الشيك متأخر التاريخ :

قد يحرر الساحب
الشيك في يوم معين ولكن يثبت فيه تاريخ يوم لاحق فقط ليكون يوم الاستحقاق ، فما دام الثابت به تاريخ واحد فهذا يجعل منه أداة وفاء لا أداة ائتمان . فهو شيك بالمعني القانوني ولو كان تاريخ إصداره قد تأخر واثبت فيه علي غير الواقع . فمتي كان الشيك يحمل تاريخاً واحداً فإنه يعتبر صادراً في التاريخ المثبت فيه . فإذا قدم الشيك المتأخر التاريخ في اليوم الثابت فيه أو في يوم لاحق حينئذ إن كان له رصيد فلن يثير الأمر أشكالا بعد أن تقبض قيمته . وكذلك إن لم يكن له رصيد لأن المقابل ينبغي أن يكون موجوداً حتي قبض قيمة الشيك ، ولا ينفع الساحب دفعه بأنه كان لديه الرصيد الكافي وقت إعطاء الشيك في يوم سابق علي التاريخ الثابت في الشيك.

تتم
جريمة إصدار شيك بدون رصيد بمجرد إعطاء الساحب الشيك إلي المستفيد مع علمه بعدم وجود رصيد قابل للسحب في تاريخ الاستحقاق ، إذ يتم بذلك طرح الشيك في التداول ، فتنعطف عليه الحماية القانونية . ولا يغير من جريمة إعطاء شيك بدون رصيد أن يكون تاريخ استحقاق الشيك مغايراً لتاريخ إصداره الحقيقي طالما أنه لا يحمل إلا تاريخاً واحداً ، إذ أن تأخير تاريخ الاستحقاق ليس من شأنه في هذه الحالة أن يغير من طبيعة الشيك ومن قابليته للتداول واستحقاقه للدفــع في تاريـخ السحــب بمجــرد الطلـب . وبذلك يندمج ميعاد الإصدار في ميعاد الاستحقاق ، وتنتقل ملكية المبلغ الوارد في الشيك إلي المستفيد بمجرد إصدار الشيك وتسليمه إليه .هذا إذا أردنا أن نماثل الشيك بالنقد . وبذلك تصبح إفادة البنك بعدم وجود الرصيد إجراء كاشفاً للجريمة التي تحققت بإصدار الشيك وإعطائه للمستفيد مع قيام القصد الجنائي .

مقابل الوفاء في الشيك :

مقابل الوفاء في
الشيك هو عبارة عن المبلغ النقدي المبين في الشيك ، ويري البعض وجوب توفر هذا المبلغ وقت إعطاء الشيك لا وقت تقديمه فقط لأن الشيك أمر بالدفع مستوجب الوفاء لدي الطلب في أي وقت، ولا تتحقق هذه الخاصية بغير هذا الوجود المبكر .

ويتوفر سوء النية بمجرد علم ساحب
الشيك بعدم وجود رصيد له في تاريخ إصداره . فلا عبرة بما يدفع به الساحب من عدم استطاعته الوفاء بقيمة الشيك بسبب إشهار إفلاسه مثلاِ إذا كان من المتعين أن يكون هذا المقابل موجوداً بالفعل وقت إصدار الشيك . فدفاعه بفشله في توفير المبلغ بسبب إشهار إفلاسه دفاع غير مقبول . وهذا ما استقر عليه قضاء وفقه القانون الفرنسي (1).

وهناك من التشريعات ما تكتفي بوجود الرصيد وقت دفع قيمة
الشيك كالقانون الإنجليزي والألماني. ومنها ، وهو الغالب ، ما تتطلب وجود المقابل وقت إعطاء الشيك إذ بهذا تتحقق وظيفته ، ومنها التشريع المصري والفرنسي والبلجيكي والإسباني والإيطالي والبرتقالي (2). أما المحاكم السودانية فقد أخذت بوجوب وجود الرصيد وقت دفــع قيمة الشيك ، لا وقت اصداره ولا وقت تسليمه للمستفيد .

1 - د. حسن صادق المرصفاوي في كتابه " جرائم
الشيك " ص 118 .

2 - المرجع أعلاه ص 118 .

الساحب هو المستفيد :

ٍإذا قام الساحب بتحرير شيك لمصلحة نفسه أي يكون الساحب هو المستفيد ثم يقدم
الشيك للمسحوب عليه ( البنك ) وهو يعلم بأن ليس له مقابل أي لا رصيد له يغطــي قيمة الشيك ، يذهب رأي في هذا علي أن اصدار الشيك لا يعني تسليمه إلي المستفيد فيعاقب الساحب جنائياً إذا اصدر شيكاً لنفسه وقدمه للبنك وهو عالم بعدم وجود رصيد . ويقول آخرون بعدم الجريمة لأن هذا الشيك مجرد مشروع طالما أنه لم يتم تظهيره إلي الغير .

ويري بعض الكتاب (1) أن الأمر يتوقف علي تعّرف طبيعة الجريمة والغاية من التجريم . فإذا كانت الغاية هي حماية الثقة في الشيكات ، إذا كان الشيك قد سلم من الساحب إلي المسحوب عليه وكان الأول هو المستفيد فإن فعل التسليم في ذاته هو نهاية المطاف للشيك ، ومن ثم لا يتصور اطلاقاً المداولة ، ومتي كان الأمر كذلك فإنه ينتفي تصور الاعطاء المكون لركن الجريمة .

