الفرع الثاني

الركن المادي



الركن المادي هو سلوك إجرامي يصدر من الفاعل لتحقيق نتيجة معينة وعرفته المادة (28) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على وفق ما يلي (الركن المادي للجريمة سلوك إجرامي بارتكاب فعل جرمه القانون او الامتناع عن فعل أمر به القانون) لذا فان عنصر السلوك او النشاط الإجرامي ويتوفر هذا النشاط عن عدد من العناصر التي تشكل جوهر ومظهر الركن المادي وهي كما يلي : ـ

العنصر الأول : الفعل المادي

يكون الفعل مادي حينما يصدر من الجاني تصرف او نشاط معين ، والفعل على وفق التعريف الذي ورد في نص الفقرة (4) من المادة (19) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل (كل تصرف جرمه القانون سواء كان إيجابيا أم سلبياً كالترك والامتناع ما لم يرد نص على خلاف ذلك ) بمعنى إن الجريمة لا تقع إذا لم يقع مثل هذا الفعل ويبرز للوجود معبرا عنه بحركات أو أعمال يقوم بها الإنسان تظهر إلى العلن وتخرج إلى المحيط الخارجي لكوامن النفس البشرية كان تكون حركة من حركات جسمه أو لسانه وغيرها من الحركات الجسمانية، ويضم كيان الفعل عنصرين : الأول هو الحركة العضوية ، أي تحريك الجاني عضواً في جسمه لإحداث أثر في العالم الخارجي ، والثاني : هو الأصل الإرادي لهذه الحركة والفعل من حيث ماهيته هو كيان مادي والتحديد الدقيق له رهن بتطبيق قوانين السببية الطبيعية التي تكشف عن أصله وتعين آثاره ، ودور الإرادة مقتصر على تحديد أصل الحركة العضوية وإثبات خضوعها لسيطرة من صدرت عنه . وما يعنينا في الإرادة هو التحقق من أن مرتكب الفعل قد أراد ما صدر عنه[21] ، حيث ان النوايا لا يحاسب عليها القانون، إلا إذا شكلت وصفا آخر مثل الاتفاق الجنائي[22]، وهذا الفعل المادي أو المظهر الخارجي للفعل يسمى ( السلوك الإجرامي ) بصوره المختلفة ويحتوي على الأفعال والأنشطة الايجابية والسلبية[23] ، وفي
جريمة التوسط أو التوصية أو الرجاء فان الفعل الجرمي يكون يطلب الجاني أو الفاعل لنفسه أو لغيره من الموظفين أن يقوم بعمل او يمتنع عن أداء عمل بناءا على التوصية أو التوسط أو الرجاء . كذلك يجب أن يكون الفعل صادر من شخص يملك إرادة حرة، لان هذا الفعل يشكل اعتداء على الآخر أو على حق الغير ولا يعتد بأي فعل ما لم يصدر من شخص يملك إرادة كاملة وواعية للتصرف الذي يصدر ومن إنسان يدرك تماما فعله والأثر الذي