عِنْدَمَا حَجَلَتْ خُنْفُسَاءُ اللَّيْلِ الأَخِيرِ



اتَّكَأَتْ مُنَى عَلَى رُوحِهِا الْجَرِيحَةِ مُتْعَبَةً حَامِلَةً جَسَدَهَا الْهَامِدَ 000
تَجُرُّ رِجْلَيْهَا فِي عَيَاءٍ ، غَيْرَ مُصَدِّقَةٍ أَنَّهَا بَلَغَتِ الْخَامِسَةَ وَالأَرْبَعِينَ ، وَلَمْ تَزَلْ مُسْتَسْلِمَةً مِنْ رَجُلٍ إِلَى آَخَرَ فِي دَوَّامَةٍ لا تَنْتَهِي ، رَاجِيَةً أَنْ تَلْقَى فَارِسَهَا الأَسْمَرَ صَائِلاً مِنْ وَرَاءِ الْحُقُولِ فَوْقَ جَوَادِهِ الأَبْيَضِ ذَاتَ يَوْمٍ ، خَاطِفًا قَلْبَهَا الْحَزِينَ ، قَابِضًا يَدَيْهَا الرَّقِيقَتَيْنِ ، رَافِعًا أَعْضَاءَهَا الْمُتَّقِدَةَ أَمَامَهُ ، حَاضِنًا صَدْرَهَا الدَّافِئَ فِي رِفْقٍ ، مُلْتَصِقًا بِظَهْرِهَا السَّاخِِنِ فِي انْتِشَاءٍ ، جَاذِبًا لِجَامَ فَرَسِهِ الْجَامِحِ ، مُتَوَغِّلاً عَمِيقًا نَحْوَ التِّلالِ الْبَعِيدَةِ 000
ـ إِلَى أَيْنَ أَنْتِ ذَاهِبَةٌ يَا مُنَى ؟
ـ لَسْتُ أَدْرِي يَا رَبَابُ !
ـ أَوْشَكَ اللَّيْلُ أَنْ يَمُرَّ ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ إِلا الْكِلابُ تَنْبُحُ فِي الشَّوَارِعِ الْمُظْلِمَةِ تَبْحَثُ عَنْ قِطَّةٍ سَمِينَةٍ وَحِيدَةٍ دُونَ مُقَابِلٍ 000
عُودِي إِلَى حُجْرَتِكِ 000 لِتَسْتَرِيحِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَا مُنَى !!
ـ لَنْ أَسْتَرِيحَ قَبْلَ أَنْ أَلْقَاهُ يَا رَبَابُ 0
ـ إِنَّهُ مُجَرَّدُ سَرَابٍ لَنْ يَأْتِيَ !!
أَفِيقِي يَا مُنَى !! نَحْنُ لا نَخْتَارُ حَيَاتَنَا 000 نُعْطِي لِمَنْ يَمْلِكُ ثَمَنَ الطَّعَامِ ، وَنَمْنَحُ بِلا حُدُودٍ لِيَرْضَى وَيَعُودَ ثَانِيَةً 000 أَفِيقِي يَا عَزِيزَتِي !!
ـ لَكِنَّنِي لَنْ أَفْقِدَ الْحُلْمَ الَّذِي أَعِيشُ مِنْ أَجْلِهِ !!
وَإِنَّنِي وَاثِقَةٌ مِنْ عَوْدَتِهِ قَرِيبًا ، قَرِيبًا جِدًّا !!
ـ وَمَاذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدِّمَ لَكِ أَكْثَرَ مِنَ الآَخَرِينَ ؟
ـ يَمْنَحُنِي دِفْأَهُ وَعَطْفَهُ وَرُوحَهُ وَقَلْبَهُ الَّذِي يَتَّسِعُ لِكُلِّ لَحَظَاتِ ضَعْفِي 000 هُوَ ـ وَحْدَهُ ـ قَادِرٌ أَنْ يَحْتَوِيَ تِلْكَ الْمَارِقَةَ الَّتِي تَسْكُنُنِي ، مُتَمَرِّدَةً عَلَى هَذَا الْوَاقِعِ الْمُتَعَفِّنِ الَّذِي أَعِيشُ فِيهِ رَغْمًا عَنِّي 000
ـ أَحْلامٌ لا تَتَحَقَّقُ 000 أَفِيقِي يَا عَزِيزَتِي !!
