دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: د. هايل نصر : من أخطاء القضاء الفرنسي l’erreur judiciaire

  1. #1

    افتراضي د. هايل نصر : من أخطاء القضاء الفرنسي l’erreur judiciaire

    [align=justify]
    إلحاقا بمقالنا السابق" الإعدام ضرورة جزائية أم ثار وانتقام" رأينا من المفيد الإشارة إلى الخطأ القضائي ونتائجه الخطيرة, وخاصة في حالة بقاء عقوبة الإعدام. فالقضاء في فرنسا, على سبيل المثال, عرف خلال تاريخيه أخطاء لم تزل في أذهان الفرنسيين كوصمة في حضارة اعتزوا بها. كما يعرف اليوم, وكل يوم, أخطاء كبيرة. وسوف نشير إلى قضيتين حديثتين هما قضية عمر رداد . وقضية واترو Outreau على التوالي, بعد الحديث الموجز عن الخطأ القضائي.
    الإنسان خطاء, والقضاة الذين يمارسون مهام القضاء بشر. وعليه فليس من المستغرب وقوع بعضهم في الخطأ لدى قيامهم بمهامهم. ولكن الخطأ القضائي ليس ككل الأخطاء, نظرا لصدوره عن ممثلي العدالة, ولما يتركه من أضرار تطال المتقاضين في حياتهم, وحرياتهم, و أموالهم..وقد يُوقع سوء طالع إنسان بريء, يملك كل صفات الشرف والنزاهة والاحترام, ضحية لخطا قضائي, فتدمر حياته بكل جوانبها المعنوية, والمادية, والعائلية, والاجتماعية, مما قد يوصله, والأمثلة كثيرة, للانتحار. وقد يفقده حياته في حالة وجود عقوبة الإعدام وتطبيقها. ألا تعتبر عندها الدولة مجرمة بارتكابها جريمة قتل.
    الخوف من الوقوع في الخطأ القضائي يقلق القاضي مهما كانت درجته, وفي كل مراحل عمله, فيحرص كل الحرص على عدم حدوثه. ومع ذلك فهولا يصدر عن القاضي لمجرد كونه إنسان, أو لان تكوينه المهني قد يؤدي حتما إلى ذلك . فأزمة القضاء, التي هي بطبيعة الحال أزمة الدولة, تساهم في ذلك وتقود إليه. هذه الأزمة التي تثار من قبل رجال القضاء أنفسهم, وخاصة بعد كل خطأ يقع فيه القضاء في دولة القانون ــ في غيرها لا يعلم احد متى يخطئ القضاء ومتى يصيب ــ. ومن الأسئلة التي تطرح نفسها عند التحدث عن الخطأ مسألة العدالة بمجملها:
    هل العدالة بشكلها الحالي قادرة على الاضطلاع بالنظر والفصل في القضايا المتعددة والمتنوعة والمعقدة التي يخضعها المجتمع الحديث لاختصاصها ؟ تكوين القضاة واختيارهم وطرق تعينهم. بناء القضاء. المحاكم و مجالس القضاء les cours ودرجات التقاضي. الإجراءات الزجرية في القضاء الجزائي. الإجراءات الجزائية وأصول المرافعات. النيابة العامة. طرق الدفاع.. قضاء التحقيق. الشرطة القضائية في الاستجواب الأولي وأساليب عملها . أليس أي خلل في سير ملف القضية أمام هذا الجهاز القضائي المعقد سيؤدي للخطأ القضائي في الحكم آو القرار في مرحلته الابتدائية premier ressort أو النهائية dernier ressort ؟ .
    عندما كانت السلطتين, الروحية والزمنية في العصور القديمة مندمجتين, لم تكن العدالة إلا فيض من الله. في مثل تلك الدولة لا يمكن أن يسمح بالحديث عن الخطأ القضائي لان العدالة معصومة infaillible. وابتداء مما عرف بعصر الأنوار بدأت الأمور تعرف تغيرا فيما يتعلق بمفهوم الدولة والسلطة والعدالة, فأزيلت العصمة عن هذه الأخيرة.
    وتعتبر حملة فولتير القوية لإعادة الاعتبار لذكرى كالاس ولعائلته, وكتابات غيره في نفس الفترة بدايات التصدي للخطأ القضائي. أعقبها فيما بعد حملات أصحاب أقلام مشهورة وجرئيه تدافع عن القضايا العادلة دون النظر إلى أصحابها, وبقدر خطورة انتهاك حقوق الإنسان كان منهم عنف الرد والشجاعة في تحمل المسؤولية.
    ونشير هنا سريعا إلى قضية جان كالاس Jean Calas التي تبقى كما يرى البعض مرادفة للخطأ القضائي.
    كالاس أب لعائلة بروتستانتية اتهم اثر انتحار ابنه بأنه قاتله وذلك حتى لا يعتنق الكاثوليكية. جناية قتل عمد نسبت إليه في 10 مارس 1762. بعد تعذيب وحشي اقتيد إلى مشنقة نصبت في ساحة الكابيتول في تولوز, ( ساحة جميلة كلما جلست في احد مقاهيها لشرب القهوة منذ 30 عاما, أرى بعد قراءتي لقضية كالاس, بأن هذه الساحة لم تكن على مثل هذا الجمال عبر كل تاريخها, و كأن شبح الضحية, القادم من الزمن البعيد, مازال يطل من خلف ستائر الحضارة الملونة بشتى الألوان, بما فيها اللون الأسود , ليقول بحشرجة كم من أبرياء مجهولين قتلوا أبشع قتل باسم العدالة وسيفها, وما خفي عنكم اشد وأعظم) وتحلق حوله عدد ممن يهوون مشاهد القتل الدموي. وقد استؤنف التعذيب بالدولاب لانتزاع الاعتراف بالقتل, وترك الجسد المحتضر بلحمه الممزق وعظامه المسحوقة لمدة ساعتين ليُخنق أخيرا وتُرمي الجثة في نار المحرقة الملتهبة المعدة لذلك. لقد اعدم كالاس لجريمة لم يرتكبها.
