تهدف مبادرة العدالة مع مرور الوقت، إلى تقوية وتوسيع شبكة عالمية للمحامين والناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان الملتزمين بمواصلة العمل على إصلاح المجتمع عن طريق إصلاح القانون. ويهدف برنامج تطوير القدرات القانونية، من خلال تطوير مهارات المحامين في الترافع في قضايا تهم المجتمع، وتنمية ثقافة خدمة المواطنين في ممارسة الوظائف القانونية، ودعم استقلالية ومهنية نقابات المحاميين والمنظمات غير الحكومية القائمة على الدفاع عن حقوق الإنسان، إلى المساهمة في خلق المزيد من الوعي بحقوق الإنسان والقدرة على الدفاع عنها.

ولن تحدث التغييرات في الثقافة والمعايير وتصرفات الأفراد في مجالي القضاء وتطبيق القانون لدمج ما أسماه البعض "ثورة الحقوق" بين عشية وضحاها. ويتطلب مثل هذا الأمر عدة سنوات من العمل على تطوير الأفراد والمؤسسات. وتتبنى مبادرة العدالة للمجتمع المفتوح استراتيجية على المدى البعيد، موفرة نماذج قابلة للتطبيق للإصلاحات المحققة عن طريق الدعم والجهاد السياسي القانوني. يحدد برنامج تطوير القدرات القانونية الفرص المتاحة للمحامين لـ"التعلم من خلال الممارسة"، عن طريق المشاركة المباشرة في المرافعات والبحوث القانونية والمنشورات وتوفير الدعم التقني.

تعمل مبادرة العدالة على تطوير القدرات القانونية على ثلاثة محاور رئيسية:

* توسيع شبكة مكاتب الدعم القانوني الموجودة بالجامعات وتحويلها إلى شبكة مهنية؛
* توفير برامج لقاءات وبرامج تدريبية للمحاميين والناشطين في ميدان الدفاع عن حقوق الإنسان؛
* تطوير ودعم برامج تدريبية تركز على المهارات قابلة للتطبيق للمحاميين كجزء لا يتجزأ من مجهودات الدعم المبذولة على نطاق أوسع في هذا الميدان.

وقد شرعت مبادرة العدالة في تنفيذ مشاريع تطوير القدرات القانونية التالية:

المحاور الرئيسية:

* التعليم القانوني التطبيقي تحت الإشراف
* برامج لقاءات للدفاع عن حقوق الإنسان
* توفير الدعم والتدريب للمرافعات

Clinical Legal Education

التعليم القانوني التطبيقي تحت الإشراف

إنّ التعليم القانوني التطبيقي تحت الإشراف موضوعٌ ذو فوائد متعددة. فإنْ هو أجريَ بأمانة من الناحية التعليمية فإنه يعمق نوعية التعليم ويسهم في وضع أساس لشعورٍ أعمقَ بالالتزام المهني لدى طلبة الحقوق بالخدمة العامة يحملونه معهم طوال حياتهم المهنية. وهو، على الغالب، يقدم في الوقت نفسه خدماتٍ قانونية يحتاجها المجتمع الأكبر خارج قاعات الدراسة في أكثر من جانب من الجوانب القانونية. وفي النهاية، يجعل هذا التعليم التطبيقي أركانَ البيئة الأكاديمية القانونية - بطلابها وأساتذتها في العالم - ينغمسون في الواقع الفعلي كلاعبين وليس كمراقبين وحسب.

ولهذا النوع من التعليم القانوني تعريفاتٌ مختلفة في العالم. فيمكن أن تقومَ الممارسات التطبيقية داخل كلية الحقوق أو خارجَها في مكاتبَ قانونيةٍ أصولية، يعمل فيها الطالب تحت إشراف محامٍ ممارس، سواءٌ مقابل أو دون علاماتٍ تمنحها له الكلية على هذا العمل. فإنْ موِرس برنامجُ التطبيق العملي داخل كلية الحقوق، فمن الممكن الاختيار بين جعله يتم على أساس قضايا فعلية أو افتراضية. فعمليات المحاكاة وغيرُها من أساليب لعب الأدوار غالباً ما تشكل الأساس الذي تقوم عليه الدورات الدراسية التطبيقية لطلبة القانون، تجعلهم يواجهون الممارسة القانونية المهنية في بيئةٍ خاضعةٍ للتحكم. وفي بعض البيئات التعليمية التطبيقية، لا ينخرط الطلاب في تمثيل قانونيٍ فعلي للزبون، بل يقدمون خدماتٍ أخرى للمجتمع. ومن النماذج الشائعة للتعليم القانوني التطبيقي ما يسمى "قانون الشارع" (Street Law)، وهو قيام المتدربين بتثقيف الطلاب أو المجموعات الأكثر عرضةً للزلل في المجتمع، كنزلاء السجون، بالقانون والحقوق. وهناك نماذج تطبيقية تقوم على جعل المتدربين يقدمون خدمات معاملات قانونية كمعاملات بيع الأراضي، أو كتابة الوصية القانونية، أو تأسيس شركة صغيرة أو منظمة غير حكومية لا تسعى للربح.

