نوع البحث:
الانتخابات الرئاسية والنيابية
الفهرس
مقدمة
العلاقة بين الرشوة الانتخابية والرشوة الواقعة على الوظيفة العامة
الخطة التشريعية في تجريم الرشوة الانتخابية
تجريم الرشوة الانتخابية في ظل القانون الفرنسي
تجريم الرشوة الانتخابية في ظل القانون المصري
النطاق الزمني للرشوة الانتخابية
الشرط المفترض في جريمة الرشوة الانتخابية
المخاطب بالتجريم في الرشوة الانتخابية
السلوك المادي المؤثم في جريمة الرشوة الانتخابية
الغرض من ارتكاب جريمة الرشوة الانتخابية
القصد الجنائي في جريمة الرشوة الانتخابية
ضرورة التعاصر بين القصد الجنائي والنشاط المؤثم في جريمة الرشوة الانتخابية
عقوبة الرشوة الانتخابية
قائمة المراجع

مقدمة
إن سيطرة المال على مقدرات العملية الانتخابية وعلى كافة أطرافها هي آفة بالغة الخطورة والجسامة على سلامة التمثيل النيابي للأمة وعلى مصداقية تعبير أفرادها عن إرادتهم.
فلم يعد المال أمراً حيوياً لإدارة المعارك أو الحملات الانتخابية من جانب تمويل نفقاتها وإنما أضحى سلاحاً خطيراً للتأثير على إرادة الناخبين وتوجيههم نحو تأييد حزب بعينه أو مرشح أو قائمة بعينها سواء استخدم هذا السلاح من قبل المرشح ذاته أو من قبل أنصاره أو الحزب الذي ينتمي إليه لا فرق.

ولم يعد الأمر يقتصر على التأثير على إرادة الناخب فحسب، وإنما يتجاوز ذلك لتكون إرادة المرشح ذاته فريسة لتلك الآفة بحيث يدين المرشح بالولاء لمن يدفع أكثر (1) وبذلك تتجلى سيطرة جماعات الضغط التي تمتلك النفوذ والمال على مجريات العملية الانتخابية وبالتالي على الحياة النيابية بأثرها ومن ثم تتضاءل الفرص أو تنعدم أمام ذوي المثل والمبادئ المحققة للصالح العام المجردين من سطوة المال أو النفوذ لمنافسه تلك القوة الغاشمة لرأس المال وسيطرته على نتائج الانتخابات والوصول إلى مقاعد العضوية في المجلس النيابي أو لمجابهة تحديات مراكز السلطة وعناصرها المتحكمة في تسيير دفة العملية الانتخابية وقراراتها حيث أن سلطان المال وسيطرته أصبح هو الطريق المضمون لمن لا يحظى بأصوات الناخبين إلى مقعد البرلمان ابتداء بالحصول على ثقة الحزب لترشيحه ومساندته وانتهاءً بشراء أصوات الناخبين (2).

ويزيد من تفاقم تلك الآفة وتعاظم دورها المتحكم في نتائج الانتخابات أمور أبرزها تفشي الفقر والجهل والبطالة وذلك أمر طبيعي إذ أن من لا يملك قوته لا يملك قراره فإن هذا الثالوث يعد وبحق مرتعاً خصباً لآفة المال التي يمكن أن تفسد نزاهة الحياة النيابية ذلك حيث يقع كثير من الناخبين خاصة من يعانى منهم الفقر أو الجهل أو البطالة فريسة سائغة أمام العروض والعطايا والهبات والوعود والخدمات السابقة التي قدمها لهم المرشح أو أعوانه أو أقاربه فيدلي الناخب بصوته واضعاً في اعتباره تلك العناصر التي تعد ولا ريب بمثابة حبل شانق لإرادته.
فضلاً عن ذلك فإن القصور والنقص في التشريعات الحاكمة لعملية الإنفاق المالي الظاهر والباطن على الحملة الانتخابية أو الدعم غير المحايد من السلطة لبعض المرشحين دون غيرهم يعد سبباً جوهرياً آخر لزيادة آثار سلاح المال السلبية على سلامة العملية الانتخابية.
من أجل ذلك عنت التشريعات الانتخابية الحديثة بتجريم فعل الرشوة الانتخابية لتلافي المخاطر المحدقة بنزاهة نتائج العملية الانتخابية ولتقويض سطوة المال على مقدرات المعارك الانتخابية.


