ثالثاً:الركن المعنوي في جريمة الرشوة


الرشوة جريمة عمدية :
يترتب على أن الرشوة جريمة عمدية أنه يلزم توافر العلم والإرادة لدى الفاعل لوقوع الجريمة .
أولا - العـــلم
يلزم أن يكون الفاعل عالما بالواقعة ، أي أن هناك فائدة مقدمة له بغرض القيام بعمل أو امتناع أو إخلال بواجبات وظيفته . فإذا كان الفاعل يجهل أن مبلغا من المال قد قُدم إليه في ثناينا الأوراق ، دون أن يراه ، فإن ذلك ينفي العلم وبالتالي ينفي القصد الجنائي .
وبالإضافة إلى ذلك يلزم توافر العلم بكافة العناصر المكونة للجريمة ، ومن بينها صفة الموظف العام . فإذا كان الراشي معتقدا أن الشخص ليس موظفا عاما في مفهوم المادة 111 عقوبات أو كان يعتقد أنه غير مختص بالعمل ، فإن جريمة عرض الرشوة لا تقوم . وكذلك لا تقوم جريمة الرشوة نفسها إذا كان الفاعل يجهل أن أمرا إداريا صدر بندبه للقيام بهذا العمل ، أي كان يعتقد على غير الحقيقة أنه غير مختص .
ثانيا - الإرادة
يلزم بالإضافة إلى العلم توافر الإرادة ، أي أن يكون الفاعل قاصدا الاستيلاء على مبلغ أو هدية من صاحب المصلحة مقابلا لأعمال تتعلق بوظيفته. فإذا كان قاصدا الإيقاع بالراشي بعد أن قام بالتبليغ عن محاولة إرشائه فإن هذا الأخذ أو القبول لا يتوافر فيه القصد الجنائي . فلا جريمة رشوة تقع وإنما جريمة عرض للرشوة .
العلاقة بين الفائدة والنشاط :
يشترط أن يكون سبب الارتشاء حث الموظف على القيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة .
ولا يشترط أن يقوم الراشي فعلا بالعمل أو الامتناع أو الإخلال المطلوب. بل تقع الجريمة تامة بالأخذ أو القبول أو الطلب وقبل أداء العمل المطلوب . وأكثر من ذلك فإن جريمة الرشوة تقوم حتى ولو لم يكن الموظف منتويا القيام بالعمل المطلوب منه ، وذلك بصريح نص المادة 104 مكررا عقوبات.

صور العمل المطلوب :
يلزم أن يكون غرض تقديم الفائدة تحقيق عمل من الأعمال التالية :
الصور الأولى : القيام بعمل من أعمال الوظيفة
تقع جريمة الرشوة حتى ولو أدى الموظف واجبه الوظيفي على الوجه الوظيفي المعتاد، ذلك أنه من الضروري إلاّ يتقاضى مقابلا من أحد للقيام بواجبه. فقد قدّر المشرع خطورة أن يؤدي الموظف عمله بناء على فائدة حصل عليها من صاحب المصلحة لأن معنى ذلك أنه لن يقوم بواجبه الوظيفي إلاّ إذا تقاضى مقابلا لذلك من الجمهور .
وتقوم جريمة الرشوة بالأخذ أو القبول أو الطلب للفائدة ، طالما كان ذلك مرتبطا بعمل من أعمال الوظيفة . فتقع جريمة الرشوة من موظف الجمارك الذي يقوم بالتخليص على الأوراق وختمها بعد المواعيد الرسمية للعمل حتى تنتهي إجراءات الإفراج عن البضاعة المستوردة في الجمارك ، الأمر الذي يسمح لصاحب الشأن بتفادي التأخير في الاستلام وتحمل إيجار أماكن البضاعة أو غرامات أو فروق تغيير العملة ، طالما كان اجتهاد الموظف في العمل غير مبرر إلاّ‍ بالحصول على هدية من صاحب الشأن .