سيترتب عليه، فإذا كان الفعل قد صدر من شخص فاقد الإدراك[24] أو مسلوب الإرادة مثل المكره على القيام بأفعال جنائية الذي اضطر للقيام بالفعل لضرورة دفعته على القيام بذلك[25] أو المجنون أو الصغير أو غير المميز[26]، وهذا يؤدي إلى أن يتوفر الجاني عن شرط إن يتذرع بصفة معينة تكون ذات حضور وتأثير على الموظف، ولا فرق في أن تكون هذه الصفة حقيقية أو مزيفة، لان مجرد اعتقاد الموظف بوجودها يشكل عاملا في انقياد ذلك الموظف تجاه تحقيق طلبات الجاني . حيث التعمد بإظهار صفته الوظيفية أو السلطوية هو دليل على إن الجاني يدرك فعله وعمله ، ولا يضر أو يؤثر على قيام الجريمة، أن يكون العمل الذي يؤديه الموظف ,بناء على ذلك التوجيه أو هذا الرجاء والتوسط , هو عمل يقع ضمن واجباته أو فيه مخالفة للقانون لان، الموظف اذا خالف القانون أو واجبات وظيفته سيكون تحت طائلة المسائلة القانونية .لكن يرى بعض فقهاء القانون الجنائي ومنهم الدكتور احمد فتحي سرور[27] ,التفرقة بين إن يكون الموظف العام يتمتع بسلطة تقديرية في أداء عمله أم انه مقيد بأداء العمل ولا اختيار له, فإذا كانت لديه السلطة التقديرية بين أن يؤدي عمله أو لا يؤديه دون سائلة قانونية فان استجاب لهذه التوصية فانه يكون قد ارتكب جرما على وفق جريمة التوسط والرجاء والتوصية .لان عنصر المحاباة واضح والتمييز في منح الميزة التي يوفرها هذا العمل إلى مواطن دون غيره فيه اعتداء على حق الآخرين، ومن الأمثلة على ذلك السلطة التقديرية الممنوحة لبعض الموظفين في قبول طلبات التعيين أو إعطاء المقاولات أو غيرها، فانه حينما يعطيها لشخص بناء على توصيه، يكون قد ارتكب الجريمة، حتى وان كان يملك حق الاختيار في ذلك . أما إذا كان الموظف ليس له إلا أن يقوم بالعمل ولا يملك خيارا بذلك، مثل طلب إقامة الشكوى لدى مراكز الشرطة أو المحاكم فان الموظف، إذا ما قام بالعمل بناء على التوصية أو الرجاء أو بدون ذلك، فانه لا يعد مرتكب للجريمة لان امتناعه يشكل إخلال بواجباته الوظيفية وسوف يخضع للمسائلة القانونية على وفق الأحكام القانونية التي تنظم سلوكه الوظيفي ، وفي الحياة اليومية صور كثيرة لهذه الجريمة ومنها منح القروض من قبل إدارات المصارف ، التعيينات في الوظائف ,المقاولات والمناقصات والمزايدات التي تعلن عنها الأجهزة والدوائر الحكومية ، وسواها من الحالات التي تواجهنا في نشاطنا اليومي .

العنصر الثاني : النتيجة الإجرامية للفعل

كل فعل لا يمكن أن يعد
جريمة ما لم يقترن بالنتيجة الجرمية التي يحدثها والمتمثلة بالضرر الذي يلحقه ذلك الفعل المرتكب فافعال الفساد الاداري والمالي ترتب آثار فادحة في المنظومة القيمية للمجتمع بالإضافة إلى الآثار المادية ، ويقصد بالآثار هي الآثار أو النتائج المترتبة على السلوك وللنتيجة مفهومان: الأول تفهم فيه النتيجة على أنها حقيقة مادية ، وتتحقق النتيجة بكل تغيير يحدث في العالم الخارجي كأثر للنشاط الإجرامي وهذا التغيير أما أن يمس أحد الأشخاص أو أحد الأشياء، وفي جريمة التوسط أو التوصية فان النتيجة تتمثل باستجابة الموظف لتلك التوصية أو ذلك الرجاء والتوسط فان مجرد الاستجابة والمباشرة بأداء العمل تكون النتيجة محققة ، ولا يؤثر في ذلك عدم تحقق المنفعة للمستفيد مثل إلغاء أمر التعيين او تعطيل عقود المناقصات والمزايدات وسواها من الأفعال ،

العنصر الثالث : العلاقة السببية بين الفعل والنتيجة

كل فعل يرتكب سواء كان فعل ايجابي أو سلبي إذا لم يحدث نتيجة او لم يكن السبب في حدوث هذه النتيجة فانه لا يشكل
جريمة ، وأهمية هذه العلاقة السببية تكمن في ربطها بين الفعل والنتيجة الذي سيشكل الركن المادي للجريمة، إلا أن ذلك لا يحدث دائما ، إذ تتظافر جملة من الأسباب في إحداث النتيجة الجرمية فهل يسأل الجاني أم يعفى ؟ الجواب هو لا يسأل الجاني إلا على النتيجة الناشئة عن فعله هو لا غيره وظهرت في هذا الاتجاه عدة نظريات منها نظرية تعادل الأسباب التي يرى أنصارها بان النتيجة لم تحدث إلا بتوفر مجموعة من العوامل التي ساهمت بحدوث النتيجة الجرمية فان فعل الجاني يكون مع العوامل الأخرى السبب في إحداث تلك النتيجة لان العوامل الأخرى بدون فعل الجاني لا يمكنها أن تحقق تلك النتيجة[28]، وعند النظر إلى قانون العقوبات العراقي نرى انه قد اخذ بهذه النظرية حينما أشار في المادة (29) إلى إمكانية مسائلة الجاني عن مساهمته في إحداث النتيجة[29] ويرى بعض الكتاب أن نص المادة المذكورة أنفا قد أخذت بتلك النظرية مع إيجاد ضوابط محكمة تتمثل في ربط الفعل بالنتيجة ربطا صحيحا يحدد ما للفعل من اثر في حدوث النتيجة ومدى مسؤولية فاعله[30]، وفي جريمة التوسط او التوصية او رجاء فان العلاقة لابد وان تكون قائمة، بمعنى أن يكون أمر تعيين المستفيد أو الجاني كان بسبب النشاط الذي قام به الموظف نتيجة لتلك التوصية أو الرجاء ، أما إذا توسط احد الجناة لدى موظف للتعين أو الحصول على مزية معينة ، ثم صدر أمر بتحقيق ذلك من جهة أخرى لا علاقة للموظف الذي تم التوسط لديه في أحداثة كلا أو جزءً ، فان الجريمة غير قائمة وان كان الموظف قد اخل بواجبات وظيفته ويحاسب على وفق قواعد السلوك الوظيفي .