أما الركن الأساس لكل أشكال التعليم القانوني التطبيقي، على النحو الوارد ههنا لتعريف هذا المصطلح، فهو الصلة بين مكان أو ميدان التدريب التطبيقي والجامعة. وفي برامج التعليم التطبيقي الأكثر تعقيداً، يسجل الطلاب أنفسَهم في دورةٍ تعليمية تطيبقية مقابل علاماتٍ ينالونها في نهايتها. وفي هذه الدورات يقومون بالفعل بالتمثيل القانوني لزبائنَ حقيقيين فيما هم يدرسون في الجامعة مادة تعطى لهم على التوازي مع هذه الممارسة العملية. ويستخدم نموذجٌ مماثل من التدريب العملي خارج الجامعة لطالب الحقوق يتم فيه الجمع بين التطبيق العملي والسمنار الجامعي. ويقوم أساتذة كلية الحقوق هنا بالإشراف اللصيق على عمل الطلبة المتدربين في عددٍ محدود من الحالات فقط، تاركين للطلاب فرصة "التعلم من الممارسة" فيما هم، أي الأساتذة، يشاركون طلابهم في خدمة الزبائن من خلال تقديم المشورة القانونية أو غير ذلك من خدماتٍ قانونية لهؤلاء.

إنّ التعليمَ القانوني التطبيقي تحت الإشراف ينطوي على وقائعَ حقيقية، وتنشأ القضايا فيه من منظور الزبائن الحقيقيين الذين هم مادة هذا التعليم التطبيقي، وليس من النظريات أو الدساتير القانونية أو من قضايا منتهية. ويشتمل هذا التعليم التطبيقي في الحالة النموذجية على عنصرٍ تعليمي وآخرَ تطبيقي. ولن يستطيعَ طلبة الحقوق تلمّسَ بعض المسائل الحقيقية المتصلة بأخلاقيات وقيم مهنة القانون إلا من خلال النظر الدقيق فيما يقومون به من أعمال نيابة عن زبائنهم. فالتعليم التطبيقي الحقيقي يجعل الطالب يستخلص النظرية من التطبيق.

ومن الأهداف الكثيرة للتعليم القانوني التطبيقي تحت الإشراف نذكر:

* أولاً، أنه يوفر فرصةً تعليمية فريدة لطلبة الحقوق لملاحظة وممارسة التمثيل المحاكي للواقع أو الفعلي للزبون، واستنباطِ المهارات والقيم والأخلاقيات المناسبة من هذه الممارسة.
* ثانياً، يوفر هذا التعليم التطبيقي، في بعض السياقات، متمماً مهماً (وليس بديلاً) لتوفير الخدمات القانونية التي يحتاجها الأشخاص الذين ما كانوا ليستطيعون الوصول إلى مثل هذه الخدمات لولا هذا التدريب.
* ثالثاً، يقدم بعض أنواع هذا التعليم التطبيقي لطلبة الحقوق فرصةً ليلمسوا بأنفسهم فوائدَ العمل للصالح العام ، ويؤسسوا على هذه الروح لبناء حياةٍ مهنيةٍ ملتزمةٍ لهم في مجال القانون.
* رابعاً، إنّ استخدامَ طرائق التعليم بالممارسة يحث الطلابَ على الأداء والانغماس في القانون بطرقٍ لا تقدر عليها غالباً المحاضرات والمطالعات النظرية.
* خامساً، يقدم الأساتذة المشرفون على التعليم التطبيقي إسهاماتٍ مهمة في بلورة مهارات مهنة القانون ومعارفها النظرية، ويمتن روابط مهنة المحاماة بكلية الحقوق.
* أخيراً، يسعى التدريب القانوني التطبيقي لتقوية المجتمع المدني، وذلك من خلال تنمية حس المسؤولية المهنية لدى المحامين وتقديم الخدمات القانونية للسكان الأقل تمتعاً بهذه الخدمات والأكثر عرضةً للزلل في المجتمع.

إنّ التعليم بالممارسة واحدٌ من أكثر الابتكارات نجاحاً في ميدان تدريس الحقوق في العقود القليلة الماضية. وقد بدأ بالظهور بالولايات المتحدة في ستينات القرن العشرين، وأصبح الآن شائعاً في دراسة الحقوق بالجامعات الأمريكية. ثم بدأ مذاك بالانتشار خارج الولايات المتحدة إلى أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. وبالإضافة إلى ما قدمه الأساتذة المشرفون على هذا التعليم القانوني التطبيقي من خدمات قانونية للمجتمع على التوازي مع هذا الإشراف، فقد عملوا من خلاله على تطوير جملة المهارات والمعارف القانونية في مجال إجراء المقابلات، ونظرية القضية، والتداول، والتفاوض، ومجريات المحاكمة، وقضايا الاستئناف، والحلول البديلة للنزاع - وكذلك في مجال نظريات الممارسة القانونية والمؤسسات القانونية وأخلاقيات المهنة. كما أن كثيراً منهم أسهم بصورةٍ رئيسة في الممارسة القانونية والخدمات الموجهة للصالح العام وفي تطوير برامج مساعدة قانونية فعالة للفقراء.