يقرأ أغلب الفقهاء بصعوبة تكييف الظاهرة الإرهابية التي تتصف بالعمومية والشمول وخاصة بالاختلاف في تحديد مضمونها وحدودها. إنّ الإقرار بمثل هذه الخصوصية وبهذه الطبيعة الوثيقية للظاهرة، تطرح مزيدا من الشكوك والتعقيدات، وربّما قد يوحي بخلل ما عند دراسة وتحليل النصوص القانونية التي تتعرض لظاهرة الإرهاب وتسعى إلى تجسيدها في شكل جريمة أو جرائم مميزة، سواء كانت هذه النصوص القانونية دولية المصدر (قرارات ومعاهدات). على الرغم من أنّ أغلب الفقهاء يؤكّدون على قدم الظاهرة الإرهاب إلاّ أنّ تطوّر دلالاتها ومضامينها السياسية والقانونية، جعلت منها ظاهرة متجددة ومتحولة، وقد دفعت عديد الأسباب وإلى انشغال فقهاء القانون عامة والقانون الدولي بصفة خاصة بهذه الظاهرة. ومن أهمّ أسباب إكساءها بالصبغة الدولية أنّها قد تتخذ شكل جريمة دولية إذا استهدفت النيل من النظام الاجتماعي الدولي وخالفت القانون الدولي واعتبرته الجماعة الدولية كذلك( [48]). هذا ما سيدفعنا إلى البحث عن معايير تكييف الجريمة الدولية، مع إكساء الإرهاب الصبغة الدولية ومحاولة مماثلة بالجريمة الدولية لكي نتطرق في مرحلة أولى إلى محاولة تعريف الإرهاب في إطار منظمة الأمم المتحدة(1) لكي نتعرّض إلى التعريفات القانونية الممنوحة في إطار المنظمات الإقليمية(2).
1 –
تعريف الإرهاب في إطار المنظّمات الدولية: منظمة الأمم المتحدة.
لمن المؤكد أنّ الفقهاء يتناولون ظاهرة الإرهاب كسلوك إنساني غير شرعي، يشكل نواة جريمة تستحق الزجر والعقاب، وقد تتعقد هذه المهمة بصفة خاصة عندما يتعلق الأمر بالإرهاب الدولي، الذي حاول يحاول بعض الفقهاء أن يجعلوا منه مظهرا من مظاهر الجريمة الدولية، والجريمة الدولية هي كل نشاط إيجابي أو سلبي ينتهك الأصول الأساسية للمحافظة على النظام الدولي، أو أنّها كل تصرف أو نشاط يؤدي إلى اضطراب في النظام الدولي العام( [49]). والعبرة في منع وتجريم هذا النشاط وباعتباره جريمة دولية من خلال العرف الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية وكذلك يمكننا الرجوع إلى السوابق القضائية الدولية والمبادئ العامة للقانون، فالإرهاب يصبح دوليا عندما يتضمن عنصرا خارجا (عنصرا غريبا عن الفاعل من حيث اختلاف جنسية الضحية أو مكان اقتراف الفعل). فقد يتصف بالطابع الدولي إذا اختلفت جنسية المرتكبين للفعل أو الضحايا أو تعدت الأماكن إعداد الفعل، أو عندما تكون الضحية في الفعل الإرهابي متمتعة بحماية دولية، كالسفارات والقناصل الأجنبية والألوان الديبلوماسيين بصفة عامة( [50]). إنّ حركة التقنين الفعلية على المستوى القانوني الدولي، بدأت مع عصبة الأمم وذلك خلال المؤتمر الدولي الذي عقد بجنيف في 16 نوفمبر 1987 خصيصا لمعالجة مظهر من مظاهر العنف السياسي الخطير وصف بالإرهاب السياسي وقد أقرّ هذا المؤتمر اتفاقيتين: الأولى: "اتفاقية لمنع وقمع الإرهاب" والثانية: "اتفاقية من أجل بعث محكمة جنائية دولية". إلاّ أنّ الطرح الفعلي والمشهود لمشكلة الإرهاب ومحاولة إعطاءه الوصف والتأطير القانوني لم تنطلق إلا منذ السبعينات من القرن العشرين مع منظمة الأمم المتحدة انطلاقة جاءت متأخرة ما بين إنشاء هذه المنظمة خلال سنة 1945 وما سبق هذا التاريخ وما تبعه من أعمال عنف خطيرة في شتى أنحاء المعمورة. ذلك أنّ الانطلاقة الفعلية لهذا الطرح