بحث حول عقوبة الحبس في الشريعة والقانون الكويتى


..إعداد الباحث / مصعب أيمن الرويشد
________________________________________
معهد الكويت
للدراسات القضائية والقانونية







عقوبة الحبس
في
الشريعة والقانون





إعداد الباحث / مصعب أيمن الرويشد



المقدمـة

أولا: أهمية الموضوع, والباعث على كتابته

لما كانت حرية الإنسان هي أغلى ما يملكه من كنز, أن مساسها يعتبر مساساً بكرامته وإنسانيته, وتبقى معه طول الدهر شاهداً على فقده أهم مقومات الحياة الكريمة, ولما كانت القوانين في كثير من الدول تضع هذه الحرية كرهان لأفراد مجتمعاتهم, وتقضي بسلها أو منعهم من التمتع بها في حال مخالفة القانون أو انتهاكه, ولما كان من مقتضيات عملنا المستقبلي أن نكون نحن ممن تصدر منهم مثل هذه القرارات والأحكام كوكلاء نيابة, أو قضاة, كان لابد أن نضع مثل هذه الدراسة بين أيدي الزملاء الكرام, وهي بمثابة قراءة في التشريعين الإسلامي والوضعي في تناولهما لبضع جوانب
عقوبة الحبس المهمة في مجال عملهم.
ورأيت أن أبحث في
عقوبة الحبس من الجوانب التي تخص النيابة العامة بشكل مباشر, والتي جعل القانون مهمة متابعتها لها, وبيان سلطتها في تقدير بعض القرارات التي تخصها.
ولعلني بهذه الدراسة أيضاً أن أصل إلى بيان مشروعية الأعمال والأحكام التي تصدر -سواء من النيابة العامة أو من المحكمة- في
الشريعة الإسلامية التي سبق وأن طبقت مثل هذه العقوبة وغيرها في مجالات وحالات سوف نقوم بعرضها عبر هذه الدراسة.

ثانياً: خطة البحث, وطريقة تناول الموضوعات

بدأت البحث بعد الاتكال على الله وطلب معونته في فصل تمهيدي تحدثت فيه عن أهم الاختلافات الأساسية بين
الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي.
ومن ثم انتقلت إلى الفصل الأول الذي يعالج
عقوبة الحبس في القانون, في ثلاث مباحث رئيسية وهي:
المبحث الأول عن فكرة وتعريف
الحبس في القانون, وكان عبارة عن مطلبين يتناول الأول الفكرة والثاني تعريف الحبس في كتب القانون.
أما المبحث الثاني فقد جعلته في أنواع
الحبس في قانون الجزاء, والذي كان مطلبه الأول في الحبس مع الشغل, والثاني في الحبس البسيط, أما الثالث فقد أفردته للحبس الاحتياطي.
ويأتي بعد ذلك المبحث الثالث الذي كان مخصصاً لتناول تأثير عوامل الرأفة عند تطبيق
عقوبة الحبس بالنسبة للقاضي كما أوردها القانون عبر ثلاث مطالب, كان الأول عن الظروف المخففة القضائية, والثاني في مبدأ إيقاف تنفيذ العقوبة للمحكوم عليه, والثالث الذي جاء عن فكرة الامتناع عن النطق بالعقاب.

ثم انتقلت إلى الفصل الثاني من البحث بالتحدث عن
الحبس في الشريعة الإسلامية, عبر ثلاث مباحث رئيسية أيضا وهي:
المبحث الأول عن تعريف ومشروعية
الحبس في الشريعة الإسلامية من خلال مطلبين, الأول في التعريف والثاني في المشروعية.
أما المبحث الثاني فكان مخصصاً للحديث عن أنواع
الحبس في الشريعة الإسلامية, وهي الحبس التعزيري الذي هو المطلب الأول, والحبس الاستيثاقي الذي كان في المطلب الثاني.
وقد جاء المبحث الثالث كآخر مبحث في هذه الدراسة متحدثاً عن الأحوال التي يشرع فيها
الحبس في الشريعة الإسلامية.
متمنياً أن يساهم هذا البحث المتواضع في زيادة الجانب المعرفي لدى الباحث القانوني ووكيل النيابة.
وإن كان من كمال وتوفيق فهو حتماً من الله تبارك وتعالى, وإن كان من خطأ أو تقصير فحتماً هو من نفسي البشرية والشيطان.
والله ولي التوفيق

مصعب الرويشد

فصل تمهيدي
في الاختلافات الأساسية بين
الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي

تختلف
الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية اختلافاً أساسياً من ثلاث وجوه:

الوجه الأول: أن القانون من صنع البشر, أما
الشريعة الإسلامية , من عند الله وكلاً من الشريعة والقانون يتمثل فيه بجلاء صفاء صانعه, ونظراً لأن القانون من صنع البشر فإنه يتمثل فيه نقص البشر وعجزهم وضعفهم وقلة حيلتهم, ومن ثم فالقانون عرضة للتغيير والتبديل.
أما
الشريعة الإسلامية فصانعها هو الله, وتتمثل فيها قدرة الخالق وكماله وعظمته وإحاطته بما كان وما هو كائن, ومن ثم صاغها العليم الخبير بحيث تحيط بكل شيء في الحال والاستقبال حيث أحاط بكل شيء علمه, وأمر سبحانه وتعالى أنه لا تبديل ولا تغيير فقال (لا تبديل لكلمات الله).

