتمع أبلغ الضرر
لذلك سوف نستعرض في هذا البحث المسؤولية الجنائية عن الاستخدام غير المشروع للبطاقة في مطلبين علي النحو التالي:
المطلب الأول: المسؤولية الجنائية لحامل البطاقة

يمكن القول إن الاستعمال المشروع للبطاقة هو الاستعمال الذي يتم بواسطة الحامل الحقيقي لبطاقة صحيحة وفقا لشروط عقد إصدار البطاقة المبرم بين الحامل والمصدر. ويتحقق الاستعمال غير المشروع لبطاقة الدفع من قبل حاملها في حالتين الأولى عندما يتعسف في استعمالها والثانية تتمثل في استعمال الحامل للبطاقة مع عدم صلاحيتها.
ويتحقق الاستعمال التعسفي بقيام الحامل باستعمال البطاقة في السحب من جهاز الصرف الآلي أو للوفاء بثمن المشتريات لدى التجار مع أن حسابه المصرفي – الذي تقوم البطاقة بتشغيله – لا يوجد به رصيد أو به رصيد غير كافي.وقد أثير جدل فقهي وقضائي في فرنسا حول التكييف القانوني لفعل الحامل فمنهم من ذهب إلى تكييف نشاط الحامل بأنه جريمة سرقة كما ذهب البعض إلى تكييف نشاط الحامل بأنه جريمة نصب وذهب آخرون إلى تكييف نشاط الحامل بأنه جريمة خيانة أمانة، وقد حسمت محكمة النقض الفرنسية هذا الجدل حين قضت في 24/11/1983 بأن قيام حامل البطاقة بسحب مبلغ من النقود من أجهزة الصرف متجاوزا في ذلك الرصيد الدائن الموجود في حسابه لا يعدو أن يكون مجرد إخلال بالتزام تعاقدي ولا يقع تحت أى نص من نصوص قانون العقوبات.
يتحقق الاستعمال الاحتيالى للبطاقة من قبل حاملها في ثلاث حالات: استعمال الحامل للبطاقة بعد انتهاء صلاحيتها، والثانية استعمال الحامل للبطاقة بعد إلغائها من جانب المصدر، أما الثالثة فتتحقق عند استعمال الحامل للبطاقة بعد إبلاغه المصدر بفقدها أو سرقتها. وقد ذهب الفقه والقضاء إلى تكييف نشاط الحامل في الحالتين الثانية والثالثة بأنه جريمة نصب.
المطلب الثانى: المسؤولية الجنائية للغير

تتعدد صور الجرائم المتعلقة بنظام بطاقات الدفع التي يتصور ارتكابها من قبل الغير، ويمكن رد هذه الجرائم من ـ وجهة نظرنا ـ إلى طائفتين: جرائم متعلقة بالبطاقة ذاتها أى تكون البطاقة ذاتها محل الجريمة مثل سرقة أو تزوير البطاقة وجرائم متعلقة بالاستعمال غير المشروع للبطاقة وتتمثل في استعمال الغير للبطاقة المفقودة او المسروقة واستعمال البطاقات المزورة.
وقد لاحظنا من خلال دراستنا أن التشريعات العقابية بها ما يمكن انطباقه علي حالات الاستعمال غير المشروع للبطاقة، وقد حاول الفقه والقضاء في فرنسا توفير حماية جنائية فعالة لبطاقات الدفع عن طريق تطبيق النصوص التقليدية. ورأينا كيف انقسمت المحاكم الفرنسية فيما بينها فما يتعلق بتحديد الوصف القانوني الذي ينطبق علي الحالة المعروضة. أما القضاء المصري فلم يقل كلمته بعد لقلة القضايا المعروضة التي صدرت فيها أحكام غيابية من أول درجة ولم تسبب تسبباً كافياً يكشف عن موقفه.
وقد جرم المشرع الفرنسي في المادة 11 من القانون 91 ـ 1382 الصادر في 30 ديسمبر 1991 بعض صور الاستعمال غير المشرع للبطاقة وهي تقليد أو تزوير بطاقة من بطاقات السحب واستعمال أو محاولة استعمال البطاقة المقلدة أو المزورة وقبول الوفاء عن طريق بطاقة دفع مقلدة أو مزورة مع العلم بذلك.
لذلك نري وجوب أن تحظي بطاقات الدفع بحماية قانونية جنائية على غرار ما فعل المشرع بالنسبة إلى الشيك. ويمكن تحديد الأفعال موضوع التجريم في الآتي:
· تقليد أو تزوير بطاقات الدفع.
· استعمال بطاقة مقلدة أو مزورة.
· قبول استعمال بطاقة مقلدة أو مزورة.
· صناعة أو بيع أو عرض للبيع أو حيازة أدوات أو آلات أو خامات مما يستعمل في تصنيع البطاقات بغير مسوغ قانوني.
· صناعة أو بيع أو عرض للبيع أو حيازة الأدوات والآلات الخاصة بنظام الدفع بغير تصريح قانوني.
· استخدام بطاقة صحيحة أو ملغاة أو منتهية في سحب مبالغ تجاوز الرصيد أو في الوفاء لدى التجار مع عدم وجود رصيد.

لأن الاعتراف ببطاقة الدفع كأداة للدفع شأنها في ذلك شأن الشيك يستوجب خضوعهما معا لذات الحماية الجنائية.