الفرع الثالث

الركن المعنوي

تطور وتقدم الحياة أدى إلى التطور في الجانب التشريعي، ومنها القوانين الجنائية التي بدأت تبحث وتهتم بشخصية مقترف الجرم، حتى وصلت إلى مرحلة من التطور حددت فيها الجريمة بثلاث أركان المادي والشرعي والمعنوي وفي الركن المعنوي للجريمة، الذي يمثل الحالة النفسية والذهنية للفاعل أثناء اقترافه للجريمة، فلم تعد التشريعات الجزائية تكتفي بوجود فعل مادي مجرم لقيام المسؤولية الجزائية بحق الفاعل، بل لابد من التعرف على الحالة النفسية للفاعل المرافقة لاقترافه الجرم، التي من خلالها يستطيع القاضي التعرف على مدى خطورة الفاعل والعقوبة المناسبة للحد من خطورته إصلاح حاله إن أمكن، لذلك للركن المعنوي أهمية خاصة، تتمثل في تحقيق العدالة بالعقوبات المفروضة، أما عن تعريف الركن المعنوي، فاغلب القوانين المعاصرة لم تعرف حالات الركن المعنوي، بل تركت هذه المهمة للفقه والاجتهاد، بما فيها قانون العقوبات العراقي، حيث لم يعرف الركن المعنوي بل ذكر مكوناته وعناصره المتمثلة بالقصد الجنائي والخطاء على وفق أحكام المواد (33ـ 38) وفي نص المادة (33) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل أشير إلى القصد الجرمي الذي يعد من مكونات الركن المعنوي ذلك وعلى وفق ما يلي (القصد الجرمي هو توجيه الفاعل إرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفا إلى نتيجة الجريمة التي وقعت او أية نتيجة جرمية أخرى.) وهذا ما تركه لتنازع آراء الفقهاء، وفي تحديد جوهر الركن المعنوي للجريمة نظريتان هما النظرية النفسية و النظرية المعيارية[31]، النظرية النفسية :وتحصر الركن المعنوي في العلاقة النفسية بين الفرد وبين السلوك الذي يسبب في نتيجة إرادية أو غير إرادية ولو لم يكن توقعها طالما أنها يمكن توقعها، والنظرية المعيارية : ترى أن الركن المعنوي يتألف بالإضافة إلى العناصر النفسية المتمثلة بالإرادة من عناصر معيارية تتمثل في القاعدة القانونية التي تمت مخالفتها التي تعطي تلك الإرادة الصفة الجرمية ، وظهر أكثر من تعريف للركن المعنوي من قبل فقهاء القانون الجنائي، أما في القانون العراقي فان توفر الركن المادي والشرعي لا يكفي لتحقق الفعل الجرمي ما لم يتوفر القصد الجنائي لدى الجاني، وان يكون مسؤول عن الجريمة بحسب نسبتها إليه، وان تكون إرادته قد انصرفت إليها وارتكبها دون أن يكون تحت أي مؤثر خارجي، وهذا ما يوصف بتحقق الخطأ الذي يسأل عنه ويستحق اللوم عليه، وهو أساس المسؤولية التي يرتكن إليها الركن المعنوي وفي نص المادة (33) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل أشير إلى القصد الجرمي الذي يعد من مكونات الركن المعنوي وعلى وفق ما يلي (القصد الجرمي هو توجيه الفاعل إرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفا إلى نتيجة الجريمة التي وقعت او أية نتيجة جرمية أخرى)، كمما يعد الخطاء من أهم أركان تحقق المسؤولية الجنائية، فانه يتدرج في الشدة والتخفيف حسب نوع الجريمة واشد الأنواع، هو الذي تنصرف فيه إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل الجرمي وإدراك تحقيق النتيجة الجرمية، وهو ما يسمى بالخطأ العمدي أو كما يصطلح عليه بالقصد الجنائي[32]، لذلك فان الركن المعنوي يتجسد بعدة صور منها القصد الجرمي والخطاء، والقصد الجنائي بالمعنى اللغوي هو توجه الإرادة لغرض معين، أما في الاصطلاح فان بعض الفقهاء، ومنهم جندي عبدالملك، بأنه توجه الإرادة للفعل أو الترك المعاقب له[33]، وتعريف القصد الجنائي تقاذفته عدة نظريات منها ما يلي :ـ

1. نظرية العلم: تعتبر أن القصد الجنائي يبنى على العلم فقط، فالقصد الجنائي حسب نظرية العلم هو( علم الفاعل بمخالفة الفعل الذي يأتيه للأخلاق والقانون أو هو معرفة الفاعل أنه يرتكب فعلا ممنوعا) [34].

2. نظرية الإرادة : و ترى أنه وتعرف القصد الجنائي بأنه (إرادة الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون ويعاقب على انتهاكه). فينبني على الإرادة فقط، والجريمة تكون قصدية، عندما يوجه الفاعل إرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة بهدف تحقيق نتيجتها الإجرامية[35].

3. النظرية التوفيقية و لصعوبة القبول بأي من النظريتين دون الأخرى، ظهرت هذه النظرية، التي ترى إن القصد الجنائي هو علم وإرادة، أي وفقت بين النظريتين السابقتين، فالجريمة تكون قصدية إذا ارتكبها الجاني، وهو عالم بحقيقتها الواقعية وبعناصرها القانونية، حيث ينصرف العلم إلى أركان الجريمة (المادي والشرعي)، بينما تتجه الإرادة إلى السلوك الذي تقوم عليه الجريمة أو النتيجة المترتبة عنها[36].

4. عنها[37].

لذلك وجدت عدة صور للقصد الجنائي تختلف باختلاف الدور الذي يلعبه كل من عنصري العلم والإرادة، فكيفية ومدى توفر أحد أو كلا هذين العنصرين تؤدي إلى اختلاف وتنوع صور القصد الجنائي، حيث يوجد القصد البسيط والقصد المشدد (الإضمار) والقصد المباشر والقصد الاحتمالي والقصد المحدد والقصد غير المحدد، ولعل أهم صور القصد الجنائي، هي صورتي القصد العام والقصد الخاص، وأساس التمييز بينهما هو النظر إلي ما إذا كان المشرع يتطلب في الجريمة حصول نتيجة إجرامية معينة، أو وقوعها بباعث خاص أو كانت الجريمة تستلزم ذلك بحسب طبيعتها ولو لم يتطلبه المشرع صراحة في نص التجريم ، فيكون القصد اللازم في الجريمة من نوع القصد الخاص، الذي يتمثل في شمول إرادة الجاني وعلمه لهذه النتيجة، ولما كان الغالب من الجرائم ليس مما يتطلب فيه نتيجة بعينها أو باعث خاص، فان القصد العام يكون هو الأصل العام الكافي لقيام
صورة الإثم الجنائي في الجرائم العمدية، ويتبع توصيف الجريمة العدمية وجود القصد الجرمي وعلى وفق نص المادة (34) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ( تكون الجريمة عمدية إذا توفر القصد الجرمي لدى فاعلها وتعد الجريمة عمدية كذلك). وحيث إن جريمة التوسط والرجاء والتوصية تتطلب قصد جنائي خاص ، سأعرض للقصد الخاص بشرح ميسر حتى تكون الصورة واضحة في تلمسه عند النظر في الجريمة ، وفي جريمة التوسط او الرجاء او التوصيه يتمثل هذا الركن بتوفر القصد الجنائي الخاص الذي يسعى إلى احداثه الجاني، اذ يتطلب تنصرف نية الموظف تجاه أداء العمل أو الامتناع عنه بناء على التوصية او التوسط او الرجاء ، أما إذا كان الموظف يؤدي عمله اليومي والعمل محل التوسط او التوصية من الأمور الاعتيادية التي يقوم بها ذلك الموظف فان الجريمة غير متحققة مثل موظف الاستعلامات الذي قوم بإرشاد المواطنين سواء كان إرشاده لمواطن معين بناء توصيه او رجاء او بدون ذلك ، لان القصد الخاص تجاه ارتكاب الجريمة غير محقق ، فانه ملزم بالعمل فاذا امتنع فانه ارتكب مخالفة تتعلق بأدائه لوظيفته او الطبيب المعالج او سواه فاذا كان فعله ليس بناء على التوصيه على الرغم من وجودها فان الجريمة غير محققة لانعدام القصد الجنائي الخاص . وهذا القصد يقوم مبدئيا على العناصر نفسها التي ينبني عليها القصد العام، وهي :

1. العلم الذي يقوم به القصد الجنائي : يتوفر القصد الجرمي لدى الفاعل بمجرد أن يكون عالما بجميع العناصر الأساسية للجريمة، وهي العناصر التي يوجب القانون توفر علم الجاني بها، حتى ينهض القصد الجرمي في جريمته ومنها ما يلي : ـ

‌أ- العلم بطبيعة الفعل : فمن يتوسط او يترجى او يوصي موظف على ان يؤدي عمل على خلاف القانون او لتفضيل لمصلحة شخص على آخر او فيه محاباة او تمييز عن الآخرين الذين يرتب القانون لهم حق على الموظف في تقديم خدماته بالتساوي فان ذلك يدل على علمه بطبيعة الفعل الذي يقوم به ويدرك النتائج التي سيكسبها.

‌ب- العلم بطبيعة النتيجة : يجب أن يعلم الفاعل بان الفعل الذي يقدم عليه يحدث النتيجة الجرمية.

فالفرق بين القصد العام والقصد الخاص ليس في عناصرهم فهما علم وإرادة، وإنما الاختلاف في الموضوع الذي يتعلق به العلم والإرادة، فهو أوسع نطاقا في القصد الخاص منه في القصد العام، والإرادة تأتي بعد العلم، فالجاني بعد أن يتيقن من طبيعة الفعل الذي سيقدم عليه يدرك أبعاده والنتائج المترتبة عليهن فيتخذ قرارا إراديا ببدء التنفيذ وهذا ما يتعلق بالجريمة المقصودة[38]، ويعرف بعض الفقهاء الإرادة بأنها، عبارة عن قوة نفسية أو نشاط نفسي يوجه كل أعضاء الجسم أو بعضها نحو تحقيق غرض غير مشروع، أي نحو المساس بحق أو مصلحة يحميها القانون الجنائي، وبعبارة أخرى فإن الإرادة هي المحرك نحو اتخاذ السلوك الإجرامي بالنسبة للجرائم ذات السلوك المجرد، وهي المحرك نحو تحقيق النتيجة، بالإضافة للسلوك الإجرامي بالنسبة للجرائم ذات النتائج[39]، أما عن تأثير الإرادة في تكوين الركن المعنوي والقصد الجرمي، فانها تأخذ أكثر من اتجاه منها ما يلي : ـ

1. إرادة سلوك : وهي عنصر لازم في الركن المعنوي لجميع الجرائم القصدية وغير القصدية على حد سواء، فلا يسأل الشخص عن سلوكه ونتيجته إلا إذا كان هذا السلوك تعبيرا عن إرادته، ومنها إقدامه على فعل
التوسط او الرجاء او التوصية على خلاف مقتضى القانون، فإنها إرادة واعية للسلوك المتخذ في تكوين عناصر هذه الجريمة.

2. إرادة النتيجة : فلا تكون عنصر لازم في الركن المعنوي إلا في الجرائم المقصودة أما في الجرائم غير المقصودة، فيكفي أن يريد الفاعل السلوك حتى يقوم لديه الركن المعنوي للجريمة غير المقصودة، والإرادة المعتد بها في مجال القصد الجرمي هي الإرادة الواعية المتمتعة بالقدرة على الاختيار، فإذا انتفى الوعي أو الاختيار لا يعود صاحب تلك الإرادة مسؤول عن فعله، فالمجنون والمكره لا يسألان عن أفعالهم، لأن الجنون ينفي الوعي و الإكراه يعدم الاختيار[40]، فالقصد الخاص هو قصد الفاعل تحقيق هدف معين من وراء جرمه[41]،

ومن ذلك نجد إن
جريمة التوسط او التوصية او الرجاء يكون القصد الخاص واضح المعالم من خلال توسمها ببعض الصفات منها ما يلي : ـ

1- أن تكون التوصية او الرجاء او
التوسط صادرة من قبل شخص يملك نفوذ او مرتبة سواء كانت سياسية او اجتماعية ثقافية اقتصادية وسواها مما يمتاز به بعض الأشخاص الذين يؤثرون في مسيرة الحياة العامة .إما اذا كان صاحب الرجاء هو مواطن ليس له أي مرتبة او نفوذ سوى كونه صاحب مطلب وحاجة والموظف استجاب لذلك لوازع إنساني فان الجريمة لا تقع لانعدام شرط النفوذ والمرتبة في طالب حاجة .

2- أن يكون الرجاء أو
التوسط أو التوصية متوجه نحو موظف حكومي فإذا كانت تلك التوصية موجه نحو شخص في القطاع الخاص مثل التاجر أو الطبيب في عيادته أو المقاول او سواهم فان الجريمة لا تقع لأنها لا تتعلق بأعمال الخدمة العامة التي تقدمها الدولة إلى أبناء الشعب وتدفع لقاءها رواتب للموظفين .

ومن خلال ما تقدم فان هذه الجريمة لا تنهض تجاه أي متهم ما لم تتوفر الاركان المشار إليها في أعلاه .