فمصطلح الجرائم الأخلاقية أوسع نطاقا من مصطلح الجرائم الجنسية بل إنه يشملها بذات الوقت فإذا ما تحدثنا عن الجرائم الأخلاقية فإنها حتما ستشمل كافة الجرائم الجنسية بما في ذلك الجرائم الجنسية المرتكبة ضد الأطفال. على الرغم من صعوبة الجمع بين المصطلحين، نجد أن مكوّنات هذا التعريف تبقى واحدة في مختلف التعريفات والجرائم الأخلاقية هي "التي يكون موضوع الاعتداء فيها الأخلاق السائدة في المجتمع. ورأى المشرع زجرها سواء تمّ ارتكابها ضد الأشخاص أو الهيئة الاجتماعية ككل فهي نوع من الخروج عن قواعد السلوك التي يصنعها المجتمع لإفراده وهي المحدد للسلوك الإجرامي والمنحرف وفقا لقيمه ومعاييره وسعيا لحماية الأخلاق"(٤).
وهذه المكونات المتمثلة في الانتهاك المسلط على الأخلاق السائدة في المجتمع هي التي تعود في كل تعريف وأغلب الفقهاء ممن كتبوا في موضوع
الجرائم الأخلاقية توخوا اتجاه المشرع، إذ قدموا تعريفا خاصا لكل جريمة من الجرائم الأخلاقية على حدا دون أن يتفقوا في وضع تعريف موحد للجرائم الأخلاقية بل هناك من قسمها إلى أنواع. من ذلك أن الأستاذ عبد العزيز سعد(٥) قسم هذه الجرائم إلى خمسة أنواع وهي على التوالي :
جرائم انتهاك الآداب العامة؛
جرائم الاعتداء على العرض؛
جرائم التحريض على الفسق والدعارة؛
جرائم استغلال الدعارة ؛
جرائم مكافحة الدعارة.
وأما الأستاذ الأحمدي فقد قسمها إلى جزأين :
الجرائم
الجنسية المسلطة مباشرة على الذات؛
الجرائم الأخلاقية غير المباشرة.
وإذا كانت
الجرائم الأخلاقية تحوي في داخلها الجرائم الجنسية فما هو تعريف الجرائم الجنسية المرتكبة ضد الأطفال ؟
إن
الجرائم الجنسية المرتكبة ضدّ الأطفال تختلف في الأركان المكوّنة لها عن الجرائم الجنسية الأخرى ولكن الفرق الأساسي الوحيد بينهما هو الضحية. فالضحية في الجرائم الجنسية المرتكبة ضد الأطفال يجب أن يكون طفلا أي شخصا سنه دون الثامنة كثرة وبذلك يكون العنصر المميّز لهذه الجريمة هو بالأساس سنّ الضحية بقطع النظر عن المعطيات الأخرى كجنسها مثلا.
وأمّا المعطى الثاني في تعريفها فهو الفعل المادي ذلك أنه لتوفر الجريمة يجب أن يُسلط الجاني فعلا ماديّا على الطفل. ولكن هذا الفعل المادّي لا يشترط فيه أن يكون غير مشروع فقد يكون الفعل في حد ذاته فعلا مشروعا ولكن تسليطه على
الطفل هو الذي يخلق عدم مشروعيته ويعاقب عليه.
والمقصود هنا بالفعل المادي هو كل فعل مادي ذو بعد جنسي مرتكب ضد شخص لا يتجاوز سنه الثامنة عشرة(٦) وبذلك تكون الجريمة
الجنسية المرتكبة ضدّ الطفل هي كل فعل مادي ذو طبيعة جنسية يسلط عليه ويمس من جسده أو أخلاقه أو كليهما.
قد يبدو هذا التعريف شاملا لكنه في الواقع لا يشمل إلا نوعا واحدا من
الجرائم الجنسية وهي الجرائم المباشرة ولا يشمل جرائم أخرى مثل جرائم الاستغلال .
