دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الرشوة الانتخابية كأحد جرائم التأثير على إرادة الناخبين

  1. #1

    افتراضي الرشوة الانتخابية كأحد جرائم التأثير على إرادة الناخبين

    نوع البحث:
    الانتخابات الرئاسية والنيابية
    الفهرس
    مقدمة
    العلاقة بين الرشوة الانتخابية والرشوة الواقعة على الوظيفة العامة
    الخطة التشريعية في تجريم الرشوة الانتخابية
    تجريم الرشوة الانتخابية في ظل القانون الفرنسي
    تجريم الرشوة الانتخابية في ظل القانون المصري
    النطاق الزمني للرشوة الانتخابية
    الشرط المفترض في جريمة الرشوة الانتخابية
    المخاطب بالتجريم في الرشوة الانتخابية
    السلوك المادي المؤثم في جريمة الرشوة الانتخابية
    الغرض من ارتكاب جريمة الرشوة الانتخابية
    القصد الجنائي في جريمة الرشوة الانتخابية
    ضرورة التعاصر بين القصد الجنائي والنشاط المؤثم في جريمة الرشوة الانتخابية
    عقوبة الرشوة الانتخابية
    قائمة المراجع

    مقدمة
    إن سيطرة المال على مقدرات العملية الانتخابية وعلى كافة أطرافها هي آفة بالغة الخطورة والجسامة على سلامة التمثيل النيابي للأمة وعلى مصداقية تعبير أفرادها عن إرادتهم.
    فلم يعد المال أمراً حيوياً لإدارة المعارك أو الحملات الانتخابية من جانب تمويل نفقاتها وإنما أضحى سلاحاً خطيراً للتأثير على إرادة الناخبين وتوجيههم نحو تأييد حزب بعينه أو مرشح أو قائمة بعينها سواء استخدم هذا السلاح من قبل المرشح ذاته أو من قبل أنصاره أو الحزب الذي ينتمي إليه لا فرق.

    ولم يعد الأمر يقتصر على التأثير على إرادة الناخب فحسب، وإنما يتجاوز ذلك لتكون إرادة المرشح ذاته فريسة لتلك الآفة بحيث يدين المرشح بالولاء لمن يدفع أكثر (1) وبذلك تتجلى سيطرة جماعات الضغط التي تمتلك النفوذ والمال على مجريات العملية الانتخابية وبالتالي على الحياة النيابية بأثرها ومن ثم تتضاءل الفرص أو تنعدم أمام ذوي المثل والمبادئ المحققة للصالح العام المجردين من سطوة المال أو النفوذ لمنافسه تلك القوة الغاشمة لرأس المال وسيطرته على نتائج الانتخابات والوصول إلى مقاعد العضوية في المجلس النيابي أو لمجابهة تحديات مراكز السلطة وعناصرها المتحكمة في تسيير دفة العملية الانتخابية وقراراتها حيث أن سلطان المال وسيطرته أصبح هو الطريق المضمون لمن لا يحظى بأصوات الناخبين إلى مقعد البرلمان ابتداء بالحصول على ثقة الحزب لترشيحه ومساندته وانتهاءً بشراء أصوات الناخبين (2).

    ويزيد من تفاقم تلك الآفة وتعاظم دورها المتحكم في نتائج الانتخابات أمور أبرزها تفشي الفقر والجهل والبطالة وذلك أمر طبيعي إذ أن من لا يملك قوته لا يملك قراره فإن هذا الثالوث يعد وبحق مرتعاً خصباً لآفة المال التي يمكن أن تفسد نزاهة الحياة النيابية ذلك حيث يقع كثير من الناخبين خاصة من يعانى منهم الفقر أو الجهل أو البطالة فريسة سائغة أمام العروض والعطايا والهبات والوعود والخدمات السابقة التي قدمها لهم المرشح أو أعوانه أو أقاربه فيدلي الناخب بصوته واضعاً في اعتباره تلك العناصر التي تعد ولا ريب بمثابة حبل شانق لإرادته.
    فضلاً عن ذلك فإن القصور والنقص في التشريعات الحاكمة لعملية الإنفاق المالي الظاهر والباطن على الحملة الانتخابية أو الدعم غير المحايد من السلطة لبعض المرشحين دون غيرهم يعد سبباً جوهرياً آخر لزيادة آثار سلاح المال السلبية على سلامة العملية الانتخابية.
    من أجل ذلك عنت التشريعات الانتخابية الحديثة بتجريم فعل الرشوة الانتخابية لتلافي المخاطر المحدقة بنزاهة نتائج العملية الانتخابية ولتقويض سطوة المال على مقدرات المعارك الانتخابية.


    العلاقة بين الرشوة الانتخابية والرشوة الواقعة على الوظيفة العامة
    لا يبعد مفهوم الرشوة العادية الواقعة على الوظيفة العامة عن مفهوم الرشوة الانتخابية بدليل التشابه اللغوي والواقعي بين هاتين الجريمتين.
    فجريمة الرشوة تقتضي وجود شخصين الشخص الأول يقبل ما يعرض عليه من فائدة أو وعد بها أو يطلب شيئاً من ذلك مقابل قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل فذلك هو الموظف في جريمة الرشوة في مجال الوظيفة العامة والناخب في جريمة الرشوة الانتخابية والشخص الثاني يتقدم بالعطية أو الوعد بها ليؤدى له العمل أو الامتناع عنه فذلك هو المواطن صاحب الحاجة أو المصلحة في الجريمة الأولى والمرشح أو غيره في الجريمة الثانية؟ (3).
    ولذلك اعتبرت التشريعات الرشوة بنوعيها مشتملة على جريمتين منفصلتين إحداهما جريمة المرتشي، وتسمى الرشوة السلبية ويقترفها الموظف العام في جريمة الرشوة الوظيفية والناخب في جريمة الرشوة الانتخابية، أما ثانيهما فهي جريمة الراشي وتسمى الرشوة الإيجابية ويقترفها صاحب المصلحة في الجريمة الأولى والمرشح أو أحد أنصاره غالباً في الجريمة الثانية.
    ويظهر التشابه أيضاً بين الجريمتين في حالات العرض والوعد والقبول والفائدة أياً كانت مقابل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل.
    في حين يظهر الاختلاف بينهما في المصلحة المنوطة بالحماية الجنائية حيث أن الرشوة الانتخابية تبقى كما هي دون أن تبلغ درجة رشوة الوظيفة على اعتبار أن المشرع بتجريمه للرشوة الوظيفية حمى مصلحة عامة بشكل مباشر حيث أن جريمة الرشوة من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة هذه المصلحة هي حسن سير الوظيفة العامة التي يتعرض أداؤها اليومي للأخطار إن لم يكن للإضرار إذا لجأ الموظف إلى الاتجار بعمله للحصول على فائدة معينة، ذلك أن هذا يدفعه إلى الامتناع عن القيام بعمله ما دام لم يحصل على الفائدة التي قدرها لكي يقوم بواجبه، بل أن الموظف في بعض الحالات قد يقدم على مخالفة واجبات وظيفته طمعاً في مغنم معين يجنيه من صاحب الحاجة (4).
    بينما الرشوة الانتخابية هي الفائدة أو العطية أو الهبة أو الوعد التي يكون الغرض منها الإخلال بحرية التصويت من حيث التأثير على إرادة الناخب لحمله على انتخاب مرشح معين أو الامتناع عن التصويت بما يشكل إخلالاً بالعملية الانتخابية ومن ثم يجدر القول بأن المصلحة المنوطة بالحماية في الرشوة الانتخابية هي حسن سير العملية الانتخابية وسلامة إرادة الناخبين.
    لكن لابد من ملاحظة أنه إذا دخل الموظف العام على خط الرشوة الانتخابية أضحت الواقعة بمثابة رشوة وظيفية وتعين تكيفيها على هذا الأساس لتحقق العنصر الشخصي بوجود الموظف العام كأن يقبل رئيس لجنة الانتخاب هدية من المرشح بغرض التزوير في نتائج الانتخابات أو يطالب موظف مختص بمنفعة مادية أو معنوية من مرشح بغرض التزوير في كشوف الناخبين تحقيقاً لمصلحة ذلك المرشح.


