تُعتبر جريمة الاعتداء بالفاحشة جريمة قصديه لا تتوفر إلا بتوفر القصد الإجرامي لدى الجاني ويتمثل هذا القصد في علم الجاني أنه يرتكب فعلا مخلا بالحياء إما على طفل دون الثامنة عشر من عمره أو على أيّ شخص دون رضاه ولا يهم في القصد الإجرامي الغاية التي يهدف الجاني إلى تحقيقها من خلال إتيانه للفعل الفاحش(٤٢).
فأمّا بالنسبة لانصراف نيّة الجاني إلى ارتكاب الفعل الفاحش فإنه قد يصعب أحيانا تصور وقوع الاعتداء بفعل الفاحشة عن غير قصد وهذا ما أدى ببعض الفقهاء(٤٣) إلى القول أنه متى كان الفعل في حد ذاته مخل بالحياء افترض علم الجاني بذلك ولا يقبل منه إثبات عكسه .
ولعله يمكن القول أن في هذا الموقف شطط إذ أن الجريمة هي جريمة قصدية يجب إثبات العمد في ارتكاب الفعل وطالما أن المبدأ في الإنسان هو سلامة النية فانه يجب إثبات سوء النية لدى الجاني ولكن قد يمكن استنتاج التعّمد من خلال جسامة الفعل المرتكب فلا يعقل أن يقوم شخص بإيلاج إصبعه أو ذكره في دبر شخص آخر وأما في خصوص التفرقة بين العمد والدفع فإن الدافع لا قيمة له في إثبات قيام جريمة الاعتداء بالفاحشة حيث أنه صحيح أن الأصل في مثل هذه الاعتداءات يكون هدف الجاني هو تحقيق اللذة الجنسية لكن تغيير الهدف إلى الناحية الانتقامية أو التنكيل لا ينفي في شيء قيام الجريمة من ذلك أن محكمة التعقيب رأت في قرارها عدد 756 المؤرخ في 16 جوان 1976 أن الكشف عن عورة المجني عليه ودلك دبره بكمية من الهندي يشكل جريمة اعتداء بالفاحشة بما فيه من مس بالكرامة وخدش بالمروءة(٤٤).وفي نفس الاتجاه سار فقه القضاء الفرنسي الذي اعتبر أن الاعتداء بالفاحشة قائم في صورة تعمد لمس الأعضاء التناسلية أثناء معركة نسائية(٤٥).
وهكذا يمكن القول أن جرائم هتك العرض هي من الجرائم العمدية المقصودة فهي لا تقع خطأ لذا يتوفر فيها القصد الإجرامي العام بعنصريه العلم والإرادة فيجب أن يكون الجاني عالما أنه يقوم بهتك عرض شخص وعلى الرغم من ذلك فإنه يقوم بارتكاب فعله بإرادته الحرة وباختياره(٤٦) فمن لمس عورة غيره عن غير قصد أثناء الزحام في الشارع مثلا لا يعتبر مرتكبا لجريمة الاعتداء بالفاحشة نظرا لغياب الركن القصدي لديه(٤٧).
الفقـرة الثـانية: الــعقــاب :
لقد أفرد المشرع التونسي لكل من جنحة الاعتداء بفعل الفاحشة أو جناية الاعتداء بفعل الفاحشة على طفل لكل منهما عقاب خاص (أ) ثم اعتمد ظروف التشديد على جريمة الاعتداء بفعل الفاحشة على طفل(ب).
أ- العقاب المخصص لكل من جنحة وجنايةالاعتداء بفعل الفاحشة على طفل
الجنحة :
ينص الفصل 228 مكرر من المجلة الجنائية على أن كل اعتداء بفعل الفاحشة على طفل لم يبلغ من العمر 18 عاما كاملة يعاقب بالسجن لمدة خمسة أعوام "خصص المشرع التونسي عقوبة قدرها خمس سنوات لكل اعتداء على طفل بدون استعمال القوة وذلك بغرض حمايته من مثل هذه الممارسات ولم يستعمل المشرع عبارة "برضاه" في الفصل. فالفعل الفاحش المسلط على الطفل لا يلزم فيه أن يكون قد تم برضاء الطفل بل يكفي أن يكون قد سًلّط عليه دون استعمال القوة ذلك أن استعمال وسيلة من وسائل العنف يجعل الفعل يدخل تحت إطار الفصل 228 فقرة ثالثة.
ولم ينفرد المشرع التونسي في تجريم الاعتداء بفعل الفاحشة على الأطفال وتخصيص عقاب صارم لمرتكبيه. فالمشرع الفرنسي خصص عقابا بالسجن لمدة سبعة سنوات مع خطية مالية قدرها 700 ألف فرنك فرنسي لكل مرتكب لجريمة الفاحشة على طفل وذلك صلب الفصل 222/29 من المجلة الجزائية الفرنسية.
ولم يعتمد المشرع التونسي سياسة التدرج في تشدد العقوبة على أساس السن بل حدد سنا للحماية هي الثامنة عشر وعاقب كل اعتداء على من هو دون هذه السن بدون قوة بعقاب سجني موّحد هو خمس سنوات ولكن التطبيق القضائي تولى هذه المهمة بأن تدرج بالعقوبة بحسب الحالات والقضايا ووقائع كل جريمة وهو لا يتوانى على التشدد كلما صغر سنّ المجني عليه من ذلك الحكم الابتدائي عدد 2262 الصادر في 21/12/2001 عن المحكمة الابتدائية بتونس والقاضي بسجن المتهم لمدة أربعة سنوات لاعتدائه على طفلة بالفاحشة دون قوة.
وقد تمثلت وقائع القضية في أن المتهم استدرج البنت المتضررة وعمد إلى دلك ذكره بين فخذيها مما أدى إلى احمرار على مستوى جهازها التناسلي وانجر عن هذه العملية أيضا صدمة نفسية للطفلة المجني عليها. وأمّا إذا أما استعمل الجاني القوة فإن الجنحة تتحول إلى جناية.
الجـناية :
ينص الفصل 228 من المجلة الجنائية على عقاب الاعتداء بالفاحشة ويرفع العقاب إلى اثني عشر عاما إذا كان المجني عليه دون الثامنة عشر عاما كاملة.
ويظهر من خلال العقاب المخصص لهذه الجريمة التشديد الذي لجأ إليه المشرع لردع استغلال ضعف الأطفال لإجبارهم رغما عن إرادتهم على قبول تسليط الفعل الفاحش على أجسادهم ومن أهم العناصر المكونة لهذه الجريمة هي انعدام الرضا وسن المجني عليه.
وقد ذهب التشريع الأردني من جهة إلى تجريم هتك العرض بالقوة أو العنف أو التهديد فنصت المادة 296 /1/2 من قانون العقوبات الأردني على هذه الجريمة بما يلي: "كل من هتك بالعنف أو التهديد عرض إنسان عوقب بالأشغال الشاقة مدّة لا تنقص عن أربعة سنوات ويكون الحد الأدنى للعقوبة سبع سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشر من عمره" .
وعلى خلاف المشرع التونسي حدد المشرع الأردني حالات العقاب في هتك الأعراض بالقوة أو العنف أو التهديد. وينصرف لفظ العنف إلى الإكراه المادي الذي يقع على المجني عليه أما لفظ التهديد فيعني الإكراه المعنوي وقد أجمع القضاء والفقه في الأردن وفي مصر على نطاق جريمة هتك العرض التي تشمل جميع الحالات التي يُرتكب فيها الفعل بدون رضا صحيح من المجني عليه.
وفي هذا الاتجاه سارت محكمة التعقيب الفرنسية بأن اعتبرت الجريمة تقوم بإتيان فعل مخل بالحياء على شخص المجني عليه ضد إرادته سواء من ذلك أن يكون مصدر انعدام رضاه إكراها ماديا أو معنويا أو أية وسيلة إكراه أو مباغتة يبلغ بها الجاني غايته.