الفصل الأول
عقوبة
الحبس في القانون



وفيه ثلاث مباحث

المبحث الأول: فكرة
الحبس وتعريفه في القانون
المبحث الثاني: أنواع
الحبس في القانون
المبحث الثالث: تأثير عوامل الرأفة عند تطبيق
عقوبة الحبس














المبحث الأول : فكرة
الحبس وتعريفه في القانون:
وفيه مطلبين :
المطلب الأول: الفكرة
المطلب الثاني التعريف

المطلب الأول : الفكرة
تميزت التشريعات التقليدية باعترافها بعقوبات مانعة للحرية متنوعة وتفسر هذه الخطة باعتبارين : الأول, أن هذه التشريعات أدخلت إصلاحات في النظم العقابية بالقياس إلى ما كانت تقرره التشريعات القديمة, وقد تمثلت هذه الإصلاحات في إلغاء العقوبات البدنية وحصر الإعدام في نطاق ضيق, فترتب على ذلك أن قل عدد العقوبات التي يستطيع الشارع أن يختار منها الجزاء الذي يقرره للجرائم التي ينص عليها, فكان لابد من تنويع نظم منع الحرية وأساليبها حتى يجد القانون في هذا التنوع العدد الكافي من العقوبات التي تحل محل العقوبات التي استبعدت, أما الاعتبار الثاني, فهو أن هذه التشريعات حصرت أغراض العقوبة في الردع العام, فحرصت على أن تفرد لبعض العقوبات المانعة للحرية نظاما قاسيا تتميز به عن باقي العقوبات المانعة للحرية الأخرى, ويفسر هذا نشوء
عقوبة الأشغال أو الأشغال الشاقة التي تميزت بقواعد صارمة لا يبررها الإصلاح أو التأهيل, وإنما هي مجرد تعبير عن إرادة الشارع فرض نظام قاس يلائم في تقديره خطورة الجرائم المعاقب عليها بها. ( )

المطلب الثاني: التعريف
يطلق على هذه العقوبة مسمى
الحبس في القانون إذا قلت مدتها على ثلاثة سنوات وزادت على أربعة وعشرين ساعة, وتسمى السجن إذا زادت على الثلاثة سنوات, إلى أن تستغرق عمر المحكوم عليه كلها.
وعقوبة السجن هي
عقوبة أصلية في قانون الجزاء, هي وضع المحكوم عليه في أحد السجون العمومية, وتشغيله داخل السجن أو خارجه في الأعمال التي تعينها الحكومة.
أما
الحبس فهو عقوبة أصلية في مواد الجنح والمخالفات, وهي وضع المحكوم عليه في أحد السجون المركزية أو العمومية, المدة المحكوم بها عليه. ( )


المبحث الثاني
أنواع
الحبس في قانون الجزاء:

وفيه ثلاث مطالب
المطلب الأول:
الحبس مع الشعل
المطلب الثاني:
الحبس البسيط
المطلب الثالث:
الحبس الاحتياطي

المطلب الأول:
الحبس مع الشغل:
تكون
عقوبة الحبس مقترنة بالشغل في حالتين: الأولى إذا كانت العقوبة المحكوم بها سنة فأكثر.
الثانية إذا نص قانون الجزاء على ذلك في بعض الحالات مهما كانت مدة العقوبة. ( )
وقد نص قانون العقوبات على هذه الحالات, وعلى الخصوص:
1. في السرقة والشروع فيها.
2. في إخفاء الأشياء المسروقة.
3. في قتل الحيوانات وسمها والإضرار بها ضرراً كبيراً, وإتلاف المزروعات.
4. في حيازة المواد المخدرة أو الإتجار بها.

