سقوط الحكم الغيابي...المحامي عبد العزيز محمد
________________________________________
مجلة المحاماة - العدد السادس
السنة التاسعة
سقوط
الحكم الغيابي
Péremption du jugement par défaut
النصوص ومشروعيتها - الأحكام التي يسري عليها النص - ما هو التنفيذ المقصود في (م 344) - تعدد المحكوم عليهم - قبول
الحكم - أثر سقوط الحكم - التنازل عن التمسك بالسقوط - حساب المدة
1 - تنص المادة (344) من قانون المرافعات على أن
الحكم الصادر في غيبة الخصم يبطل ويعتبر كأنه لم يكن إذا لم يحصل تنفيذه في ظرف ستة أشهر من تاريخه. وكذلك تنص المادة (389) مرافعات مختلط المعدلة بقانون نمرة (83) سنة 1913.
(تُبطل الأحكام الغيابية بقوة
القانون إذا لم يبدأ في تنفيذها في بحر ستة أشهر من تاريخ صدورها إلا إذا استحال ماديًا إجراء هذا التنفيذ وكانت هذه الاستحالة ثابتة بمحضر محرر على وجه صحيح). أما القانون الفرنسي فإنه يفرق بين نوعين من الأحكام الغيابية: الأحكام الغيابية لعدم الحضور (faute de comparaitre) والأحكام الغيابية لعدم إبداء الطلبات (faute de conclure) فالأولى يجب تنفيذها في بحر ستة شهور وإلا اعتبرت كأن لم تكن (م 156 مرافعات فرنسي) أما الثانية فيصح تنفيذها كالأحكام الحضورية في بحر ثلاثين سنة.
وهذا النص الذي يقضي بسقوط
الحكم إذا لم يُنفذ في بحر الستة شهور يجب أن يُقرأ مع النص الذي يقضي بأن الأحكام الغيابية تجوز فيها المعارضة لحين علم الغائب بالتنفيذ، وذلك لأن الشراح يقولون إن بين النصين رابطة السبب بالمسبب وبعبارة أخرى لما كان المشرع قد أجاز المعارضة في الأحكام الغيابية حتى علم الغائب بالتنفيذ فقد خشي أن يطول أمدها إلى زمن بعيد قد ينسى بعده الغائب أوجه دفاعه ويصعب عليه إيراد حججه ومستنداته فنص على أن من صدر لمصلحته حكم غيابي يجب عليه أن يسعى في تنفيذه في بحر الستة شهور حتى يعارض الغائب وبذلك لا تُنظر المعارضة بعد أمد بعيد. وهذا التعليل لا يخلو من النقد فكما يقول جارسونيه ما عسى أن تكون هذه الأدلة وهذا الدفاع الذي لا يستطيع أن يثبت في ذهن المحكوم عليه إلا ستة شهور ؟ وإذا كان هذا النص يرمي إلى إلزام الحاضر بتنفيذ الحكم في بحر الستة شهور حتى يستطيع الغائب أن يعارض في هذه المدة، لو كان هذا هو السبب الوحيد لوجب أن يكون التنفيذ الذي يقي الحكم الغيابي من السقوط هو التنفيذ الذي يضع حدًا للمعارضة مع أنه من المجمع عليه فقهًا وقضاءً أن التنفيذ المقصود بمادة (344) هو غير التنفيذ المقصود في مادة (329) (البند 3 من هذا المقال).
2 - الأحكام التي تسري عليها مادة (344):
لا فرق بين الأحكام الفاصلة في الموضوع والأحكام الفرعية كالحكم القاضي بالإحالة على التحقيق أو بتعيين خبير فكلها تسقط إذا لم تُنفذ في بحر الستة شهور (راجع استئناف مختلط 31 ديسمبر سنة 1911 مجموعة رسمية 27 صـ 9) وقد قضت بعض المحاكم (عابدين في أول ديسمبر سنة 1918 حقوق س 24 صـ 4) بأن أوامر تقدير الأتعاب هي بمثابة الأحكام الغيابية (بدليل الطعن فيها بطريق المعارضة) ولذا تسقط إذا لم تُنفذ في مدة ستة شهور من يوم صدورها.
على أننا لا نرى هذا الرأي (فالأمر الصادر من القاضي ليس حكمًا) وشتان ما بين الاثنين. أما الاستناد على أنه ما دامت المعارضة جائزة في الأمر فقد صار حكمًا فحجة غير مقبولة لأن المعارضة في الأمر مؤقتة بإعلان الأمر لا بتنفيذه فضلاً على أنه من الثابت أن (م 344) لا تُطبق على الأحكام التي هي بمثابة قرارات قضائية أكثر منها أحكام (plutôt des actes judiciaires que de jugement جارسونيه بند 2220).
ولكن لا محل لسريان النص على الأحكام التي لا تقبل المعارضة فالحكم في مسائل الشفعة والحكم الصادر بعد إثبات الغيبة والحكم بنزع الملكية إذا لم يقدم طالب التعجيل في بحر ستة شهور عريضة إلى قاضي البيوع لتحديد يوم للبيع (م 558) ولا على
الحكم الغيابي القاضي بمُرسي المزاد فضلاً عن أن حكم مُرسي المزاد أو نزع الملكية لا تعتبر أحكامًا بالمعنى الصحيح.
كذلك لا محل لتطبيق المادة على الأحكام التي لا تقبل بطبيعتها التنفيذ كالحكم النهائي الصادر برفض دعوى المدعي وإلزامه بالمصاريف فهو غير قابل للتنفيذ لا من جهة المدعي - ولا من جهة المدعى عليه ولذلك يحفظ آثاره كالأحكام الحضورية (س م 3 ديسمبر سنة 1891 مج ت م 4 صـ 36 وجازيت 5 صـ 106 وشرائع 2 صـ 317 نمرة 354) كذلك
الحكم القاضي بصحة الإمضاء فيكفي فيه بالإعلان. كذلك الحكم القاضي بأمر سلبي كعدم البناء.
أما المحاكم التي يسري هذا النص على أحكامها فهي في فرنسا محاكم أول درجة والمحاكم الاستئنافية وذلك لأن المشرع الفرنسي جعل ميعاد المعارضة في الحالتين مؤقتًا بالتنفيذ (158 فرنسي) أما في مصر فقد فرق الشارع بين الأحكام الغيابية الصادرة من أول درجة وثاني درجة فجعل ميعاد المعارضة في الأولى مؤقتًا بالتنفيذ أما في الثانية فجعل المعارضة جائزة لعشرة أيام من الإعلان ولذلك لا محل لما ذهبت إليه بعض المحاكم من سريان المادة على الأحكام الاستئنافية الأهلية فإن المعارضة فيها مؤقتة بالإعلان لا بالتنفيذ فضلاً عن أنه إذا أعلن
الحكم ومضت عشرة أيام صار نهائيًا.