بحث فى "التشريعات والقوانين المتعلقة بالإنترنت
في
الدول العربية "







تمهيد :-

تتجه غالبية الدراسات البحثية والاستراتيجية الاقتصادية والاجتماعية والقانونية - الى اسباغ وصف ( عصر المعلومات ) على الحقبة الزمنية الممتدة منذ سبعينات القرن العشرين وحتى الان ، فيما يتجه البعض الى اعتبار مطلع الثمانينات مدخل الحقبة الزمنية لعصر المعلومات ، وبالرغم من ان المادة محل الوصف هي المعلومات الا ان المراد بالتعبير وسائل معالجة وتخزين ونقل وتبادل المعلومات ، أي انظمة الحوسبة ( نظم الكمبيوتر بمكوناتها المادية - الاجهزة ، والمعنوية - البرمجيات والمعطيات ) وانظمة الاتصالات ( ايضا بمكوناتها المادية والمعنوية ) ، وما نتج عن الدمج بينهما فيما عرف بشبكات المعلومات وابرزها الشبكة العالمية - الانترنت ، والمعبر عنها جميعا بالتقنية العالية ( High Technology ) . ولان النظام القانوني كائن حيوي يعكس ميول واتجاهات واحتياجات المجتمع ونزعاته للتنظيم لجهة حماية الحقوق الفردية والجماعية عبر قواعد التشريع في فروعه المختلفة ، فمن الطبيعي ان تتاثر علاقاته وقواعد ومرتكزات التشريع فيه بما خلفته التقنية العالية من آثار وما انتجته من انماط جديدة للعلاقات القانونية ، ومن الطبيعي ايضا ان تتجه النظم القانونية المختلفة لمعالجة هذه الاثار عبر حركة تشريعية تعكس استجابة التشريع للجديد والمستجد في هذا الحقل .
والانترنت ، الاكثر اثارة للجدل منذ اختراع الهاتف ، عالم متداخل ومتشابك من العلاقات والمسؤوليات والالتزامات والفرص ، وكاي مستجد تطرح التساؤل الاهم ، هل تحتاج الانترنت الى اطار قانوني ينظم شؤونها وتحدياتها ؟ ام هي تعبير وصورة جديد لمجتمع لم تتكامل عناصره بعد مما يتعين التريث في تنظيمه؟؟ هل نحن امام مفهوم جديد للمدينة ؟؟ المجتمع ؟؟ ديمقراطية التخاطب والعمل ؟؟ هل الرقميات بيئة مغايرة عن عالم الجغرافيا والكيانات الملموسة ؟؟ وان كان ثمة حاجة للتنظيم القانوني للانترنت فما الذي انجزته حتى الان دولنا
العربية وما المطلوب منها ان كان ثمة مهام لم تنجز بعد ؟؟ هذا ما تهدف الى مناقشته هذه الورقة من بين اوراق عمل مؤتمر التكنولوجيات المصرفية العربية والدولية 2002 .

1. القانون وتقنية المعلومات ( اطار التاثر واحتياجات التدخل )

التقنية العالية High Technology ، تقنية المعلومات Information Technology ، عصر المعلومات Information Era ، طريق المعلومات السريع Superhighway Information تعبيرات لعصر الاعتماد على المعلومات كمحدد استراتيجي للاعمال والانتاج والقرار في الدولة الحديثة [1] ، وليس المراد المعلومات بذاتها ، انما القدرة على توفيرها ، ومعالجتها [2] وتخزينها ، وتبويبها ، واستعادتها ، ونقلها ، وتبادلها ، والتوثق الشامل من دقتها والافادة منها.