العلاقة بين الرشوة الانتخابية والرشوة الواقعة على الوظيفة العامة
لا يبعد مفهوم الرشوة العادية الواقعة على الوظيفة العامة عن مفهوم الرشوة الانتخابية بدليل التشابه اللغوي والواقعي بين هاتين الجريمتين.
فجريمة الرشوة تقتضي وجود شخصين الشخص الأول يقبل ما يعرض عليه من فائدة أو وعد بها أو يطلب شيئاً من ذلك مقابل قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل فذلك هو الموظف في جريمة الرشوة في مجال الوظيفة العامة والناخب في جريمة الرشوة الانتخابية والشخص الثاني يتقدم بالعطية أو الوعد بها ليؤدى له العمل أو الامتناع عنه فذلك هو المواطن صاحب الحاجة أو المصلحة في الجريمة الأولى والمرشح أو غيره في الجريمة الثانية؟ (3).
ولذلك اعتبرت التشريعات الرشوة بنوعيها مشتملة على جريمتين منفصلتين إحداهما جريمة المرتشي، وتسمى الرشوة السلبية ويقترفها الموظف العام في جريمة الرشوة الوظيفية والناخب في جريمة الرشوة الانتخابية، أما ثانيهما فهي جريمة الراشي وتسمى الرشوة الإيجابية ويقترفها صاحب المصلحة في الجريمة الأولى والمرشح أو أحد أنصاره غالباً في الجريمة الثانية.
ويظهر التشابه أيضاً بين الجريمتين في حالات العرض والوعد والقبول والفائدة أياً كانت مقابل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل.
في حين يظهر الاختلاف بينهما في المصلحة المنوطة بالحماية الجنائية حيث أن الرشوة الانتخابية تبقى كما هي دون أن تبلغ درجة رشوة الوظيفة على اعتبار أن المشرع بتجريمه للرشوة الوظيفية حمى مصلحة عامة بشكل مباشر حيث أن جريمة الرشوة من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة هذه المصلحة هي حسن سير الوظيفة العامة التي يتعرض أداؤها اليومي للأخطار إن لم يكن للإضرار إذا لجأ الموظف إلى الاتجار بعمله للحصول على فائدة معينة، ذلك أن هذا يدفعه إلى الامتناع عن القيام بعمله ما دام لم يحصل على الفائدة التي قدرها لكي يقوم بواجبه، بل أن الموظف في بعض الحالات قد يقدم على مخالفة واجبات وظيفته طمعاً في مغنم معين يجنيه من صاحب الحاجة (4).
بينما الرشوة الانتخابية هي الفائدة أو العطية أو الهبة أو الوعد التي يكون الغرض منها الإخلال بحرية التصويت من حيث التأثير على إرادة الناخب لحمله على انتخاب مرشح معين أو الامتناع عن التصويت بما يشكل إخلالاً بالعملية الانتخابية ومن ثم يجدر القول بأن المصلحة المنوطة بالحماية في الرشوة الانتخابية هي حسن سير العملية الانتخابية وسلامة إرادة الناخبين.
لكن لابد من ملاحظة أنه إذا دخل الموظف العام على خط الرشوة الانتخابية أضحت الواقعة بمثابة رشوة وظيفية وتعين تكيفيها على هذا الأساس لتحقق العنصر الشخصي بوجود الموظف العام كأن يقبل رئيس لجنة الانتخاب هدية من المرشح بغرض التزوير في نتائج الانتخابات أو يطالب موظف مختص بمنفعة مادية أو معنوية من مرشح بغرض التزوير في كشوف الناخبين تحقيقاً لمصلحة ذلك المرشح.