    هزت هذه القضية سكان تولوز, ونقلت وقائعها لفولتير الذي عمل خلال 3 سنوات بعزم حتى توصل إلى إثبات براءة كالاس وإعادة الاعتبار لذكراه ولعائلته. ومن أقواله في دفاعه عنه, مستنفرا المحامين وكل أصحاب الضمائر " إخواني الأعزاء تبين أن قضاة تولوز قد قتلوا أكثر الناس براءة. كل مواطني اللانكدوك Languedoc يئنون من هول ما حصل. حتى الأمم الأجنبية التي نعاديها ونحاربها شعرت بالخزي مما جرى. لم يحدث مطلقا, منذ أيام القديس بارتيلمي, شيئا مخز للطبيعة الإنسانية مثل هذا".
    بعد ذلك تم إعادة التحقيق في القضية, بناء على موافقة مكتب النقض في 1 مارس 1763 , وفي 7 مارس 1763 قرر مجلس الملك إعادة دراستها . وطلب إلى محكمة تولوز إرسال الوثائق المتعلقة بها. في 4 حزيران 1764 نقض مجلس الملك الأحكام الصادرة عن محكمة تولوز المتعلقة بهذه القضية. وقرر إعادة النظر في الدعوى. في 6 مارس 1765 تم النطق ببراءة جان كالاس مع إعادة الاعتبار لذكراه ولعائلته, ولكن دون إعادة الحياة له. (نذكر هذا لمن لم يقنعه كثيرا ما أوردناه في مقالنا السابق "عقوبة الإعدام ضرورة جزائية أم ثأر وانتقام").
    "قتل كالاس في تولوز بسيف العدالة في 9 مارس 1762 احد أكثر الأحداث الدموية التي يجب أن تجلب اهتمام جيلنا والأجيال التي ستعقبنا" فولتير.
    كما نشير لرسالة إميل زولا Zola Emile, بعنوان اتهم j’accuse , إلى رئيس الجمهورية الفرنسية Félux Faure في 13/01/1898 للدفاع عن دريفيس الضابط الفرنسي من أصل يهودي الذي وقع ضحية خطا قضائي, والتي لا تعتبر فقط من روائع ما كُتب في الأدب, وإنما كذلك من أروع ما يحمله الإنسان المتنور من إنسانية ومن إصرار على الدفاع عن هذه الإنسانية. فقد جاء فيها, : " سيدي الرئيس أي لطخة من الوحل على اسمك ـ اقصد فوق مقامك ـ قضية دريفيس هذه..سيكتب التاريخ أن هذه الجريمة المنكرة حدثت في عهدك".." الحقيقة سوف أقولها, لأني وعدت بقولها, فإذا كان القضاء الذي عُرضت عليه القضية بشكل قانوني لم يقلها كاملة فان واجبي أن أتكلم, فانا لا أرضى أن أكون متواطئا. عندها ستكون ليالي مسكونة بشبح البريء الذي يتعرض للتعذيب الأليم لجريمة لم يرتكبها". وكتب بعدها رسالة مواساة إلى دريفيس نفسه في 6/7/1899 بعنوان " ستعود فرنسا ارض الإنصاف والطيبة".
    أما اليوم وفي ظل العدالة غير المعصومة faillible وحتى ولو أن عبارة الخطأ القضائي غير معترف بها في نص القانون الذي فضل عليها عبارة " إلغاء الإدانة" يعرف الخطأ القضائي عادة على انه خطأ في الوقائع ترتكبه محكمة حكم في تقديرها لجرمية culpabilité شخص ملاحق قضائيا. والسلطة القضائية هي وحدها التي تعترف بوجود مثل هذا الخطأ.
    والخطأ القضائي في معناه الواسع, كما يراه البعض ومنهم دومينيك فال يخص كل القرارات المشوبة بخطأ, والصادرة عن المحاكم, عندما تصبح هذه القرارات غير قابلة لأي طعن عادي. وبهذا لا يتعلق الخطأ القضائي بالقرارات décisions الصادرة في الدرجة الأولى , لأنه طالما هناك إمكانية للاستئناف فان المتقاضي ضحية الخطأ يمكنه سلوك الإجراءات العادية , أي أن المحكمة التي تصدر قرارها في الدرجة النهائية تكون في أصل الخطأ, 2006 Grandes erreurs judiciaires, éd. PRAT
    ويحب التمييز بين أن يكون المتقاضي ضحية قرار قضائي غير عادل, أو غير عادي, صادر عن المحاكم المدنية, فمثل هذه القرارات لا تعتبر خطا قضائيا بالمعني الخاص بالخطأ القضائي. فالخطأ القضائي هو ما ينتج القرارات الصادرة عن محاكم الجزاء. و يرتكب في حالة قيام محكمة خطا بإدانة بريء بقرار نهائي دون أن يكون هناك إمكانية للطعن العادي فيه.
