الفقرة الأولى: إفشاء السر المهني وخيانة الأمانة:
إن السر المهني بلا منازع ضرورة عملية وتدبيرية، خاصة إذا تعلق الأمر بأعمال وخدمات أساسية للشركة. فلكل عمل أسراره التي يتفانى صاحبه في إخفائها عن الغير، حتى لا يعرض نفسه للمنافسة والتشويش على سمعته. واستنادا إلى ذلك، كل من يخرق أسرار مهنته يعرض نفسه لأقصى العقوبات الجنائية (ف.447 ق.ج).
فبمقتضى عقد العمل يلتزم الأجير إزاء مشغله بالإخلاص له، وبأن لا يمارس أي عمل لمنافسته. كما يلتزم بواجب الكتمان، إزاء كل المعلومات التي يحصل عليها في إطار أدائه لمهامـه. ويعتبر واجب الكتمان هذا، ممتدا حتى بعد فترة انتهاء عقد العمل. لذا، يضمن عقد العمل إضافة إلى شرط الكتمان، الإلتزام بشرط عدم المنافسة. ويهدف هذا المبدأ، إلى "منع كـل أجير عن أداء نفس المهمة، في مجال جغرافي قريب من مشغله السابق، خلال مدة معينة" .أما بالنسبة لموظفي الدولة، فبالرجوع إلى ف.446 من ق.ج. (كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه وذلك في غير الأحوال التي يجيـز له فيها
القانون أو يـوجب عليه فيها التبليـغ عنه، يعاقب بالحبس من شهـر إلى 6 أشهر وغرامة من 120 إلى 1000 درهم… .) ويتحمل بالمسؤولية الجنائية.
ومن الأمثلة عن أسرار مهنة المعلوماتي، "إفشاء كلمة سر المرور إلى البرنامج، أو رمزه السري الذي يطلبه عند تحميله على ذاكرة الحاسوب، أو الإدلاء بأسرار تجارية حول رقم مبيعات الشركة حول برنامج الحاسوب…" . وقد تضمنت م.64 من قانون حقوق المؤلف
المغربي صراحة، معاقبة كل من يخرق حقا محميا عن قصد أو نتيجة إهمال بهدف الربح دونما تمييز بين أن يكون مقترف هذه الجريمة أجيرا أو موظفا أو أحدا من الغير. فكل من يقوم باستنساخ برنامج بدون وجه حق أو يتجاوز الحد المسموح به بمقتضى الاتفاق، إلا ويعرض نفسه للمسؤولية الجنائية طبقا لأحكام جريمة التقليد .
لكن المعلوماتيين لا يعتبرون أنفسهم معنيين بالسر المهني الخاص والاستثنائي "Spécial et Exceptionnel"، إلا إذا كان هناك اتفاق صريح بموجب بنود العقد، على اعتبار أنهم يعملون في مجال تختلف في الأسرار وتتنوع، كما تختلط فيه المعلومات بالمهارات التقنية الشخصية والمكتسبة. فكثيرا ما يحدث أن يستشير أحد المبرمجين زملائه المعلوماتيين، بخصوص طريقة برمجة أو لغة ما للبرمجة أو خريطة تدفقية لبرنامج، أو مشكلا يعترضه حينما يقوم بوضع البرنامج.
وفي غياب نص قانوني مغربي، لإلزام المعلوماتيين باحترام سرية ما يعملون على تأليفه من برامج، يمكن الإشادة بالموقف الهام الذي اتخذه المشرع الفرنسي في المادة 13 من "القانون الخاص بالمعلوميات المستندات والحريات" ، التي تلزم المعلوماتيين الذين يعملون بمعلومات أو على إدخالها، بكتمان أسرار عملهم، وإلا عرضوا أنفسهم إلى جريمة إفشاء السر المهني وجريمة خيانة الأمانة، طبقا للفصول من 547 إلى 555 من
القانون الجنائي الفرنسي.