ـ لَكِنَّ الْحُلْمَ بَاقٍ لا يَمُوتُ يَا رَبَابُ 0
ـ يُمْكِنُكِ أَنْ تَعُودِي ـ إِنْ شِئْتِ ـ إِلَى بِنْتَيْكِ وَأَبِيهِمْ يَا مُنَى 000
مَا زَالَ يَرْغَبُ فِي عَوْدَتِكِ 000
ـ كَلا يَا رَبَابُ ، لَنْ أَعُودَ إِلَيْهِ وَقَدْ سَاقَنِي بِقَسْوَتِهِ وَجَبَرُوتِهِ إِلَى تِلْكَ الأَقْدَارِ ، وَأَنَا مَيِّتَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْبِنْتَيْنِ 000 أَلَيْسَ كَذَلِكَ ؟
أُفَضِّلُ الشَّوَارِعَ السَّاخِنَةَ عَلَى الْحَيَاةِ الْبَارِدَةِ مَعَهُ 000
ـ إِذًا لِنُكْمِلِ احْتِفَالَنَا بِعِيدِ مِيلادِكِ ، وَلا تَخْرُجِي فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُتَأَخِّرِ !!
ـ أَرْجُوكِ يَا رَبَابُ ، سَوْفَ أَخْرُجُ الآَنَ 000 أَرْجُوكِ 000
ـ كَمَا تَشَائِينَ 0 انْتَبِهِي لِنَفْسِكِ يَا عَزِيزَتِي !!
000000
000000
000000
نَاظِرَةً فِي الْمِرْآَةِ تَتَأَمَّلُ مَلامِحَهَا الْمَكْسُورَةَ فَوْقَ سَطْحِهَا الأَمْلَسِ 000
تُصْلِحُ مَسَاحِيقَهَا الْكَثِيفَةَ ، مُتَخَفِّيَةً وَرَاءَهَا تُحَاوِلُ أَنْ تَبْتَسِمَ 000
تَرْتَدِي قِنَاعَهَا خَارِجَةً مِنْ أَحْزَانِهَا 000
تُخْفِي ـ فِي قَلَقٍ ـ شَعْرَهَا الأَبْيَضَ الَّذِي مَلأَ رَأْسَهَا الصَّغِيرَ 000
تَخْطُو هَادِئَةً نَحْوَ الطَّرِيقِ ، تَتَصَنَّعُ بَرَاءَةَ الْيَمَامِ ، مُتْقِنَةً دَوْرَهَا الْجَدِيدَ 000
يَظُنُّهَا النَّاظِرُ إِلَيْهَا مَلاكًا طَاهِرًا هَبَطَ مِنَ السَّمَاءِ سَاعَةَ السَّحَرِ فِي بَكَارَتِهِ نَقِيًّا عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ 000
نَاصِبَةً فِخَاخَهَا فَوْقَ الأَرْصِفَةِ الْبَارِدَةِ تَعْرِفُ كَيْفَ تَصِيدُ الْعَصَافِيرَ إِذَا غَادَرَتْ ـ وَحِيدَةً ـ أَعْشَاشَهَا 000
000000
000000
000000
