وقد سعى المجتمع الدولي إلى مقاومة هذه الجرائم بإبرام إتّفاقيات دولية عديدة من أهمها الاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار بالأشخاص واستغلال البغاء موقع عليها في كيك سكسيس 1950(٥٣).
ولقد جرم المشرع عدة أفعال معتبرا إياها تشكل الوساطة في الخناء وتعني كلمة الخناء لغة الفحش أما اصطلاحا فإن هذا المفهوم الخناء يثير عدة إشكاليات خاصة إذا حاولنا مقارنته بمفاهيم أخرى قريبة منه مثل الفساد والفسق والبغاء والفجور والدعارة.
ومن بين هذه الأشكال نجد أن المشرع قد جرّم كل ما هو إعانة وحماية ومساعدة لشخص يتعاطى البغاء وقد ورد في هذا الفقرة الأولى من الفصل 232 جنائي.
وهذه العبارات التي يستعملها المشرع تتقارب في معناها ويفهم منها أن الفعل يتكون من أي عمل مباشر أو غير مباشر أو كل مساهمة في أعمال الخناء من ذلك مثلا :
- أعمال المراقبة التي يسلطها الوسيط على المكان الذي تمارس فيه المرأة أعمال الخناء(٥٤).
- ويعد وسيطا في الخناء كذلك من يحضر الحرفاء لممتهني البغاء(٥٥).
ومن يحضر الاتفاق أو دفع الثمن(٥٦) من ذلك القرار ألتعقيبي عدد 6606 مؤرخ في 15/5/1982 أقر أن "وسيط الخناء هو كل من يحمي أو يعين أو يساعد بأي وسيلة كانت خناء الغير أو يسعى في جلب الناس إليه وبذلك فإن من قام بالفقرة الأخيرة وجلب من شارك المرأة البغي في تعاطيها الخناء السري وحوكم من أجل ذلك فإن الحكم في طريقه ولا مطعن فيه".
ينص الفصل 232 خامسا من المجلة الجنائية على عقاب "كل من يتوسط بأي عنوان كان بين الأشخاص الذين يتعاطون الخناء والفجور والأشخاص الذين يستغلون الخناء والفجور والذين يؤجرون الغير على ذلك".
من خلال هذا الفصل نلاحظ أن المشرع قد ركز على العنصر المادي المكون لهذه الجريمة وهو يتمثل في قيام الوسيط بترتيبات فعلية لإتمام اللّقاء بين الأشخاص الذين يتعاطون الدعارة من جهة وطالبي اللذة من جهة أخرى، أي يكافئون المومسات مقابل التمتع بهنّ جنسيا. أخيرا نلاحظ أن جريمة التوسط في الخناء كغيرها من
الجرائم الأخلاقية جريمة قصدية لذا فإن القصد الإجرامي ضروري رغم عدم التنصيص عليه صراحة.
ويتمثل في علم الجاني بنوعية النشاط الذي يتعاطاه وبأنه بصدد ربط العلاقات بين متعاطي البغاء والفجور والمنتفعين منه كعلمه بأنه يرتكب فعلا ممنوعا قانونـا(٥٧).
ب- مقاسمة محصول الخناء وتسلم الإعانات
نص المشرع التونسي على هذه الصورة في الفقرة الثانية من الفصل 232 جنائي الذي جاء فيه عقاب لكل من " يقاسم بأي صورة كانت متحصل خناء الغير أو يتسلم إعانات من شخص يتعاطى الخناء عادة " ونلاحظ هنا استعمال المشرع لعبارات " خناء الغير" و"من شخص يتعاطى الخناء" فهذه العبارات عامة تنصرف على الذكر والأنثى بما يعني أنه يمكن تصور خناء الرجل في جريمة اللواط مثلا.
وهذا النص يتضمن صورتين للتمعشّّّّّّّّ من الخناء هما مقاسمة محصول الخناء وتسلم إعانات.
