وعلى كل فإن المشرع التونسي إعتمد لفظ "بدون رضاه" وهذا اللفظ أكثر شمولية فهو يعني كل الحالات التي يغيب فيها رضا الطفل أو يكون غير صحيح.
ب- ظروف الشديد في جريمة الاعتداء بفعل الفاحشة على الطفل:
تنص الفقرة الثالثة من الفصل 228 جنائي على أنه : "يكون العقاب بالسجن المؤبد إذا سبق أو صاحب الاعتداء بفعل الفاحشة في الصورة السابقة استعمال السلاح أو التهديد أو الاحتجاز أو نتج عنه جرح أو بتر عضو أو تشويه أو أي عمل آخر يجعل حياة المعتدي عليها في خطر".
وانطلاقا من هذا الفصل حدد المشرع ظروف التشديد فيما يلي :
استـعمال الـسلاح :
يرتفع العقاب البدني إلى السجن المؤبد كلما استعمل الجاني في ارتكابه للفعل سلاحا ولكن التساؤل هنا هو هل يقصد المشرع استعمال السلاح فعليا أم تشتمل عبارة الفصل حتى مجرد التهديد به ؟
بالرجوع إلى الفصل المخصص لجريمة الاغتصاب ( 227 جنائي ) نجد أن المشرع ميز بين استعمال السلاح أو التهديد به لذلك فإنه يجب الالتزام بعبارة الفصل بأنه لا مجال للتوسيع في تأويل المادة الجزائية وبالتالي فإن ظرف التشديد لا يتوفر في حالة استعمال الجاني للسلاح.

الـتـهديد :
وردت هذه العبارة مطلقة فهي تعني التهديد المادي والمعنوي ولكن في جرائم الاعتداء بالفاحشة عادة ما يكون التهديد ماديا ومتزامنا مع وقت ارتكاب الجريمة.
غير أنه من الملاحظ من الناحية التطبيقية يظهر الفرق شاسعا من حيث العقاب المسلط على الجاني بين التطبيق والجزاء المقرر للجريمة في النص القانوني

الاحـتـجاز:
جاء في رد الحكومة عن التساؤلات النواب حول مفهوم هذه العبارة " أنها تعني النيل من الحرية الذاتية للمعتدي عليه"(٤٨) ويذكرنا لفظ الاحتجاز بجريمة الفصل 250 جنائي الذي يعنى بجريمة حجز شخص بدون إذن قانوني ويبدو أن الفرق الأساسي بين هذين النصين يكمن في أنه في الفصل 228 الاعتداء الفاحشة هو الجريمة الأصلية والاحتجاز ظرف تشديد بينما في الفصل 250 الحجز هو الجريمة الأصلية وارتكاب الجناية آو الجنحة هو ظرف تشديد.

الجـرح والتـشـويه :
ترجع علّة التّشديد في هذه الحالة إلى النتائج المتربة عن الجريمة ولم يعط المشرع تفسيرا واضحا لمعنى الجرح ولكن بعض الفقهاء يعرفونه بأنه: "المساس بأنسجة الجسم مما يؤدي إلى تمزقها أما التشويه فقد وردت عبارته عامة لذا فإن أي تشويه ناجم عن الاعتداء بجسم المتضرر يرفع العقاب إلى أقصاه وهو السجن المؤبد".

جعل حياة المتضرر في خطر :
وضع المشرع هذه الحالة من حالات تشديد العقاب محاولة منه للحفاظ على حق الإنسان في الحياة. فكلما صدر عن الجاني عمل خطير يضع حياة المتضرر موضع الخطر ويهدده بالموت يُرفع العقاب إلى السجن المؤبد.

تعدد الجــناة :
جعل المشرع من تعدد الجناة عنصرا مشددا في العقاب لأن تعدد ذلك يقلل من مقاومة ومعالجة المجني عليه وعدم تمكنه من منع الجريمة. أما تعاقب الجناة على ارتكاب الفعل الفاحش فإن ذلك يؤذي المجني عليه جسديا ونفسيا وبالتالي يجعله متعبا ولا يستطيع مقاومة الجناة(٤٩).