عَلَى جِذْعِ صَفْصَافَةٍ تَسْنِدُ ظَهْرَهَا ، يَأْخُذُهَا صَوْتُ الْعَصَافِيرِ الْجَائِعَةِ مُغَرِّدَةً ، تَتَبَادَلُ حَبَّاتِ الْقَمْحِ مِنْ فَمٍ لِفَمٍ فِي ابْتِهَاجٍ 000
تَدْفَعُ بِرِجْلِهَا ـ فِي تَقَزُّزٍ ـ خُنْفُسَاءَ تُحَاوِلُ أَنْ تَتَسَلَّقَ جِذْعَ الشَّجَرَةِ 000
تُتَابِعُهُا فِي دَهْشَةٍ وَهِيَ تَسْتَجْمِعُ قُوَاهَا فَوْقَ الرَّصِيفِ لِتَصْعَدَ ثَانِيَةً 000
تَحْجِلُ فِي خُيَلاءَ رَافِعَةً رِجْلَيْهَا 000
تَدُورُ حَوْلَ نَفْسِهَا فِي غَيْرِ يَأْسٍ رَاقِصَةً فِي خِفَّةٍ 000
فِي مُحَاوَلَةٍ لِلْبَقَاءِ تُحَاوِلُ أَنْ تَلْفِتَ انْتِبَاهَ السِّرْبِ الصَّاعِدِ فَوْقَ فُرُوعِ الصَّفْصَافِ لِتَلْحَقَ بِهِ 000
تَسْتَلْقِي فِي ارْتِيَاحٍ عَلَى ظَهْرِهَا رَافِعَةً أَرْجُلَهَا فِي إِغْوَاءٍ000
تَفْجَؤُهَا أَسْرَابُ النَّمْلِ مُتَدَافِعَةً تَشُدُّ ذَيْلَهَا نَاهِشَةً جَسَدَهَا الْمُمْتَلِئَ 000
تُحَاوِلُ أَنْ تَنْهَضَ مُحَرِّكَةً أَرْجُلَهَا لِلأَسْفَلِ عَنِيفًا دُونَ جَدْوَى 000
تُصْبِحُ ـ فِي لَحْظَةٍ ـ خُنْفُسَاءُ اللَّيْلِ الأَخِيرِ وَلِيمَةً شَهِيَّةً وَعَشَاءً لَذِيذًا لأَسْرَابِ النَّمْلِ الْمُتَزَايِدَةِ 000
تُسْرِعُ مُنَى خَائِفَةً كَعُصْفُورٍ جَرِيحٍ يَسْقُطُ مِنْ فَوْقِ الْعُشِّ 000
تُبْعِدُ أَسْرَابَ النَّمْلِ 000
تُحَرِّكُ الْخُنْفُسَاءَ فِي رِفْقٍ عَلَى بَطْنِهَا 000
تُلَمْلِمُ بَقَايَاهَا نَاهِضَةً 000
مُتَمَاسِكَةً تَفِرُّ هَارِبَةً وَرَاءَ الأَشْجَارِ تُطَارِدُهَا بَقَايَا السِّرْبِ فِي إِصْرَارٍ 000
000000
000000
000000
ـ أَهْلاً !!
ـ أَهْلاً !!
ـ إِلَى أَيْنَ ؟ أَلا تَحْتَاجِينَ إِلَى مَنْ يُخَفِّفُ عَنْكِ أَوْجَاعَ الطَّرِيقِ ؟
ـ رُبَّمَا !!
ـ الْبَيْتُ قَرِيبٌ جِدًّا 000 يُمْكِنُ أَنْ تَتْبَعِينِي 00
ـ وَكَمْ تَدْفَعُ ؟
ـ لَنْ نَخْتَلِفَ 000 فَقَطِ اتْبَعِينِي !!
ـ لا يَا شَاطِرُ ، الدَّفْعُ مُقَدَّمٌ !!