مقاسمة محصول خناء الغير
تعني هذه الجريمة أن كل شخص راشد ذكرا كان أو أنثى يأخذ نصيبا من المال الذي يوفره متعاطي الخناء بقطع النظر عن الكيفية التي يتمكن بها المقتسم من الحصول على جزء من المحصول أي سواء كان برضاء متعاطي الخناء أو بدون رضاه ومن أجل قيام هذه الجريمة يجب أن يثبت فعل الإقتسام وهو فعل مادي يتمثل في أن يأخذ المتهم جزءا من المال الذي تتحصل عليه المرأة مثلا من أعمال الدعارة كما يجب إثبات أن المال المقتسم هو مال حاصل حقيقة ومباشرة من ممارسة المرأة لأعمال الدعارة أخيرا يجب إثبات القصد الإجرامي وهو قصد خاص يتمثل في أن الجاني كان يعلم أن ما كان يأخذه من مال ما هو إلا جزء من حصيلة ممارسة الخناء(٥٨) ويعد محصولا للخناء كل دخل مادي أو عيني أو خدماتي ناتج عن تعاطي الشخص ذكرا كان أو أنثى للخناء وربما تجدر الإشارة إلى أن الجريمة عادة ما تكون أوضح إذا ما كان المحصول نقديا فالمقاسم في هذه الحالة سيأخذ جزءا من المحصول النقدي لمتعاطي الخناء و يرى جانب من فقه القضاء الفرنسي أن هذه الجريمة فورية موجبة للعقاب دون حاجة إلى التكرار(٥٩).
تسلم إعانات من شخص يتعاطى البغاء عادة:
تتمثل هذه الجريمة في تعمد أي شخص ذكرا كان أو أنثى تسلم مساعدات من شخص متعود على تعاطي الخناء وهذه الجريمة هي جريمة تعود لا تقوم إلا بتوفر ثلاثة شروط أساسية :
• الشرط الأول: ثبوت استلام المتهم لمبلغ من المال نقدا أوعينا استلاما حقيقيا أو اعتباري تحت شكل إعانة(٦٠) ولكن لا يدخل في هذا الإطار ما يتسلمه الفقير عابر السبيل من مساعدة.
• الشرط الثاني : أن يكون صاحب المال شخص ذكرا كان أو أنثى متعودا على تعاطي البغاء فكلما ثبت أن هذا الشخص متعود على الخناء قامت الجريمة وفي التشريع التونسي نجد الفصل 232 في فقرته الثانية يستعمل عبارة "إعانات" في الجمع وهذا يفيد وجوب تكرر تقديم الإعانة في أكثر من مناسبة أي أن التعود غير مشترط في تعاطي الخناء من قبل المساعد فقط بل وأيضا تعود تسلم الإعانة من قبل المساعد.
• الشرط الثالث إثبات أن مستلم الإعانة يعلم بالنشاط الذي يمارسه المساعد وأن المال الذي يحصل عليه هو مدخول هذا النشاط.
وهكذا يظهر أن تسلم الإعانات من شخص يتعاطى الخناء عادة أو اقتسام مداخيل نشاطه جرائم تستوجب الركن القصدي لقيامها إذ يشترط في كلتا الحالتين علم المقتسم أو متسلم الإعانات بمصدر المال.
كما أن المشرع التونسي على غرار نظيره الفرنسي لا يفرق بين الذكور والإناث من مرتكبي هذه الجرائم.
كما أنّ عبارة الفصل 232 من المجلة الجنائية التونسية وردت مطلقة "خناء الغير" و"شخص يتعاطى الخناء عادة" مما يجعل الشخص الذي يتلقى إعانات أو يقاسم محصول اللواط أو المساحقة يدخل في الإطار التجريمي للفصل المذكور.
إن الاشكال المتعددة لاستغلال
الطفل في جريمة التحريض على الخناء والتوسط فيه والتمعش منه تظهر لنا بشكل جلي هذا الخطر الجسيم الذي يتهدد الطفل ويمس من قيمه الأخلاقية وينتهك جسده وشرفه، و نظرا لخطورة هذه الجريمة خصص لها المشرع نظاما عقابيا صارما سعيا منه لعقاب مرتكبيها وزجر كل من يفكر في استغلال الأطفال جنسيا بغرض تحقيق كسب مادي.
الفقرة الثانية: العقـــاب لقد جعل المشرع التونسي من سن المتضرر ظرف تشديد في العقاب (أ) للعقاب فثم تطرق إلى بقية ظروف التشديد (ب).
أ- سن المتضرر كظرف التشديد :
جعل المشرع التونسي من سن الضحية ظرفا مشددا للعقاب فإذا ما تسلطت الجريمة على قاصر فإن العقوبة ترتفع من العقاب السجني من عام إلى ثلاثة أعوام وخطية مالية من مائة دينار إلى خمسمائة دينار وهي العقوبة الأصلية إلى عقوبة بالسجن من ثلاثة إلى خمسة أعوام وبخطية من خمسمائة دينار إلى ألف دينار.