الخطة التشريعية في تجريم الرشوة الانتخابية
هناك شبه إجماع تشريعي على تجريم الرشوة الانتخابية رغم صعوبة إثباتها واستقرار العرف على ما يعرف بالرشوة الانتخابية غير المباشرة وبشكل خاص في الانتخابات الرئاسية حيث يعمد الرئيس المنتخب إلى تعيين معاونيه في الحملة الانتخابية في الوظائف الرئيسية في الدولة بعد إعلان فوزه وتنصيبه رئيسياً ولقد أقر القانون الأمريكي هذا المسلك وأسبغ عليه المشروعية حيث يمنح الحزب الذي يفوز في الانتخابات الحق في تعيين أنصاره في الوظائف العامة بيد أن كثير من الفقهاء اتجه إلى اعتبار ذلك بمثابة (رشوة غير مباشرة) (5).
هذا ومن أقدم التشريعات التي جرمت الرشوة الانتخابية التشريع الذي صدر في إنجلترا عام 1845 ولعل السبق الإنجليزي بهذا الشأن مرده تفشي الرشوة الانتخابية أو الفساد الانتخابي والذي يمثل في ظاهرة شراء القوائم والأصوات حيث بدأت تلك الظاهرة منذ الانتخابات التي أجريت في القرن الرابع عشر وتواصلت حتى صدور تشريع الانتخابات سالف الذكر (6).


تجريم الرشوة الانتخابية في ظل القانون الفرنسي
هناك العديد من التشريعات التي يمكن الإسناد إليها في إظهار السياسة التشريعية الحديثة في تجريم الرشوة الانتخابية ومن بينها القانون الفرنسي الذي جرمها للمرة الأولى بقانون 31 مارس 1914 حيث اهتم المشرع الفرنسي بتجريم كافة صور التأثير المادي أو المعنوي على إرادة الناخبين بغرض التصويت على نحو معين ولا أدل على ذلك من تعدد المواد التي تناولت هذا الأمر في قانون الانتخاب الفرنسي (7).
إذ تقضي المادة l.106 من هذا القانون بعقاب كل من يقدم هبات أو تبرعات نقدية أو عينية أو يقدم وعداً بتبرعات أو فوائد أو وظائف عامة أو خاصة أو أية مزايا خاصة أخرى بقصد التأثير على تصويت واحد أو أكثر من الناخبين للحصول أو محاولة الحصول على أصواتهم سواء بصورة مباشرة أو بواسطة الغير، وكذلك عقاب كل من يستعمل نفس هذه الوسائل لكي يحمل أو يحاول أن يحمل واحداً أو أكثر من الناخبين على الامتناع عن التصويت وذلك بالحبس لمدة سنتين وغرامة مئة ألف فرنك (8).
وإن كان جانباً من الفقه الفرنسي يرى أن نص المادة l.106 على هذا النحو يتضمن مصطلحات واسعة يلزم مجابهتها بمبدأ التفسير الضيق لقانون العقوبات حيث يصعب تطبيق هذا النص على بعض الأفعال التي تحدث في الواقع (9). كما تفرض الفقرة الثانية من المادة l.106، نفس العقوبات على كل من يقبل أو يطلب نفس الهبات أو التبرعات أو الوعود (10).

وإسباغاً للحماية الجنائية على جماعات الناخبين وخاصة تلك التي تتجمع في قطاع معين أو تربطها مصلحة واحدة أفرد المشرع الانتخابي الفرنسي نصاً لتجريم الرشوة الجماعية بالمادة l.108 من قانون الانتخاب والتي تقرر بها (عقاب كل من يستهدف التأثير على تصويت جماعة انتخابية أو إحداث الشقاق بين أعضائها وذلك بتقديم أية هبات أو تبرعات أو وعود بتبرعات أو فوائد إدارية وذلك سواء لمنطقة ما أو لمجتمع أيا كان من المواطنين وذلك بالحبس لمدة سنتين وغرامة مائة ألف فرنك (11).
ولضمان عدم استغلال الوضع الوظيفي لخدمة الأغراض الخاصة في العملية الانتخابية نص المشرع الفرنسي على ظرف لتشديد العقاب بالمادة l.109 من قانون الانتخاب الفرنسي والتي تقضي بمضاعفة العقوبات المقررة للجرائم المنصوص عليها بالمواد من l.106 إلى l.108 إذا كان الجاني موظفاً عاماً.