صـفـة الجـاني :
يُرفع العقاب إلى ضعف المقدار المستوجب للجريمة كلما كان الجاني من أصول المجني عليه من أي طبقة أو كانت لهم السلطة عليه كما لو كانوا معلميه أو خدمته أو أطبائه أو جراحيه.


خاتمة الفصل الأول:
تمثل جرائم لاعتداء الجنسي المرتكبة ضد الأطفال خطرا يهدد السلامة الجسدية والنفسية لهؤلاء لما تسببه لهم من صدمة نفسية تؤثر على تكوينهم المستقبلي إضافة للآثار التي قد تخلفهم على أجسادهم وبالنظر لخطورة هذا النوع من الجرائم حاول المشرع وضع جملة من النصوص القانونية للتصدي لهم فنظم جرائم المواقعة في الفصول 227 و227 مكرر من المجلة الجنائية جرائم الاعتداء بالفاحشة بالفصول 228 و228 مكرر من نفس المجلة ولكن على الرغم من المجهودات المبذولة فإنه يتجه إبداء ملاحظة حول الضيق الذي تتسم به جريمة الاغتصاب في القانون التونسي من حيث مفهومها ويتجلى ضيق مفهوم الاغتصاب من خلال اختصاره على العدوان الجنسي الذي تستهدف له الأنثى فقط واكتفائه بطرح بعض ظروف التشديد والحال أنه كان بالإمكان أن يعطيه مفهوما أوسع وأن يقر عدة أحكام تندرج فيها العقوبات بحسب تعدد الحالات والأوصاف وبحسب النتائج ولو ألقينا نظرة على القانون المقارن لوجدنا العديد من التشاريع الأوروبية قد أدخلت في السنوات الأخيرة تعديلات جوهرية على مفهوم الاغتصاب وعلى الجرائم الجنسية بوجه عام مثل التشاريع الفرنسية (الفصل 6 - 222 إلى 23-222 من المجلة الجنائية الفرنسية)(٥٠).
هذا من ناحية التشريع الموجود بالمجلة الجنائية لكن المشرع لم يكتفي بالنصوص التجريمية للاعتداءات الجنسية المرتكبة ضد الأطفال بل إنه سعى إلى وضع جملة من المؤسسات والهيئات التي تساعد على وضع الفصول القانونية حيز التنفيذ ذلك أنه ومنذ 1995 أي منذ إصدار مجلة حماية الطفل عمد المشرع إلى بعث مؤسسة مندوب حماية الطفولة الراجع بالنظر لوزارة الشباب والطفولة وذلك في إطار الحماية الاجتماعية للطفل ويوجد في البلاد التونسية 23 مندوبا مكلفا بمهمة وقائية وخول له القانون إمكانية اتخاذ جملة من التدابير اللازمة في إطار حماية الطفل المهدد من جملة من الأخطار أهمها الاستغلال الجنسي.
ومندوب حماية الطفولة الذي له صفة الضابطة العدلية (الفصل 36 مجلة حماية الطفل) يعمل بارتباط وثيق مع الجهة القضائية المؤهلة للنظر ومتابعة هذه الوضعيات وهو قاضي الأسرة سواء تعلق الأمر بالتدابير الاتفاقية (الفصل 40 وما بعده) أو بالتدابير العاجلة المتخذة في حالات التشرد والإهمال (الفصل 45 وما بعده)(٥١).
وتسهيلا لدور مندوب حماية الطفولة ولأجل تمكينه من الإطلاع على حالات الإعتداءات المسلطة على الأطفال بحث المشروع حمله على عاتق كل من يبلغ إلى عمله تعرض طفل إلى إعتداء جنسي حيث ينص الفصل 31 م.ح.ط على أنه "على كل شخص من في ذلك الخاضع للسر المهني واجب إشعار مندوب حماية الطفولة أن هناك ما يهدد صحة الطفل أو سلامته البدنية أو المعنوية على معنى الفقرتين (د – هـ) من الفصل 20 من هذه المجلة".
وتلعب الشرطة أيضا دورا في مجال حماية الطفولة من خطر الاعتداءات الجنسية ذكر أنه تم بعث خلايا للحماية الاجتماعية في إطار الشرطة العدلية تهتم بحماية الطفل من الاعتداءات الإجرامية التي وجدت منذ 1996 ومصلحة وقاية الأخلاق التي تهتم بردع جميع أنواع الجريمة الأخلاقية و التي تهتم بردع جميع أنواع الجرائم الأخلاقية من ذلك الجرائم الجنسية المسلطة علي الأطفال كالمواقعة بالرضا والمواقعة غصبا والاعتداء بفعل الفاحشة .