والمقصود بالمتضرر هنا هو من يمارس ويتعاطى الخناء والذي قد يكون ذكرا أو أنثى ويتم استغلاله من قبل الجاني. ولكن التساؤل الذي قد يطرح إشكالا هو ما المقصود بالقاصر كظرف تشديد للعقوبة في هذه الجريمة ؟
في الواقع انقسمت المواقف حول هذا التساؤل إلى شقين :
يرى شق أوّل أن المقصود بالقاصر هو
الطفل الذي لم يبلغ الثامنة عشر من عمره وهي سن الرشد الجزائي ويدعمون موقفهم بصدور مجلة حماية الطفل بمقتضى القانون عدد 92 لسنة 1995 المؤرخ في 9 نوفمبر 1995 والتي نصت في فصلها 25 الذي عرّف الاستغلال الجنسي للطفل والمتمثل في "تعريضه لأعمال الدعارة سواء بمقابل أو بدونه أو بطريقة مباشرة أو غير مباشرة". في هذا الفصل استعمل المشرع عبارة الطفل ولا عبارة قاصر مما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن المشرع يقصد باستعماله لعبارة قاصر في الفصل 238 من المجلة الجنائية الطفل الذي يسعى إلى حمايته من جميع أوجه استغلاله الجنسي وتعريض جسده لأعمال التجارة وتحقيق الربح.
أما الشق الثاني فقد أعتبر أن المقصود بالقاصر في الفصل 233 المذكور هو الشخص الذي لم يبلغ العشرين من عمره وذلك حسب الفصل 153 من مجلة الأحوال الشخصية الذي حدد سن الرشد بـ عشرين عاما.
ولكن بالنظر إلى السياسة التشريعية في البلاد التونسية يمكن القول أن المشرع في الفصل 233 المذكور يقصد
الطفل كما ورد تعريفه بمجلة حماية الطفل.
وقد وضع المشرع جملة من ظروف التشديد بتوفرها يطبق العقاب الأقصى لهذه الجريمة لكن وقبل التعرض إلى جملة ظروف التشديد يجب إبداء ملاحظة ألا وهي أن المشرع قد جعل من استغلال
الطفل جنسيا سواء كان ذلك بتحريضه على الخناء أو بالتمعش من خنائه أو التوسط فيه ظرف تشديد بالتالي فإنه لم يخصه بنص مستقل وهذا يمثل نقطة ضعف على مستوى حماية الطفل تتمثل في كونه إذا ما تم استغلال خناء طفل أو تم التوسط في خنائه باستعمال الإكراه فإن العقاب سيبقى هو نفسه بالرغم انه من المفروض اعتبار الإكراه ظرف تشديد إضافي إذا ما سلط على طفل لإجباره على تعاطي الخناء يؤدى إلى تسليط عقاب أكثر صرامة.
ب- بقية ظروف التشديد
تتمثل ظروف التشديد الأخرى في نوعين : صفة الجاني الوسائل المستعملة في الجريمة.
صفـة الجـاني:
ينص المشرع على وجوب تشديد العقاب كلما كان الجاني زوجا للمتضرر أو أحد أسلافه أو وليه أو كانت له سلطة عليه أو كان خادما أجيرا أو معلما أو موظفا أو من أرباب الشعائر الدينية. بالإطلاع على هذه القائمة التي أوردها المشرع للجناة الذين تشدد بشأنهم العقوبة نلاحظ أنه قد شدد العقوبة في صورة وجود علاقة قرابة دموية أو عائلية بين الجاني و المتضرر كان يكون الجاني زوجا، وتشديد العقوبة في هذه الحالات إنما مرده ما للجريمة وللأفعال المرتكبة في حق المتضرر من وطأة على نفسية هذا الأخير(٦١).
وقد استعمل المشرع عبارة "الخادم الأجير"التي تثير بعض الغموض في تحديد ظروف التشديد. ولكن بالرجوع إلى الفصل 296 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية بالفقرة التاسعة المتعلقة بحالات التجريح في الشهود أين استعمل المشرع نفس العبارة نجد أن الآراء قد تباينت حول مفهومها مما جعل الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب تقر في قرارها عدد 32039 الصادر في 19 جانفي 1995 أن "المقصود بالخدم المأجورين هم عملة المنازل لأن صلتهم بصاحب المنزل يغلب عليها الطابع الشخصي"(٦٢).
كما حدد المشرع ظرف آخر من ظروف التجديد وهو الوسائل المستعملة في ارتكاب الجريمة وتتمثل هذه الظروف في :
• أولا: في استعمال الجاني للإكراه أو لتجاوز السلطة أو التحيّل : جعل المشرع من هذه الحالة ظرف تشديد حماية منه للأشخاص من الضغوطات التي قد تسلط عليهم لجبرهم على تعاطي الخناء. ويعني الإكراه ممارسة الجاني الذي يكون المتمعش من الخناء أو الوسيط فيه للضغط لدفع المتضرر إلى تعاطي الخناء ويكون الإكراه بدنيا كأن يتولى الجاني ضرب أو تعنيف المتضرر وقد يكون معنويا إذ يكتفي الفاعل بممارسة ضغط نفسي يمثل نوعا من الترهيب والتهديد لضحيته(٦٣).
أما تجاوز السلطة فيتمثل في استغلال ما للشخص من قدرة على إكراه الضحية معنويا على تعاطي الخناء.
فأمّا التحيّل فهو نوع من الخداع والمغالطة وهو أن يعمد الوسيط إلى مختلف طرق المغالطة والتغرير للتأثير على المجني عليه وجره إلى الرذيلة باستعمال الخزعبلات وبالالتجاء إلى الأكاذيب المختلفة التي من شأنها أن تنطلي على ضحيته فتنساق إلى الفساد(٦٤).
• ثانيا: الاستعانة بعدة أشخاص: يرجع سبب التشديد إلى كون الضحية ستكون تحت تأثير ضغط مضاعف مما سيجبرها على تعاطي الخناء دون إرادة حقيقية منها ولا يهم إن كان المتمعش أو الوسيط قد استعان بشخص واحد أو بعدة أشخاص فالتعدد وحده هو الذي يخلق ظرف التشديد.
• ثالثا: حمل الجاني لسلاح ظاهر أو خفي: في هذه الحالة جعل المشرع مجرد حمل السلاح موجبا للعقاب فهو لم يشترط استعمال الجانى له أو التهديد به كما هو الحال بالنسبة لجريمة الاغتصاب بل أنه اكتفى بحمل الجانى له سواء كان ظاهرا أو خفيا.
المبحث الثاني: الأشكال الحديثة للاستغلال الجنسي للأطفال شهد العالم تطورا على مستوى أشكال النشاط الإجرامي شمل ميدان الاستغلال الجنسي للأطفال فبعد أن كانت هذه الجريمة تظهر من خلال التحريض على الخناء والتوسط فيه والتمعش منه اتخذت اليوم أشكالا حديثة كاستغلال الصحافة ومحاولة تشغيل الأطفال في أعمال ذات بعد جنسي مما دفع المشرع التونسي إلى محاولة وضع قوانين خاصة في المادة الشغلية لمقاومة استغلال الأطفال في هذا المجال (فقرة ثانية) كما وضع جملة من جرائم النشر والصحافة لمنع استغلال صور الأطفال في إبعاد لا أخلاقية (فقرة أولى).

الفقرة الأولى: جرائم النشر والصحافة:
تعتبر هذه الجرائم الوجه الجديد للاستغلال الجنسي للأطفال سواء تمت عبر الصحافة العادية (أ) والعقاب الذي خصصه المشرع لهذا النوع من الجرائم (ب).
أ- الجرائم العادية للنشر والصحافة:
يتمثل الاستغلال الجنسي للأطفال من خلال الجرائم العادية للنشر والصحافة في نشر صور خليعة لهؤلاء من خلال الصور المطبوعة والمجلات وحتى شرائط الفيديو و بالوقوف عند ملامح هذه الجريمة نجد إنها يصطلح على تسميتهـا باللّغة الفـرنسيةLa pornographie ويقصد بها كل تصوير بشكل واضح لأعضاء تناسلية أو ممارسات جنسية يكون الهدف منها الإثارة الجنسية وليست لها قيمة جمالية أو عاطفية .
ويرجع أصل كلمة pornographie إلى اللغة اليونانية وتحديدا إلى لفظ Pronographos الذي يعني بالفرنسية "Traité de la prostitution" وهي عبارة تتكون من لفظتين الأولى وهي de Porné أيProstituée وهو متعاطي البغاء أما الثانية فهي "graphe" أي "écrire وهي تعني يكتب وقد تطورت عبارة (Graphe) عبر التاريخ فصارت لا تفيد الكتابة في معناها المجرد بل تمتد إلى الصور أيضا بذلك تكونت أول فكرة لجريمة نشر صور خليعة في القرن الثالث عشر.
