والحجز تحت يد الغير يعتبر تنفيذًا... ولكن ما هي الإجراءات التي تمنع سقوط الحكم الغيابي القاضي بصحة الحجز التحفظي تحت يد الغير... أهو إعلان هذا الحكم... أم طلب التقرير بما في الذمة... أو غير ذلك من الإجراءات.
يُستنتج مما كتبه الأستاذ أبو هيف بك أنه يعتبر إعلان
الحكم بصحة الحجز تنفيذًا، لأن الحكم بصحة الحجز يغير صفة الحجز من تحفظي إلى تنفيذي فإعلان الحكم النهائي أو المشمول بالنفاذ المعجل يعتبر تنفيذًا، ويعتبر إخبار المدين بهذا الإعلان إعلانًا له بالتنفيذ يجرى ميعاد المعارضة من وقت إعلانه به (التنفيذ والتحفظ بند 441 و442).
وتنص (م 159) فرنسي أن دفع المصاريف يمنع السقوط كذلك إذا دفعها الغير إذا كان ذلك حسب الطريقة المنصوص عليها في (م 1236) كما إذا دفعها ولم يحل محل الدائن ويرى جارسونيه أن دفع المصاريف يمنع
سقوط الحكم لا لأن ذلك من إجراءات التنفيذ بل لأن دفعها يعتبر قبولاً للحكم.
أما عند استحالة التنفيذ على الغائب لعدم وجود ما يصح التنفيذ عليه فيكتفي بمحضر عدم وجود (procés verbal de carence) (استئناف مختلط 8 ديسمبر سنة 915 مج ت م 28 - 49) ويعتبر محضر عدم الوجود قانونيًا إذا كانت الأشياء التي في محل المدين غير قابلة للحجز أو ذات قيمة تافهة تستغرقها مصاريف الحجز وهي مسألة متروكة لتقدير المُحضر تحت رقابة القضاء وعدم وجود شيء في محل المدين يجب أن يكون ثابتًا بمعرفة المُحضر فيعتبر المحضر باطلاً إذا ذكر المُحضر عدم وجود شيء بناءً على بيانات قدمها له الجار (انظر حكم ليموج 18 مايو سنة 1822 تعليقات دالوز فقرة 131).
وعلى ذلك نستطيع القول إن محضر عدم الوجود يجب أن يجمع شروطًا ثلاثة:
1 - يجب أن يكون صحيح الشكل أي مستوفٍ للبيانات المعتادة في أوراق المحضرين.
2 - يجب أن يذكر أن ليس للمدين محل إقامة معلوم.. أو لا يملك حسب علم الدائن شيئًا يصح التنفيذ عليه. فإذا كان للغائب محل إقامة فيجب أن يعمل فيه فيعتبر باطلاً إذا عمل في محل الإقامة الذي تركه المدين.
3 - يجب أن لا يكون هناك طرق أخرى للتنفيذ فإن محضر عدم الوجود ما شرع إلا تيسيرًا للدائن الذي يُرى عاجزًا عن تنفيذ حكمه على أن بعض الأحكام الفرنسية لا تشترط ذلك فقضت أن المحضر يعتبر قانونيًا ولو كان الدائن يستطيع التنفيذ بطريق الحجز العقاري (راجع تعليقات دالوز فقرة 272).
ويقع هنا الخلاف الذي ذكرناه بوجه عام من وجوب علم الغائب بالتنفيذ فالرأي القائل بوجوب العلم يستلزم إعلان محضر عدم الوجود في بحر ستة شهور وإلا اعتبر باطلاً.
ما
الحكم إذا كان التنفيذ الذي أجراه الدائن قد حكم ببطلانه ؟ قد رأينا أن نية المدين في تنفيذ الحكم لا تكفي مهما كان مبلغ هذه النية من الوضوح والظهور ولذلك يشترط القانون وجوب التنفيذ فعلاً، وعلى ذلك إذا أُلغي التنفيذ اعتبر كأن لم يكن فإذا أُلغي حجز ما للمدين لعيب في الشكل سقط وزالت كل آثاره (راجع النقض الفرنسي 11 ديسمبر سنة 1834 تعليقات دالوز فقرة 115).
4 - ما العمل إذا استحال إجراء التنفيذ لعقبة مادية أو قانونية ؟ الرأي أن لا
سقوط فقد رأينا مثلاً من العقبات المادية عدم وجود شيء يصح التنفيذ عليه وعلمنا أن محضر عدم الوجود كافٍ. ولكن ما الحكم إذا بحث الدائن عن محل الغائب ولكن بدون جدوى، الرأي على أن الإعلان في النيابة كافٍ ويقي الحكم من السقوط وإن كان لا يضع حدًا للمعارضة (راجع حكم باريس 22 يونيه سنة 1814).
ويعتبر من الموانع القانونية للتنفيذ ما إذا رفع الغائب معارضة في
الحكم قبل مضي ستة شهور (راجع الأحكام في تعليقات دالوز فقرة 85).
وقد اختلف في فرنسا في شأن المعارضة إذا كانت غير مقبولة شكلاً فقال بعضهم إن المعارضة وإن كانت غير مقبولة شكلاً إلا أنها على كل حال دليل قاطع على العلم بالحكم (بهذا المعنى حكم ليون 4 فبراير سنة 1825 ومتز 7 ديسمبر سنة 1830 تعليقات دالوز فقرة 86 و87).
وقال بعضهم إن المعارضة إذا ألغيت شكلاً فلا توقف ولا تقطع مدة الستة شهور (ليون 11 يوليه سنة 1872 دالوز دوري 9102073 وكذلك الأحكام العديدة المنشورة في فقرة 89).
وقد حكم بأن معارضة الغائب في تسليم نسخة تنفيذية ثانية من
الحكم تعتبر مانعًا من السقوط ودليلاً على العلم بالحكم (كولمار 10 نوفمبر سنة 1833).
5 - وقبول
الحكم (Acquisement) يعتبر كالتنفيذ مانعًا من السقوط (راجع مجموعة س 12 عدد 73 وم مج س 13 عدد 27).
فإذا أراد المُحضر التنفيذ فكتب له المدين أنه أفلس وأنه سيتفق مع الدائن لإيقاف الإجراءات أو دفع قسطًا من الدين المحكوم به أو طلب من الدائن الذين أعلن إليه التنفيذ تأجيل الدفع وإجابة لطلبه كانت كل هذه موانع تقي
الحكم من السقوط ولكن إذا أنكر المحكوم عليه أنه قام بدفع قسط من الدين بغية التمسك بسقوط الحكم جاز له ذلك وعلى الدائن أن يسلك طرق الإثبات العادية لإثبات العكس.
6 - تعدد المحكوم عليهم - إن لم يكونوا متضامنين فلا نزاع في أن التنفيذ على أحدهم لا يعتبر تنفيذًا على الباقين اللهم في أحوال عدم التجزئة - أما في حالة التضامن قد اختلف فيها فقال بعضهم إنه لا يعتبر تنفيذًا خصوصًا إذا حكم على بعض المدعى عليهم حضوريًا والبعض غيابيًا ونفذ
الحكم في بحر ستة شهور ضد من حكم عليهم حضوريًا فإن ذلك لا يمنع السقوط لصالح من كان غائبًا ولكن الرأي الراجح على عكس ذلك اعتمادًا على مادة (1026) فرنسي التي تنص على أن التقادم إذا انقطع ضد أحد المتضامنين ينقطع ضد الباقين.
ويرى القضاء المختلط أن تحرير محضر عدم وجود لأحد المدينين المتضامنين يمنع السقوط ضد الجميع كذلك قبول أحدهم للحكم (27 إبريل سنة 915 مج ت م 27 - 295 23 يونيه سنة 905 مج ت م 28 - 389).
7 - أثر
سقوط الحكم:
تنص (م 344) على أن
الحكم (يبطل ويعتبر كأنه لم يكن) وفي النص الفرنسي (de plein droit) وعلى ذلك إذا مضت الستة شهور ولم يُنفذ يسقط بقوة القانون... وليس معنى ذلك أن الحكم يصير بمضي هذه المدة في حكم العدم وأن المحضر بناءً على ذلك لا يستطيع تنفيذه بل وعليه أن يمتنع عن ذلك كما ذهب إلى ذلك البعض (راجع كتاب التنفيذ والتحفظ للأستاذ أبو هيف بك في باب الإشكالات القانونية صـ 116).
بل معنى ذلك أن الغائب أو صاحب المصلحة يصح له التمسك بهذا السقوط بصفة إشكال في التنفيذ أو بصفة دفع من الدفوع بدون حاجة لرفع دعوى فليس معنى (de plein droit) أن السقوط محتم وأنه من النظام العام إذ لو كان الأمر كذلك لجاز للمدعي الحاضر الذي رُفضت بعض طلباته أو المدعي الذي رُفضت دعواه غيابيًا أن يتمسك بالسقوط وهذا غير جائز.
ويلاحظ أن الإجراءات اللاحقة على الستة شهور لا ترفع البطلان كما هو الحال في بطلان المرافعة.
على أن السقوط لا يلحق إلا
الحكم وما يتفرع منه. فيسقط هو وما يترتب عليه من الآثار كحكم الإفلاس مثلاً إذا سقط صارت أعمال المفلس صحيحة كذلك يسقط إعلان الحكم والتنبيه وحق الاختصاص الذي أخذ بمقتضاه فيصح لمن يمتلك العقار أن يتمسك بسقوط حق الاختصاص الذي أخذ بمقتضى حكم غيابي ساقط.
ولكن الإجراءات السابقة على
الحكم تبقى قائمة صحيحة، فالتكليف بالحضور يبقى قاطعًا للتقادم والحجز لدى الغير الذي كان متوقعًا يبقى قائمًا صحيحًا (استئناف مختلط) 8 مارس سنة 1899 مجموعة التشريع والقضاء مج 11 و143 وتعتبر الدعوى الأولى قائمة يجب الرجوع إليها، ولا يصح رفع دعوى جديدة أمام محكمة أخرى وإلا جاز الدفع بالإحالة، ويترتب على قيام الدعوى أن المدعى عليه إذا غير محل إقامته بعد الحكم الساقط فلا تأثير لذلك على اختصاص المحكمة وأن الدائن إذا صدر له حكم غيابي فباع الدين المحكوم به ثم سقط الحكم لعدم تنفيذه في بحر الستة شهور فإن البيع يصير بيع حق متنازع فيه ويجوز للمدين أن يعرض قيمة المبلغ الذي دفع ويتخلص من الدين طبقًا لمادة (354) مدني (Retrait litigièux) (انظر جارسونيه بند 2218 حاشية).
والعود للدعوى بعد
سقوط الحكم يكون بإعلان للخصم، هل يصح للخصم الغائب إن حضر أن يطلب بطلان التكليف الأول ولو أن الإعلان الذي حضر بمقتضاه كان صحيحًا وذلك كي يزيل كل أثر قانوني ترتب عليه ؟
أظن أن ذلك جائز وقد حكمت فعلاً المحاكم بذلك في مسألة مماثلة (راجع حكم محكمة مصر 15 يناير سنة 907 حقوق س 23 عدد 5 مجموعة حمدي بك السيد صـ 31).
8 - التنازل عن التمسك بالسقوط بعد انقضاء الستة شهور:
على الرأي الراجح أن هذا التنازل صحيح وجائز، وأن ذلك قد يكون صراحةً كما يكون ضمنيًا فيكون ضمنيًا إذا لم يقدم بصفة إشكال في التنفيذ أو يبدِ في أول الدفاع وإذا رفع الغائب معارضة اعتبر متنازلاً عن التمسك بالسقوط أما إن رفع استئنافًا فإن كان ميعاد المعارضة لا يزال مفتوحًا فالاستئناف يعتبر سابقًا لأوانه ولا قيمة له، وإن كان في ميعاده اعتبر رفع الاستئناف تنازلاً صحيحًا عن الدفع بسقوط
الحكم لأنه اعتراف أنه حكم عليه ابتدائيًا.
ما أثر هذا التنازل على الغير؟ يرى جارسونيه أنه لا أثر على الغير تطبيقًا للقواعد العامة التي تقضي بيان العقود لا يمكن أن يكون لها أثر إلا بين طرفيها.
على أن الرأي الشائع أن التنازل يصح التمسك به على الغير إذا كان ذا تاريخ ثابت سابق على الستة شهور.
والغير الذين يصح لهم التمسك بالتاريخ الثابت السابق على الستة شهور هم الدائنين الذين اكتسبوا حقوقهم فعلاً في ذلك الوقت ضد المدين.
حساب المدة:
تحسب الستة شهور من يوم صدور الحكم، ويدخل فيه اليوم الذي صدر فيه
الحكم ولا توقف هذه المدة لأي سبب من أسباب الإيقاف القانونية اللهم إلا في حالة القوة القاهرة كعدم وجود محاكم سبب الحرب مثلاً.
وقد اختلف في هل هي هلالية أم شمسية (انظر بالمعنى الأول 10 يناير مج 12 صـ 98 وأول نوفمبر سنة 1916 مج 18 صـ 1525 وبالمعنى الثاني جازيت 5 صـ 74 وحقوق 10 صـ 19).
وقد حكم أنه صدر
الحكم ببطلان البيع وكان حضوريًا بالنسبة للبائع وغيابي ضد شخص ثالث أدخله البائع ليحكم له ضده احتياطيًا وحكم له فعلاً. فمدة الستة شهور توقف حتى يفصل في الاستئناف الأصلي المرفوع من البائع ولا تبدأ إلا من الحكم الاستئنافي الصادر بتأييد الحكم الابتدائي (استئناف مختلط 26 نوفمبر سنة 1912 مج م 15 صـ 13).