    الخطة التشريعية في تجريم الرشوة الانتخابية
    هناك شبه إجماع تشريعي على تجريم الرشوة الانتخابية رغم صعوبة إثباتها واستقرار العرف على ما يعرف بالرشوة الانتخابية غير المباشرة وبشكل خاص في الانتخابات الرئاسية حيث يعمد الرئيس المنتخب إلى تعيين معاونيه في الحملة الانتخابية في الوظائف الرئيسية في الدولة بعد إعلان فوزه وتنصيبه رئيسياً ولقد أقر القانون الأمريكي هذا المسلك وأسبغ عليه المشروعية حيث يمنح الحزب الذي يفوز في الانتخابات الحق في تعيين أنصاره في الوظائف العامة بيد أن كثير من الفقهاء اتجه إلى اعتبار ذلك بمثابة (رشوة غير مباشرة) (5).
    هذا ومن أقدم التشريعات التي جرمت الرشوة الانتخابية التشريع الذي صدر في إنجلترا عام 1845 ولعل السبق الإنجليزي بهذا الشأن مرده تفشي الرشوة الانتخابية أو الفساد الانتخابي والذي يمثل في ظاهرة شراء القوائم والأصوات حيث بدأت تلك الظاهرة منذ الانتخابات التي أجريت في القرن الرابع عشر وتواصلت حتى صدور تشريع الانتخابات سالف الذكر (6).


    تجريم الرشوة الانتخابية في ظل القانون الفرنسي
    هناك العديد من التشريعات التي يمكن الإسناد إليها في إظهار السياسة التشريعية الحديثة في تجريم الرشوة الانتخابية ومن بينها القانون الفرنسي الذي جرمها للمرة الأولى بقانون 31 مارس 1914 حيث اهتم المشرع الفرنسي بتجريم كافة صور التأثير المادي أو المعنوي على إرادة الناخبين بغرض التصويت على نحو معين ولا أدل على ذلك من تعدد المواد التي تناولت هذا الأمر في قانون الانتخاب الفرنسي (7).
    إذ تقضي المادة l.106 من هذا القانون بعقاب كل من يقدم هبات أو تبرعات نقدية أو عينية أو يقدم وعداً بتبرعات أو فوائد أو وظائف عامة أو خاصة أو أية مزايا خاصة أخرى بقصد التأثير على تصويت واحد أو أكثر من الناخبين للحصول أو محاولة الحصول على أصواتهم سواء بصورة مباشرة أو بواسطة الغير، وكذلك عقاب كل من يستعمل نفس هذه الوسائل لكي يحمل أو يحاول أن يحمل واحداً أو أكثر من الناخبين على الامتناع عن التصويت وذلك بالحبس لمدة سنتين وغرامة مئة ألف فرنك (8).
    وإن كان جانباً من الفقه الفرنسي يرى أن نص المادة l.106 على هذا النحو يتضمن مصطلحات واسعة يلزم مجابهتها بمبدأ التفسير الضيق لقانون العقوبات حيث يصعب تطبيق هذا النص على بعض الأفعال التي تحدث في الواقع (9). كما تفرض الفقرة الثانية من المادة l.106، نفس العقوبات على كل من يقبل أو يطلب نفس الهبات أو التبرعات أو الوعود (10).

    وإسباغاً للحماية الجنائية على جماعات الناخبين وخاصة تلك التي تتجمع في قطاع معين أو تربطها مصلحة واحدة أفرد المشرع الانتخابي الفرنسي نصاً لتجريم الرشوة الجماعية بالمادة l.108 من قانون الانتخاب والتي تقرر بها (عقاب كل من يستهدف التأثير على تصويت جماعة انتخابية أو إحداث الشقاق بين أعضائها وذلك بتقديم أية هبات أو تبرعات أو وعود بتبرعات أو فوائد إدارية وذلك سواء لمنطقة ما أو لمجتمع أيا كان من المواطنين وذلك بالحبس لمدة سنتين وغرامة مائة ألف فرنك (11).
    ولضمان عدم استغلال الوضع الوظيفي لخدمة الأغراض الخاصة في العملية الانتخابية نص المشرع الفرنسي على ظرف لتشديد العقاب بالمادة l.109 من قانون الانتخاب الفرنسي والتي تقضي بمضاعفة العقوبات المقررة للجرائم المنصوص عليها بالمواد من l.106 إلى l.108 إذا كان الجاني موظفاً عاماً.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  2. #2