الوجه الثاني: أن القانون عبارة عن قواعد مؤقتة تضعها الجماعة لتنظيم شئونها وسد حاجاتها, فهي قواعد متأخر عن الجماعة غداً, لأن القوانين لا تتغير بسرعة تطور الجماعة.
أما
الشريعة فقواعدها وضعها الله على سبيل الدوام لتنظيم شئون الجماعة, فقواعدها دائمة ولا تقبل التغيير ولا التبديل , وهذه الميزة التي تتميز بها الشريعة تقتضي من الوجهة المنطقية:
1. أن تكون قواعد
الشريعة ونصوصها من المرونة والعموم بحيث تتسع لحاجات الجماعة مهما طالت الأزمان وتطورت الجماعة, وتعددت الحاجات وتنوعت.
2. أن تكون قواعد
الشريعة ونصوصها من السمو والارتفاع بحيث لا يمكن أن تتأخر في وقت أو عصر عن مستوى الجماعة.
ولقد مر على
الشريعة الإسلامية أكثر من أربعة عشر قرنا تغيرت خلالها الأوضاع أكثر من مرة , وتطورت الأفكار والآراء تطوراً كبيراً, واستحدثت من العلوم والمخترعات ما لم يكن يخطر على خيال إنسان, وتغيرت قواعد القانون الوضعي ونصوصه مرات عديدة لتتلاءم مع الحالات الجديدة, وبالرغم من هذا كله, ومع أن الشريعة الإسلامية لا تقبل التغيير والتبديل, ظلت قواعد الشريعة ونصوصها أسمى من مستوى الجماعات, والظروف الجديدة, وأكفل بتنظيم وسد حاجاتهم, وأقرب إلى طبائعهم وأحفظ لأمنهم وطمأنينتهم.

الوجه الثالث: أن الجماعة هي التي تصنع القانون وتلونه بعاداتها وتقاليدها وتاريخها.
أما
الشريعة الإسلامية فإنها ليست من صنع الجماعة, كما أنها لم تكن نتيجة لتطور الجماعة وتفاعلها , وإنما هي من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه, وإذا لم تكن الشريعة من صنع الجماعة, فإن الجماعة نفسها من صنع الشريعة, فالمقصود من الشريعة قبل كل شيء هو خلق الأفراد الصالحين والجماعة الصالحة, وإيجاد الدولة المثالية, ومن هنا جاءت نصوصها أرفع من مستوى العالم كله وقت نزولها على رسوله نموذجاً من الكمال ليوجه الناس إلى الطاعات والفضائل, ويحملها على التسامي والتكامل حتى يصلوا أو يقتربوا من مستوى الشريعة الكامل.
وقد أدت
الشريعة وظيفتها طالما كان المسلمون متمسكين بها, عاملين بأحكامها ولو أراد الله بالمسلمين خيراً لعلموا أن الشريعة الإسلامية وقد جاءت كاملة لا يشوبها نقص حاملة في طياتها وسائل التقدم والتطور المستمر للمجتمع, وهي أصلح الشرائع, لأنها في كل الأحوال ترمي إلى تكوين الجماعة ومراعاة مصالحها وتوجيهها دائماً للتقدم المستمر والتطور الصالح, ولا تقنع من ذلك بما هو دون الكمال التام.


وبالتالي تظهر لنا المميزات الجوهرية التي تمييز
الشريعة عن القانون:
1. الكمال: تمتاز
الشريعة على القوانين الوضعية بالكمال, أي بأنها استكملت كل ما تحتاجه من القواعد والمبادئ والنظريات التي تكفل سد حاجات الجماعة في الحاضر القريب والمستقبل البعيد.
2. السمو: تمتاز
الشريعة على القوانين الوضعية بالسمو, أي بأن قواعدها ومبادئها أسمى دائما من مستوى الجماعة, وأن فيها من المبادئ والنظريات ما يحفظ لها هذا المستوى السامي مهما ارتفع مستوى الجماعة.
3. الدوام: تمتاز
الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية بالدوام, أي بالثبات والاستمرار فنصوصها لا تقبل التعديل أو التبديل مهما مرت الأعوام وطالت الأزمان وهي مع ذلك تظل حافظة لصلاحيتها في كل زمان ومكان.( )