الفصل الثاني : جرائم الاستغلال
خلافا للجرائم الجنسية المباشرة لا تسلط جرائم الاستغلال مباشرة على جسد الطفل كالاغتصاب أو الفاحشة بهدف إشباع رغبة الجاني الجنسية أو إشباع رغبته في التشفي بل إنها تتمثل في استغلال جسده بغرض تحقيق نفع مادي. ولعله يمكن القول أن هذه الجرائم تعد الأخطر على الإطلاق بين الجرائم الجنسية لأنها تجعل من جسد الطفل بضاعة تباع وتشترى ووسيلة للثراء. لذا حرص المجتمع الدولي على التصدي لها إذ نصت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل(٥٢) في المادة 34 منها على أنه "تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال والانتهاك الجنسي ولهذه الأغراض تتخذ الدول الأطراف بوجه خاص جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع :
- حمل أو إكراه الطفل على التعاطي أي نشاط جنسي غير مشروع
- الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة أو غيرها من الممارسات الجنسية الغير مشروعة.
- الاستخدام الاستغلالي للأطفال في العروض والمواد الداعرة"
كما نصت نفس الاتفاقية في المادة 19 منها على أن الدول الأطراف عليها أن تتخذ " جميع التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الاستغلال بما في ذلك الإساءة الجنسية..."
وتواصلت المجهودات حثيثة للتصدي لكل نشاط استغلالي ذو بعد جنسي مسلط ضد الأطفال وذلك بتبني البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل في خصوص بيع الأطفال ودعارتهم والصور الخليعة لهم بتاريخ 25 ماي 2000 أما على الصعيد الوطني فقد نصت مجلة حماية الطفل في فصلها 25 على انه يعد من قبيل الاستغلال الجنسي للطفل ذكرا كان أو أنثى تعريضه لأعمال الدعارة سواء بمقابل أو بدونه وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة كما حرص المشرع التونسي على بعث هيئات اجتماعية كفيلة بحماية الطفل من هذا الخطر الذي يتهدده.
وفي إطار جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال يجب التمييز بين الأشكال التقليدية لهذا الاستغلال والمتمثلة أساسا في التحريض على الخناء والتوسط فيه والتمعش منه (المبحث الأول) والأشكال الحديثة له (مبحث الثاني) والتي جاءت نتيجة التطور التكنولوجي في العالم.

المبحث الأول : الأشكال التقليدية للاستغلال الجنسي للأطفال :
بغرض دراسة هذا النوع من الاستغلال الجنسي للأطفال يجب الإطلاع على مختلف أشكاله (فقرة أولى) قبل التوقف عند العقاب المخصص له (فقرة الثانية)

الفقرة الأولى : أشكال الاستغلال
أ- التحريض على الخناء والتوسط فيه والتمعش منه:
تعرض المشرع إلى هذه الجريمة في الفصول 232 إلى235 من المجلة الجنائية في الفقرة الثالثة من القسم الثالث المعنون "في الاعتداء بالفواحش". والتوسط بالمعني الواسع يشمل كافة الأفعال التي يرتكبه الطرف الثالث في البغاء سواء كانت من أعمال التوسط في البغاء أو تسهيله أو التحريض عليه أو استغلاله أو تهيئة الفرصة أو السماح به. وكلمة وسيط تشمل أيضا الأشخاص الذين يتعيشون من البغاء أو يتكسبون به.