    افتراضي

    تجريم الرشوة الانتخابية في ظل القانون المصري
    إن التقارب الكبير بين الرشوة المنصبة على الوظيفة العامة وتلك الماسة بإرادة الناخبين وبنزاهة العملية الانتخابية جعل الشارع الانتخابي يستمد ملامح سياسته العقابية من نظيره الجنائي الذي برع في معالجة الرشوة الوظيفية جنائياً بشكل محكم ويبين تأثر المشرع الانتخابي بنظيره الجنائي إذا ما وضعنا مواد تجريم الرشوة الواردة بالمدونة العقابية مع فقرات المادة 41 من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956 تحت مجهر واحد. ففي حين نصت المادتين 103، 104 من قانون العقوبات على أن كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه يعد مرتشياً ورصدت له عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة فضلاً عن الغرامة نجد أن الفقرة الثالثة من المادة 41 من قانون الانتخاب قد سارت على ذات النهج مستخدمة ذات الألفاظ حيث جرمت فعل كل من قبل أو طلب فائدة لنفسه أو لغيره لإبداء الرأي على وجه خاص أو الامتناع عنه. ومن ذلك يتضح أن النصوص السابقة عنت بمخاطبة المرتشي وحصر صور سلوكه الواقعة تحت طائلة التأثيم.
    كما أن استقراء المادة 107 من المدونة العقابية والفقرة الثانية من المادة 41 آنفة الذكر والنظر إليهما من خلال ذلك المجهر المقارن يظهر اتفاقهما على مخاطبة الراشي وحصر صور سلوكه المادي المنوطة بالتأثيم حيث جاء نص المادة 107 ليقرر عقاب الراشي بالعقوبة المقررة للمرتشي وجاء نص الفقرة الثانية من المادة 41 ليجرم كل من أعطى آخر أو عرض أو التزم بأن يعطيه فائدة لنفسه أو لغيره كي يحمله على إبداء الرأي على وجه خاص أو الامتناع عنه.
    بيد أن الشارع الجنائي قد اتسم بالدقة متفوقاً على نظيره الانتخابي عندما عمد إلى تجريم فعل الوسيط بلفظ صريح راصداً له عقوبة مماثلة لعقوبة المرتشي حيث نص على ذلك بوضوح في المادة 107 بقوله (يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي) ونحسب أن هذا كان أمراً ضرورياً ملحاً متفقاً وضرورة وضوح النص الجنائي ومتفقاً وطبيعة جريمة الرشوة التي غالباً ما لا تكتمل إلا بمساهمة هذا الثالوث (الراشي و الوسيط و المرتشي) وقيام كل منهم بالدور المنوط به.

    و لقد كان حرياً بالشارع الانتخابي أن ينص صراحة على تجريم فعل الوسيط الذي يتعاظم دوره على مسرح جريمة الرشوة الانتخابية حيث عادة ما يعمد المرشح إلى وسيط من ذات عشيرة مجموعة من الناخبين أو تربطه بهم علاقة جيرة أو عمل أو قرابة ليكون بمثابة حلقة الوصل بينه وبينهم سيما إذا كان هذا المرشح يفتقر الشعبية التي تمكنه من القيام بهذا الدور بنفسه فيتحقق بذلك مأربه في التأثير على إرادتهم، ونرى أنه لم يكن كافياً أن يستفاد هذا التجريم من عموم ألفاظ الفقرة الثانية من المادة 41.
    وعلى صعيد أخر يتضح أن المشرع المصري لم يهتم بالحفاظ على حرية الناخبين بنفس القدر الذي التزم به نظيره الفرنسي في هذا المجال ففي حين أفرد المشرع الفرنسي خمسة مواد في قانون الانتخاب لديه لتنظيم هذا الأمر ضمنها تجريم أفعال الرشوة الجماعية التي تستهدف التأثير على جماعة أو طائفة من الناخبين وضمنها نص يضاعف العقوبة المرصودة للجريمة إذا كان الجاني موظفاً عاماً نجد أن المشرع المصري أجمل كل ما يتعلق بالتأثير المباشر على حرية الناخبين في التصويت في مادة وحيدة ضمن القانون رقم 73 لسنة 1956 المعدل وهي المادة "41" آنفة البيان.


    النطاق الزمني للرشوة الانتخابية
    الفعل أو الأفعال التي تندرج في مفهوم الرشوة الانتخابية كما تكون سابقة على التصويت وهذا هو الفرض الغالب يمكن أن تكون لاحقة عليه كذلك ويبين ذلك من خلال تجريم الشارع الوعد بتقديم الفائدة. أما الرشوة أو المكافئة اللاحقة وعلى عكس حالها في نطاق الرشوة الوظيفية فإنها تخرج من نطاق التجريم في الرشوة الانتخابية حيث خلا القانون الانتخابي المصري من نص مشابه لنص المادة 105 من قانون العقوبات الذي نص على أن كل موظف عمومي قبل من شخص أدى له عملاً من أعمال وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها أو أخل بواجباتها، هدية أو عطية بعد تمام ذلك العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته بقصد المكافأة على ذلك وبغير اتفاق سابق يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد عن خمسمائة جنيه.
    ولقد كان حرياً بالمشرع أن يفرد نصاً عقابياً لتجريم المكافئة اللاحقة التي يقبلها الناخب كجزاء عما أداه من تصويت لصالح مرشح معين أو الامتناع عن ذلك ويفترض هذا الفعل الحري بالتأثيم أن تصويت الناخب على وجه معين أو امتناعه عنه قد تم دون اتفاق سابق على هذا العمل أو الامتناع عنه بينه وبين المرشح ولكنه بعدما أتاه من تصويت وامتناع يجيء قبوله للعطية كمكافئة عما أداه، وهذا الفعل رغم ندرة إمكانية حدوثه على هذا النحو وصعوبة إثباته إلا أن شموله بالتجريم سيحقق ولا ريب ضمانة بالغة المثالية لنزاهة العملية الانتخابية وهو ما يهدف إليه الشارع من تجريم تلك الرشوة.


    الشرط المفترض في جريمة الرشوة الانتخابية
    الشرط المفترض في الجريمة هو أمر سابق على توافر الأركان وبالتالي فهو ليس جزء من أركان الجريمة ومع ذلك فهو أمر ضروري لا تقع الجريمة إلا بوجوده وهو في هذا يتفق مع الركن في أنه يترتب على انعدامه انعدام الجريمة حتماً ويتمثل هذا الشرط في جريمة الرشوة في صفة مقترفها (12).