المطلب الثاني:
الحبس البسيط:
يجب أن يكون
الحبس بسيطا في المخالفات حيث أن لا فائدة من الشغل مدة لا تتجاوز أسبوعا. ( )
والحبس البسيط لا يقتضي تكليف المحكوم عليه بشغل ما داخل السجن أو خارجه, إلا إذا رغبوا في ذلك.
ويتميز المحكوم عليه بالحبس البسيط بأنه يجوز لمدير عام السجون بعد موافقة النائب العام أن يمنحهم كل أو بعض المزايا المقررة للمحبوسين احتياطياً.
وكذلك للمحبوس بمدة لا تتجاوز ثلاثة شهور أن يطلب بدلا من تنفيذ العقوبة عليه, تشغيله خارج السجن طبقا للقيود المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية, ما لم ينص الحكم على حرمانه من هذا الخيار. ( )

المطلب الثاني:
الحبس الإحتياطي:
الحبس الاحتياطي هو من أهم وأخطر أنواع الإجراءات التي تتخذ ضد المتهم, ولذلك قد وضع المشرع له العديد من القيود والضمانات التي تنظم هذا الإجراء, والتي تؤدي إلى تحقيق الهدف منه.
ويعرف
الحبس الإحتياطي بأنه سلب حرية المتهم مدة من الزمن تحددها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط قررها القانون.
وليس هو عقوبة, على الرغم من اتحاده في طبيعته من العقوبات السالبة للحرية, ذلك أنه لم يصدر به حكم بالإدانة, والأصل المقرر أنه "لا عقوبة, بغير حكم قضائي بالإدانة".=شرح قانون الإجراءات الجنائية ص700 نجيب حسني
وقد أجاز المشرع حبس المتهم احتياطيا لمصلحة التحقيق كالمحافظة على الأدلة والقرائن المادية ومنع الضغط على الشهود, ومنع الاتصال المريب بين المساهمين في الجريمة, وكذا لتهدئة الرأي العام, والحيلولة دون هروب المتهم, فهو إجراء أمن, وإجراء تحقيق, وضمان لتنفيذ الحكم إذا صدر بالإدانة, وقد نص عليه قانون الإجراءات بقوله "إذا رؤي أن مصلحة التحقيق تستوجب حبس المتهم احتياطيا لمنعه من الهرب, أو من التأثير على سير التحقيق, جاز حبسه احتياطيا لمدة لا تزيد على ثلاثة أسابيع من تاريخ القبض عليه, ويجب عرض المتهم على رئيس المحكمة قبل انتهاء هذه المدة لتجديد
الحبس الاحتياطي, وأمر رئيس المحكمة بتجديد الحبس تحدد فيه مدة الحبس بحيث لا تزيد على خمسة عشر يوما في كل مرة يطلب فيها تجديد الحبس. ( )
لذلك فقد وردت قيود على هذا
الحبس بنص المادة وهي:
1. من حيث جسامة الجريمة, بحيث يجب أن تكون على قدر من الجسامة سواء كانت جناية أو جنحة, ولكن لا يجوز
الحبس الإحتياطي من أجل جريمة معاقب عليها بالغرامة فقط, ولا يجوز كذلك حبس الحدث الذي لم يتم السابعة من عمره, لأنه غير مسئول جنائيا, ولا الحدث الذي لم يتم الخامسة عشر من عمره, لأنه لا يقضى عليه سوى بتدابير معينة نص عليها قانون الأحداث في المادة السادسة, والمحقق هو الذي يقدر عناصر الجريمة من مختلف ظروفها, لتحديد وصفها القانوني والعقوبة المقررة لها, واذا كان هناك عدة جرائم, وجب أن تكون أحداها على الأقل معاقب عليها بالحبس.
2. من حيث كفاية الأدلة على المتهم, بحيث يجب أن تكون كافية لأن المشرع اشترط في القبض توافر دلائل جدية, فمن باب أولى
الحبس الاحتياطي بحيث ترشح الأدلة القائمة لإدانته, فلا تكون مجرد ظنون أو استنتاجات, ولن تضار العدالة إذا قدم المتهم للمحاكمة الجنائية وهو مفرج عنه.
3. من حيث وجوب سماع أقواله, بحيث أوجب المشرع على المحقق أن يسمع أقوال المتهم قبل إصدار الأمر بحبسه احتياطياً, والمقصود من ذلك هو استجواب المتهم ومناقشته في التهمة تفصيلاً وتمكينه من الدفاع عن نفسه, فإن كان حاضراً فقد يبرر تصرفه ويدفع عن نفسه الشبهات, فلا يكون ثمة مبرراً لحبسه, وإن كان هارباً وتم القبض عليه, وجب أن يستمع المحقق لأقواله قبل مضي أربعة وعشرين ساعة من تاريخ القبض عليه, وإذا لم يتم سماع أقواله كان أمر
الحبس الاحتياطي باطلاً.
وأمر
الحبس الاحتياطي يكون نافذا في جميع أنحاء البلاد وتوابعها خلال مدة ثلاثة أشهر من تاريخ صدوره, وإلا أصبح باطلا وتعين إصدار أمر جديد. ( )
أما مدة
الحبس الاحتياطي فتكون محددة ومعينة كنوع من الضمان لحرية المتهم ويخضع ذلك لعدة قواعد, وهي:
1. يسري أمر
الحبس الاحتياطي لمدة لا تزيد على ثلاثة أسابيع من تاريخ القبض على المتهم, فيجوز أن تكون المدة أقل ثم يمتد إلى ثلاثة أسابيع, وتحسب المدة من تاريخ القبض, وليس من تاريخ إصدار أمر الحبس.
2. إذا رأى المحقق تجديد
الحبس الاحتياطي, وجب عليه قبل انتهاء مدة الثلاثة أسابيع أن يعرض الأوراق على رئيس المحكمة الكلية ليصدر أمره بعد الاستماع إلى أقوال المتهم ودفاعه إما بالتجديد أو بإخلاء سبيل المتهم, فإن جدد الحبس فلا تزيد المدة عن خمسة عشر يوما في كل مرة, وإذا لم يحضر المتهم, أمر رئيس المحكمة بإخلاء حسب تقديره لظروف الدعوى أو التجديد لفترة أقل من التي يتمكن فيها المتهم من المثول لسماع أقواله.
3. حدد المشرع سلطة رئيس المحكمة في التجديد بستة أشهر من تاريخ القبض على المتهم, فإن لم ينته خلالها أصبح التجديد من اختصاص المحكمة المختصة أصلا بنظر الدعوى, ولا يزيد كل تجديد يتقرر منها عن ثلاثين يوما ما دامت مصلحة التحقيق تستوجب ذلك بعد إطلاعها على الأوراق وسماع أقوال المتهم ولها أن تجدد المدة أقل من الثلاثين يوما أو أن تخلي سبيل المتهم حسب تقديرها لظروف الدعوى وما تم فيها من تحقيقات.
4. إذا حكم على المتهم بالإدانة حسبت مدة
الحبس الاحتياطي من مدة عقوبته عن الجريمة التي أوقف على ذمتها. ( )
وعلة ذلك كما يرى الفقهاء, أنه من العدل استنزالها منها لأن
الحبس الاحتياطي يترتب عليه تقييد الحرية, كالعقوبات السالبة للحرية, كما رأى البعض أنه في حالة الحكم بالإدانة يعتبر الحبس الاحتياطي تنفيذا معجلاً للعقوبة, ومن العدل أن ينتفع بإنقاص العقوبة المحكوم عليه بها والذي استوفى جزاءه مقدما, ويرى آخرين أن الاستنزال هو نوع من التعويض قرره القانون عن الضرر الذي يسببه الحبس الاحتياطي للمحكوم عليه قبل الإدانة. ( )
أما عن النظام الذي يجب إتباعه على المحبوس احتياطيا فهو كالتالي:
لما كانت القاعدة أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته بحكم نهائي لذا روعي أن يكون للحبس الاحتياطي نظامه الخاص, فيكون للمحبوس في السجن أقرب إلى الحياة العادية فلا يلزم بالشغل مثلا, كما أجاز قانون السجون للمحبوسين احتياطيا مقابلة زائريهم ومراسلة من يشاؤون ما لم يرد بأمر
الحبس ما يمنع من ذلك لمصلحة التحقيق, ويجوز لمحامي المحبوس احتياطيا الحصول على إذن كتابي وكيل النيابة أو المحقق بمقابلته على انفراد, ولا يسمح لأحد رجال السلطة الاتصال به داخل السجن إلا بأذن كتابي من النيابة العامة أو المحقق.


المبحث الثالث
تأثير عوامل الرأفة عند تطبيق
عقوبة الحبس:

وفيه ثالث مطالب
المطلب الأول :الظروف المخففة للعقوبة
المطلب الثاني :إيقاف تنفيذ العقوبة
المطلب الثالث :الامتناع عن النطق بالعقاب (الإختبار)

المطلب الأول: الظروف المخففة للعقوبة
منح القانون للقاضي تقدير الظروف المخففة للعقوبة, فإن شاء أعطاها, وإن شاء سكت عنها.
وقد نصت المادة 83 من قانون الجزاء على أنه "يجوز للمحكمة إذا رأت أن المتهم جدير بالرأفة - بالنظر إلى الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة, أو بالنظر إلى أخلاقه أو ماضيه أو سنه- أن تستبدل بعقوبة الإعدام,
عقوبة الحبس المؤبد, أو الحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات, وأن تستبدل بعقوبة الحبس المؤبد, عقوبة الحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات"
وهكذا لم يشأ القانون الكويتي أن يحصر الحالات التي يجوز فيها القاضي منح التخفيف, بل ترك للقاضي مطلق الحرية في ذلك.
وقد سلكت بعض القوانين الأجنبية مسلكا آخر, حين حددت الحالات التي يجوز فيها للقاضي أن يخفف العقوبة, مثل القانون السوفيتي,
والقانون السويسري.
وإذا كان القانون الكويتي لم يذكر إلا التخفيف في حالتي الجناية المعاقب عليها بالإعدام, وتصبح
الحبس المؤبد أو لامؤقت مدة لا تقل عن خمس سنوات, والجناية المعاقب عليها بالحبس المؤبد, وتصبح الحبس المؤقت مدة لا تقل عن ثلاث سنوات, فأما الجنايات المعاقب عليها بالحبس المؤقت, والجنح المعاقبة بالحبس أصلا, يجوز النزول فيها إلى الحد الأدنى للحبس وهو أربع وعشرون ساعة, وذلك طبقا لمذكرة التفسيرية لقانون الجزاء.
ومن الأفضل النص عليها صراحة, لا سيما وأن القانون يتضمن عقوبات مؤقتة حدها الأدنى أكثر من 24 ساعة.
ولكن قد يمنع القانون , من باب التشديد على الفاعل , منح الظرف القضائي المخفف, وفي هذه الحال لا يجوز للقاضي أن يمنحه , وإن فعل فإن هذا المنح باطل, ومن الحالات القليلة التي منع فيها منح الظرف المخفف, المادة 2 من القانون 31 حيث نص القانون على أنه "لا يجوز تطبيق المادتين 81,83 وهي الخاصة بمنح ظرف التخفيف – بأي حال على جريمة من هذه الجرائم (الخيانة) إذا وقعت من موظف عام , أو شخص ذي صفة نيابية عامة..."
وإذا قررت المحكمة منح ظرف مخفف للفاعل , فإنها تختار له العقوبة بين الحد الأدنى الذي تستطيع النزول إليه, وبين الحد الأعلى للعقوبة القانونية.
وعليها أن تعلل السبب الذي منحت من أجله التخفيف.
وإذا طالب المتهم بالتخفيف, فإنه يصبح من واجب المحكمة أن ترد عليه إذا رفض طلبه.