الصور الثانية : الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة
في هذه الصورة يمتنع الموظف متعمدا أن يؤدي واجبه الوظيفي نظير الحصول على فائدة . مثال ذلك أن يمتنع عسكري المرور عن تحرير مخالفة للسائق الذي لا يحمل رخصة قيادة نظير الحصول على خمسة أو عشرة قروش. هذه الصورة من صور السلوك السلبي يسهل إثباتها ، إذ إن واجبات الموظف محددة قانونا . فإذا كان عدم أدائها على علاقة سببية بالفائدة ، فإن الجريمة تقع.
ويعتبر تأخير الموظف في القيام بعمل من أعمال وظيفته وتأجيله القيام به من يوم لآخر من قبيل الامتناع السابق ذكره . وتطبيقا لذلك قُضي بأنه " إذا كان عمل المتهم هو تلقي الخطابات الواردة وتوزيعها على الأقسام المختصة وأن الشكوى التي دارت عليها الواقعة قد سلمت إليه بسبب وظيفته فاستبقاها لديه وحملها إلى التاجر المشكو وطلب منه الرشوة نظير أتلاف هذه الشكوى ، فإنه يرتكب جريمة الرشوة.

الصورة الثالثة : الإخلال بواجبات الوظيفة
من صور هذا الإخلال :
- إصدار قرار معيب من الناحية الإدارية لمخالفة القانون أو للتعسف في استعمال السلطة (ركن الغاية) .
- القيام بعمل مادي مخالف للقوانين أو اللوائح أو القرارات أو التعليمات.
ومن مظاهر هذه الأعمال المادية خروج الموظف على حدود اختصاصه، فيقوم بعمل من اختصاص زميل له مدفوعا في ذلك بدافع الحصول على مبلغ الرشوة.



رابعاً: عقوبة الرشوة



تقرر المادة 103 عقوبات " عقوبة الموظف المرتشي والتي تتمثل في الأشغال الشاقة والغرامة النسبية ، كما تقرر المادة 107 مكررا عقوبات أن الراشي أو الوسيط يعاقب بالعقوبة المقررة للمرتشي في نفس الوقت الذي تقرر فيه عذرا معفيا من العقاب لهما إذا أخبرا السلطات بالجريمة أو اعترفا بها .
عقوبة الموظف المرتشي :
تحدد المادة 103 عقوبات عقوبة الموظف المرتشي وهي :
الأشغال الشاقة المؤبدة كعقوبة أصلية والغرامة النسبية والمصادرة كعقوبة تكميلية.
العقوبة الأصلية :
العقوبة الأصلية للموظف هي الأشغال الشاقة المؤبدة . والمعروف أن المحكوم عليه يتم الإفراج الشرطي عنه في حالة الأشغال الشاقة المؤبدة بمضي عشرين عاما بشرط حسن السير والسلوك في أثناء تنفيذه للعقوبة .
ومن ناحية أخرى يمكن للمحكمة أن تأخذ المتهم بالرأفة فتخفض الأشغال الشاقة المؤبدة إلى الأشغال الشاقة المؤقتة التي تبدأ من 3 سنوات إلى خمس عشرة سنة . بل يمكن أن يصل التخفيض بمقتضى المادة (17 ) عقوبات إلى عقوبة السجن الذي يتراوح بين 3 سنوات وخمس عشر سنة .

العقوبة التكميلية :
يُضاف إلى عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة عقوبة أخرى تكميلية أي تنطق بها المحكمة مع العقوبة السابقة . وهذه العقوبة التكميلية تتمثل في الغرامة النسبية والمصادرة . هذا بالإضافة إلى العقوبة التبعية التي تتضمنها المادة (25) عقوبات.
الغرامة النسبية :
نصت المادة 103 عقوبات على عقوبة الغرامة النسبية بقولها " وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على أعطي أو وعد به " . والمقصود بالغرامة النسبية أن مقدارها يتوقف على عامل خارجي غير محدد في النص . فقد يكون الضرر المترتب على الجريمة وهو هنا في جريمة الرشوة الفائدة التي حصل أو ينتظر الموظف أن يحصل عليها . وعلى كل حال ، إذا كانت الغرامة النسبية غير محددة في النص فيجب على المحكمة أن تحدد مقدارها وألاّ تنطق الحكم بالغرامة وتحيل في تحديد مقدارها إلى ما هو ثابت بقرار الاتهام لأن الحكم يجب أن يكون مستقلا بذاته وكافيا لتحديد مقدار الغرامة .