    أ - صفة الراشي
    على خلاف الصورة الأصلية لجريمة الرشوة في المدونة العقابية والتي تتطلب صفة خاصة في مرتكبها وهي صفة الموظف العام والتي هي بمثابة الشرط المفترض في جريمة الرشوة الوظيفية وفقاً لما نصت عليها المادة 103 من قانون العقوبات المصري (كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو أخذ وعداً ... إلخ).
    نجد أن الأمر مختلفاً ففي جريمة الرشوة الانتخابية حيث لا تتطلب صفة خاصة في الراشي فيستوي أن يكون الراشي أحد المرشحين في الانتخاب المعني أو أن يكون غيره ممن لا تتوافر بشأنه هذه الصفة وذلك لعموم صياغة المادة 41 من قانون الانتخاب المصري والذي جاء به كل من أعطى آخر أو عرض أو .... إلخ) .

    ب - صفة المرتشي
    إذا كان الأمر كذلك كما سلف بالنسبة للراشي في جريمة الرشوة الانتخابية إلا أنه يختلف بالنسبة للمرتشي وهو ذلك الذي أخذ أو طلب أو قبل الفائدة أو العطية أو الوعد بهما حسبما جاء بنص الفقرة الثانية من المادة 41 من قانون الانتخاب المصري، حيث يتعين أن تتوافر بشأنه صفة الناخب أي أنه يجب أن يكون أحد أعضاء هيئة الناخبين وذلك وقت مقارفته للسلوك الإجرامي المؤثم دون توقف على استمرار تمتعه بهذه الصفة بعد تمام السلوك. ومن ثم فإن صفة الناخب تعد شرطاً مفترضاً في جريمة المرتشي في الرشوة الانتخابية ولا قيام لهذه الجريمة ولا اكتمال لنموذجها القانون بغير تحقق هذه الصفة.

    ج - صفة الوسيط
    لا يشترط بالنسبة للوسيط في الرشوة الانتخابية تحقق أي صفة فيه فقد يكون أحد أعضاء هيئة الناخبين أو غيره لا فرق ومثله في ذلك مثل الوسيط في جريمة الرشوة الوظيفية وهو ذلك الذي يتوسط لصاحب المصلحة لدى الموظف العام للقيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه.
    و في مجال الرشوة الانتخابية فهو وعلى نحو ما سبق ذلك الشخص الذي يمثل حلقة الوصل بين المرشح والناخب.


    المخاطب بالتجريم في الرشوة الانتخابية
    من المتصور أن يكون الجاني في الرشوة الانتخابية هو المرشح ذاته أو أحد من الغير و قد يكون مرتكب الرشوة واحداً من أنصار المرشح الذي يجتهد لصالح فوز المرشح الذي يناصره فيعمد إلى إرشاء الناخبين للتصويت لصالح من يناصر، كما أنه من المتصور وعلى النقيض أن يكون الراشي أحد أعداء المرشح والذي يجتهد إلى عدم فوز هذا المرشح فيقوم بإرشاء الناخبين ليعزفوا عن انتخابه وفي صورة ثالثة قد يكون هناك وسيطاً بين المرشح والناخب حيث يعمد المرشح إلى استعمال وسيطاً لتوصيل الفائدة للناخب لحملة على التصويت لصالحه ولعل النص التجريمي حسم أمر تجريم المرشح الراشي والناخب المرتشي ولكن هل يخضع الوسيط لحكم المادة 41 ثانياً.

    بمطالعة نص هذه المادة والتي تقضي بأنه « كل من أعطى آخر أو عرض أو التزام بأن يعطيه فائدة ... إلخ » نجد أنها جاءت مطلقة ودليل إطلاقها لفظ « كل من ... » ومن ثم فإن الوسيط هو الآخر مخاطب بالتجريم طالما أنه قارف فعل إعطاء الفائدة أو عرضها على الناخب لحملة على إبداء رأيه على وجد معين.
    ولكن ما الحكم في حالة عدم علم المرشح بما أتاه الوسيط ؟
    لا ريب أن انتفاء علم المرشح بسلوك هذا الوسيط يجعل القصد الجنائي منتفياً لديه بدوره ومن ثم ينفرد الوسيط بالتجريم والعقاب. أما إذا كانت الفائدة قدمت من المرشح للوسيط لتوصيلها للناخب أو كان تقديم الفائدة بإيعاز من المرشح فلا ريب أن كلاهما (أي المرشح والوسيط) يكون فاعلاً أصلياً في جريمة الرشوة وذلك تطبيقاً للمادة 39 من قانون العقوبات (13).
    وإذا كان المرشح والوسيط مخاطبين بالتجريم حال مقارفتهما السلوك المؤثم فإن الناخب بدوره مخاطب بالتجريم إذا ما استجاب لعرض المرشح أو طلب منه فائدة لنفسه أو لغيره.
    ولا يقدح في اكتمال جريمة الناخب المرتشي تصويته لمرشح آخر غير الذي رشاه فالعبرة في تحقيق الجريمة هي بقبول عرض الرشوة أو أخذها أو طلبها وذلك حسبما سيرد تفصيلاً بمعرض حديثنا عن غرض الرشوة.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  3. #3

    افتراضي

    السلوك المادي المؤثم في جريمة الرشوة الانتخابية
    سار المشرع المصري بحذو نظيره الفرنسي في إفراد فقرة عقابية للنص على صور السلوك المادي المجرمة في فعل الراشي وفقرة أخرى للنص على الصور المؤثمة في فعل المرتشي ففي الفقرة ثانياً من نص المادة 41 من قانون الانتخاب المصري نص المشرع على أفعال الإعطاء والعرض والوعد بالفائدة في حين نص المشرع الفرنسي في الفقرة الأولى من المادة L.106 على تقديم الهبات أو التبرعات أو الوعد بها.
    ونص المشرع المصري في الفقرة ثالثاً من المادة سالفة الذكر على صور السلوك المجرم في فعل الناخب المرتشي والتي تمثلت بحسب النص في القبول أو الأخذ أو الطلب في حين جرم الشارع الفرنسي ذلك في الفقرة الثانية من المادة أنفة الذكر.
    ومن ثم كان الفعل المادي لجريمة الرشوة الانتخابية التي يرتكبها المرتشي ينحصر في صور ثلاث هي الطلب أو القبول أو الأخذ بينما ينحصر السلوك المادي لجريمة الراشي في عرض الرشوة وصورها ثلاث هي الإعطاء أو العرض أو الوعد بالفائدة، وترد جميع هذه الصور على محل واحد وهو الفائدة التي هي موضوع جريمة الرشوة وفيما يلي نتعرض بإيجاز لتلك الصور المنوطة بالتأثيم:

    (أ) الطـــلب
    والطلب هو إفصاح عن رغبة أو تعبير عن إرادة وينطوي على حث الراشي لتقديم الرشوة أو الوعد بها وإن كان هذا الطلب عملاً مبدئياً في فعل الرشوة إلا أنه كاف لتتم به الجريمة (14) وقد استقرت وتواترت أحكام محكمة النقض المصرية على أن جريمة الرشوة الوظيفية تتم بمجرد الطلب من جانب الموظف العام وهو ما يصلح القياس عليه في جريمة الرشوة الانتخابية (15). ومن ثم يجدر القول بأن الرشوة الانتخابية تتحقق بمجرد طلب الناخب للفائدة.

