جرائم القتل



المصلحة محل الحماية في تجريم القتل :

المصلحة التي يحميها القانون عند تجريمه للقتل هي الحق في الحياة والذي يكفله القانون لكل إنسان من لحظة ميلاده إلى لحظة وفاته وفاة طبيعية. والقتل نوعان بحسب شكل الركن المعنوي إلى :القتل العمد والقتل الخطأ . والقتل العمد من الجنايات ما عدا القتل العمد في الاستفزاز ( قتل الزوج لزوجته حالة تلبسها بالزنا : مادة 237 عقوبات) ، أما القتل الخطأ فإنه دائما من الجنح.

تعريف القتل العمد :
القتل وفقا لتعريف الفقه هو " إزهاق روح إنسان بفعل إنسان". وكانت المادة 234 عقوبات قد اكتفت بتقرير عقوبة القتل العمد البسيط دون وضع تعريف للقتل العمد نفسه .

القتل المشدد والقتل غير المشدد :

القتل العمد غير المشد هو الذي لم يقترن به ظرف من الظروف المشددة والتي قررها قانون العقوبات وهى سبق الإصرار و الترصد ،القتل بالسم ،اقتران القتل بجناية ،ارتباط القتل بجنحة ،وقوع القتل علي جريح حرب وتعاقب المادة 234 عقوبات علية بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة .

أما إذا توافر أحد الظروف المشددة، فإن درجة التشدد تختلف من ظرف إلي آخر. فهي تصل أحيانا إلي الإعدام وقد تصبح تخيريه بين الإعدام والمؤبد .


القتل العمد في الشريعة الإسلامية:

يفرق الفقه الإسلامي بين القتل العمد والقتل شبة العمد . فالقتل العمد هو ما كان فيه القتل مقصودا وقتل شبة عمد وهو ما كان فيه الضرب أو الجرح مقصودا دون أن يكون الفاعل قاصدا إزهاق روح المجني علية . وهذه الصورة الأخيرة يطلق عليها القانونيون الوضعيون اصطلاح الضرب أو الجرح المفضي إلي موت .

وقد عرف فقهاء الإسلام الخطأ وله صورتان : الأولى ـ وفيها لا يقصد المتهم النشاط ولكن حدثت وفاة المجني علية دون قصد كمن يقود سيارة مسرعا ويصيب شخصا ويتوفى من اثر الحادث . والثانية ـ وفيها يقصد المتهم إلحاق الأذى بشخص معين ولكن تحيد ضربته إلي شخص أخر فيقتل هذا الأخير .ويلاحظ أن الصورة الأخيرة تعتبر قتلا عمدا في القانون الوضعي .



جناية القتل العمد




الشرط المسبق (المفترض) في جرائم القتل


المقصود بالشرط المفترض في الجريمة :

يُقصد بالشرط المفترض في الجريمة أمر يشترط القانون توافره لكي تقوم الجريمة ، ومع ذلك فإنه ليس من أركان الجريمة . فهو ضروري مثل الأركان ولكنه ليس من الأركان ، فهو سابق على وجود الجريمة ، مثل شرط أن يكون المجني عليه في القتل إنسان حي . وهو لا يدخل في تكوين الجريمة ، فلا تبتدأ الجريمة بتوافره ، فلا تبدأ جريمة القتل من اللحظة التي يتواجد فيها المجني عليه حيا .

الشرط المفترض في جريمة القتل :

الشرط المفترض في جريمة القتل هو الإنسان الحي . فلا تقوم جريمة القتل إلاّ إذا كان المجني عليه حيا عند لحظة قيام المتهم بالنشاط . وهذا هو مؤدي الشرط المفترض في الجريمة .فلا يتصور القتل إذا أزهق الفاعل روح المجني علية .أما إذا كانت روحة قد فاضت قبل ذلك ،فإنه يصعب أن نصف النشاط الذي قام به الفاعل بأنة قتل أو حتى شروع فيه.

ولا يؤثر في ذلك أن المتهم كان معتقدا أن المجني علية ما زال علي قيد الحياة وقام بالنشاط الإجرامي بشكل عادي بإطلاق الرصاص مثلا علية ،بينما هو جثة هامدة أو بضربة بعمود من الحديد مرات عديدة قاصدا قتلة .فالقاعدة تقضي بأنة لا ينسب إلي المتهم هنا لا قتل عمدا ولا شروع فيه .

أولا- المجني علية في القتل إنسان :

إذا قتل شخص حيوانا أو طائرا، فإن مخالفة قتل حيوان بدون مقتضى هي التي تقوم (مادة 378 /7 عقوبات ) وليس جريمة القتل (مادة 234 عقوبات). ومعني هذا أن القتل لا يرد على الجنين قبل ولادته و لا علي الشخص بعد وفاته.

1- الجنين قبل الولادة ليس مجنيا عليه :

عرفت المادة 234 عقوبات المجني عليه في جريمة القتل بأنه " النفس" بقولها " من قتل نفسا عمدا ...." فالمقصود بالنفس هنا هو الإنسان المستقل في وجودة . أما الجنين فإنه يظل جزءا من أمة ، وإن كان جزءا قابلا للحياة المستقبلة بعد ذلك ، فلا تنطبق بخصوصة مواد القتل . وهذا لا يمنع من وقوع الفعل تحت طائلة العقاب بوصف آخر غير القتل ،وهو ما أسماه قانون العقوبات "إسقاط الحوامل" (كل من اسقط عمدا امرأة حبلي بضرب أو نحوه من أنواع الإيذاء، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة ) (مادة 260 عقوبات ) .

وإذا خرج المولود من بطن أمه صلح لأن يكون مجنيا عليه في جريمة القتل حتى قبل قطع الحبل السري ؛ فاستقلاله القانوني قد تحقق ، حتى لو كان استقلاله الغذائي لم يتحقق بعد وذلك باستمرار تبعيته العضوية قبل قطع الحبل السري.

ب لا قتل بعد وفاة المجني عليه :

لا تقع جريمة القتل كما لا تقع جريمة الشروع في قتل إذا كان المجني عليه قد فارق الحياة قبل وقوع النشاط . وتثور مسألة تحديد المقصود بالوفاة ، بسبب وجود ما يُسمى بالموت الإكلينيكي ، الأمر الذي سنعرض له تباعا :

1- المقصود بالوفاة :
الوفاة قد تكون طبيعية بتوقف المخ والقلب معا ، وقد يموت المخ ويستمر القلب والدورة الدموية في العمل ، وهو ما نسميه بالغيبوبة الدائمة . فهل يعتبر ذلك نوعا من الوفاة الإكلينيكة ؟

في حالة الغيبوبة الدائمة يظل المريض بالفراش فاقد الوعي والحركة ويمكن تغذيته بوسائل صناعية والاحتفاظ بقلبه وهو يعمل بشكل طبيعي . وبثار التساؤل عن مدى مسئولية الطبيب الذي يقوم بنزع الأجهزة فيتوقف القلب هو الآخر عن العمل بعد فترة بسبب عدم وصول التغذية : هل يرتكب جريمة القتل لأنه تسبب في الوفاة ؟ أم أن هذا المريض قد توفى بالفعل عندما توقف مخه نهائيا عن القيام بوظائفه وبالتالي فإن لا محل للحديث عن وقوع جريمة القتل ؟

يتجه رأي إلى عدم الاعتداد بموت المخ للقول بحدوث الوفاة ، وبالتالي فإنه لا يعتد إلاّ بالوفاة الطبيعية ولا عبرة بما يُسمى بالموت الإكلينيكي ، خاصة وأن حالة المريض يمكن أن تتطور ويعود مخه إلى العمل مرة أخرى. ويتجه رأي آخر إلى أن الاعتداد بالموت الإكلينيكي وبأنه يأخذ حكم الموت الطبيعي ، فلحظة الوفاة هي إذن لحظة موت المخ ولو ظل قلبه ينبض. غير أنه يجب أن يقرر الأطباء أنه لا أمل في عودة المخ إلى الحياة مرة أخرى وأن يمضي من الوقت ما يسمح بتقرير ذلك . كما ينبغي إلاّ يترك أمر تقدير ذلك إلى طبيب واحد ، بل إلى مجموعة من الأطباء .

ويبرهن كل ذلك على حساسية ذلك الموضوع ، نظرا لتعلقه بمسألة دينية وهي الموت والحياة ، كما أن هناك شبهة في تقرير أن الشخص قد توفى حتى يتم الاستفادة من أعضاء جسمه للاتجار بها ، وهي مسألة تثير الرأي العام في الآونة الأخيرة . لذلك فإن كثيرا من مشروعات القوانين التي تعتد بالموت الإكلينيكي لا تُكلل بالنجاح .

ثانيا الفاعل في القتل إنسان :

لا تقع جريمة القتل إذا كان الفاعل غير إنسان ، كأن يكون حيوانا هائجا أو بفعل الطبيعة كعاصفة أو أي كارثة طبيعية . فالوفاة عندئذ هي قضاء وقدر . غير أنه لا يشترط أن يصدر النشاط الإجرامي من إنسان مباشرة ، بل يمكن أن يستعين الجاني بآلة موجهة ، كإرسال طرد من المتفجرات أو تحريش كلب مسعور ضد المجني عليه أو ترك ثعبان في فراشه . في كل هذه الأمثلة يصدر النشاط من الناحية القانونية من إنسان ، أما المتفجرات أو الكلب أو ا لثعبان ، فهي ليست إلاّ وسيلة استعان بها الجاني لتنفيذ نشاطه .

أما إذا حرّض شخص عاقل شخصا مجنونا أو صبيا غير مميز ( أقل من سبع سنوات ) على القتل ، فإن اتجاها في الفقه اعتبر الشخص المجنون في حكم الوسيلة التي يستعين بها الجاني في نشاطه ، ومن ثمّ فإن المحرض هو في حقيقة الأمر فاعل أصلي ( معنوي ) في الجريمة ، ولا جريمة تقع من المجنون أو الطفل غير المميز لعدم توافر الركن المعنوي في الجريمة .

غير أن الرأي الراجح في الفقه يتجه إلى اعتبار أن الجريمة من الوجهة القانونية تقع من المجنون أو الصبي غير المميز ، غاية الأمر أن المسئولية الجنائية تنتفي وبالتالي فإن الشخص العاقل يُسأل بوصفه محرضا في الجريمة وليس فاعلا أصليا فيها .

ويبدو أن المشرع في قانون العقوبات ينضم إلى وجهة النظر الأخيرة حيث تنص المادة 42 عقوبات على أنه " إذا كان فاعل الجريمة غير معاقب لسبب من أسباب الإباحة أو لعدم وجود القصد الجنائي أو لأحوال خاصة به وجبت مع ذلك معاقبة الشريك بالعقوبة المنصوص عليها قانونا " . فالشخص غير المميز فاعل في الجريمة وإن كان غير مسئول ، ومن يحرضه يُعد شريكا في الجريمة ويحق عليه العقاب إذا كان بالغا عاقلا .

ثالثا اختلاف المجني عليه عن الجاني : ( لا عقاب على الانتحار )

تختلف جريمة القتل عن الانتحار ، حيث إن القتل معاقب عليه ، أما الانتحار فإنه عمل غير معاقب عليه . يترتب على ذلك أنه لا شروع في الانتحار إذا أخفق الفاعل في الانتحار .