الفقرة الثانية: فضح سر تصنيع برنامج الحاسوب
إذا كان
القانون يهدف إلى حماية المصالح وصون الحقوق، فإن "القانون الجنائي يهدف إلى زجر كل محاولة تهديدية لهذه المصالح، وهتك لهذه الحقوق، بقصد حمايتها ضد كل أشكال القرصنة والمنافسة غير المشروعة التي قد يسهلها الأجراء الذين يعلمون بطرق تصنيع البرامج" . و طبقا لذلك، يشكل حفظ سر برنامج الحاسوب حماية خاصة لمؤلفه، وإذا ما وقع الإعتداء على البرنامج بفضح سره، يقرر القانون لمقترفه عقوبات خاصة.
وبالرجوع إلى القواعد العامة في
القانون الجنائي المغربي، يمكن تطبيق حالة إفشاء أسرار المَصْنع، على حالة إفشاء أسرار تصنيع برامج الحاسوب، الذي هو في واقع الحال إفشاء للسر المهني "Le secret professionnel". فبمقتضى ف.447 ق.ج. المغربي، يحمل بالمسؤولية الجنائية (كل مدير أو مساعد أو عامل في مصنع، إذا أفشى أو حاول إفشاء أسرار المصنع الذي يعمل به، سواء كان ذلك الإفشاء إلى أجنبي أو إلى مغربي مقيم في بلد أجنبي …أو مغربي مقيم في المغرب.). ويعاقبه عن هذا الإفشاء، بعقوبات تتراوح ما بين الحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات، وبغرامة مالية تتراوح ما بين 120 درهم و 10000 درهم . ويمكن تطبيق هذه المقتضيات، من أجل حماية مؤلفي البرامج من المنافسة غير المشروعة، وفي ذلك حماية مهمة للصناعة الوطنية من المنافسة الأجنبية. لذلك فإن القانون الجنائي يعاقب على إفشاء أسرار الصناعة سواء للأجانب، أو للمغاربة المقيمين في بلد أجنبي.
ويمكن تحديد العناصر المكونة لجريمة إفشاء أسرار برنامج الحاسوب، في الآتي:
- لابد من وجود سر في طريقة إعداد برنامج الحاسوب.
- أن لا يكون مجرد سر عادي، كأن تكون طريقة تصنيع البرنامج وفق لغة برمجة جديدة، أو ابتكار خوارزميات جديدة، بحيث تكون طريقة تركيب وتأليف البرنامج، مجهولة من قبل المنافسين وتمثل نوعا من الاحتكار لفائدة من يستعملها.
- لابد أن يكون هناك شخص ارتكب فعل الإفشاء هذا.
- أن تتوافر لديه النية الإجرامية، أي أنه أقدم على الفعل عمدا.
إذن، لا بد من وجود نية فضح سر تصنيع البرنامج وتمرير معلومات جد مهمة حول طريقة إعداده، وليس فقط الإدلاء بمهارات تقنية لمشغل سابق. بذلك "من تصدق بحقهم جريمة إفشاء سر التصنيع، هم في الحقيقة المتعاقدون والأجراء فقط، المرتبطون مع مالك البرنامج برابطة التبعية، على اعتبار أنهم المطلعون دون غيرهم، على أسرار البرنامج" . ويعاقب
القانون الجنائي عن الإفشاء، ولو ترك مقترف الفعل العمل لدى مشغله، إذ قد ينتقل للعمل لدى مشغل منافس، فيحمل معه أسرار البرنامج والمهارات التقنية، التي يستعملها المشغل السابق في تأليف برنامجه ويستغلها لفائدة مشغله الجديد.
لكن، إذا كان تنفيذ جريمة الإفشاء، يبدأ بقيام الأجير بالبحث عن أسرار سر تصنيع أو تركيب شيء مادي، فإن حالة العامل المعلوماتي مختلفة. ذلك أن المشغل حينما يعهد إلى أجيره بتنفيذ برنامج حاسوب، فلا بد له أن يمده بكل المعلومات والمهارات وكذا الخرائط التدفقية والتفصيلية للبرنامج المزمع إنجازه. وعليه، فمن طبيعة عمل المعلوماتي أن تتوافر لديه أسرار عن البرنامج الذي يعمل عليه. لذا، طرحت مسألة التمييز بين ما هو سر عادي في برنامج الحاسوب، وبين ما هو سر خاص فيه.
لقد ثار خلاف فقهي كبير، بخصوص هذا التمييز. فبعض الفقهاء يرون أن سر
برامج الحاسوب، يشبه فقط السر الصناعي (Le secret de fabrique) وبذلك لا يشمل القانون الجنائي برامج الحاسوب . في حين يرى اتجاه آخر في الفقه، بأن مقتضيات القانون الجنائي تطبق على كل برنامج للحاسوب، مدمجة تعليماته ضمن تركيب صناعي. ويعتبر فقهاء هذا الاتجاه، أن "البرامج الأساسية وبرامج التشغيل التي تسمح بأداء الحاسوب لمهمته، والتي لولاها لما كان سوى قطعة حديد فارغة ومجرد شيء غير قابل للاستعمال، تشكل جزءا من أسرار تصنيع الجهاز. بينما برامج التطبيقات تختلف عنها، إذ لا يتوقف تشغيل الحاسوب عليها لأن مهمتها تكمن في أداء عمل أو خدمة معينة للإنسان" . وعليه، فهم يفضلون ألا تحظى برامج التطبيقات، بنفس هذه الحماية الجنائية. على أن القضاء الفرنسي في حكم صادر عن محكمة الدرجة العليا سنة 1981، اعتبر ولأول مرة، أن "برامج الحاسوب يمكن أن تشبه سر التصنيع، وبالتالي يجب أن تحظى بالحماية الجنائية" .
إن وجود تعليمات للتصنيع وحدها، غير كافية للقول بوقوع جريمة فضح أسرار التصنيع، إذ لابد أن تنضاف إليها شروط أخرى تدعمها. "فالتعليمات يجب أن تكون ليس فقط صناعية، بل وأيضا سرية وأصلية وخاصة بالمؤسسة مبتكرة البرنامج ويجب أن يكون من أفشى أسرار البرنامج، أجيرا لدى هذه المؤسسة" . بمعنى أن الشريك والموزع المستقل للمؤسسة المؤلفة لبرنامج
الحاسوب والمقاول من الباطن، لا يمكن متابعتهم بخرق سرية تصنيع البرنامج، مما يحد بشكل كبير من مجال إعمال المقتضيات السالفة الذكر. ولا يعتبر الفعل الإجرامي موجودا إلا إذا كانت للأجير النية الإجرامية، التي "قد تنكشف بفضل الربح الذي يحصل عليه الأجير من العملية، على أن إثبات هذه الواقعة ليس دائما سهل المنال" .
ونتيجة لذلك، المتابعة من أجل خرق بند السرية لا يسري إلا على الأجراء ذوي النيات السيئة، الذين يكشفون عن أسرار تصنيع البرنامج الذي عملوا عليه، بمقابل أو بدونه. فإذا كان سر تصنيع البرنامج قد أُفشي من الأجير بمقابل، يكون مقترفا لجريمتين: جريمة إفشاء الأسرار، وجريمة الرشوة (ف.249 ق.ج.المغربي)، مما يشدد من عقوبته.
ولا يفوتني ضمن هذا السياق، أن أنوه بمبادرة المشرع
المغربي في ق.حقوق المؤلف الجديد، في تخصيصه بابا خاصا بالتدابير والطعون والعقوبات ضد القرصنة والمخالفات (م.61 إلى 65). وما يلاحظ، أنه لم يميز من حيث المعاملة بين المؤلف-الأجير أو غيره، بأن نص في م.64 منه، بالمعاقبة جنائيا، كل من يخرق حقا محميا بموجبه، عن قصد أو نتيجة إهمال بهدف الربح.
إن بصمة التكنولوجيا الحديثة طبعت مجالات عديدة، ومن ضمنها
القانون الجنائي. فقد غيرت العديد من مفاهيمه ونظرياته، وطرحت العديد من الإشكاليات المتعلقة بمدى قدرة القانون عموما والقانون الجنائي خصوصا على مسايرة التطورات التكنولوجية، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل العملية التي تطرح أمامه. فكيف تعامل القانون مع جريمة قرصنة برامج الحاسوب، هذا ما سأتطرق إليه في المطلب الموالي.