المطلب الثاني: الحماية الجنائية الدولية لبرامج الحاسوب:

أصبح الأمان المعلوماتي مفهوما جديدا يفرض نفسه على الساحة القانونية بشكل كبير، نظرا لتزايد التعدي والقرصنة عبر مختلف دول العالم. مما فرض اللجوء إلى تقرير حماية دولية لبرامج الحاسوب، من شأنها معاقبة كل من يقوم بجريمة تقليد و قرصنة البرامج، ليس في إطار جغرافي معين أو في بلد معين، بل في العالم كله، دونما تمييز فيما بين البلدان.
وسأحاول في إطار الدراسة المقارنة، معرفة ما توصل إليه مشرعو دول أخرى في مجال استحداث قواعد جديدة للقانون الجنائي، تتماشى وطبيعة العصر التكنولوجي وكذا تنوع أشكال جرائم المعلوميات (الفقرة 1). كما سنقف عند مؤسستين مهمتين مختصتين في مجال حماية برامج الحاسوب، من القرصنة والاعتداء غير المشروع، على الصعيد الوطني والدولي (الفقرة 2).

الفقرة الأولى: استحداث قواعد قانونية جديدة للقانون الجنائي المقارن، في مجال الجرائم الواقعة على برامج الحاسوب:
عمد المشرع الفرنسي إلى تعديل القانون الجنائي بمقتضى ق. رقم 93 - 913 الصادر في 13 يوليوز 1993 ، وبمقتضاه استحدث مجموعة من الجرائم المعلوماتية، أهمها ما نصت عليه م.(323-2) بخصوص إتلاف معلومات نظام المعالجة الآلية، أي البرامج في ذاتها أيا كان نوعها ودعامتها .
أما قانون حق المؤلف الكندي، فقد اشتمل على مادة خاصة بجريمة القرصنة وطرق محاربتها وهي م.27 (1)، بحيث عرفها في الفقرة الأولى من هذه المادة، بأنها (...كل اعتداء على حق المؤلف وعلى مصنف كيفمـا كان دون رضى صاحب الحق عليه…). وحدد بمقتضى م.27 (4) مختلف أشكال القرصنة ونذكر منها: البيع، أو الإجارة، أو التسويق، أو العرض للبيع، أو للكراء لمصنفات فكرية، وأيضا استيرادها قصد البيع أو الكراء . وقد ألزمت المادة الذكورة مدعي قرصنة برنامج، تقديم كل الإثباتات التي من شأنها فضح المعتدي على البرامج.وعليه، فجريمة القرصنة التي تقع على برنامج الحاسوب، لا بد من توافر عناصرها المتمثلة في الآتي:
- نية إجرامية لأخذ البرنامج عنوة، باستعمال وسائل تسهل جريمة السرقة، وبالتالي تملك سارق البرنامج له دون وجه حق.
- وأن يكون الفعل الإجرامي واقعا على شيء، وإن كان غير مادي فهو مملوك في جميع الأحوال لشخص ما.
- وأن يكون هذا الشيء ذو قيمة اقتصادية جد مهمة، بالنظر إلى الاستثمارات المهمة الموظفة من أجل إنشائه.
هنا، يكون البحث في قيمة الشيء المعتدى عليه من الأهمية بمكان، لوضع قواعد تجريمية جديدة، تصلح لمعالجة قضايا المجال المعلوماتي وتحفظ النظام العام وتحمي الحقوق الخاصة بمؤلفي برنامج الحاسوب. وهذا ما دفع بالعديد من الهيئات المهتمة بمجال الملكية الفكرية، أن تدعم تطبيق القواعد التشريعية، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي.

الفقرة الثانية: هيئات وطنية ودولية متخصصة من أجل صد جرائم قرصنة برامج الحاسوب:
أصبح لمفهوم الملكية الفكرية، بعدا اقتصاديا أكثر منه ثقافي أو اجتماعي. والسبب في ذلك، ما أسفرت عنه التطورات التكنولوجية السريعة في مجال المعلوميات، من تغيير لبعض المفاهيم وإدخال لأخرى جديدة. فكان لابد من رعاية هذه الحقوق، التي لم تعد منحصرة دائرتها في المجال الوطني فحسب، بل تعدته إلى المجال العالمي أيضا.
هذا الوعي بخطورة ما قد يهدد برامج الحاسوب، أسفر عن قيام مجموعة من الهيئات بمبادرات من شأنها، حماية البرامج وتدعيم الوسائل الحمائية في صد كل أشكال القرصنة والتعدي عليها. نذكر منها، المكتب المغربي للحقوق المؤلف، على الصعيد الوطني. وعلى الصعيد الدولي المنظمة العالمية للملكية الفكرية والهيأة الدولية لإتحاد مؤلفي برامج الحاسوب.

- المكتب المغربي لحقوق المؤلفين:
لقد أحدث المكتب المغربي لحقوق المؤلفين بالمغرب، في 8 مارس سنة 1965 بمقتضى المرسوم رقم 406-64-2 ، من أجل حماية حقوق المؤلفين المنضمين تحت لوائه. وقد نظم بهذا الصدد العديد من الندوات والحملات التحسيسية، في موضوع حقوق المؤلف وفي موضوع القرصنة، كالندوة الدولية التي عقدها بالتعاون مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية، من أجل التوعية بمخاطر القرصنة على حقوق المؤلف، وكذا إيجاد الحلول الكفيلة بردع كل معتد على حق يحميه القانون . على أن الجهود الوطنية للدول في مجال حماية برامج الحاسوب، لم تنحصر في إطار وطني أو إقليمي، بل تعدته إلى إطار دولي أيضا.