متي يعد التظهير إعطاءً :

يعاقب
القانون علي فعل إعطاء الشيك أي طرحه للتداول حيث جاء في فاتحة المادة 179(1) من القانون الجنائي لسنة 1991م ما يلي :

" يعد مرتكباً جريمة إعطاء صك مردود من يعطي شخصاً صكاً مصرفياً وفاءً لالتزام أو بمقابل ويرده المسحوب عليه لأي من الدواعي التالية " .

فكل تصرف في
الشيك لاحق لذلك لا يعد إعطاء إلا إذا كان المظهر سيء النية أي يعلم بعدم وجود رصيد للساحب يغطي قيمة الشيك ، وقد جرم هذا الفعل بنص صريح في البند (3) من المادة 179 المشار إليها :

1 - د. حسن صادق المرصفاوي في كتابه " جرائم
الشيك " ص 118 .

" من يظهر صكاً مصرفياً ويسلمه لغيره ويرد بالوجه الوارد في البند (1) وكان يعلم بما يدعو لرده يعاقب بالغرامة أو بالسجن مدة لا تجاوز ثلاث سنوات أو بالعقوبتين معاً " .

وهذا النظر إلي الواقع يتفق مع الثقة الممنوحة للشيك والحكمة في التجريم ، لأن هذه الثقة لا تتطلب إلا بالنسبة لفعل صاحب
الشيك ، والمظهر في حالة علمه بعدم وجود رصيد وتعرف في الشيك مدفوعاً للتخلص من ضرر يحيق به . وهذا هو السبب في أن المشرع فرّق بين عقوبتي الساحب والمظهر ، فبينما تمتد عقوبة الساحب لخمس سنوات - البند الثاني من المادة 179 - تمتد عقوبة المظهر العالم بعدم وجود رصيد لثلاث سنوات - البند الثالث من نفس المادة .

في الختام :

يجب أن تكون نظرة أفراد المجتمع إلي ورقة
الشيك هي نظرهم إلي أوراق النقد ذاتها ، بمعني أنه يتعين علي من يعطي لآخر شيكاً أن يكون مدركاً بأنه قد أعطاه نقداً حقيقياً ، وليس مجرد ورقة فاقدة القيمة.

الآراء التي تنادي بعدم قيام المسئولية الجنائية عن الشيك متي تبين أن لم يصدر وفاء لدين وإنما حرر ضماناً لقروض مثلاً ، هذه الآراء ليست وجيهة وذلك لسبب بسيط هو حال
الشيك المؤسف في الحياة اليومية حيث لم يعد يتمتع بأي احترام في التداول ، وأصبحت القاعدة هي التردد والتفكير ملياً قبل التعامل به .ويرفض الكثيرون في معاملاتهم قبول الشيكات ويصرون علي أن يكون التعامل معهم بالنقد . وبات قبول الشيك مخاطرة يتوقف نجاحها علي الإدارة المطلقة للساحب ، فإن انطوي عدم سداد قيمته فهناك طرق عدة ينتهجها الساحب لعرقلة السداد مع البقاء طليقاً دون القبض عليه وإبقائه بالحراسة طبقاً لنص المادة 179 من القانون الجنائي لسنة 1991م ، ومن هذه الطرق اللجوء لاعلان الافلاس لا يقاف إجراءات الدعوي الجنائية بشأن الشيك المردود وذلك في حالة الأفراد . أما في حالة الشركات فإنها تلجأ للتصفية ، كما أن الساحب كثيراً ما يفتعل قضية جنائية لمعارضة الشيك وحجزه لمنع تقديمه للبنك في تاريخ الاستحقاق وذلك لعلمه بأنه سيرد دون صرف لعدم وجود رصيد ، وقد يرفع الساحب دعوي مدنية لمنازعة المقابل مثلاً لكي يستصدر أمراً من المحكمة المدنية لايقاف الشيك ، وبسلوك هذه الطرق يقوم الساحب بانهاك المستفيد حامل الشيك في أقسام الشرطة ودور المحاكم وفي مختلف مراحل التقاضي حتي مرحلة المراجعة حيث يتم السداد بعد سنوات من تاريخ الاستحقاق حيث يكون المبلغ المطلوب قد فقد الكثير من قيمته بسبب الهبوط المستمر في قيمة العملة

لابد من النظر إلي موضوع تجريم إرتداد
الشيك دون صرف علي أنه ليس لحماية المستفيد من الشيك وحسب إنما هو بالإضافة إلي ذلك لحماية حق عام هو اضفاء الثقة علي الشيك ذاته . اذن لا يكفي لشطب الدعوي الجنائية تحت المادة 179 من القانون الجنائي لسنة 1991م تنازل المستفيد من الشيك لأن الأخير إنما يتنازل عن حقه الخاص وحسب ، ويبقي بعد ذلك الحق العام والذي يجب عقاب المتهم حماية له . وعليه فإن ادراج الجريمة المنصوص عليها تحت المادة 179 من الجرائم التي يمكن التنازل عنها لا يتفق مع هذه النظرة .


منقول