    قبل قانون 15 جوان/حزيران 2000 لم يكن من المستطاع الاستئناف ضد قرارات المحاكم الجنائية cour d’assises, رغم خطورة القضايا من هذه الطبيعة, والصادرة عن 3 قضاة مهنيين professionnels و 9 محلفين شعبيين. يتخذ فيها قرار الإدانة أو التبرئة بأغلبية 8 أصوات على الأقل. ولكن بعد القانون المذكور أصبح بالمستطاع إعادة المحاكمة في نفس القضية في محكمة جنايات أخرى بمحلفين جدد وعددهم هذه المرة 12 محلفا. ويعتبر هذا القانون خطوة لتجنب الوقوع في الخطأ القضائي.
    من الطبيعي أن تهدف القرارات الجزائية معاقبة المجرمين, وان تقود كل الإجراءات إلى هذا, ولكن في الواقع لا تجري الأمور دائما بسهولة. فحين ينكر المتهم الوقائع Les faits المنسوبة إليه, وحين يكون من الصعوبة, أو حتى الاستحالة, أن يجد القضاة في ملف القضية اليقين القاطع لارتكاب المتهم الجريمة المنسوبة إليه, وحين تكون أقوال الشهود غير واضحة أو حتى متناقضة, وان لا يتم العثور على أداة الجريمة ,وان تأتي الخبرة العلمية المقدمة متناقضة أحيانا, أو لا تؤكد أو تنفي التورط في التهمة المنسوبة للمتهم. في هذه الحالة هل تتم إدانة المتهم أم تبرئته؟
    هذا ما يواجه القضاة. فمن غير المقبول لديهم المخاطرة بإدانة شخص دون التأكد الكامل من تورطه في الجريمة. فحسب مبدأ تفسير الشك لصالح المتهم , يلجأ القضاة إلى التبرئة, حسب المقولة المعروفة رؤية مجرم طليق أفضل مئة مرة من رؤية بريء مسجون. ونضيف في حالة رؤيته معلقا بحبل المشنقة هل هناك مقياس للتفاضل؟.
    لا يمكن لمقالة محدودة الادعاء بعرض كل الأسباب التي تؤدي للخطأ القضائي وإنما يمكنها مع ذلك الإشارة السريعة لبعضها :
    ـ احتفاظ الشرطة بالشخص , ولو لمدة قصيرة, لاستجوابه
    وهو ما يعرف garde à vue (و يختلف عن التوقيف الاحتياطي أو المؤقت détention provisoire). فقبل عرضه على القاضي و فتح دعوى التحقيق ضده ( أي قبل أن يصبح في وضع mise en examen , هذه العبارة حلت منذ عام 1993 محل كلمة المتهم inculpé أمام قضاء التحقيق ), يكون مركز الشرطة أو الدرك أول من بدا الاستماع إليه حول الوقائع المفترض تورطه بها, جاهدا للحصول منه على الاعتراف الذي, رغم اعتباره سيد الأدلة reine des preuves , لا يعكس دائما الحقيقة. فكثيرا ما بين تاريخ القضاء أن الاعتراف لم يكن دائما معبرا عن الحقيقة. فقد يحصل أن يكون للتستر على شخص آخر. أو صادر عمن هو غير متزن نفسيا أو عقليا. أو نتيجة لظروف مكان الحجز وطرق هذا الحجز. ويبقى ذلك صحيحا رغم كل الإجراءات والضمانات القانونية الهادفة لتلافي العيوب في فترة الحجز هذا. (تختلف المصطلحات القانونية بين بلد عربي وآخر)
    ـ قضاء التحقيق.
    يعتمد النظام القضائي الفرنسي إجراءات التحقيق الجنائي inquisitoire الذي يختلف كليا عن النظام الانكلو ـ سكسوني الذي يطبق الإجراءات الاتهامية accusatoire في طريقة جمع الأدلة حيث على كل طرف أن يقوم بجمع الأدلة, وتعيين الخبراء, وبالتحقيقات الخاصة.
    في حين أن قاضي التحقيق في فرنسا هو المكلف بالقيام بهذا كله. وان بدا ظاهريا أن هذا النظام يقوم على المساواة بين الاتهام والدفاع, فان هذه المساواة تبقى شكلية في عدم المساواة في الإمكانيات المادية.
    ويعتبر قاضي التحقيق القاضي الأكثر إثارة للجدل في فرنسا. فهو قاضي منفرد يزج في السجون المجرمين والأبرياء, إلى أن جاء قانون 15 جوان 2000 , ودخل حيز التنفيذ في 1 جانفي/ كانون ثاني 2001 فنزع منه اختصاص الأمر بالحبس الاحتياطي, أو إطلاق المشتبه فيه, وأعطاه لقاض أخر هو قاضي الحريات والحجز juge des libertés et de la détention
    ومع ذلك فقاضي التحقيق وحده المكلف بالملف, وهو الذي يقوم بالاستجواب, ويقرر المواجهة, ويطلب تأكيدات إضافية ..وهو وحده الذي يجمع وينسق عناصر الاستجوابات المختلفة, والبحث, وهو الذي يقرر عدم وجه المحاكمة non-lieu أو الإحالة على قضاء الحكم. هذه الصلاحيات الواسعة دعت وتدعو كبار القضاة, وقضاة النيابة, للمطالبة بإصلاح قضاء التحقيق وحتى بإلغائه.
    المتهم بريء حتى تثبت إدانته من قبل محكمة مختصة. أليس في إيداع المتهم السجن بجنحة أو جناية, قبل إدانته من المحكمة, مخالفة لهذا المبدأ الذي يدعو لإبقاء المتهم طليقا إلى حين ثبوت الإدانة؟.