أمّا في العصر الحديث فقد انقسمت هذه الجريمة إلى نوعين: النوع الأول هو نشر الصور الخليعة بصفة عامة أما النوع الثاني فهي جريمة خاصة تتمثل في نشر صور خليعة للأطفال وقد عرف البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل في خصوص بيع الأطفال ودعارتهم والصور الخليعة لهم الذي تم تبنيه في 25 ماي 2000 الصور الخليعة للأطفال بكونها "كل تصوير بأي طريقة كانت لطفل بصدد القيام بممارسات جنسية بشكل واضح سواء كانت حقيقية أو مركبة وهي أيضا كل تصوير لأعضاء تناسلية لطفل بغاية الإثارة الجنسية".
ومن الملاحظ أن المشرع التونسي على الرغم من اهتمامه بمقاومة كل ما من شأنه مخالفة الأخلاق الحميدة إلاّ أنه لم يضع نصا قانونيا خاصا لنشر الصور الخليعة للأطفال، بل اكتفى بنصوص عامة لتجريم الصور الخليعة بل إنه توسع ليجرم كل نشر لمنشورات لا أخلاقية ومنافية للأخلاق الحميدة حتى أنه وضع أنواعا مختلفة من جرائم النشر والصحافة وقسمها إلى ثلاثة أصناف هي: جريمة نشر مؤلفات ماسة بالأخلاق الحميدة
يحجر الفصل 121 ثالثا من المجلة الجنائية توزيع المناشير والنشرات والكتابات التي تنال من الأخلاق الحميدة. ولكن هذا الفصل لم يقدم تفسيرا لمفهوم الأخلاق الحميدة48 هذا المفهوم الذي يحوطه الغموض نظرا لما فيه من عمومية وإطلاق إذ لا توجد أعمال حددها المشرع تدخل في إطار الاعتداء على الأخلاق الحميدة لذا فإن هذا المفهوم يعتبر متحولا يتطور ويختلف باختلاف الزمان والمكان. وترجع مهمة تقدير مدى دخول الأفعال أو المنشورات في إطار هذا الاعتداء إلى قضاة الأصل الذين يعتمدون في مهمتهم على المقاييس الأخلاقية التي تعتمدها البيئة التي نشرت فيها هذه الصور أو هذه المنشورات وتدخل في هذا الإطار جريمة نشر صور خليعة لطفل حيث أن مثل هذه الصور تدخل حتما ضمن الاعتداء على الأخلاق الحميدة لما فيها من إخلال بالآداب العامة وخدش للحياء العام.
هذه الجريمة على خطورتها لم يخصص المشرع التونسي لها نصا مستقلا بل إن العقاب عليها يدخل في إطار تحجير المنشورات التي تنال من الأخلاق الحميدة وذلك على عكس المشرع الفرنسي الذي جرم استغلال صورة قاصر في نص خاص والمقصود بالصورة في هذه الجريمة الصورة الشمسية أو الرسم أو حتى النحت والأفلام والهدف من هذا التجريم هو مقاومة أنواع الشذوذ الجنسي المتمثلة في الميل إلى ممارسة الجنس مع الأطفال وهو ما يعبر عنه بـ La pédophilie.
ولكن ليس نشر أي صورة لطفل يدخل في هذا النطاق فكما سبقت الإشارة إلى ذلك يجب أن تمثل الصورة عورة الطفل أو تمثله هو نفسه بصدد القيام بممارسات جنسية فهذه الجريمة تكون قائمة في القانون الفرنسي كلما كان الغرض من هذه الصور هو النشر أو أن تكون هذه الصور قد نشرت فعلا عن طريق الصحافة فإذا كانت الصور قد التقطت أو رسمت أو نحتت أو صورت بغرض الاستعمال الشخصي فإن الجريمة لا تعد قائمة لأن الغرض من التجريم هو مقاومة استغلال الصور الجنسية.
غير أن هذا الاتجاه يدعوا إلى انتقاده بشدة فمجرد التقاط صور للأطفال وهم بصدد القيام بممارسات جنسية تستوجب العقاب لما في ذلك من مساس بالحرمة الجسدية للطفل ولئن لم يكن هناك في هذه الحالة استغلال جنسي بقصد تحقيق كسب مادي إلا أنه يوجد استغلال لجسمه بغرض تحقيق إشباع رغبات الجاني الجنسية وانحرافه النفسي وهذا لا يمكن التسامح فيه. وقد اعتمد القانون التونسي نفس الاتجاه أي أن حيازة صور خليعة للأطفال معاقب عليه إن كان بنية التوزيع والنشر غير أن هذه الجريمة لا تدخل ضمن إطار نشر منشورات مخالفة للأخلاق الحميدة بل ضمن جريمة صنع ومسك أشياء مخالفة للأخلاق الحميدة.
صنع ومسك أشياء مخالفة للأخلاق الحميدة :