    (ب) القبول
    يختلف القبول عن الطلب في أنه يفترض سلوكاً من جانب الراشي سواء كان في صورة إعطاء للرشوة أو عرضاً أو وعد بها وهي الصورة التي نص عليها الشارع المصري والفرنسي في الفقرة المخصصة لتجريم فعل الراشي في جريمة الرشوة الانتخابية، ويتطلب تحقق تلك الصورة تلاقي إرادة الراشي وإرادة المرتشي.

    (ﺠ) الأخــذ
    ويتحقق بتسلم الناخب العطية أو الفائدة موضع الرشوة ويفترض الأخذ أيضاً تصرفاً سابقاً من جانب الراشي متمثلاً في الإعطاء أو العرض الحقيقي للفائدة موضوع الرشوة فبتسلم تلك الفائدة يتلاقى نشاط الراشي والمرتشي ويتحقق بذلك التنفيذ الفعلي للجريمة ويطلق على هذا الفعل (الرشوة المعجلة) (16).

    (د) عرض الرشوة
    كما سبق وأن ذكرنا فإن هذا السلوك يؤتيه الراشي ويقصد به تقديم الرشوة للناخب وقد ينصب على عطية أو وعد بعطية أو فائدة ويجب لتحقيق تلك الصورة أن يبذل الجاني سلوكاً إيجابيا فعالاً ينطوي على عرض الرشوة فلا يكفي مجرد اتجاه النية إلى ذلك. ولا يقدح في اكتمال الجريمة ألا يكون المرتشي جاداً في قبول الرشوة متى كان الراشي قد عرضها عرضاً جدياً في ظاهره وكان الغرض منها العبث بمجريات ومقتضيات العملية الانتخابية على النحو آنف البيان.

    (ﻫ) صور الفائدة أو العطية موضوع الرشوة الانتخابية
    يتعين في العطية أو العرض أو الوعد بها من قبل المرشح وفي القبول أو الطلب أو الأخذ من قبل الناخب (وهي صور النشاط المادي في جريمة الرشوة الانتخابية) أن يرد هذا السلوك على مال أو هدية أو أية منفعة أخرى ولا يقتصر مدلول المنفعة على المعنى المادي فحسب بل يتناول أيضاً الأشياء غير المادية كحصول الناخب على وظيفة أو ترقيته وكان يقدم المرشح مسكناً لناخب دون مقابل أو في صورة أخرى رمزية ولا يشترط لتحقيق جريمة الرشوة الانتخابية أن تكون الفائدة ذاتها مشروعة ولكن قد تأتى في صورة غيرة مشروعة كالمواد المخدرة أو الأشياء المتحصلة من سرقة أو لقاء جنسي يهيأ للناخب المرتشي.

    وقد توسع المشرع المصري في المادة 41 ثانياً وثالثاً في تحديد مقابل الرشوة الانتخابية أو موضوعها باستعماله لفظاً فضفاضاً واحداً هو «الفائدة» بينما اتجه المشرع الفرنسي إلى التوسع أيضاً ولكنه أثر النص على مصطلحات متباينة للمنفعة محل الجريمة وذلك بالمادة L.106 فعدد صور الفائدة بالعطايا والتبرعات والهبات المالية أو العينية والتعيين في الوظائف الهامة أو الخاصة أو بتقديم أي منفعة أخرى وكذلك بتقديم الخدمات الإدارية لأحد أو بعض أفراد هيئة الناخبين ولم يقنع بإطلاق لفظ الفائدة كما فعل نظيره المصري.
    وقد اختلف الفقهاء حول مدى ملائمة التوسع في مفهوم المنفعة بجريمة الرشوة الانتخابية.
    فقد أتجه رأي إلى أن مفهوم المنفعة في الرشوة وإن اختلف في صياغته اللغوية بين تشريع وآخر يبقى على المعنى نفسه، أيد هذا الاتجاه مسلك المشرع المصري حال استعماله لكلمة (الفائدة) في النص التجريمي حيث البين أنه تجنب تحديدها كما فعل نظيره الفرنسي ولقد رأي هذا الجانب من الفقه أن المشرع المصري بذلك أفسح المجال أمام النظرة الواسعة والرحبة للقاضي في تفسير معنى الفائدة (17).
    في حين ذهب رأي آخر إلى أن كلمة (الفائدة) التي استعملها الشارع المصري دون تفصيل كما فعل الشارع الفرنسي أمر يؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه للاجتهاد الفقهي إضافة إلى سلطة التقدير القضائية في تحديد مفهوم الفائدة وهو ما استهجنه أنصار هذا الرأي (18).
    بيد أننا نميل إلى الرأي الأول إذ أن من الصعوبة بمكان حصر فائدة الرشوة في صور معينة أو قصرها على صور معينة وأحسب أن الشارع الفرنسي حال ذكره تلك الصور في نص المادة L.106 لم يذكرها إلا على سبيل المثال لا الحصر، وإذا كان الشارع المصري نأى بنفسه على سرد صور المنفعة في الرشوة تاركاً الأمر لسلطة القاضي فإنه بذلك يكون قد حقق إحكاماً أفضل لمواجهته تلك الجريمة تشريعياً وقضائياً.