    لقد وضع المشرع تحت تصرف القضاة إمكانية حبس المتهم احتياطيا في انتظار محاكمته وذلك لمقتضيات التحقيق. على أن يبقى هذا الإجراء استثناء. لان حبس شخص تفترض براءته مخاطرة بتجريد بريء من حريته لمدة شهور. ويرى الفرنسيون في قضية اوترو مثلا محزنا ومؤلما.
    ومع ذلك فمن الصعب على القضاة التخلي عن إجراءات الحبس الاحتياطي حتى لا يهرب المجرم أو أن يلجأ إلى إخفاء الأدلة, أو تهديمها, أو إثارة الاضطراب في النظام العام. وحسب المادة 1ـ 143 من قانون الإجراءات الجزائية لا يأمر بالحبس الاحتياطي إلا في حالتين:
    1ـ أن يكون الشخص المطلوب فتح الدعوى ضده mis en examen معرض لعقوبة جنائية.
    2ـ أن يكون الشخص المطلوب فتح الدعوى ضده معرض لعقوبة جنحية مدتها 3 سنوات أو أكثر.
    ومع أن التجاوزات من قضاء التحقيق وغيره, تعتبر خللا وظيفيا, ولا تصنف على أنها أخطاء قضائية فهي مع ذلك تقود للخطأ القضائي بمعناه الضيق وتكون في أصله.
    ـ شهادات الشهود .
    كثيرا ما كانت شهادات شهود الإثبات أو النفي, من الأسباب الرئيسية في تضليل القضاء ووقعه في الخطأ القضائي, نتيجة لشهادات الزور. أو للوقوع تحت التهديد أو الإغراء. أو للتوهم بالتعرف على المتهم أو لضعف الذاكرة.. هذه الشهادات المقدمة في الجلسة مباشرة أمام القضاة والمحلفين يكون أثرها كبير على مصير المتهم.
    ـ تقديم الخبرة.
    يستفيد القضاء من التطور العلمي والتقني في مجال الكشف عن الجريمة والمجرم. واستخدام الطب الشرعي في معرفة أسباب الموت وظروفه ووقته. والحمض النووي .. ولكن لم تسلم الخبرة دائما من النقد. فكثيرا ما تدحض خبرة لاحقة خبرة سابقة عليها في نفس القضية. أو تعارضها في بعض تفاصيلها. وكثيرا ما كانت نتائجها سبب في إدانة بريء أو تبرئة مجرم. وأنواع الخبرات عديدة كالخبرة في الخطوط, والخبرة في المجال النفسي, وعلم البصمات... وان استطاع هذا الأخير إثبات بصمات شخص في مكان الجريمة, فلا يمكنه مع ذلك أن يثبت إن صاحبها هو المجرم.
    ـ المحلفون le jury
    قد يخضع المحلفون الشعبيون الذين تتكون منهم المحكمة الجنائية, مع 3 قضاة مهنيين, لتأثير رئيس المحكمة من واقع كونهم لا يعلمون جيدا عمل القضاء, فيحتمون خلف القضاة المهنيين, وبشكل خاص الرئيس, إذا ما أحس بعضهم أن الرئيس يميل إلى تجريم المتهم فان هذا سيؤثر على قناعاتهم الشخصية, التي يشكون في دقتها أمام خبرة وقناعات الرئيس . كما إنهم أكثر من القضاة المحترفين تأثرا بالمرافعات الدائرة أمامهم وسير المحاكمة. ويتنبه المحامون لذلك فيحاولون عن طريق الإلقاء المؤثر, والتوجه بنظراتهم للمحلفين, وتذكيرهم بخطورة ما هم قادمون عليه من إدانة بريء, واستعمال كل فنون المرافعات وتقنياتها, التأثير فيهم لصالح القضية التي يدافعون عنها.
    ومع تنبه القضاء لذلك وتضمين اليمين المطلوب من المحلفين أدائه ما يذكرهم بمهامهم: "اقسموا وتعهدوا بأنكم ستتفحصون باهتمام بالغ ودقيق الاتهامات التي ستوجه للمتهم, وبأنكم لا تخونون مصالحه, ولا مصالح المجتمع الذي يوجه له الاتهام, ولا مصالح المعتدى عليه. وبان لا تتصلوا بأحد قبل اتخاذ القرار, وان لا تستمعوا لا للحقد, ولا للكراهية, ولا للشر, ولا للخوف, وان تتذكروا أن المتهم يعتبر بريئا, وان الشك يفسر لمصلحته. وبان تقرروا بناء على الاتهامات والدفوع, وبمقتضى ما تمليه عليكم ضمائركم وقناعاتكم الشخصية بنزاهة, وبالصلابة المطلوبة من الإنسان المستقيم الحر. وان تحفظوا أسرار المداولات حتى بعد انتهاء مهامكم". فان الواقع يثبت أن ذلك لا يحمي بشكل مطلق من الوقوع في الخطأ.
    يضاف إلى ما سبق من الأمور التي تدفع للخطأ القضائي وتوقع فيه:
    ـ الدفاع المنقوص من قبل المحامي وافتقاده لقوة الحضور ومقدرة الإقناع.
    ـ تصرفات المتهم نفسه خلال المحاكمة في اللجوء إلى العنف وكل ما يوحي بأنه عدواني و غير سوي.
    ـ سجله العدلي وسوابقه التي تفسر ضده, حتى في التهمة التي يكون منها براء.
    ـ دور الإعلام .
    ـ الإشاعات. وضغط الرأي العام, وخاصة في القضايا ذات الحساسية الكبيرة.
    وأخير لعل الإحصائيات هي القديرة على إبراز حجم الخطأ القضائي, ففي عام 2004, على سبيل المثال, خرج من السجون في فرنسا 600 شخص بريء بقرارات قضائية: لعدم وجه للمحاكمة non-lieu صادرة عن قضاء التحقيق. آو للتبرئة relaxe الصادرة عن محاكم الجنح . أو للتبرئة acquittement الصادرة عن محاكم الجنايات.
    بعد قضية اوترو Outreau مؤخرا, وما سببته من صدمات هزت المجتمع الفرنسي بأكمله مما أدت لردود فعل كانت الأقوى منذ قيام الثورة الفرنسية, والإصلاحات القضائية المتعاقبة والى اليوم. بدأ البعض الحديث عن منعطف حاد يمر به القضاء الجزائي الفرنسي.
    وكثرت محاولات رجال القضاء, وفي أعلى درجاتهم, للإجابة على التساؤلات العميقة حول مؤسسة القضاء بأكملها, مشيرين في كتب ومقالات وندوات, وفي جلسات تحقيق منها, بشكل خاص, تلك التي كانت تنقلها كل وسائل الإعلام بما فيها التلفزيون, وبمشاركة برلمانية وتحقيق, وحضور سام لقضاة, ومحامين مشهورين, وأساتذة قانون.
    ولعل مرافعة النائب العام لدى محكمة الاستئناف بباريس ايف بوت Yves Bot تحت ضغط القضية المذكورة جعلته يعلن بغضب ومن على منصة القضاء : " إن هذه العدالة ليست عدالتي. كما أنها ليست عدالة أحد " ( Ma justice, ed. Bebourin 2007.

    [/align]
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  2. #2

    افتراضي

    قضية عمر رداد. شك لم يفسر لصالح المتهم.
    رغم انه لم يُعترف بها إلى الآن على أنها خطا قضائي, أثارت قضية عمر رداد جدلا واسعا في كل أنحاء فرنسا وعلى مختلف المستويات. فتعاطفت مع المتهم غالبية الرأي العام الفرنسي عند متابعة تطورات القضية في المحاكم.( لم يتجاوز عدد القضايا التي اعترف بها القضاء الفرنسي بالخطأ القضائي في القضايا الجنائية, الستة منذ عام 1945 والى اليوم).
    بعد الإدانة وقف العديد من الشخصيات المعروفة إلى جانبه لمساندته, ومنهم: الأكاديمي المعروف ورئيس تحرير الفيكارو الثقافية le Figaro , جان ماري روات, Jean-Marie Rouat. الذي لم ينفك منذ 10 سنوات عن تبني القضية والعمل من اجلها. فنشر عام 1994 كتابا فيه تحقيقاته الخاصة أثار كثيرا من ردود الأفعال, وعرضه للملاحقة القاضية بتهمة التشهير, بعنوان "عمر. تركيب متهم".
    و Eve livet التي بعد تحليلها 6 أجزاء من ملف التحقيق واستماعها لشهادات عديدة , كتبت في مؤلفها " أكاذيب وحقائق" بأنها مقتنعة تمام الاقتناع ببراءة عمر رداد من التهمة المنسوبة إليه. وتؤكد بان مارشال , الضحية, ليست من كتب بحروف الدم اسم المعتدي. وأنها لم تكن قادرة, لا جسديا ولا معنويا, في الحالة التي كانت عليها, أن توصد باب المستودع من الداخل".
    ومن هذا الرأي أيضا: هنري تروات. جان دورماسون. فرنسوا موريسسيه . روبير ساباتييه, وعدد كبير من المحامين, ووزير عدل سابق هو البان شالاندون. كما نشر عدد كبير جدا من الكتب والمقالات في القضية وحولها. و بلغت نسبة الفرنسيين الذين كانوا يرون ضرورة إعادة محاكمته 64% عام 1994 (Olivier Proust affaire Omar Raddad , Grandes erreurs judiciaires )
    بعد أن أعلن محاميه المشهور جاك فرجاس (الزوج السابق للمناضلة الجزائرية ومحاميها ) في المحكمة, قبل النطق بالحكم, وبثقة كاملة: " أقنعت فرنسا كاملة ببراءة عمر", خرج من القاعة, فور إعلان إدانة موكله, ليصرح للصحافة وجموع من المحتشدين في المكان, بكلمة مختصرة معبرة, لم تأت فقط من كونه محام كبير خسر قضية, وإنما لاقتناعه الكامل ببراءة عمر: "قبل مئة عام حُكم على ضابط شاب ذنبه الوحيد انه من أصل يهودي. واليوم يُحكم على بستاني ذنبه الوحيد انه مغربي".
    من هو عمر رداد. ما هي تهمته. وما الحكم الذي صدر علية وما التطورات التي تبعت الإدانة. هذا ما سوف نوجزه سريعا من قضية استغرقت سنوات ، ملفها يحتوي مئات الصفحات : اتهام ودفاع, أدلة ودحضها, إثبات وشك, شهادات, خبرات وخبرات مضادة, مداولات وحكم, طلبات بإعادة المحاكمة ورد للطلبات. ولكنه مع ذلك لا يحتوي نفحة إنسانية واحدة تعبر عن المأساة الحقيقية ببعدها الإنساني: ضحية قتلت بدم بارد. متهم دفع ثمنا باهظا من حريته وكرامته. عائلة من زوجة وطفلين عانت لسنوات بكل ما تحمله كلمة معاناة من معان. كل هذا لم يدخل الملف إلا عرضا و بكلمات عابرة. فاللغة لغة القانون, والإجراءات أعراف و طقوس.
    جاء عمر رداد من المغرب إلى فرنسا وعمره 23 عاما, نُسبت إليه الجريمة وهو في الثلاثين من عمره. يتكلم اللغة الفرنسية بصعوبة. بدأ العمل في أماكن متعددة أخرها, قبل القضية, عند السيدة فرنسيس باسكال التي عرفته على جارتها مارشال ونصحت هذه الأخيرة بان يعمل لديها كبستاني. وافقت هذه الأخيرة, وأصبح عمر يعمل عندها مرة بالأسبوع, وباجر قدره 50 فرنكا للساعة في ذلك الوقت. وقد كسب عمر ثقتها لجديته في العمل واستقامته. كما كان كأب وزوج ملتزم بمسؤولياته كاملة باعتراف جيرانه ومعارفه. سجله العدلي نظيف.
    وحسب الخبير في علم النفس الذي درس شخصيته: " سيد تصرفاته العاطفية, ولا تبدو عليه أية أعراض نزق أو حماقة, ولا يمكن وصفه بالخطير ". وأعلن احد الأطباء بان " لديه سيطرة كاملة على ردود أفعاله". "ورغم انه لا يعرف القراءة والكتابة, لا باللغة العربية ولا الفرنسية, فهو يتمتع بذكاء جيد".
    وصرح احد رجال الدرك خلال جلسة المحاكمة بأن عمر "كان هادئا عندما قمنا بتوقيفه في 25 جوان / حزيران , هدوء لا يمكن تصديقه بالنسبة لمشتبه فيه بجريمة قتل".
    عمر في نظر محاميه جاك فرجاس " شاب يحاول بكل ثمن أن يسترجع براءته وشرفه. عرفت فيه الأدب, والهدوء. كل من عمل لديهم اتخذوا موقفا ايجابيا منه. خجول, قليل الكلام, حذر من كل شيء, وليس فقط من الصحافيين. وقد ازداد هذا الحذر منذ أن شعر بان رجال الدرك استفادوا من عدم إتقانه للغة الفرنسية لينسبوا له أشياء لم يفكر بها. لم استلم سنتيما واحدا في قضية عمر, لا من المساعدات القضائية الفرنسية, ولا من الحكومة المغربية. لقد التزمت الدفاع عن ملفه لقناعتي الكاملة أن عمر ضحية ضعفه, ويستحق بالدفاع عنه. وقد طالبت بإعادة نظر القضية لوجود خطأ قضائي واضح". (تصريح لنشرة Jeune Afrique الاليكترونية 7 أكتوبر 2002).
    وأعلن عمر نفسه: " وأنا عند الدرك لم أكن افهم ما يجري, معتقدا بأنه سيتم إخلاء سبيلي فورا. ولكني بدأت افهم ما يدور حولي عند قاضي التحقيق". لقد زج بي بهذه القضية زجا, فانا لم اقتل السيدة مارشال, كانت لي بمقام والدة".
    آما الضحية السيدة مارشال, 65 عاما. كانت زوجة جان بيير مارشال الذي يعود ثراؤه إلى نجاح والده صاحب شركة مشهورة لقطع غيار السيارات. في عام 1977 انفصل الزوجان واستقرت السيدة مارشال وحيدة في منزل"لا شاماد" بنته في مرتفعات موجين . امرأة ذكية وصاحبة شخصية قوية حسب شهادة صديقة لها في المحكمة. ( مصدر Olivier Proust. Grandes erreurs judiciaires ).
    جاء في تصريح عمر رداد حسب المحضر المسجل من قيل رجال الدرك ما يلي:
    " عملت يوم الأحد 23 جوان 1991 عند السيدة باسكال, من الساعة 8 صباحا إلى الظهيرة. تركت عملي وذهبت على دراجة نارية إلى مركز فال موجين. توقفت لشراء نصف خبزه من المخبزة. ثم تابعت إلى سكني. وصادفت في طريقي مدير محل كازينو, اعتقد انه راني. بعد ذلك لمحت شخصا مقيما في البناية التي اسكنها, ولكن لا اعلم إذا كان قد راني. وصلت إلى شقتي حوالي الساعة 12 وربع. أكلت قطعة جبن, وشاهدت التلفيزيون حوالي 5 دقائق تقريبا, وشربت كاس شاي. خرجت من شقتي حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر. وبدأت العمل حوالي الساعة الواحدة و 5 دقائق أو عشر دقائق زوالا. لم اذهب إلى منزل السيدة مارشال طيلة اليوم, ولم أراها. كنت قد ذهبت إلى عندها آخر مرة يوم الجمعة حوالي الساعة الخامسة والربع مساء". (أخطاء القضاء الكبرى. المرجع السابق).
    نرى أن أفضل تعريف للقارئ بوقائع القضية هو ما جاء في عرض قضاة محكمة النقض مشكلة بهيئة محكمة مراجعة
    Cour de révision والتي سجلها جاك فرجاس بحرفيتها في كتابه بؤس للفقراء ( Plon 2006).
    " يوم الاثنين 24/6/1991 , صديقات لكيسالين مارشال, القلقات من عدم ردها على الهاتف لسؤالها عن سبب غيابها عن غداء كان قد تقرر موعده سابقا, اُخطرن رجال الدرك بذلك, بعد بحث دقيق قام به مسؤولو الحماية المكلفين بحماية بيتها " villa La Chamade " الكائن في موجين في الألب مارتيم " Alpes-Maritimes ". وعند وصول الدرك لاحظوا إن جهاز الإنذار مفصول. والباب مفتوح وبان السيدة مارشال غير موجودة, رغم البحث الكامل عنها في السكن, وفي الطابق تحت الأرضي Sous-sol المستعمل كمستودع, ومكان تزويد المنزل بالتدفئة.
    كان باب الممر الموصد من الداخل, مغلقا بالمفتاح. حاولوا فتحه بمفتاح وجدوه في الفيلا . فُتح القفل ولكن الباب الموصد من الداخل لم يفتح. عندها دفعه اثنان منهم, فوجدوا سريرا, قابل للطي pliant , موضوع على الأرض لمنع فتح الباب. وحاول دركي دفعه. ومع ذلك بقي الباب مغلقا, يعيق فتحه أنبوب معدني موضوع تحته. استطاع دركي أبعاده بركلة قوية من قدمه.
    في الممر لاحظوا بابا يؤدي إلى مستودع مخصص للخمر, وعليه كتب بالدم عمر قتلني " OMAR M’A TUER" وعلى الباب الآخر الذي يقود إلى التدفئة نفس العبارة ولكنها غير كاملة "عمر قتـ OMAR M’A T" وفي الغرفة الأخيرة من المستودع وجدوا كيسالين مارشال مقتولة, متمددة على بطنها بثوب الحمام الممتلئ دما وشعرها مصبوغ بالدماء".
    " رأس الضحية يُظهر ضربات بدت أنها ناتجة عن أداة تحدث رضات, يمكن أن تكون دعامة خشبية وُجدت قرب باب المدخل. وعلى الجسد جروح مختلفة بأداة ذات نصل ذو حدين 15 إلى 29 سنتمتر طولا و 2 سنتمتر عرضا . مثل هذا السلاح لم يتم العثور عليه في المكان, ولا في مكان أخر خلال التحقيق. وبان الطعنات الرئيسية اخترقت الكبد. وأحدثت خرقا بطني بعمق 14 سنتمتر اخرج الأحشاء. بين الفحص الذي أجراه الخبراء في تشريح الجثة أن الموت لم يكن بسبب ضربة واحدة. وان احتضار المعتدى عليها دام بين 15 و 30 دقيقة ’ الوقت الكافي لقيامها بكتابة العبارات المكتشفة, ولسد الباب من الداخل.
    " لم يجد المحققون في دائرة المعتدى عليها إلا المسمى عمر رداد, باعتباره البستاني الذي يعمل عندها. و قبض عليه في 25 جوان/ حزيران 1991 في تولون في منزل أم زوجته, حيث كان قد التحق بزوجته وأولاده في 24 جوان للاحتفال بعيد ديني عند المسلمين . ومع اعترافه بأنه عمل يوم 23 جوان عند السيدة باسكال جارة منزل الشاماد La Chamade , لم يتوقف عن إنكار تهمة القتل هذه.
    " بالقرار المطعون فيه أدانت المحكمة الجنائية cour d’assises في الألب ماريتيم عمر بأنه مذنب في قتل كيسالين مارشال وحكمت عليه ب 18 عاما حبسا جنائيا réclusion criminelle. في 19 مارس 1995 ردت محكمة النقض الطعن بالقرار المذكور والقرار المدني اللاحق ".
    ( العبارة المكتوبة بالدم, عمر قتلني, أثارت جدلا كبيرا في نسبها للمقتولة, خاصة وأنها خاطئة نحويا, من المفترض إن الضحية لا ترتكب خطأ من هذا النوع وهي المتعلمة "Omar m’ a tuer" فلا يجوز في اللغة الفرنسية أن يأتي الفعل في صيغته النهائية في الماضي المركب, والكتابة الصحيحة هي Omar m’a tué ).
    في 17 سبتمبر 2000 طلب المحامي أن يعاد تحليل آثار الدم التي وجدت في المستودع مكان وقوع الجريمة. في 24 مارس 2000 أصدر مستشار محكمة النقض عضو محكمة المراجعة أمرا عين فيه
    الآنسة ماري اللان شيربن, خبيرة لدى محكمة الاستئناف في باريس, لتحديد طبيعة وجنس المواد المكونة لآثار العبارة المكتوبة بالدم عمر قتلني. و العبارة غير المكتملة :عمر قتـ , والدم الذي بقي على اليد. والقيام بمقارنة العناصر الوراثية للاثنين. وفحص العينات المأخوذة من السيدة مارشال بهدف معرفة قابليتها لتحقيق تحليل ADN , وفي هذه الحالة, تحقيق مقارنة وراثية مع الآثار الموجودة على الباب.
    في 31 أكتوبر 2000 جاء تقرير الخبرة, المؤلف من 150 صفحة, معترفا بعدم المقدرة على الجزم بان الضحية هي من كتب العبارتين. وبالمقابل فان الدم المكتوب به هو دم السيدة مارشال.
    وفي تقرير خبرة بتاريخ 27 ديسمبر 2000 تبين أن آثار الدم الباقية على الباب هي من دم مارشال. ولكنها مختلطة بآثار لشخص ذكر. وعلى الفور طلبت لجنة المراجعة مقارنته بالتحاليل الخاصة بعمر رداد.
    وطلبت المحكمة في 21 جانفي 2001 فحص خبرة جديدة على الدعامة الخشبية التي استعملت في ضرب السيدة مارشال, وجاء في التقرير أن ADN الآثار الموجود على باب مستودع الوقود ليس لعمر رداد. ولم يستطع الخبراء إثبات لمن تعود تلك الآثار.
    في 1 مارس 2001 استلمت لجنة المراجعة ملخصات تقارير الخبراء الذين فحصوا أثار الدماء في أماكن الجريمة والتي لا تشير لعمر رداد.
    وقد طلب المحامي العام لدى محكمة النقض إحالة ملف عمر رداد إلى محكمة المراجعة.
    وفي 25 حزيران 2001 قررت لجنة المراجعة إن العناصر الجديدة المقدمة من قبل الدفاع قابلة لان تولد الشك في اتهام عمر رداد. والعنصران اللذان أُخذ بهما, هما أن هوية كاتب الكلمات, عمر قتلني, يمكن أن لا تتحدد بيقين, لاكتشاف آثار شخصين مذكرين, عمر ليس أحدهما. ورفضت في المقابل الحجج المتعلقة بالشك بالتاريخ الدقيق للقتل.
    حددت محكمة النقض يوم 17 أكتوبر 2002 لمراجعة قضية عمر. وفي الجلسة أعلن المحامي العام لدى محكمة النقض لوران دافينا Laurent Davenas أن " في مصلحة عمر رداد لا توجد وقائع جديدة مقنعة. ولكن توجد ضده تهم". وطلب من محكمة المراجعة عدم الموافقة على محاكمة ثانية لقضية عمر. وفي 20 نوفمبر 2002 أقرت محكمة المراجعة أن عمر رداد مذنب بقتل صاحبة عمله كريستين مارشال.
    وأعلن محامي الدفاع جاك فرجاس فورا بأنه سيقدم الدعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
    وأضاف من حقي أن اطرح أسئلة عن سبب منع القضاء إجراء تحقيقات في هذه القضية بالذات, في حين كانت تشجعها في قضايا أخرى." قيل لنا أن العديد من الأشخاص اقتربوا من أدوات الجريمة ومكانها قبل ارتكابها وبعده, وعليه فان كل إعادة بحث تكون نتائجها غير دقيقة. وأشار إلى أن الواقع غير ذلك. ضاربا أمثلة على قضايا جرت في أماكن عامة وكان الاقتراب منها من قبل الغير أكثر بكثير من حالتنا هذه, ومع ذلك جرى فيها إعادة البحث".
    " في قضية مقتل مارشال يمكن أن يقود البحث إلى قريب لها, لرجل من الطبقة العليا, له مصلحة في قتلها. القضاء مستعجل في ملاحقة الفقراء واقل استعجالا في عقاب الأغنياء. كيل بمكيالين". (فرجاس تعاسة للفقراء ).
    في اجتماع تم تنظيمه عام 1977 من قبل معهد العلوم الجنائية في كلية الحقوق في باريس IV اشترك فيه رؤساء سابقين لمحاكم جنايات, وحقوقيون, وخبراء خطوط, وأطباء شرعيين, كشف أن العناصر الأولية في الإجراءات القضائية المتعلقة بقضية عمر لم يتم احترامها, وحتى جرى إهمالها. ( أخطاء قضائية كبرى. مرجع مشار إليه أعلاه).
    بعد أن قضى عمر رداد 7 أعوام في السجن أصدر رئيس الجمهورية, جاك شيراك, عام 1998 عفوا رئاسيا عن عمر سمح له الخروج حرا. ولكن العفو لا يمحو الإدانة.
    ماذا يترتب على العفو الرئاسي Grâce présidentielle . وماذا يريد عمر؟
    ـ يعفي فقط من تنفيذ العقوبة بشكل كامل أو جزئي remise de peine. يمكن أن يحول العقوبة الأصلية إلى عقوبة أخف. وليست له أية نتيجة على قرار الإدانة الذي يبقى في السجل العدلي.
    ـ لا يلغي قرار الإدانة. و يمكن لهذا القرار أن يكون موضوعا لإعادة المحاكمة.
    ـ لا يلغي حق المعتدى عليه في الحصول على تعويضات العطل والضرر الناتج عن الجريمة.
    وهناك فارق بين العفو الرئاسي وبين العفو العام amnistie .
    فالعفو الرئاسي عفو فردي أو جماعي, يعود لرئيس الجمهورية وحده الإعفاء من تنفيذ العقوبة. ولكنه لا يلغي الإدانة.
    في حين أن العفو العام حق يعود للسلطة التشريعية ويلغي الإدانة المحكوم بها.
    أما عمر فقد صرح في 4 سبتمبر 1998 بعد خروجه من السجن " أنا سعيد لأني أخيرا وجدت الحرية ولكن معركتي للحصول على براءتي لم تنته بعد".
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

المواضيع المتشابهه

  1. د.هايل نصر في تدوين الواجبات الأدبية للقاضي
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى مكتب أستاذ هيثم الفقي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-01-2010, 10:29 AM
  2. القانون الفرنسي
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى مكتب أستاذ هيثم الفقي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-19-2010, 02:02 AM
  3. إعادة تصحيح أوراق الإجابة لوجود أخطاء
    بواسطة مونيا في المنتدى أحكام القضاء الإداري
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-15-2009, 11:40 PM
  4. المجلس الدستوري الفرنسي
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى القانون العام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 03-11-2009, 12:51 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •