فِي الطَّابِقِ السَّابِعِ يَكُونُ الْحُبُّ مُخْتَلِفًا


اعْتَادَ مُرَادٌ أَنْ يَقِفَ دَقَائِقَ يَجْمَعُ أَشْلاءَ جَسَدِهِ الْمُتْعَبِ أَمَامَ تِلْكَ النَّافُورَةِ الصَّافِيَةِ فِي شَارِعِ الْبَحْرِ ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ إِلَى الْجَرِيدَةِ كُلَّ صَبَاحٍ 0
يَسْنِدُ ظَهْرَهُ مَحْنِيًّا إِلَى أَحَدِ الْمَقَاعِدِ الْمُتَنَاثِرَةِ فِي
الْحَدِيقَةِ الصَّغِيرَةِ الْمُطِلَّةِ عَلَى النَّافُورَةِ الَّتِي
تُعِيدُ إِلَيْهِ بَقَايَا رُوحِهِ حِينَ كَانَ يُطْلِقُ سَاقَيْهِ
فِي حُقُولِ الْقَرْيَةِ مُتَسَلِّقًا أَشْجَارَ التُّوتِ ،
قَاطِفًا بَعْضَ أَوْرَاقِهَا ، مُتَلَذِّذًا بِحَبَّاتِهَا طُولَ
النَّهَارِ ، مُسْتَمْتِعًا بِدُودِ الْقَّزِّ ـ لَيْلاً ـ وَهُوَ يَقْرِضُهَا فِي رِقَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ 000

يَفْتَحُ رُوحَهُ الْمُحَلِّقَةَ عَلَى خُضْرَةِ الْفَدَادِينِ الْمُتَرَامِيَةِ ، مُحْتَضِنَةً أَبْرَاجَ الْمَدِينَةِ الْكَالِحَةَ مِنْ بَعِيدٍ 000
يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ :
ـ حَنَانُ !! حَنَانُ !!
أَيْنَ أَنْتِ يَا حَنَانُ ؟
مَتَى تَعُودِينَ إِذًا ؟
الْغُرْبَةُ طَالَتْ ، وَالْفُؤَادُ لَمْ يَعُدْ يَحْتَمِلُ طُولَ
الْبِعَادِ 000

يَسْتَمِعُ إِلَى الصَّدَى مُرْتَدًّا مِنْ بَيْنِ حُقُولِ الذُّرَةِ ضَعِيفًا فِي انْكِسَارٍ 000
كَانَتْ أَيَّامًا بَرِيئَةً ، تَحْمِلُ الرُّوحَ بَكَارَتُهَا إِلَى جَزَائِرَ سَحِيقَةٍ فِي أَعْمَاقِ مُحِيطٍ تَسْكُنُهُ الْحُورِيَّاتُ عُرُباً أَتْرَاباً أَبْكَاراً 000
كَانَ لِلْحُبِّ رَائِحَةُ الأَمْوَاجِ الدَّافِئَةِ وَهِيَ تَتَدَافَعُ رَقِيقَةً نَحْوَ أَحْضَانِ الشَّاطِئِ الْمُشْتَاقِ 000
ـ انْتَبِهْ يَا مُرَادُ !! التَّيَّارُ شَدِيدٌ هَذَا الصَّبَاحَ ، وَالْقَوَارِبُ مُسْتَسْلِمَةٌ تَتَّجِهُ نَحْوَ الأَعْمَاقِ 000
000000
000000
000000
أَفَاقَ مِنْ غَفْوَتِهِ الْعَمِيقَةِ عَلَى قَطَرَاتِ النَّافُورَةِ الْمُتَنَاثِرَةِ عَلَى أَوْرَاقِ شَجَرَةِ كَافُورٍ 000
يَتَهَادَى مِنْدِيلٌ وَرْدِيٌّ مِنْ أَعْلَى الْبُرْجِ الْمُشْرِفِ عَلَى نَافُورَةِ الْحَدِيقَةِ 000
تَبْتَسِمُ ـ فِي الطَّابِقِ السَّابِعِ ـ امْرَأَةٌ فِي الأَرْبَعِينَ تُشِيرُ إِلَيْهِ أَنْ يَلْتَقِطَ الْمِنْدِيلَ ، وَيَصْعَدَ بِهِ 000
قَفَزَ مِنْ مِقْعَدِهِ مُهَرْوِلاً إِلَيْهَا سَاقِطًا فِي النَّافُورَةِ بَعْدَ ارْتِطَامِهِ بِسُورِهَا الْحَدِيدِيِّ 000
فِي قَفَزَاتٍ سَرِيعَةٍ مُتَتَابِعَةٍ يَصْعَدُ دَرَجَاتِ السُّلَّمِ ، مُغْمَضَ الْعَيْنَيْنِ ، سَارِحًا فِي هَذِهِ الْجَمِيلَةِ الَّتِي طَلَّتْ بِوَجْهِهَا الْمُبْتَسِمِ مِنْ شُرْفَتِهَا 000
مُتَشَجِّعًا يَدُقُّ الْجَرَسَ فِي مُحَاوَلَةٍ لامْتِصَاصِ عَرَقِهِ ، وَالسَّيْطَرَةِ عَلَى أَعْضَائِهِ الْمُتَحَفِّزَةِ خَلْفَ دَقَّاتِ الْقَلْبِ لِلْمِنْدِيلِ الْوَرْدِيِّ 000
ـ ادْخُلْ ! تَعَالَ ! لا تَخَفْ !
تَبْدُو كَفَرَسٍ يَبْحَثُ عَنْ سَاقِيَةٍ 000
ـ مَاذَا ؟
أَمْسَكَتْ بِالْمِنْدِيلِ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ عَلَى الأَرْضِ ، فَالِتًا مِنْ يَدَيْهِ 000
ـ ادْخُلْ بِرِجْلِكَ الْيُمْنَى !
ـ أَخْشَى أَنْ 000
ـ لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَالثَّوْرُ الأَبْيَضُ حِينَ يَرْتَعُ لا يَأْتِي مُبَكِّرًا مِنْ حَقْلِ الْبِرْسِيمِ 000
ـ رُبَّمَا 000
ـ عِنْدَهَا تَكُونُ الْخُيُولُ قَدْ مَرَّتْ فَوْقَ حُقُولِ الْمَنْجُو 00
000000
000000
000000
مُرْتَطِمًا بِكُرْسِيٍّ فِي الْمَمَرِّ كَادَ يَقَعُ ، تُمْسِكُ بِذِرَاعَيْهِ آخِذَةً مِنْدِيلَهَا الْوَرْدِيَّ 0000
تَتَنَهَّدُ فِي ارْتِيَاحٍ ، مُتَوَجِّعَةً فِي اسْتِرْخَاءٍ ، تَبْدُو امْرَأَةً مُكْتَمِلَةً 000
000000
000000
000000
وَجْهُهَا كَبَدْرٍ فِي ظُلُمَاتِ اللَّيْلِ تَوَهَّجَ 000
وَشَعْرُهَا كَأَمْوَاجِ بَحْرٍ تَنْسَابُ دَافِقَةً 000
وَعَيْنَاهَا مَاكِرَتَانِ تَغْمِزَانِ فِي نُعُومَةٍ 000
يَبْتَسِمُ فَمُهَا كَحَبَّةِ فَرَاوِلَةٍ مَغْمُوسَةٍ فِي عَسَلٍ مُصَفَّىً خَالِصٍ لِلشَّارِبِينَ 000
صَدْرُهَا كَرَبِيعٍ أَدْرَكَهُ الصَّيْفُ ، فَأَشْعَلَ أَشْجَارَ التِّينِ ، حَيْثُ يُزَقْزِقُ الْعُصْفُورُ ـ مُنْتَشِيًا ـ فِي عُشِّهِ بَيْنَ فَرْعَيْنِ 0
000000
000000
000000
فِي الْيَوْمِ التَّالِي أَمَامَ النَّافُورَةِ ـ الْتَقَطَ الْمِنْدِيلَ ، وَهِيَ تَبْتَسِمُ فِي شُرْفَتِهَا كَزَهْرَةِ لَوْزٍ مُبْتَلَّةٍ بِقَطَرَاتِ النَّدَى 000
دَقَّ الْبَابَ 000
فَتَحَتْ 00000
دَخَلَ الشُّرْفَةَ 000
شَرِبَ فِنْجَانَ الْقَهْوَةِ 000
قَلَبَ الْفِنْجَانَ 000
ابْتَسَمَتْ فِي انْتِشَاءٍ 0000
000000
000000
000000
فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ ـ يَتَنَاوَلُ الْمِنْدِيلَ 000
يَصْعَدُ ـ فِي مَهَلٍ ـ عَتَبَاتِ السُّلَّمِ 0000
يَتَوَقَّفُ مُلْتَقِطًا أَنْفَاسَهُ 000
يَدْخُلُ مُرْتَبِكًا 000
يَسْتَرْخِي فَوْقَ الْمِقْعَدِ 000
000000
000000
000000
فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ ـ يَجْلِسُ مُنْتَظِرًا أَمَامَ
النَّافُورَةِ 000

يَسْتَدْعِي السَّاقِيَةَ الْقَدِيمَةَ 000
يَتَذَكَّرُ يَوْمَ انْطَلَقَ الثَّوْرُ الأَبْيَضُ جَائِعًا فِي حَقْلِ
الْبِرْسِيمِ ، فَظَلَّ مَرْبُوطًا يَجُرُّ السَّاقِيَةَ طُولَ
اللَّيْلِ دُونَ تَوَقُّفٍ 000

نَاظِرًا إِلَى أَعْلَى ـ قَلِقًا ـ يَنْتَظِرُ أَنْ تَطُلَّ بِوَجْهِهَا الْمُبْتَسِمِ دُونَ جَدْوَى 000
جَرَّ رِجْلَيْهِ إِلَى الْجَرِيدَةِ 000
تَلَفَّتَ خَلْفَهُ 000
تَمُرُّ عَرَبَةٌ حَدِيدِيَّةٌ تَجُرُّهَا الْخُيُولُ مُسْرِعَةً 000
تَبْتَسِمُ ضَاحِكَةً مُشِيرَةً بِكَفَّيْهَا غَامِزَةً فِي مَكْرٍ
مُوحٍ 000

يَتَهَادَى الْمِنْدِيلُ الْوَرْدِيُّ مِنَ الطَّابِقِ السَّابِعِ 000
000000
000000
000000
مُهَرْوِلاً لِلْوَرَاءِ نَحْوَ حُقُولِ الْقَرْيَةِ الْحَزِينَةِ ـ
يَخْتَفِي بَيْنَ عِيدَانِ الذُّرَةِ ، بَحْثًا عَنْ سَاقِيَةٍ
غَادَرَهَا الثَّوْرُ الأَبْيَضُ رَاتِعًا فِي حُقُولِ
الْبِرْسِيمِ 0