وقد تجدر الإشارة في هذا المستوى إلى أن الغاية من ارتكاب الجريمة
الجنسية لا يعد عنصرا جوهريا في تعريف هذا النوع من الجرائم حيث أن الجاني يهدف إلى إشباع غرائزه الجنسية عند ارتكابه للجريمة أو قد تكون غايته القيام بفعل انتقامي غير أن هذه الغاية لن تُأثر على تكييف الجريمة إذا ما توفر الركن الماّدي المكوّن لها فيكفي أن يكون هذا الفعل خارق للقانون حتى يتوفر في شأنه الركن المعنويّ للجريمة وحتى نتمكن من تقديم مفهوم شامل وواضح لهذا النوع من الجرائم يجب الرجوع إلى الفصول القانونية المنظمة للجرائم الجنسية في القانون التونسي.
نظّم المشرع هذه
الجرائم في المجلة الجزائية في القسم الثالث من الباب المخصص للاعتداء على الأشخاص وعنوانه "في الاعتداء على الفواحش" وفيه نظم المشرع جرائم المواقعة بتنويعها بالرضا وبدون رضا (الفصلين 227 و227 مكرر) والاعتداء بالفواحش (228 و228 مكرر) واللواط والمساحقة (230) والتحريض على الخنا (من الفصل 231 إلى الفصل 235) والزنا (236) والتجاهر بما ينفي الأخلاق (226).
إضافة إلى النصوص الواردة المجلة الجزائية نجد أمر 25 أفريل 1940 المتعلق بزجر إسقاط الجنين والاعتداء على الأخلاق الحميدة(٧) وبالإطلاع على هذه
الجرائم عن كثب نجد أنها تنقسم إلى قسمين الجرائم الجنسية المباشرة وجرائم الاستغلال .
وانطلاقا من هذا الأساس يمكن القول بأنّه يعد مرتكبا لجريمة جنسية على طفل كل من يجبر طفلا على القيام بأفعال ذات بعد جنسي أو يرتكب فعلا ماديا ذو طبيعة جنسية مسلطا على جسد
الطفل أو من يشجع على القيام بمثل هذه الأفعال أو بالتوسط فيها أو يستفيد منها أو يستغلها عن طريق النشر والتوزيع أو بأي شكل من الأشكال بغاية الحصول على منافع مادية.
والجدير بالذكر أن الحماية الجزائية للطفل تُجاه
الجرائم الجنسية المسلطة عليه سواء كانت مباشرة أو جرائم استغلال ليست إلاّ وجها من أوجه حماية الطفل والاهتمام به في القانون التونسي.
فالطفل في
القانون التونسي يحضى بمكانة خاصة لأن المشرع اهتم به ويسعى إلى حمايته سواء كان جانحا أو مهددا. فشدد العقاب عندما يكون الضحية طفلا ووضع "ترسانة" كاملة من القواعد المنظمة لوضعيته.
وفي الواقع برز الاهتمام بالطفل في شكل واضح منذ صدور قانون المرافعات الجنائية في 30/12/1921 حيث أوكل للنيابة العمومية التدخل في حق
الطفل والدفاع عنه وكانت المجلة الجنائية قد خوّلت من جهتها تنظيم ما يتعلق بالطفل فقررت أن لا مسؤولية جنائية عليه ما لم يُتّم السابعة من عمره، ثم قرّرت بأمر 22/06/1950 رفع هذه السن إلى الثالثة عشر(٨).
فصار
الطفل الذي يتراوح عمره بين الثالثة عشر والثامنة عشر يحضى بحماية خاصة سواء كان جانحا أو مهددا .
وفي 30 جوان 1955 أُفرد
الطفل الجانح بمحكمة خاصة وخُصصت له مؤسسات لإصلاحه واستمرت المجهودات مبذولة لرعاية كل ما يخص الطفل واستمر تطورها إلى ما قبل سنة 1995 حيث خُص الطفل بمجلة خاصة به بالإضافة إلى نصوص أخرى متفرقة حتى أن القانون الخاص بالأحداث جاء واردا ضمن مجلة الإجراءات الجزائية لا في مجلة خاصة.
ويبدو أن إصدار مجلة حقوق
الطفل وليد إرادة المشرع تجاه الطفل الجانح وترمي أساسا إلى الإصلاح والحماية لا الانتقام والزجر مما يفسر إبعاد القانون من المجلة الجزائية التي تعني كما هو معلوم بالجرائم والعقوبات(٩).
وفي 10ديسمبر1991 خطت تونس خطوة هامة في مجال الاهتمام بالطفل حيث صادقت على اتفاقية حقوق الطفل(١٠). التي أبرزت نيّة المشرع التونسي في مزيد بذل العناية بالطفولة زاد في تأكيده سيادة رئيس الجمهورية في خطاب منهجي ألقاه يوم 13 نوفمبر 1993 أوصى فيه بإعداد مشروع مجلة حقوق
الطفل (١١).
وعملا بهذه التوصية انطلقت الأعمال لإعداد مشروع مجلة خاصة بالطفل دامت من ماي 1993 إلى جوان 1994 وجاء هذا المشروع الأول تأييدا لما اقتضاه المشرع التونسي في جوهره واقتباسا من أحداث ما جاء بالقانون المقارن أو بالأحرى استحداثا لما ينبغي أن يكون عليه الوضع بالنسبة للمستقبل وكان الرائد الأساسي في ذلك مصلحة
الطفل الفضلى وهو مفهوم جديد وقع اعتماده في وضع الأحكام وترتبت عليه آثار(١٢).
وبعد جهد أثمر هذا المشروع أوّل مجلة خاصة بالطفل في
القانون التونسي جاء بها القانون عدد 92 المؤرخ في 9 نوفمبر 1995. فمع كل القوانين والإجراءات التي تم سنها ووضعها في وتونس تبقى مجلة حقوق الطفل بلا ريب أعظم أنجاز تجلى من خلالها العناية الفائقة بالطفولة(١٣).
فقد أعلنت هذه المجلة في فصلها الأوّل عن أهدافها وتواصل التأكيد على المبادئ العامة التي ارتكزت عليها حتى الفصل19. وبالاطلاع على هذه الفصول نرى وأن المشرّع قد أولى فيها عناية فائقة بكل من
الطفل الجانح من جهة والطفل المهدد من جهة أخرى، فخلق للأول إجراءات تكفل له الحماية والإصلاح بينما كرس للثاني جملة من الاحتياطات والمؤسسات الحامية له من الخطر الذي يلحقه مستقبلا.
ولعلّه من الواجب الإشارة إلى أن هذا الاهتمام بالطفولة في تونس ليس منفصلا عن الاهتمام به في العالم. ذلك أن مسألة الاعتناء بحقوق
الطفل ظهرت في العالم منذ القرن 19 مع ظهور فكرة حماية الأطفال من استغلالهم في الأعمال التي لا تتناسب معهم. وفي القرن 20 وتحديدا في 1921 أسّس البريطاني Ajlentine JEEP صندوق إنقاذ الطفولة وكتب مسوّدة أول وثيقة في العالم تأسس عليها بيان جنيف الذي صادقت عليه عُصبة الأمم في 1924 وقد جاء في تلك الوثيقة المجردة سنة 1923 أنه :"إذا شئنا الاستمرار بالعمل من أجل الأطفال فإن الطريقة الوحيدة هي على ما يبدو الحثّ على الجهد وتعاون الأمم لحماية أطفالها بموجب أساليب مبتكرة وبنّاءة بدلا من إتباع أساليب الأعمال الخيرية واعتقد أننا يجب أن نطالب بحقوق محددة للأطفال وان نعمل من اجل الاعتراف بها عالميا لكي يكون كل فرد في موقع يتمكن فيه من تطوير الحركة"(١٤).
وبتاريخ 20 نوفمبر1959 صدر الإعلان العالمي لحقوق
الطفل وتواصلت المجهودات إلى أن توّجت في 20/11/1989 باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي كانت السبب الرئيسي في وضع مجلة حماية الطفل في تونس والتي تعبر الخامسة من نوعها في العالم بعد المجلات التي صدرت في كندا وبلجيكا والنرويج والسويد(١٥).
وقد جاءت كل من الاتفاقية والمجلة التونسية ناصين على حماية
الطفل من الجرائم الجنسية المرتكبة ضده.
ولقد تعرضت الاتفاقية لهذا النوع من الاعتداءات على الأطفال وكرّس الفصلين 19 و 34 منها للتصدي لها مؤكدة على الدول وجوب اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الأطفال من الاعتداءات والاستغلال ذو البعد الجنسي سواء كانت من خلال حمل
الطفل على تعاطي نشاط جنسي غير مشروع أو الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة والى غير ذلك من الجرائم.