المطلب الثاني: جريمة قرصنة كل من الدعامة المادية وبرنامج الحاسوب:
إن
برامج الحاسوب كقيم حديثة تثير العديد من التساؤلات حول طبيعتها، نظرا لأنها إبداعات فكرية وتقنية تستلزم استثمارات غالبا ما تكون ضخمة. مما يحذو إلى القول، بأنها إبداعات لا مادية ذات قيمة اقتصادية كبيرة. ولكن، كيف يمكننا أن نتصور تعرضها لجريمة السرقة؟. الواقع، أن الاعتداء على برامج الحاسوب، يعني وقوع فعل مادي ضار عليها. والحال أن الجريمة وفق ركنها المادي، تقع على الجانب المادي من البرنامج، وهو دعامته. وبذلك، يسهل القول بوقوع جريمة السرقة، وفق ف.505 ق.ج.م. الذي يعاقب كل من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير.
لكن، ماذا عن البرنامج المدمج في الدعامة، هل يسري في حقه ما يسري على دعامته؟، أم يجب إفراد
قواعد تجريمية خاصة تحكمه؟. بعبارة أخرى ما هي شروط تكييف الإعتداء على برامج الحاسوب؟ (الفقرة 1). وما هي يا ترى العقوبات والتدابير التي أفردها المشرع لمواجهة القرصنة؟ (الفقرة 2).

الفقرة الأولى: شروط تكييف فعل الإعتداء على
برامج الحاسوب جريمة سرقة:
إن القول بإعمال
قواعد التجريم المنصوص عليها في القانون الجنائي لمعاقبة وردع المعتدي والمنتهك لسر البرامج، يستلزم البحث في أركان الجرائم، من أجل التوصل إلى موقف منها. على أن هذا يخرج عن نطاق هذه الدراسة. ويمكن الإشارة في عجالة، إلى أن انتهاك سرية البرامج وقرصنتها وإن كانت أعمال تعدٍ، فهي واقعة على شيء معنوي. من هنا تظهر خصوصيات برامج الحاسوب، بحيث تفرض نفسها على المشرع من أجل تفريدها بقواعد خاصة.
فإعمالا لقواعد التجريم الكلاسيكية، لتتم جريمة السرقة لا بد:
- أن يكون هناك اعتداء على ملك مادي .
- أن تكون لمقترفها النية الإجرامية.
- أن يستغل المعلومات والأسرار التي حصل عليها من أجل استغلالها وجني أرباح منها.
وفق هذا، فعل الاعتداء على البرامج والمشكل لجريمة سرقة، يقع على شيء مادي وهو الدعامة، والحال أن الشيء المقصود بالسرقة هو البرنامج المدمج في الدعامة، وليس الدعامة في ذاتها. أي هو المقصود بالجريمة بشكل غير مباشر. فهل نطبق
قواعد القانون الجنائي التقليدية الخاصة بالتعدي على الأموال عموما؟، وهل هي كافية وقادرة على حماية برامج الحاسوب؟.
بالرجوع إلى مقتضيات
القانون الجنائي، نجد أن مجرد توافر النية الإجرامية في التعدي على البرنامج والمتجسدة في التطبيق الفعلي لفعل الاعتداء، جريمة معاقب عليها. مما يدعو إلى اعتبار الاعتداء على أسرار برامج الحاسوب (سواء كانت برنامج-مصدر، أو برنامج-هدف، أو مستنداته التقنية، مدمجة أم لا في دعامة مادية)، فعل اعتداء مقرون بالنية في تسريب أسرار البرنامج إلى ذوي المصلحة، مقابل اقتضاء أجر عن ذلك. من هنا، تظهر الأهمية الخاصة لقواعد القانون الجنائي، كوسيلة حمائية للمصالح العامة والخاصة على السواء وليس فقط لبرامج الحاسوب باعتبارها كباقي الأموال معرضة للاعتداء عليها. مما يستدعي من المشرع أن يتدخل بتعديل فصول القانون الجنائي، لتضم قواعد خاصة بتجريم ومعاقبة كل اعتداء على برامج الحاسوب، التي هي في الواقع أعمال مادية تقع على أموال فكرية، مما يعني سن تدابير خاصة تتماشى والطبيعة الخاصة للجرائم الواقعة على برامج الحاسوب.
الفقرة الثانية : العقوبات والتدابير القانونية، لمواجهة جرائم الإعتداء على
برامج الحاسوب:
إن مبادرة المشرع
المغربي في ق.حقوق المؤلف الجديد، لخطوة جد مهمة على درب عصرنة القوانين المغربية، لجعلها مواكبة لتطور القانون ومسايرة لعصر التكنولوجيا. فقد أفرد هذا القانون بابا خاصا بالتدابير والطعون والعقوبات ضد القرصنة، والمخالفات الأخرى المرتبطة بها (م.61 إلى 65). وما يلاحظ، أنه لم يميز من حيث المعاملة بين المؤلف-الأجير أو غيره، بأن نص في م.64 صراحة على معاقبة كل من يخرق حقا محميا عن قصد أو نتيجة إهمال بهدف الربح، دون تمييز بين أن يكون مقترف هذه الجريمة أجيرا أو موظفا أو حتى أحدا من الغير.كما أن المشرع المغربي قد نص على تطبيق عقوبات مدنية، حينما يُخْرق حق معترف به لصاحبه ومحمي بموجب ق.حقوق المؤلف. وتتمثل هذه العقوبات في التعويض عن الضرر الحاصل -سواء المادي منه أو المعنوي- وذلك وفق الأرباح التي حصل عليها مقترف الخرق. أما إذا كان مقترفه لا يعلم بقيامه بانتهاك الحق المحمي قانونا، فيحكم عليه بمبالغ محددة مسبقا (م.62 فق من 1 إلى 3). وبذلك، كل من تعرض حقه للخرق، عليه أن يلجأ إلى السلطات القضائية المختصة، للقيام بجميع الأعمال التي من شأنها وقف فعل الاعتداء على حقه (م.62-فق4).
الملاحظ أن المشرع
المغربي في ظهير الملكية الأدبية والفنية لسنة 1970، حينما تطرق في ف. 56 من الباب الثامن منه والخاص بمعالجة الإجراءات والعقوبات، أحال في كل ما يتعرض بالمس بالحقوق الأدبية والفنية، على مقتضيات فصول القانون الجنائي ( ف.575 إلى ف.579). وهذا ما لا نلاحظه من خلال م.64 من ق.حقوق المؤلف الجديد. بحيث ذكر فقط بأن "كل خرق لحق محمي بموجب هذا القانون يتم اقترافه عن قصد أو نتيجة إهمال بهدف الربح، يعرض صاحبه للعقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي، وتقوم المحكمة بتحديد مبلغ الغرامة، مع مراعاة الأرباح التي حصل عليها المدعى عليه من الخرق..." (م.64-فق1). فهل يعني عدم إحالة المشرع على فصول القانون الجنائي، أن ق.حقوق المؤلف هو القانون العام فيما يخص برامج الحاسوب؟.