    ولقد كان من الملاحظ بعد تحليل العديد من أحكام قاضي الانتخاب الفرنسي أنه يميل إلى التفسير الضيق لمفهوم الرشوة الانتخابية فقد اعتبر أن توزيع المشروبات خلال اجتماع عام قبل انقضاء الاقتراع وتوزيع الأطعمة والملابس عن طريق لجنة حسابات إحدى الحملات وتوزيع بطاقات الانتظار لمواقف السيارات الخاصة بالمسافرين والمندوبين أو منح تصاريح دخول مجانية للميدان المخصص للدراجات، أو توزيع تذاكر بدون مقابل أو بسعر رمزي لحضور لقاء رياضي أو ندوة ثقافية أو ترتيب نزهة لعدد محدود من الناخبين بواسطة طائرة هيلوكبتر أموراً لا تستأهل توقيع الجزاء الانتخابي على سند من أن هذه المنح والامتيازات أو الهدايا لا تقدم فائدة حقيقية للناخبين في الدائرة ومن ثم فإنه لا يترتب عليها إفساد الانتخاب.
    بيد أنه يتعين في مجال العقاب على الرشوة الانتخابية أن يكون هناك معياراً واحداً ثابتاً ألا وهو أثر الفائدة أو المنفعة على إرادة الناخب والتي هي مناط الحماية وإن كنا نرى أنه لا عطية أو منفعة بلا مقابل فالمرشح الذي يمنح الناخب عطية أو هدية أو يؤدي له خدمة أو يعده بذلك قبيل الموعد المحدد للتصويت فإنه لا يعمد لذلك إلا بقصد التأثير على إرادة هذا الناخب وتوجيه رأيه إلى التصويت لصالحه ولولا أنه مرشح في الانتخاب لما أقدم أو فكر في تقديم تلك العطايا أو الهبات أو الخدمات مطلقاً.


    الغرض من ارتكاب جريمة الرشوة الانتخابية
    إن جريمة الرشوة الانتخابية وعلى نحو ما يبين من سياق النص التجريمي في فقرتيه ثانيا وثالثا، تتألف من جريمتين إحداهما إيجابية يقارفها المرشح الراشي أما الأخرى فهي جريمة الناخب "المرتشي". أما عن جريمة المرشح أو الراشي فإنه يسعى بإعطائه أو عرضه أو تعهده بإعطاء الفائدة إلى الحصول على أصوات الناخبين وهو الفعل الذي يسمى (بشراء الأصوات) ولقد استهدف نص المادة 41 من القانون المصري تجريم كل فعل يعمد إليه المرشح أو غيره لإفساد إرادة الناخبين أو النيل من حريتها للحصول على أصواتهم تحت وطأة الإغراء المالي أو المعنوي أو الوعد به أو تقديمه حيث استعمل المشرع عبارة «كي يحمله على إبداء الرأي على وجد خاص أو الامتناع عنه».
    وفي ضوء هذا النص فإن المنفعة التي يبذلها الراشي متمثلة في فعل إعطائها أو الوعد بها قد يكون مقابل أداء الناخب عملاً إيجابياً متمثلاً في التصويت لصالح مرشح بعينه دون غيره وقد تكون مقابل امتناع أو عملاً سلبياً متمثلاً في عدم التصويت لصالح مرشح أخر بعينه سواء كان هذا الراشي هو المرشح أو غيره وذلك هو الغرض من الرشوة الانتخابية.
    بيد أنه ليس من أركان الرشوة الانتخابية وفاء الناخب بما تم الاتفاق عليه من التصويت لمرشح معين أو الامتناع عن ذلك بل إن الجريمة تتحقق ويكتمل نموذجها القانوني حتى ولو أخل الناخب بوعده فلم يحقق للمرشح الراشي طلبه وتصرف على نقيضه.

    كما تتوافر أركان الرشوة كذلك إذا كان الناخب ينوى منذ البداية مخادعة الراشي بعدم تنفيذ طلبه ومن ثم فإنه وعلى غرار الحال في الرشوة الوظيفية فإن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة. ولقد تواترت أحكام النقض الجنائي على ذلك فيما يتعلق بالرشوة العادية فقضى بأن "تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة" (19).
    كما وأن هذه الجريمة تتم وتكتمل أيضاً دون أن يتوقف الأمر على تنفيذ الوعد أو العرض من قبل الراشي كما هو الحال في جريمة الرشوة الوظيفية أيضاً فإن التنفيذ اللاحق للوعد أو العرض ليس من شأنه تغير لحظة تمام الجريمة (20). فقد يعرض الراشي على الناخب منفعة ما أو يعده ويمنيه بها مقابل تصويته لصالحه أو امتناعه عن التصويت لمرشح آخر فيلبى الناخب رغبة الراشي دون أن يفي الراشي بوعده أو بما عرضه من منفعة وفي هذه الحالة وحسبما استقر الرأي يتحقق النموذج القانوني لجريمة الرشوة بلا خلاف إذ لا عبرة بتحقق الغرض في قيام جريمة الرشوة.


    القصد الجنائي في جريمة الرشوة الانتخابية
    جريمة الرشوة الانتخابية مثل جريمة الرشوة الوظيفية يتعين أن يتوافر فيها القصد الجنائي ولكن هل يكفي لقيامها تحقق القصد الجنائي العام أم أنه لابد تحقق قصد جنائي خاص؟
    إن القصد العام بداءة هو توجه إرادة الجاني صوب ارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل يعلم أن القانون يعده جريمة جنائية ويرصد له عقاباً جنائيا، أما القصد الخاص فيشترط فيه فضلاً عن توافر القصد العام ثبوت النية نحو تحقيق هدف معين يحدده القانون (21).
    وفي ذلك ذهب رأي إلى أنه يتعين أن تكون لدى الجاني الراشي نية إجرامية خاصة مفهومة على تقديم العطية أو الوعد بها وذلك بقصد التأثير على نتيجة الانتخابات وذلك إما من خلال التصويت لصالح مرشح معين أو الامتناع عن التصويت لمرشح معين وأن يكون المرتشي قد أقدم على جرمه بقبول أو طلب أو أخذ الفائدة بهدف التصويت لمرشح معين متأثراً بما قبله أو أخذه أو طلبه من فائدة أي أن يكون تلقيه للعطية أو الوعد في مقابل ما سيقوم به من عمل أو امتناع للتأثير في نتيجة الانتخاب (22).
    بيد أن الرأي الغالب في الفقه اتجه إلى الاكتفاء في هذه الجريمة بتوافر القصد الجنائي العام من علم وإرادة حيث يكفي أن يقصد الناخب في الجريمة أن يتحصل على الفائدة المقدمة في مقابل القيام بالتصويت أو الامتناع عن التصويت، فليس من اللازم إذن وفق هذا الاتجاه الفقهي أن تنصرف إرادة الناخب إلى القيام بالعمل المطلوب فالجريمة تقوم حتى ولو لم يكن المتهم ناوياً أو عازماً القيام بالعمل المطلوب على النحو السابق بيانه.