ويلاحظ أن الغرامة النسبية هنا هي في حدها الأقصى دون حدها الأدنى، إذ إن المادة 103 عقوبات تحدد مقدارها بألاّ تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطي أو وعد به .
ويترتب على اعتبار الغرامة هنا من النوع النسبي النتائج الاتية :
- أن المحكمة لا ينبغي أن تحدد عقوبة الغرامة لكل موظف مرتش إذا تعدد هؤلاء . فالعقوبة واحدة لكافة الفاعلين الأصليين . وهنا تقف الغرامة النسبية على طرف النقيض مع الغرامة العادية التي يجب على المحكمة أن تحدد مقدارها لكل مساهم في الجريمة . وفي هذا الصدد تنص المادة (44) من قانون العقوبات على أن "إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلون كانوا أو شركاء ، فالغرامات يحكم بها على كل متهم على انفراد ، خلافا للغرامة النسبية فكلهم يكونوا متضمنين في الالتزام بها ما لم يُنص في الحكم على خلاف ذلك ".
- الفاعلون الأصليون في حالة وجود أكثر من موظف مرتش متضامنون في الوفاء بالغرامة النسبية إذا لم يحدد الحكم نصيب كل منهم فيها . ومعنى ذلك أنه يجوز الرجوع على أحدهم بمقدار الغرامة بالكامل للوفاء عن نفسه وعن الفاعلين معه عن نصيبهم في الغرامة وله في هذه الحالة الرجوع عليهم لاسترداد ما دفعه عنهم .
المصادرة :
العقوبة التكميلية الثانية التي يتعين على المحكمة أن تحكم بها على الموظف المرتشي هي عقوبة المصادرة . إذ تنص المادة 110 عقوبات على أن "يحُكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة طبقا للمواد السابقة ) .
ويُلاحظ أن النص على المصادرة الوجوبية هنا يمثل أيضا خروجا على القواعد العامة التي تقضي بأن المصادرة تكون وجوبية فقط إذا وجدت أشياء تحصلت من الجريمة أو استعملت فيها مما يُعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في حد ذاته . وهو ما لايتوافر في حالة الفائدة في الرشوة إذا كانت نقودا أو هدية مما يتوافر فيها الشرط السابق .. فالوصف الطبيعي للأمور أن تكون المصادرة جوازية استنادا إلى المادة 30 من قانون العقوبات " يجوز للقاضي إذا حكم بعقوبة الجناية أو لجنحة أن يحكم بمصارة الأشياء المضبوطة التي تحصلت من الجريمة . وكذلك الأسلحة والآلات المضبوطة التي من شأنها أن تستعمل فيها ، وهذا كله بدون إخلال بحقوق الغير حسن النية ".
كما أردفت المادة (30) عقوبات بقولها " وإذا كانت الأشياء المذكورة من التي يُعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في حد ذاته وجب الحكم بالمصادرة في جميع الأحوال ولو لم تكن تلك الأشياء ملكا للمتهم.
وبهذا فإن النص على عقوبة المصادرة بشكل وجوبي في جريمة الرشوة يمثل خروجا على القواعد العامة في المصادرة .
وجدير بالذكر أن الحكم بمصادرة الفائدة ( مبلغ أو هدية ) يقتضي أن تكون قدتم تقديمها بالفعل . أما إذا توقف الأمر عند الوعد بها أو طلبها ، فإنه لا يمكن في هذه الحالة مصادرتها ، لأنه لم يتم ضبطها . كما أن لهذا الضبط أهمية من ناحية الغرامة النسبية والتي تحدد بمقدار ما تبلغ هذه الفائدة في حدها الأقصى.
الحرمان من الحقوق والمزايا :
الحرمان من الحقوق والمزايا هي عقوبة تبعية أي أنه ليس من الضروري أن تحكم بها المحكمة . فهي أثر يرتبه القانون على الحكم نفسه إذا كان يقضي بعقوبة جناية ن أي أن العبرة ليست بارتكاب جناية ولكن العبرة هي بالحكم بعقوبة الجناية . ومعنى هذا أنه إذا ارتكب الفاعل جناية ولكن القاضي أخذه بالتخفيف (طبقا للمادة 17 عقوبات) فإنه يحكم عليه بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم به عليه (مادة 27 من قانون العقوبات) . وجدير بالملاحظة أن تنزيل عقوبة الرشوة طبقا للمادة 17 لا يجوز أن يصل إلى احبس إلاّ في بعض الجرائم الملحقة بالرشوة والمعاقب عليها بالسجن مثل المكافأة اللاحقة .
وفي هذا تنص المادة 25 عقوبات على أن " كل حكم بعقوبة جناية يستلزم حرمان المحكوم عليه من الحقوق والمزايا الآتية :
- القبول في أي خدمة في الحكومة مباشرة أو بصفة متعهد أو ملتزم أيا كانت أهمية الخدمة .
- التحلي برتبة أو نيشان
- الشهادة أمام المحاكم مدة العقوبة إلاّ على سبيل الاستدلال .
- إدارة أشغاله الخاصة بأمواله وأملاكه مدة اعتقاله ويعين قيما لهذه الإدارة تقرره المحكمة ..
وعلى هذا فإن العقوبة التبعية ليست عقوبة خاصة بالرشوة ولكن الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة ( أو المؤقتة أو السجن إذا اختار القاضي التخفيف طبقا للمادة 17 عقوبات) يستتبع توقيع هذه العقوبة. ولا حاجة لأن ينطق بها القاضي، فهي أثر يرتبه القانون على الحكم بعقوبة الجناية .
ويلاحظ أنه إذا حكم القاضي بعزل الموظف مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه ، فإن انقضاء تلك المدة يعني بالضرورة عودة الموظف إلى العمل الوظيفي رغم أن الرابطة الوظيفية قد انقضت بعزله .
مسئولية الراشي :
إذا كانت المادة 103 عقوبات تخاطب المرتشي وتحدد عقابه ، فلأنها تتطلب صفة في الفاعل الأصلي أن يكون موظف عاما . أما الراشي فيسري في حقه القواعد العامة التي تقضي بعقاب الشريك بنفس العقوبة المقررة للفاعل الأصلي ( من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها : مادة 41 عقوبات ) . فلا شك أن الراشي شريك بالتحريض في الجريمة سواء أكان هو الذي بدأت بعرض الفائدة أو أن الموظف هو الذي طلب ذلك .
وتقضي القواعد العامة أيضا بأنه لا شروع في الاشتراك أي أنه إذا قدم الراشي فائدة أو هدية للموظف نظير قيامه بعمله أو الامتناع عنه أو الإخلال به ورفض الموظف هذا الجعل فإن العرض من جانب صاحب الحاجة ما كان ليقع تحت طائلة التجريم بوصفه اشتراكا ، لأن الاشتراك في جريمة يفترض أن تقع هذه الجريمة ، لولا أن المشرع أفرد نصا خاصا للعقاب عن هذا النشاط بوصفه عرضا للرشوة ( مادة 109 مكررا ) نظرا لخطورة هذا الفعل .
وعلى هذا فإن جريمة عرض الرشوة تتطلب أن يقوم صاحب الحاجة بتقديم العطية أو الوعد بتقديمها نظير العمل أو الامتناع الوظيفي وأن يقابل هذا العرض بالرفض من جانب الموظف ، لأنه لو قبله لوقعت جريمة الرشوة ولأصبح صاحب الحاجة شريكا في هذه الجريمة .
مسئولية الوسيط :
الوسيط في الرشوة شريك بالتحريض في جريمة الرشوة . ومن ثم فإنه ينطبق عليه ما تقضي به القواعد العامة في الاشتراك من أنه من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها ( مادة 41 عقوبات ) . وهذا يفترض أن تقع جريمة الرشوة، فلا شروع في الاشتراك . هذا وإن كان المشرع قد أفرد نصا خاصا على غرار عرض الرشوة للعقاب على عرض الوساطة وقبولها ( مادة 109 مكررا - ثانيا).
تشديد عقوبة الرشوة :
تشدد عقوبة الرشوة في حالتين :
الحالة الأولى :
إذا كان موضوع الرشوة هو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباتها . في هذه الحالة يسري التشديد على عقوبة الغرامة التي يصبح حدها الأدنى ألفي جنيه . أما حدها الأقصى فإنه لا يزيد على ضعف ما أعطي أو وعد به ( مادة 104 عقوبات ).
ويعالج هذا الفرض حالة الإخلال بواجبات الوظيفة بناء على الرشوة، وبالتالي فإن التشديد لا يسري إذا كان بغرض قيام الموظف بأداء أعمال وظيفته بشكل طبيعي .
ويسري نفس التشديد على حالة الرشوة اللاحقة والتي تتمثل في تفاهم سابق على الامتناع عن العمل أو الإخلال ثم طلب أو أخذ أو قبول مبلغ الرشوة ( مادة 104 عقوبات) .
الحالة الثانية :
إذا كان الغرض من الرشوة هو ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة أي أن يكون الغرض من الرشوة هو ارتكاب جريمة أخرى معاقب عليها الإعدام توقع هذه العقوبة الأخيرة .
ويلاحظ أن في ذلك خروجا على القواعد العامة ف تعدد الجرائم من ناحية أن التشديد هنا لا يتطلب ارتكاب الجريمة الأشد ز فيكفي أن يكون الغرض من الرشوة هو ارتكاب هذه الجريمة ، كما لو كان الغرض من الرشوة هو إفشاء أسرار الدولة العسكرية إلى دولة أجنبية ( مادة 80 عقوبات) .
ويعني ذلك أن المشرع يعتد هنا بالباعث ويحاسب المساهمين في ارتكاب الرشوة عند وجود ذلك الباعث . يستوي بعد ذلك أن تكون الجريمة الأشد قد وقعت أو لم تقع . هذا ما لا يتمشى مع المبادئ العامة في القانون والتي تقضي بعدم العقاب على النوايا غير المقرونة بأعمال تنفيذية . فمما لا شك فيه أن الاتفاق على القيام بالجريمة الأشد هو من الأعمال التحضيرية التي لا ترقى إلى البدء في التنفيذ وبالتالي فإنها لا تخضع للعقاب حسب القواعد العامة . هذا من ناحية .
ومن ناحية أخرى يلاحظ أنه إذا تم ارتكاب الجريمة الأشد ، فإن القواعد العامة في تعدد الجرائم تقضي بتطبيق العقوبة الأشد ، حيث إن هناك ارتباطا لا يقبل التجزئة ( مادة 32 عقوبات ). وهنا نتواجد أمام جريمتين ؛ جريمة الرشوة المشددة والجريمة الأخرى التي تمت . ويلاحظ أن جريمة الرشوة المشددة هي دائما الجريمة الأشد . ذلك أن المادة 108 عقوبات تقضي بتوقيع عقوبة الجريمة الأخرى المتفق عليها إذا كانت هي الأشد ، بالإضافة إلى الغرامة النسبية للرشوة.
الإعفاء من العقوبة :
قررت المادة 107 عقوبات سببا للإعفاء من العقوبة بقولها : ويعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها ".
وعلى هذا فإن الإعفاء لا يسري في خصوص الموظف المرتشي وإنما قصره المشرع على الراشي والوسيط للتوصل إلى كشف جريمة الرشوة وتضييق الخناق على الموظف العام . وهذا لا يمنع المحكمة أن تأخذ في اعتبارها تخفيف عقوبة الموظف المرتشي الذي يقوم بالتبليغ عن الجريمة بعد أن تورط فيها .
ويسري الإعفاء بالنسبة للراشي أو الوسيط في حالتين :
الحالة الأولى - التبليغ بوقوع الجريمة
المقصود بها إخبار السلطات بجريمة الرشوة ، يستوي أن يكون التبليغ للسلطات الإدارية أو القضائية أو مساعدي القضاء ( البوليس والنيابة ) .
وإذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة ، فإن الراشي أو الوسيط يعفي من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة طبقا للمادة 48 عقوبات . هذه المادة الأخيرة تقرر الإعفاء لكل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة . فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلا إلى ضبط الجناة.
الحالة الثانية - الاعتــراف
فتح المشرع باب الإعفاء على مصراعيه أمام الراشي والوسيط إذا اعترفا بالجريمة لكي يبقى الموظف وحيدا في مواجهة كافة الأدلة التي تتآزر في مواجهته. ومعنى ذلك من الناحية العملية أن الموظف هو المسئول الوحيد عن جريمة الرشوة . فلا يجدي نفعا أن يبلغ هو عن وقوع الجريمة أو أن يعترف بها، اللهم إلاّ من ناحية إمكانية تخفيف العقاب . وهذا متروك للسلطة التقديرية للمحكمة.
وجدير بالملاحظة أن الإعفاء من العقاب لا يسري إلاّ في حالة جريمة الرشوة أو الشروع في رشوة ، فلا يسري بالنسبة لجريمة عرض الرشوة ، أي إن الإعفاء يسري إذا قبل الموظف الرشوة . أما إذا رفضها فإن صاحب الحاجة والوسيط لا يستفيدان من هذا الإعفاء ، إذ هما مسئولان عن جريمة عرض الرشوة التي لا يسري في خصوصها ذلك الإعفاء .
ويشترط في الإعفاء الذي يعفي الراشي والوسيط من العقوبة :
1 - أن يكون كاملا ، أي متضمنا لكافة التفاصيل عن الجريمة.
2 - أن يكون صادقا ، أي متضمنا ما يعلمه المعترف من معلومات صادقة . فلا يصلح سببا للإعفاء الاعتراف الذي يضلل العدالة .
3 - أن يتمسك به المتهم أمام المحكمة حتى قفل باب المرافعة .
وقد قُضي بأن "الاعتراف المنصوص عليه في المادة 93 عقوبات لم يحدد له النص زمنا ولا جهة حكومية خاصة يؤدي لديها ، فهو بهذا الإطلاق يكون في أي زمن ولدى أية جهة إدارية أو قضائية. ولكن قضاء النقض يذهب إلى أنه رغم إطلاق النص يجب أن يكون هذا الاعتراف حاصلا أمام المحكمة حتى تتحقق فائدته وينتج أثره .
كما يتعين أن يتمسك المتهم (الراشي أو الوسيط ) بذلك الاعتراف حتى قفل بال المرافعة ، فلا يعدل عنه . هذا العدول من شأنه أن يحول دون الاستفادة من ذلك الإعفاء.
ولا يشترط في الاعتراف أن يكون هو الدليل الوحيد في الإدانة ، بل إن العلة من الإعفاء هي مساعدة العدالة وذلك يتحقق باجتماع الأدلة وتساندها في المواد الجنائية.
ويلاحظ أنه إذا كان الغرض من الرشوة هو ارتكاب جريمة أشد من الرشوة ، فإن العقوبة واجبة التطبيق هي هذه العقوبة . والإعفاء في هذه الحالة تعالجه المادة 108 عقوبات التي تنص على أنه " إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة يعاقب الراشي والمرتشي والوسيط بالعقوبة المقررة لذلك الفعل مع الغرامة المقررة للرشوة . ويعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة طبقا لنص الفقرة الأخيرة من المادة 48 من هذا القانون".
وجدير بالذكر أن المادة 48 عقوبات تنص على الإعفاء بقولها "ويُعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة . فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلا إلى ضبط الجناة الآخرين.
وواضح أن الإعفاء ينطبق في حالة عدم وقوع الجريمة الأشد ، إذ يلزم أن يتم إخبار السلطات القضائية أو الإدارية بوجود هذا الاتفاق قبل البحث والتفتيش . أما بعد فإنه يتعين أن يؤدي تعاون الراشي والوسيط إلى ضبط الجناة الآخرين .