ـ لا بَأْسَ ، هَذِهِ خَمْسُونَ 000
ـ مِائَةٌ أَوْ تَنْصَرِفُ وَحْدَكَ 000 مَا قَوْلُكَ ؟
ـ لا بَأْسَ 000 هَذِهِ خَمْسُونَ أُخْرَى 000
000000
تُسْرِعُ وَرَاءَهُ مُتَسَلِّلَةً فَوْقَ السَّلالِمِ الْقَدِيمَةِ نَاظِرَةً إِلَى رِجْلَيْهَا 000
لا تَتَفَادَى الْعَتَبَةَ الْمَكْسُورَةَ 000
تَتَمَاسَكُ ـ مُنْحَنِيَةً ـ فِي قُضْبَانِ السُّورِ ، صَاعِدَةً تَحْمِلُ جِرَاحَهَا 000
مُتَلَفِّتًا يَمْنَةً وَيَسْرَةً يَفْتَحُ الْبَابَ 000
تَدْخُلُ فِي غَيْرِ ارْتِبَاكٍ خَالِعَةً حِذَاءَهَا الْمُتَّسِخَ 0
يُشِيرُ إِلَيْهَا أَنْ تَدْخُلَ الْحُجْرَةَ الْمُقَابِلَةَ 000
مُطْمَئِنَّةً تُرْخِي سَاقَيْهَا فَوْقَ الْمِقْعَدِ 000
تُنْصِتُ فِي ذُهُولٍ مِنْ وَرَاءِ النَّافِذَةِ إِلَى صَهِيلِ الْفَرَسِ الأَبْيَضِ يَقْتَرِبُ مُمْتَطِيًا ظَهْرَهُ فَارِسُهَا الأَسْمَرُ 000
آَمِنَةً تَخْلَعُ ثِيَابَهَا الضَّيِّقَةَ 000
تَسْحَبُ مِنْ بَيْنِ الضُّلُوعِ الْمُرْتَجِفَةِ رُوحَهَا الْمُعَذَّبَةَ ، نَافِضَةً أَوْجَاعَهَا فَوْقَ الْمَلابِسِ الْمُتَنَاثِرَةِ 000
عَارِيَةً تَرْتَمِي فَوْقَ السَّرِيرِ الْخَشَبِيِّ 000
تَعْلُو الْهَمْهَمَاتُ مُبْهَمَةً خَارِجَ الْحُجْرَةِ 000
ـ لِتَبْدَأْ أَنْتَ ، ثُمَّ أَنْتَ ، وَأَنْتَ ، وَأَنْتَ ، وَلا بَأْسَ أَكُونُ الأَخِيرَ 000
مُرْتَبِكًا ، يَنْقُلُ رِجْلَيْهِ مُتَقَدِّمًا نَحْوَ جَسَدِهَا الْمُشْتَعِلِ 000
ـ انْتَظِرْ !! كَمْ أَنْتُمْ ؟
ـ خَمْسَةٌ
ـ لَكِنَّكُمْ لَمْ تَدْفَعُوا 000 الدَّفْعُ مُقَدَّمٌ !!
ـ أَلَمْ يَدْفَعْ لَكِ ؟
ـ دَفَعَ لَنَفْسِهِ فَقَطْ 000
ـ لَيْسَتْ هُنَاكَ مُشْكِلَةٌ 000 تَفَضَّلِي !!
000000
000000
000000
مُنْسَحِبًا وَرَاءَ الأُفُقِ يَجُرُّ اللَّيْلُ أَذْيَالَهُ ، يَرُشُّ نَدَاهُ فَوْقَ أَشْجَارِ الْمَدِينَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ فَوْقَ الأَرْصِفَةِ ، غَاسِلاً بُيُوتَهَا ، سَاحِبًا بَقَايَاهُ أَمَامَ السُّحُبِ الْحَمْرَاءِ الْبَارِدَةِ فِي انْتِعَاشٍ 000
كَشَجَرَةِ تُوتٍ وَارِفَةٍ انْفَرَطَتْ حَبَّاتُهَا ، تَهْبِطُ مَاشِيَةً فَوْقَ الرَّصِيفِ 000 تُزِيلُ بَقَايَا مَسَاحِيقِهَا 000
تُسْرِعُ الْخُطَى بَاحِثَةً عَنْ فَارِسِهَا الأَسْمَرِ 000
تَسْنِدُ ظَهْرَهَا فَوْقَ جِذْعِ صَفْصَافَةٍ تَدْفَعُ ـ أَغْصَانَهَا ـ الرِّيَاحُ 000
تُدْهِشُهَا خُنْفُسَاءُ اللَّيْلِ الأَخِيرِ عِنْدَمَا حَجَلَتْ فَوْقَ الرَّصِيفِ وَحِيدَةً مُتْعَبَةً 000
تَتَمَاسَكُ فِي انْكِسَارٍ 000
تَتَسَمَّعُ صَهِيلَ الْخُيُولِ الْبَعِيدَةِ 000
تُوَاصِلُ سَيْرَهَا فِي جُنُونٍ 0