وانجاز ذلك كله لا يتحقق دون اعتماد نظم الحوسبة ( الكمبيوتر ) بمكوناته المادية والمعنوية فهو يتيح ادخال البيانات ومعالجتها وتخزينها واسترجاعها . لكن هذا الجناح من جناحي التقنية العالية لا يحقق سائر متطلبات عصر المعلومات ، وتحديدا نقلها وتبادلها واتاحة الوصول اليها في كل وقت ، وتحديدا بالنسبة لقواعد المعلومات من هنا تدخلت نظم الاتصال لتحقيق ذلك ، فمثلت الاتصالات الجناح الثاني للتقنية العالية حيث اتاحت الربط بين نظم الكمبيوتر المختلفة وقواعد البيانات ، ليفرز الدمج بين الحوسبة والاتصالات ، ما يعرف بشبكات المعلومات والتي تقع الانترنت في مقدمتها لما تتميز به من شمول وسعة ، لا في المحتوى فقط ، بل بعدد مشتركيها وبروتوكولات تبادل النصوص والمعلومات ، وما تحققه يوما بعد يوم من الدمج الرهيب بين الوسائل المرئية والسمعية ، وسائل الصوت والصورة ، الاداء والحركة ، وسائل الحصول على المعلومة التي تتجه نحو المطلق في المدى ، واللامتناهي في الخيارات لاتاحة توفير المعلومة للراغب بها في كل وقت وفي أي مكان .
وعليه فان التقنية العالية او تقنية المعلومات هي النظم الالية او الالكترونية للتعامل مع المعلومات وتشمل وسائل الحوسبة والاتصال وما نتج عن اندماجهما من وسائط تقنية عالية يعبر عنها بالعموم بنظام الكمبيوتر Computer System .
ان كل اختراع او فتح علمي يفرز واقعا جديدا ويرتب آثار ما كانت قائمة قبل وجوده وشيوعه ، فاختراع الطائرة مثلا خلق آثارا جديدة في حقل نقل الافراد والبضائع ، فالطائرة تجوب العديد من الاقاليم اثناء ترحالها في الفضاء الجوي الذي يعلو هذه الاقاليم ، والطائرة قد تكون وراء ضرر يلحق بالركاب على متنها وقد تعرض سطح الارض وما عليه من املاك واشخاص للخطر ، والطائرة وسيلة نقل هامة تتطلب اموال هائلة للاستثمار وتتطلب ان تلحقها خدمات عديدة غير متصلة بالطائرة ذاتها وانما تتعلق بخدمات المسافرين والمطارات وخدمات الفضاء الجوي ، والطائرة فيما تملكه من قدرات التنقل والاختراق قد تعرض امن الدولة للخطر ،، ولضمان سلامة الطيران ورعاية قواعده وتوحيدها نشات الهئيات والمنظمات الدولية والاقليمية والمتخصصة في حقل الطيران . هذه الاثار وغيرها افرزها هذا الاختراع العلمي المميز ، وتطلب التعامل معها حزمة من التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والاقليمية والثنائية ، عالجت وتعالج النظام القانوني للطائرة والمطارات وخدمات الركاب والشحن وما ينشا في بيئتها من علاقات قانونية وتعالج المسؤولية عن الاضرار اللاحقة بالركاب وبالاشخاص والممتلكات على سطح الارض وغيرها العديد من المسائل فيما اصبح يعرف بالقانون الجوي ، وبايجاز فالطائرة خلقت فرعا جديدا من فروع القانون تتكامل فيه النظريات والقواعد وتمتد من النطاق الوطني الى النطاقين الاقليمي والدولي . وذات الامر يقال بشأن اختراع السيارة والقطار واختراع نظم الاتصال واكتشاف الكهرباء وغير ذلك .
