جويلية 1976(٢٣).
غير أنه في بعض الحالات وبالنظر إلى الخصوصية الفيزيولوجية للغشاء لا يتمزق بالرغم من حصول الإيلاج وهذا الغشاء هو الذي يصطلح على تسميته في الطب الشرعي ( الغشاء المجامل (un complaisant hymen) ).
وقد أثبت الطب الشرعي وجود هذا النوع من غشاء البكارة الذي له قابلية التمطط دون تمزق وأقرت محكمة التعقيب بهذه الإمكانية حيث اعتبرت في قرارها عدد 61971 المؤرخ في ماي 1995
أن جريمة مواقعة قاصرا برضاها متوفرة رغم أن الفحص الطبي أثبت أن بكارتها سليمة وقد جاء في هذا القرار أن المواقعة تصبح تامة الأركان مادام ثبت اتصال المتهم بالمجني عليها جنسيا بالإيلاج وبالمكان الطبيعي وهو أمر غير مرتبط بتمزيق غشاء البكارة وبالتالي نلاحظ أن سلامة غشاء البكارة لا يصح اعتباره دليلا على عدم حصول المواقعة فمن المسلم به في الطب الشرعي أن المواقعة قد تحدث دون حصول تمزق في غشاء البكارة ويذكر بعض علماء الطب الشرعي أنهم شاهدوا مومسات في الدعارة لسنوات وسيدات متزوجات دون أن يتمزق عنهن غشاء البكارة(٢٤).
ب- القصد الإجرامي:
يعتبر القصد الإجرامي الركن الثاني الذي تشترك فيه جرائم المواقعة والتعريف المتداول للقصد الإجرامي هو الذي يعرفه بكونه انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بأركانها التي يتطلبها
القانون وبالتأسيس على ذلك يمكن القول بأن القصد الإجرامي هو الشكل القانوني الذي تتخذه الإرادة الإجرامية(٢٥).
وينقسم القصد الإجرامي إلى نوعين: قصد إجرامي عام يتوفر في كل
الجرائم ما عدى المخالفات والقصد الإجرامي الخاص وهو الذي ينتهي إليه المشرع صراحة.
وتستوجب جرائم المواقعة كغيرها من
الجرائم في القانون التونسي توفر القصد الإجرامي من ناحية الجاني .
ففي خصوص جريمة مواقعة قاصر برضاها يجب أن تتجه نية الجاني إلى فعل المواقعة بمعني نيته إلى الاتصال الجنسي الطبيعي بالأنثى عن طريق إيلاج عضو الذكر منه في المكان المعد للوقاع في جسمها سواء كان ذلك من خلال إيلاج كلي او جزئي وهذا يعني أن الفعل الذي ينوي الفاعل أن يرتكبه في جريمة المواقعة بالرضا يجب أن لا يكون مجرد اعتداء بالفاحشة بل يجب أن يكون مكوّنا للركن المادي لجريمة المواقعة.
أمّا في خصوص القصد الإجرامي في جريمة المواقعة بدون رضا فقد يبدو الحديث عنه غريبا إذ المفروض أن هذا العنصر أمر بديهي، فمن الصعب أن نتصور شخصا يواقع أنثى غصبا بدون أن يكون متعمدا(٢٦) ولكن هذا الأمر قد يطرح إشكالا ذلك أنه حتى يتوفر القصد الإجرامي في حق الجاني يجب أن يرتكب هذا الأخير جريمته وهو متيقن من أنه يقوم بفعل غير مشروع وأن المرأة التي واقعها غير راضية بذلك.
يبقى إثبات توفر القصد الإجرامي من عدمه في جريمة المواقعة بدون رضا موكولا لتقدير المحكمة بالاعتماد على وقائع القضية وهذا ما ذهبت إليه محكمة التعقيب عندما اعتبرت أن القصد أو عدم القصد هي من الأمور الباطنة التي يسشفها أو يستنتجها القاضي في نطاق اجتهاده المطلق من ملابسات أو ظروف الواقعة لكن شريطة أن يكون استنتاجه قائما على أساس قانوني من الدلائل والقرائن التي تساعده على استنتاج القصد لدى الجاني(٢٧).
ولعل هذه المسألة لا تطرح بشكل أكثر صعوبة في خصوص موضوع اهتمامنا وهو وقوع هذه الجريمة على طفل. فالطفل أكثر تأثيرا من غيره من الأشخاص الطبيعيين فقد لا تكون مقاومته ظاهرة بشكل جلي ولكن ذلك لا يعد نابعا من إرادته بل يكون نابعا من شعور الخوف لديه. إلاّ أنه وبالنسبة للأطفال يمكن الاعتماد على قرينة تتراوح في قوّتها بتراوح سنّ الضحية كلما صغر سنّ
الطفل كلما كان القصد الإجرامي لدى الجاني مفترضا، فلا يمكن بحال التعلّل بسوء فهم رضا طفل في الثانية عشر من عمره من عدمه بوقوع الفعل الجنسي عليه وإنما يظهر سوء نية الجاني من مجرد سنّ المتضرر.
هذا في خصوص الأركان المشتركة بين جرائم المواقعة فكما سبق بسطه تشترك جريمتي المواقعة بالرضا والاغتصاب في جزء من الركن المادي وهو ركن المواقعة إضافة إلى اتحادهما في وجوب توفر القصد الإجرامي في كليهما ولكن هذا الاتجاه في بعض العناصر لا يخفي عنا وجود الاختلاف بين الجريمين وسيتم التعرض إليه من خلال تناول العوامل المؤثرة في جرائم المواقعة.
الفقرة الثانية : العوامل المؤثرة في جرائم المواقعة : تمثل العوامل المؤثرة في جرائم المواقعة في المعطيات الواقعية والقانونية الخاصة بجريمة المواقعة والتي تعطيها خصوصية عن بقية
الجرائم إضافة إلى كونها تميز بين جرائم المواقعة من حيث طبيعتها إن كانت جرائم مواقعة بالرضا أو مواقعة بدون رضا أي الاغتصاب وتنقسم العوامل المؤثرة إلى صنفين صنف مؤثر في تكييف الجريمة من أساسها (أ) وهي العوامل التي تؤسس لتكييف الجريمة كمواقعة بالرضا أو الاغتصاب وصنف لا يمس التكييف بل يشمل العقاب ( ب) فيؤثر فيه من حيث تراوحه بين الشدة والمرونة .
أ- العوامل المؤثرة في تكييف الجريمة :
يعتبر تكييف الجريمة أول مرحلة يمر بها الفعل الإجرامي عن التتبع فتسليط العقاب على من يأتي فعلا يجرمه
القانون يستوجب إدخال الأعمال المرتكبة تحت طائلة نص من النصوص التي وضعها المشرع بشكل سابق لارتكاب الفعلة وذلك خضوعا لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وهذا ما يصطلح بتسميه بعملية التكييف التي تتأثر بجملة من المعطيات الواقعية وهذا ينسحب على جميع الجرائم بما في ذلك جرائم المواقعة التي يتوقف تكييفها على مجموعة من المعطيات أهمها سن المجني عليها ومدى رضاها بوقوع الفعل الجنسي عليها .
يعتبر سن المتضررة في جرائم المواقعة من أهم العناصر المؤثرة في تكييف ذلك إذ آن هذه
الجرائم تهدف أساسا إلى حماية الصغير خاصة منها جريمة المواقعة بالرضا التي وضعت خصيصا لحماية القصر والتي حدد مجال تطبيقها بعامل السن فجعل النص يطبق على القصر الذين لم يبلغوا بعد سن العشرين عاما.
بذلك يظهر أن المسألة الأساسية في جرائم المواقعة يجب ضبطها في بقية التفاصيل نظرا لما لها من تأثير على تكييف الجريمة وتحديد النص المنطبق عليها.
ففي جريمة المواقعة بالرضا يكون سن المتضررة أقل من عشرين سنة ذلك أن مواقعة أنثى برضاها سنها فوق العشرين لا يكون جريمة في
القانون التونسي بإستثناء حالات البغاء أو الزنا. أما في خصوص الطفلة التي لم تتجاوز عمرها 10 سنوات فإن حصول المواقعة ولو تمت برضاها تغير وصف الجريمة فتحولها من جريمة مواقعة أنثى برضاها الخاضعة للفصل 227 مكرر إلى جريمة مواقعة أنثى بدون رضاها طبقا للفصل 227 الفقرة الثانية من نفس المجلة.
وبالنظر إلى ما حدده المشرع بشكل صريح في الفصول نجد أنه تحدث صراحة عن مواقعة البنت التي لم تبلغ العاشرة من ناحية، وتحدث بشكل عام عن الأنثى التي لم تتجاوز سن العشرين من عمرها وتكفل بحمايتها، وفي هذا المستوى يطرح إشكال حول وضعية البنت التي لم تبلغ العاشرة من ناحية، وتحدث بشكل عام عن الأنثى التي لم تتجاوز بعد سن الثالثة عشر فإذا ما واقع رجل طفلة سنها أكثر من 10 سنوات واقل من 13 سنة برضاها هل تعتبر جريمة مواقعة بالرضا أم لا ؟
بالرجوع إلى الفصل 227 مكرر من المجلة الجنائية نرى أن جريمة المواقعة بالرضا يمكن أن تقع على فتاة لم تبلغ سن الخامسة عشر بشكل مطلق على أن تعتبر الجريمة من قبل الجنايات الخطيرة ويتواصل هذا الفصل مع الفصل 227 من نفس المجلة فبقراءة متوازية لكلا الفصلين نجد أن مَن واقع أنثى سنها دون العاشرة وبرضاها يُعد مرتكبا لجريمة الاغتصاب على معنى الفقرة الثانية من الفصل 227 جنائي. وهذا يعني أن المشرع لم يشرط بالنسبة لمواقعة الطفلة التي لم تبلغ العاشرة من عمرها أن تكون المواقعة غصبا بل إنّ هذه المواقعة تُعد اغتصابا وتدخل تحت طائلة هذه الفقرة من الفصل 227 م ج حتى وإن كان المواقعة برضاها.
وبمواصلة الاطلاع على الفصل 227 جنائي في فقرته الأخيرة نجده ينص على أنه "يعتبر الرضا مفقودا إذا كان سن المجني عليها دون الثلاثة عشر عاما كاملة".
وهذا راجع إلى كون الصغير الذي لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره يُعد في
القانون التونسي طفلا غير مميز وعدم التمييز يجعله قاصرا عن إبداء رضا صحيحا بالموافقة مما يجعل الجريمة الواقعة في حقه تنقلب من مواقعة بالرضا إلى جريمة المواقعة بدون رضا. وهذه القرينة غير قابلة للدحض وضعها المشرع حماية للطفل غير المميز من الإعتداءات الجنسية المرتكبة ضده.
بذلك يظهر أنّ للسنّ دور في غاية الأهمية في تكييف الجريمة بل لعلّه يمكن القول أنه معيار أساسي للتكييف في جرائم المواقعة على أساسه نميز بين جرائم المواقعة بالرضا وجرائم المواقعة بدون رضا حسب الجدول التالي :
سن الفتاة المتضررة تكييف الجريمة
طفلة اقل من العاشرة من عمرها جريمة المواقعة بدون رضا ( مشددة )
طفلة سنها أكثر من عشر سنوات واقل من الثالثة عشر جريمة المواقعة بدون رضا ( مجردة )
طفل جاوز الثالثة عشر واقل من الخامسة عشر جناية المواقعة بالرضا
قاصرا أكبر من الخامسة عشر من عمرها واقل من العشرين جنحة المواقعة بالرضا

ونجد معطى ثانٍ لا يقل أهمية عن عامل السنّ وهو رضا المتضررة بوقوع الفعل الجنسي عليها وهذا المعطي يعتبر أهم عامل في تأثيره على تكييف جرائم المواقعة فالرضا هو معيار تكييف الجريمة الواقعة على الطفل بكونها جريمة مواقعة بالرضا أو جريمة اغتصاب.