    وبناء عليه فإنه يكفي لوقوع جريمة الرشوة الانتخابية توافر القصد العام من علم وإرادة ولا يلزم توافر قصد جنائي من نوع خاص تتجه فيه إرادة الناخب المرتشي إلى تحقيق نتيجة معينة ذلك لأن الرشوة من جرائم الخطر أي أنها من جرائم النشاط ومعنى هذا أنه يكفي أن يطلب الناخب فائدة مقابل القيام بالتصويت أو الامتناع عن التصويت لمصلحة مرشح معين، أو أن يقوم شخص ما مرشحاً كان أو وكيلاً عنه بإعطاء أو بعرض أو بالتعهد بإعطاء ناخب فائدة لنفسه أو لغيره ليحمله على التصويت على وجه معين أو الامتناع عن التصويت ومن ثم فلا يلزم لوقوع تلك الجريمة تحقق نتيجة معينة.
    وقد أيدت هذا الاتجاه واعتنقته محكمة النقض المصرية فيما يتعلق بجريمة الرشوة الوظيفية (23).

    ولعل هذا الرأي هو الراجح الذي نميل إليه ذلك أن هناك مظاهر عديدة تبرهن على أن جريمة الرشوة جريمة خطر ولا يشترط لقيامها سوى توافر القصد العام ومن هذه المظاهر ما يلي:
    1- تقع الجريمة بمجرد الطلب أو القبول من الناخب ولا يلزم أن يؤدي الناخب العمل المطلوب حسبما ذكرنا أنفاً.
    2- لا يشترط أن يقوم الناخب بالعمل المطلوب بل يكفي ليقام الجريمة حمله مقابل الفائدة على التصويت على وجه معين أو الامتناع عن التصويت.
    3- لا يلزم أن يكون الناخب ناوياً أداء ما طلبه الراشي منه فتقع الجريمة حتى ولو كان الناخب المرتشي عازماً عدم القيام بهذا العمل وقد استقرت أحكام النقض على ذلك أيضاً في نطاق الرشوة الوظيفية إذ قضت بأن (القانون جعل من مجرد طلب الرشوة من الموظف جريمة تامة) (24).
    4- تقع جريمة الرشوة حتى ولو لم يتسلم الناخب المرتشي الفائدة التي اتفق عليها.
    5- يستوي في جريمة الرشوة الانتخابية أن يطلب الناخب أو يقبل فائدة لنفسه أو لغيره فالرشوة الانتخابية تكتمل أركانها حتى ولو لم يستفد الناخب شيئاً لنفسه فيكفي أن ينصرف قصده إلى مساعده غيره في العبث بنتيجة العملية الانتخابية حتى يعتبر فاعلاً أصلياً في الجريمة وليس شريكاً فيها.
    6- يستوي في جريمة الرشوة الانتخابية أن تكون الفائدة مادية أو معنوية.


    ضرورة التعاصر بين القصد الجنائي والنشاط المؤثم في جريمة الرشوة الانتخابية
    من المتعين لوقوع جريمة الرشوة أن يكون القصد الجنائي معاصراً للنشاط أي معاصراً للطلب أو القبول الصادر من الناخب. فإذا أخذ الناخب هدية معتقداً أنها على سبيل المجاملة ثم ظهر أن لصاحبها غرضاً آخر من تقديمها وهو حمله للتصويت على وجه معين أو الامتناع عن التصويت فإن جريمة الرشوة الانتخابية لا تقوم لما شابها من انتفاء القصد الجنائي لدى الناخب.
    بيد أن خلافاً أثير حول تحقق الجريمة إذا ما ظل الناخب محتفظاً بتلك الهدية بعد علمه بقصد الراشي.
    فذهب رأي إلى عدم تحقيق جريمة الرشوة الانتخابية في هذه الحالة على سند من عدم تعاصر القصد الجنائي مع النشاط *(25).
    في حين ذهب رأي آخر إلى قيام جريمة الرشوة في هذا الغرض (26).
    ونعتقد في وجاهة الرأي الثاني إذ أن احتفاظ الشخص بالهدية رغم علمه بقصد الراشي السيئ وإصراره على عدم ردها عليه يعد بمثابة قرينة على سوء نيته ونرى أن ذلك رهن بحالة تلك الهدية وقت وقوف الناخب على القصد السيئ للراشي فإن كانت قد هلكت قبل علمه فلا عليه، أما إن كانت مازالت بحالتها ولم يردها كان ذلك بمثابة قرينة على سوء نيته وإلا كيف يمكن تفسير تمسكه بهدية ملوثة بريبة الرشوة إذاً؟


    عقوبة الرشوة الانتخابية
    يعاقب المشرع المصري بموجب المادة 41 مرتكب جريمة الرشوة الانتخابية بالحبس لمدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تجاوز مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين وفي المقابل يعاقب مرتكب هذه الجريمة بحسب قانون الانتخاب الفرنسي بالحبس لمدة سنتين وبغرامة مقدارها مائة ألف فرنك.
    ونرى وجوب تغليظ العقوبة على جرائم الرشوة الانتخابية ليكون الحبس فيها وجوبياً لما تشكله من مساس بشفافية الحياة السياسية وتأثير على إرادة الناخبين خاصة الذين يعانون ضيق الحال أو البطالة أو الجهل وهم كثرُ في مجتمعات الدول النامية.
    وحسناً فعل الشارع الانتخابي المصري إذ نص في الفقرة الخامسة من المادة الثانية من الباب الأول المتعلقة بالحقوق السياسية ومباشرتها في قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية على حرمان كل من يحكم عليه بالحبس في الجرائم الانتخابية المنصوص عليها في المواد 40، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49 من مباشرة حقوقه السياسية وبموجب هذا النص يحرم المرشح أو الناخب الذي يحكم عليه بالحبس لما ارتكبه من رشوة انتخابية من مباشرة حقوقه السياسية.
    وإن كنا نرى وجوب تعديل ذلك ليصير الحرمان في حالة صدور حكم نهائي بالإدانة بالرشوة الانتخابية حتى لو حكم على مقترفها بالغرامة دون الحبس إذ أن الحبس في تلك الجرائم جوازي على نحو ما ورد بالنص العقابي.

    وقد سجل الفقه ملاحظتين على سياسية الشارع المصري في تجريمه للرشوة الانتخابية بالمقارنة بنظيره الفرنسي نميل إليهما ونستعرضهما فيما يلي:
    أولاً: خلو قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية المصري من بعض الأحكام الخاصة بحرية الناخبين في التصويت الواردة في قانون الانتخاب الفرنسي وأهمها ما يتعلق بالرشوة الانتخابية الجماعية حيث يكثر سعى بعض المرشحين إلى التأثير على الجماعات الانتخابية أو التجمعات السكانية أو إحداث الشقاق بينهم وذلك عن طريق تقديم الهبات أو التبرعات أو الفوائد الإدارية إذ تبدو حاجة التشريع الانتخابي المصري لمثل هذا النص التجريمي وخاصة في ظل التجمعات العمالية والقبلية والتي تعاني الفقر في بعض الأحيان مما يسهل الضغط عليها والتأثير على حرية أفرادها في التصويت بتقديم الوعود بمزايا وظيفية أو خدمية أو عطايا أو هبات مادية لها وخاصة إذا كان المرشح ينتمي للحزب الحاكم أو يحتل أحد المناصب العليا.
    ولقد فطن المشرع الفرنسي لمدى تأثير هذه الضغوط على جماعات الناخبين البسطاء من بطش وسطوة المرشح وحاجتهم الدائمة لإصلاح أحوالهم المعيشية واعتقادهم أن هذا المرشح الذي يشغل المنصب الوظيفي قادر على تنفيذ ما وعدهم به من أجل أن يحصل على أصواتهم (27) فعمد إلى تجريم الرشوة الجماعية بالمادة L.108 من قانون الانتخاب والتي تقرر بها (عقاب كل من يستهدف التأثير على تصويت جماعة انتخابية أو إحداث الشقاق بين أعضائها وذلك بتقديم أية هبات أو تبرعات أو وعود بتبرعات أو فوائد إدارية وذلك سواء لمنطقة ما أو لمجتمع أياً كان من المواطنين وذلك بالحبس لمدة سنتين وغرامة مائة ألف فرنك.

    ثانياً: ينص المشرع المصري صراحة على عقاب الأفعال الواردة بالمادة 41 من قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية بنفس العقوبات المنصوص عليها بالمادة السابقة وهي المادة 40 من نفس القانون والتي تتعلق بالقيد غير المشروع وهذا ما لا يمكن استساغته إذ تستلزم الصياغة الواضحة للنص الجزائي ضرورة أن يتضمن هذا النص تحديداً للفعل المخالف والجزاء المقرر له على نحو صريح وقاطع، وخاصة وأن العقوبات المقررة بالمادة 40 تخص القيد غير المشروع، وهو أمر يختلف تماماً عما تقرره المادة 41 بشأن التأثير على حرية الناخبين في التصويت ولم يكن يقتضي الأمر من المشرع سوى أن يذكر صراحة العقوبات في المادة 41 وهذا ما قد يجنبه إعادة النظر في هذه المادة إذ استلزم الأمر مستقبلاً تعديل العقوبات المقررة بالمادة 40 مع الرغبة في الإبقاء على نفس هذه العقوبات بالمادة 41 وهكذا تستقل كل مادة بأفعالها وعقوباتها حتى ولو تساوت العقوبات بشأنهما وهذا هو نفس النهج الذي اتبعه المشرع الفرنسي حتى ضمن نطاق جرائم التأثير على حرية الناخبين في التصويت حيث كان ينص صراحة على العقوبات المقررة لكل من الأفعال الواردة بالمواد من L.106 إلى L.108 في كل مادة على حدة رغم تساوي العقوبات والمتمثلة في الحبس لمدة سنتين وغرامة مائة ألف فرنك (28).



    قائمة المراجــع
    1) د. حسام الدين محمد أحمد: الحماية الجنائية للمبادئ الحاكمة للانتخاب السياسي، دار النهضة العربية، الطبعة الثانية، سنة 2003، ص166.
    2) د. مصطفى محمود عفيفي: المسئولية الجنائية عن الجرائم الانتخابية، دار النهضة العربية، ص356.
    3) د. فيصل عبد الله الكندري: أحكام الجرائم الانتخابية، مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، طبعة سنة 2000، ص150.
    4) د. فيصل عبد الله الكندري: المرجع السابق، ص151.
    5) د. حسام الدين محمد أحمد: المرجع السابق، ص 168.
    6) د. حسام الدين محمد أحمد: المرجع السابق صفحة 169.
    7)
    Art L.106 code Electoral
    8) معدلة بالقانون رقم 188 – 1262 الصادر في 30 ديسمبر 1988.
    9) د. أمين مصطفى محمد: الجرائم الانتخابية ومدى خصوصية دور القضاء في مواجهة الغش الانتخابي، دار الجامعة الجديدة للنشر، طبعة 2000، ص72.
    10) معدلة بالقانون رقم 90 – 55 الصادر في يناير 1990.
    11) معدلة بالقانون رقم 88-1262 الصادر في 30 ديسمبر 1988.
    12) د. عبد العظيم وزير: الشروط المفترض في الجريمة، سنة 1983، صفحة 76.
    13) د / فيصل الكندري: المرجع السابق، ص161.
    14) د. أمال عثمان: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، طبعة 1989، ص60.
    15) نقض 6 نوفمبر 1967، مجموعة أحكام النقص س18، ص1087.
    16) د. أمال عثمان: المرجع السابق، ص63.
    17) د. فيصل الكندري: المرجع السابق، ص77.
    18) د. حسام الدين محمد: المرجع السابق، ص175.
    19) الطعن رقم 2004 لسنة 38 ق جلسة 6/1/1969.
    20) د. أمال عثمان: المرجع السابق، ص610.
    21) المستشار: مصطفى هرجة: التعليق على قانون العقوبات في ضوء الفقه والفقهاء، الطبعة الثانية، 1992، ص459.
    22) د. حسام الدين محمد أحمد: المرجع السابق، ص178، 179.
    23) الطعن رقم 517 لسنة 41 قضائية، جلسة 20/6/1971.
    24) الطعن رقم 1905 لسنة 37 ق جلسة 6/11/1967.
    25) د. فيصل الكندري: المرجع السابق، ص206.
    26) د. محمود نجيب حسني: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، دار النهضة الغريبة، سنة 1986، صفحة 47.
    27) د. أمين مصطفى محمد: المرجع السابق، ص76.
    28) د. أمين مصطفى محمد: الجرائم الانتخابية، ص7 </B></I>
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

المواضيع المتشابهه

  1. جرائم الأنترنت كأحد الأنماط الإجرامية المستحدثة
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى مكتب أستاذ هيثم الفقي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-24-2010, 12:03 PM
  2. بحث في مركز الوسيط في الرشوة
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى مكتب أستاذ هيثم الفقي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-11-2010, 06:49 PM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-08-2009, 02:36 AM
  4. قضايا عن جرائم الرشوة
    بواسطة sarah alshehri في المنتدى أسئلة الطالبات
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 11-14-2008, 07:43 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •