الْبَدَوِيُّ


يَا سَيِّدُ
يَا بَدَوِيُّ
رَسُولٌ مِنْ نُورِ الْمَلَكُوتِ
يَجِيءُ إِلَيْكَ
عَلَى أَجْنِحَةِ الزَّمَنِ الْمُتَوَقِّفِ
يَأْتِي مُخْتَبِئًا
خَلْفَ الْكَلِمَاتِ الْخَرْسَاءْ
يَتَمَاوَجُ
فَوْقَ الأَنْوَارِ الأَبَدِيَّةِ
ظِلاً
مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ
رَيْحَانًا
مِنْ كَافُورِ الْفِرْدَوْسْ
طِفْلاً أَخْضَرَ
فَوْقَ بِسَاطِ الرِّيحْ
قَلْبًا مَجْرُوحْ
يَنْزِفُ
مِنْ أَشْوَاقِ الأَرْوَاحِ الْمُلْتَهِبَهْ
يَبْكِي
إِذْ أَبْكِي
مِنْ لَهَبِ الْوَجْدِ الْمُشْتَعِلِ الأَنْوَارْ
يَبْكِي
يَا بَدَوِيُّ
يَبْكِي
يَا بَدَوِيُّ
*****
حُمِّلْتُ مِنَ الأَسْرَارِ
كَثِيرًا جِدًّا
أَسْرَارًا
مِنْ شَجَرِ الْجِنَّهْ
شَجَرًا
مِنْ دَمْعٍ يُورِقُ
مِنْ تُوتِ الْبَوْحِ غَرَامًا
تَعْرِفُ
يَا بَدَوِيُّ غَرَامِي
أَعْرِفُ
يَا بَدَوِيُّ صُدُودَكَ عَنِّي
أَعْرِفُ
أَنِّي
قَدْ قُيِّدْتُ بِذَنْبٍ لا يُغْفَرْ
أَنِّي
كُنْتُ أَبُوحْ
إِذْ يَجْلِسُ شَيْخٌ
فَوْقَ دَمِي
يَلْبِسُ عِمَّتَهُ الْخَضْرَاءَ
يُمَشِّطُ لِحْيَتَهُ الْبَيْضَاءَ
بِكَفٍّ كَالْقِنْدِيلِ
يُضِيءُ خَلايَايَ الْمُشْتَاقَةَ
لِلْعُشْبِ النُّورَانِي
يَتَجَمَّعُ حَشْدٌ
مِنْ رُسُلِ الْمَلَكُوتِ
يَكُونُ الْمَجْهُولُ
حُرُوفًا
مِنْ مُدُنِ الصَّمْتِ الأَبَدِيْ
يَأْتِي إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللهِ
يُحَدِّثُ هَذَا الْجَمْعَ
وَيُعْطِينِي وَرَقًا
كَيْ أَقْرَأَهُ
أَتَلَعْثَمُ يَا بَدَوِيُّ
تَلَعْثَمْتُ قَلِيلاً
لَكِنِّي
كَالنِّيلِ
قَرَأْتُ حُرُوفَ الأَبَدِيَّهْ
مَا زِلْتُ أُحَاوِلُ أَنْ أَتَكَلَّمَ
فِي صَمْتِي
أَصْمُتُ
فِي كَلِمَاتِي
*****
ذُبْتُ مَعَ الأَنْوَارِ
وَطُفْتُ
وَكُنْتُ هُنَالِكَ
لا أَدْرِي
إِذْ كَانَ الْوَاقِفُ
لا يَدْرِي
كُنْتُ هُنَاكَ بِلا قَدَمَيْنِ
وَلا عَيْنَيْنِ وَلا أُذُنَيْنْ
أَتَوَضَّأُ
مِنْ مَمْلَكَةِ الأَضْوَاءِ
وَأُصَلِّي
فِي الْمُدُنِ الْخَضْرَاءْ
*****
دَعْنِي أَبْكِي يَا بَدَوِيُّ
بُكَاءَ الْعَاشِقِ إِذْ يَذْكُرُ
كَالْفَارِسِ فَوْقَ حِصَانِ الزَّمَنِ الْوَاقِفِ
فِي عَتَبَاتِ الصَّمْتِ
الْغَارِقِ فِي بَحْرِ الأَشْوَاقْ
لَكِنَّ الْبَحْرَ عَمِيقٌ
يَا بَدَوِيُّ
وَالْجُرْحُ عَمِيقْ
*****
جُرْحِي فَرَسٌ مُنْطَلِقٌ
فَوْقَ رِيَاحِ اللَّيْلِ
جُرْحِي
مُمْتَلِئٌ بِالْمِلْحِ
جُرْحِي لا يَهْدَأُ
إِذْ تَشْتَعِلُ الأَفْلاكُ
إِلَى حُورِيَّاتِ النِّيلِ
وَالنِّيلُ عَمِيقٌ
أَغْرَقُ
إِذْ أَسْبَحُ
أَسْبَحُ
إِذْ أَغْرَقُ
لا بَابَ هُنَالِكَ
مَفْتُوحٌ
لا بَابَ هُنَالِكَ
مَوْصُودٌ
أَدْخُلُ يَا بَدَوِيُّ
وَأُلْقِي بِالْجَسَدِ الْمُتْعَبْ
جَسَدِي
أَثْقَلُ مِنْ جَبَلٍ يَتَدَاعَى
أَسْبَحُ
عَكْسَ التَّيَّارْ
ثُعْبَانُ اللَّيْلِ يَجِيءُ
وَلا يُخْفِي وَجْهًا
ثُعْبَانُ اللَّيْلِ
قَبِيحٌ جِدًّا
يَتَسَلَّلُ عَبْرَ خَلايَايَ
يُرِيدُ الْبِنْتَ الْخَضْرَاءْ
وَالْبِنْتُ تَخَافُ الثُّعْبَانَ
تَدُورُ
مَعَ التَّيَّارْ
وَتَمَاسِيحُ الأَطْلَنْطِي تَفْتَحُ جِسْرًا
مِنْ نَارٍ زَرْقَاءْ
تَتَحَرَّكُ جُثَّةُ حَرْفٍ أَخْرَسْ
يَا بَدَوِيُّ
ثَقِيلٌ جِدًّا أَنْ أَتَكَلَّمْ
لَكِنِّي
أَرْمُزُ فِي صَمْتِي
أَسَدٌ يَجْرِي خَلْفَ الْغِزْلانْ
يَا أَطْفَالَ الْحَيِّ تَعَالَوْا
يَا أَطْفَالْ
وَغَزَالُ الْغَابَةِ مَغْرُورٌ
يَا غِزْلانْ
طَعْنَةُ سِكِّينٍ مَسْمُومٍ
فِي ظَهْرِي
مِنْ رَجُلٍ يَجْرِي مَذْعُورًا
خَلْفَ بَنَاتِ الْحَيِّ
يَبِيعُ بَقَايَاهُ
مَاتَ الْوَلَدُ الطَّيِّبُ
يَا أَطْفَالْ
وَتَمُرُّ أُسُودُ الْغَابَةِ
فَوْقَ دَمِي
وَتَمُرُّ عَلَى أَشْوَاقِ الْبِنْتِ النَّجْلاءْ
لَكِنَّا نَحْيَا
فِي مُهَجٍ خَضْرَاءْ
وَنَجِيءُ كَمَا الْبُرْكَانِ
خُيُولاً
تَمْرَحُ فَوْقَ صِرَاطِ النِّيلِ
جُنُودًا
تَأْتِي مِنْ أَقْطَارِ الْمَلَكُوتْ
هَذَا
بَابُ الْمَلَكُوتِ
قَرِيبٌ جِدًّا
مَفْتُوحٌ تَحْتَ الْعَيْنَيْنْ 0