وبذات المنطق – وربما بمدى اوسع – افرزت تقنية المعلومات – وتحديدا الانترنت - آثارا شاملة على البناء الاداري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والقانوني للدولة ، لقد اثرت على مختلف مناحي النشاط الانساني ، فما الذي اثارته وتثيره تقنية المعلومات في حقل القانون ، ما هي آثاراها على قواعد القانون وفروع التشريع :-
1- تأثير التقنية العالية على العلاقات التعاقدية والاثبات ( القانونين المدني والتجاري ) :- امكن استغلال وسائل تقنية المعلومات وفي طليعتها الانترنت في ابرام العقود المختلفة ، واتيح بفضل ربط الحواسيب وشبكة الانترنت ، التعاقد الفوري بين شخصين غائبين ، واذا كانت التشريعات المدنية والتجارية قد وقفت فيما سبق امام فكرة التعاقد بواسطة التلكس اوالهاتف ، فانها مدعوة للوقوف امام استخدام نظم الكمبيوتر و شبكات المعلومات في التعاقد ، والوقوف امام طبيعة هذه التعاقدات ، واحكام التعاقد ، والوقوف امام مسائل الاثبات فيما انتجته الحواسيب والانترنت من مخرجات ، وبحث مدى حجية مستخرجات الحاسوب والبريد الالكتروني وقواعد البيانات المخزنة داخل النظم وغيرها . واذا كان البعض يرى ان التقنية ليست اكثر من تحقيق لفكرة التعاقد بين غائبين ، فان ذلك ينطوي على نظرة قاصرة ، لان هناك ابعادا تنظيمية فيما افرزته وسائل التقنية من انماط جديدة للعلاقات القانونية - وتحديدا في حقل التجارة الالكترونية والخدمات على الخط والتعاقد الالكتروني في الاسواق المالية - فقد انتجت وسائل التقنية العالية انماط جديدة للتعاقد مستغلة ما وفرته من قدرات اتصالية للاشخاص المتباعدبن مكانا ، اثارت وتثير العديد من الاشكالات حول مدى اعتراف القانون ، وتحديدا قواعد التعاقد بهذه الاليات الجديدة للتعبير عن الايجاب والقبول وبناء عناصر التعاقد كما اثارت وتثير اشكالات في ميدان الاثبات بكون النظم القانونية قد حددت الادلة المقبولة وحددت قواعد الاحتجاج بها وسلامة الاستدلال منها . وفي خضم البحث في قانونية التعاقد بالطرق الالكترونية وحجية مستخرجات الوسائل التقنية في الاثبات ، ظهرت التجارة الالكترونية كنمط جديد من انماط التعامل التجاري ، لا في ميدان البيع والشراء وانما في ميادين التعاقد كافة ، كعقود التأمين والخدمات وغيرها . واثارت وتثير التقنية العالية وتحديدا محتواها الفني والمعرفي تحديات كبيرة في ميدان نقل التكنولوجيا والتبادل الفني والمعرفي والتزام مورد التكنولوجبا ومتلقيها . وقد اثرت الانماط المتطورة من تقنيات المعلومات على البناء التقليدي لعقود نقل التكنولوجيا المعروفة منذ منتصف القرن الماضي ، واظهرت التقنية تحديات قانونية تستلزم التنظيم بالنسبة لعقود تقنية المعلومات ، التوريد والبيع والصيانة والتطوير ورخص الاستخدام ، وبالنسبة لعقود الوكالات التجارية والتوزيع ، وعقود اشتراكات المعلوماتية وخدمات الاتصال ، وكان - وسيبقى الى حين - اوسع اثر لها في حقل التجارة الالكترونية والتعاقد الالكتروني .
2- تأثير التقنية العالية على العمل المصرفي ( تشريعات البنوك والاسواق الخدمات المالية ) :- افرزت تقنية المعلومات وسائل حديثة لتقديم الخدمات المصرفية وادارة العمل البنكي ، ابرزها ظهر في حقل انظمة الدفع الالكتروني والدفع على الخط وادارة الحسابات عن بعد ، كما حدث بفعل التقنية شيوع بطاقات الدفع والائتمان المالية ، ويشيع الان مفهوم المحفظة والبطاقة الماهرة التي تمهد الى انتهاء مفهوم النقد الورقي والمعدني وتفتح الباب امام مفهوم النقد الالكتروني او الرقمي او القيدي . الى جانب ذلك تطورت وسائل تداول الاوراق المالية وخدماتها ، فظهرت فكرة التعاقد الالكتروني والتبادل الالكتروني للاوراق الى جانب الاعتماد شبه الكلي في اسواق المال على تقنيات الحوسبة والاتصال في ادارة التداول وقيده واثبات علاقاته القانونية .