- المنظمة العالمية للملكية الفكرية، وهيأة المؤلفين الدوليين لبرامج الحاسوب:
تأسست المنظمة العالمية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة، من أجل حماية الإبداعات الفكرية كيفما كان نوعها وطبيعتها، ضد كل أشكال القرصنة والتعدي عبر مختلف أقطار العالم. وتدخل برامج الحاسوب ضمن هذه الإبداعات الفكرية، مما جعلها تضع قواعد دولية لحمايته ضد كل أشكال القرصنة، وقد كانت أولى خطواتها على درب حماية البرامج، التعليمات النموذجية لسنة 1978، حول حماية برامج الحاسوب.
كما أمدت المنظمة المذكورة الكثير من الدول ومن بينها المغرب، بالخبراء المتخصصين وبالوثائق والتقارير القانونية اللازمة، حينما يتعلق الأمر بأي تعديل لقانون الملكية الأدبية والفنية . ونددت في العديد من التوصيات الصادرة عنها، بكل أشكال القرصنة الواقعة على البرامج، وبوجوب صدها من خلال قيام الدول المنضوية تحتها بتغيير قوانينها، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، لمسايرة التطور التكنولوجي وعصرنة القانون أيضا.
تعضد هذه المنظمة في حماية الملكية الواقعة على برامج الحاسوب بالخصوص، "هيئة المؤلفين الدوليين لبرامج الحاسوب"، وهي مندمجة مع الشركة الدولية "مايكروسوفت". مهمتها الأساسية هي حماية برامج الحاسوب، عن طريق محاربة القرصنة والقيام بحملات تحسيسية وزيارات ميدانية، بقصد مراقبة حواسيب الشركات والإدارات، والبحث في مدى حرصها على احترام بنود عقود الترخيص بالاستعمال أو الاستغلال، وكذا كيفية استعمال البرامج وعدد النسخ المستعملة على الحواسيب... .

من خلال ما سبق، نجد أن المجال المعلوماتي اليوم، أصبح يطرح ضرورة ملحة تدعو إلى تعديل وإعادة صياغة مفاهيم وقواعد ق.ج.المغربي، لتتماشى والتطورات الإقتصادية والتكنولوجية الحديثة. وإلا أصبح قانوننا مجرد ترسانة فارغة من جدواها، تفتح الباب على مصراعيه، أمام كل من يريد قرصنة وتقليد برامج الحاسوب، وبالتالي إهدار الحقوق عليها وإفلات المعتدين من العقاب .
وبذلك نتوصل إلى أن حماية برامج الحاسوب عن طريق قواعد القانون الجنائي كما هو منظم حاليا، غير كافية البتة، للإحاطة بمختلف حالات الانتهاكات الجرمية التي تقع على برامج الحاسوب. وإن كانت لهذه الحماية أهميتها ودورها، فإنها عاجزة عن مجاراة التطورات التكنولوجية. وتبقى الحماية القانونية بمقتضى قواعد القانون الجنائي، مجرد قواعد تكميلية فحسب، تنضاف إلى التقنيات العقدية وقواعد المسؤولية المدنية، من أجل تدعيم حماية برامج الحاسوب.

وهكذا نستخلص من خلال كل ما تقدم في هذا الفصل، أن برامج الحاسوب مكونات منطقية معنوية، وهي عبارة عن سلسلة متتالية من الخوارزميات الرياضية والمعادلات المنطقية لحل مشكلة معينة، لحوسبة خدمة أو مهمة معينة أو عامة. ونظرا لطبيعتها الخاصة، لابد من أن تراعي النصوص القانونية الجانب التكنولوجي التقني فيها، من أجل حمايتها، خاصة وأن الوسائل القانونية التي تم اللجوء إليها بادئ طرح إشكالية التعامل ببرامج الحاسوب، هي قواعد القوانين التقليدية: القانون المدني والقانون الجنائي. وقد وقفنا على الأسباب التي دفعت إلى الأخذ بها، من أجل سد الفراغ التشريعي.
لكن وكما رأينا، هذه الوسائل الحمائية القانونية غير كافية لحماية برامج الحاسوب. فهي قواعد قانونية وضعت في وقت لم تكن قد ظهرت بعد الوسائل التكنولوجية، التي أوجدت الكثير من الأشياء والأموال ذات الطبيعة الخاصة، ومن ضمنها بطبيعة الحال برامج الحاسوب. لذا، تكون محاولة إضفاء طابع المرونة عليها لتنسجم والطبيعة الخاصة لبرامج الحاسوب، قاصرة عن استيعاب تفاصيل وخصوصيات البرامج. ومع ذلك، ظلت هذه الوسائل تحاول التعايش مع برامج الحاسوب، ولا أدل على ذلك، أن تقنيات بنود العقد وقواعد المسؤولية بشقيها المدني والجنائي، لاتزال الممارسة التعاقدية تستند إليها، بل وتكرسها تشريعات حقوق المؤلف في العديد من دول العالم.
مما يدعو إلى البحث عن تقنيات أخرى لحماية برامج الحاسوب، تنسجم مع هذه الوسائل لتكملها وتستطيع استيعاب برامج الحاسوب وطبيعتها المتميزة، وبالتالي تحفظ حقوق مؤلفيها والمستثمرين في المجال المعلوماتي، إنعاشا للاقتصاد الوطني وتشجيعا لحركة تأليف البرامج وابتكارها على الصعيد المحلي.[/SIZE]




منقول