والبحث تحت أولوية الأمم المتحدة يرجعه أحد هؤلاء الفقهاء إلى أحداث عنف سياسية محددة مثلت دافعا دون غيرها لهذه الانطلاقة وهذا الطرح. ذلك أنّ طرح مسألة الإرهاب أمام أنظار الأمم المتحدة في أوائل السبعينات من القرن العشرين يحثنا على التساؤل إن لم يدفعنا إلى الاستغراب. إلاّ أنّ بعد الفقه قد يسعفنا بالإجابة الشافية، عندما يتعرض إلى الخلفيات السياسية التي دفعت المنظمة الدولية إلى الانشغال بهذا الموضوع المعقد بداية من السبعينات وليس قبل ذلك علما وأنّ الفترة الممتدة ما بين إنشاء منظمة الأمم المتحدة سنة 1945. وما بين طرح مسألة الإرهاب بجدية وحماس سنة 1972 مليئة بممارسات عنف محلية ودولية، متفاوتة الجماعة والخطورة، متنوعة الطرق والوسائل مختلفة الأسباب والظروف( [51]). ومن بين هذه الأمثلة: قيام عصابات صهيونية إرهابية من أهمها "الهاغاناة" "أرغون" "سيترين" بقتل وذبح مدنيين فلسطينيين أبرياء في عدة أماكن ومواقع من فلسطين المحتلة في تواريخ مختلفة أهمها "مذبحة مخيم اللاجئين في خان يونس، حيث قتل الجيش الإسرائيلي 275 رجلا وامرأة وطفلا يوم 03/11/1956". وقد رأى بعض الدارسين
للإرهاب أنّه من الغريب إدانة فعل أو ممارسة أي نشاط معين دون السعي مسبقا للبحث عن طبيعته القانونية أو إعطاءه مضمونا دقيقا"( [52]). وهذا ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة في 08 سبتمبر 1972( [53]) إلى تقديم تقرير حول الموضوع مشيرا إلى أنّ "قضية الإرهاب صعبة الحل لأنّها قضية شديدة التعقيد". والملفت للانتباه أنّ الخلافات بشأن تعريف الإرهاب وتحديد مضامين وأبعاده القانونية ظهرت منذ اليوم الأول لطرح المسألة أمام أنظار الجمعية العامة للأمم المتحدة( [54]). وفي 18 ديسمبر 1972 تبنت الجمعية العامة القرار رقم 3034 الذي ربط بين تأكيد شرعية النضال من أجل التحرر الوطني ودراسة مشكلة الإرهاب الدولي. واهمّ ما جاء في نصّ هذا القرار نذكر ما يلي: "إنّ الجمعية العامة إذ تشعر بقلق عميق من أعمال الإرهاب الدولي التي تتكرر بصورة متزايدة، والتي تذهب ضحيتها أرواح بشرية بريئة وإذ تدرك أهمية التعاون الدولي في استنباط إجراءات فعالة لمنع وقعها، وفي دراسة أسبابها الأساسية من أجل إيجاد حلول عادلة وسليمة بأسرع ما يمكن( [55]). كما أنّ أهمّ ما يمكن استنتاجه من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وخاصة من القرار الذي أثمرته هذه الأعمال وكذلك من خلاصة عدة قرارات لاحقة للقرار رقم 3034 هو:
•الخلاف العميق بين الدول في صلب الجمعية العامّة، الذي أدى إلى انقسام النظريات والمحاولات لتعريف الإرهاب إلى نظريتين مختلفتين: تماما إلى حدّ التناقض، وهو ما دفع أحد الفقهاء إلى التسليم بأنّ الإرهاب الدولي يمثل الظواهر صعوبة وتعقيدا إذ أنّه يفلت من كل محاول تحديد وحصر، لتذبذبه وعدم استقرار معناه. •التغافل عن الإشارة
للإرهاب الذي تمارسه الدولة، سواء منه الرسمي والمباشر أو الغير المباشر لذلك يمكن التأكيد على أنّ أعمال اللجنة الخاصة بالإرهاب المنبثقة أصلا من اللجنة السادسة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة باءت بالفشل( [56]). ومن هنا تمثل مسألة الإرهاب بتفصيلاتها وتعقيداتها أمّ نقطة تبرز محدودية هذه المنظمة الدولية في خلق ظروف من التعاون والتناسق والانسجام بين الدول( [57]).
لقد حاولت لجنة الإرهاب الدولي، خلال سنوات عديدة من العمل والبحث أن تجد تعريفا مقبولا
للإرهاب الدولي، من ذلك مثلا محاولتها سنة 1980 تحديد مفهوم الجرائم الإرهابية في صورة عامة وشاملة، أي إقرار وتثبيت مفهوم "جريمة إرهاب دولة يحضرها القانون الدولي عوضا عن تجريم بعض الأفعال التي توصف بإرهابية كخطف الطائرات مثلا، وخطف الرهائن واغتيال الدبلوماسيين وقد تضمنت محاولتها التعريف التالي: " جريمة الإرهاب الدولي هي أي عمل عنف خطير أو تهديد به يصدر عن فرد سواء كان يعمل بمفرده أو بالاشتراك مع أفراد آخرين ويوجه ضد الأشخاص أو المنظمات أو الأماكن، وأنظمة النقل أو المواصلات، أوصد أفراد الجمهور العام بقصد تهديد هؤلاء الأشخاص أو ابتزاز تنازلات من الدول، كما أنّ التآمر على ارتكاب أو محاولة ارتكاب أو الاشتراك في ارتكاب، أو التحريض العام على ارتكاب الجرائم كما عرفت في الفقرة السابقة يشكل جريمة إرهاب دولي". إلا أنّ هذا التعريف لم يلق ترحيبا من الجماعة الدولية إلا أنّ كل دولة أوكتلة من الدول لها مبرراتها وتعلاتها لرفض هذا التعريف إلاّ أنّ المثير للاستغراب بعض الفقهاء أن نفس الدول التي وقع مراعاة مصالحها في هذا التعريف رفضته( [58]). ولم يمنع هذا الرفض لجنة الإرهاب الدولي من مواصلة جهودها، فلقد لجأت إلى أسلوب آخر في التقنين وذلك خلال الاجتماع الذي عقدته في باريس سنة 1984. إلاّ أنّ صعوبة المهمة وتعقيداتها أديا باللجنة الخاصة بالإرهاب الدولي إلى الاعتراف بأنّ "إقرار مفهوم جامع وشامل ومتفق عليه للإرهاب الدولي يبدو أمرا صعب التحقيق في الوقت الراهن...". إنّ عجز لجنة الإرهاب الدولي في بلورة مفهوم واضح، دقيق، شامل ومقبول للإرهاب، دفع منظمة الأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية الأخرى للطيران المدني إلى التقنين الجزئي لبعض الجرائم "الخطيرة" والتي تكتسي صبغة دولية لاحتوائها العنصر من عناصر التدويل، مثل اقتراف بعض الجرائم في أعالي البحار، أو اختطاف طائرة مدنية فوق مجال جوي يتبع دولة تختلف عن الدولة صاحبة تسجيل الطائرة، وكل ما يتعلق بالمواد الخطيرة كالمواد المشعة، أو غيرها من المواد المتفجرة والملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة أو الوبائية أو الجرثومية( [59])، ثم توجهت جهود الأمم المتحدة حديث إلى محاولة تجفيف ينابيع ما يسمى بالإرهاب الدولي أي محاولة تضييق الخناق عليه وقطع كل الإمدادات والتمويل المالي الجماعات التي تمارس العنف الإرهابي"( [60]). وانطلاقا من محدودية هذا المنهج في التقنين الذي اعتمدته الأمم المتحدة: شجّع على إبرام اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف في إطار منظمات دولية وإقليمية، كما أنّ المعاهدات التي أبرمت تحت لواء الأمم المتحدة حديثا إلى محاولة تجفيف ينابيع ما يسمى بالإرهاب الدولي أي محاولة تضييق الخناق عليه وقطع كل الإمدادات والتمويل المالي الجماعات التي تمارس العنف الإرهابي( [61]). وانطلاقا من محدودية هذا المنهج في التقنين الذي اعتمدته الأمم المتحدة، شجّع على إبرام اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف في إطار منظمات دولية وإقليمية، كما أنّ المعاهدات التي أبرمت تحت لواء المم المتحدة أحالت مهمة اختيار وسائل وطرق الردع وربما حتى تفاصيل ومضامين "الجرائم الإرهابية" إلى القوانين الجنائية الوطنية مما زاد الأمر تشتتا وتعقيدا"( [62]).
2 – محاولة تعريف الإرهاب في إطار المنظمات الإقليمية.
رغم إبرام عديد الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف في مجال ردع الإرهاب يبقى الاتفاقية الأوروبية أهم مبادرة تقنينية في مجال الإرهاب ظهرت في السبعينات من القرن العشرين ثم لحقت بها بعد مضي ما يقارب العشرين عاما أهم عملية تأطير وتقنين جمعت الدول العربية وعرفت بالاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.

2-1-الاتفاقية الأوروبية لردع الإرهاب:
أبرمت هذه الاتفاقية بتاريخ 27 جانفي 1977 في ستراسبورغ STRASBOURG (بفرنسا) وضمت دول الاتحاد الأوروبي، وقد مثلت الظروف التي شهدتها أوروبا في تلك الفترة، أي ما بين السبعينات وبداية الثمانينات إطارا ملائما لإبرام مثل هذه الاتفاقيات. كل هذه الظروف السياسية والأمنية غير المستقرة والتي تتميز خصوصا بواقع مليء بالتناقضات تجسده أنظمة سياسية أوروبية مختلفة إن لم نقل متناقضة( [63]) هي التي دفعت الحكومات الأوروبية للبحث عن حلول ناجعة لتجاوز هذه التناقضات ومقاومة هذا العنف السياسي. أما على مستوى التعريف، وهي المعضلة الأساسية في مسألة الإرهاب، فلا يبدو أنها وجدت طريقا للحل في الاتفاقية الأوروبية، ذلك أنّ فصلها الأوّل، اكتفى بالإحالة إلى أفعال محددة وصفت بإرهابية في معاهدات دولية مثل معاهدتي لاهاي ومنتريال في مجال الطيران المدني ومعاهدة الحماية الدولية للديبلوماسيين، ومعاهدة خطف الرهائن، ويعيب الفقه أنّ هذه الإحالات التي وردت في الفصل الأوّل لم تأت بالجديد، بل أنّها وضعت المسألة برمتها في حلقة مفرغة، ذلك أنها أعادت مهمة تعريف الإرهاب إلى القانون الدولي، الذي كان بدوره قد عجز عن الإيفاء بها( [64]). يبدو أنّ الغاية العملية من إبرام الاتفاقية هو ما صرحت به الاتفاقية ذاتها هي سد الفراغات القانونية، ويبدو أنّ هذه الغاية لم تحترم الصياغة الشكلية للنص القانوني وما تستوجبه من دقة وموضوعية، وهو ما جعل الاتفاقية عرضة للنقد الشديد الذي حكم عليها أحيانا بالفشل أو بأنها خطيرة على حقوق الإنسان والحريات العامة( [65]). إذا كانت الظروف السياسية والأمنية التي شهدتها أوروبا الغربية بداية من السبعينات هي التي دفعت المجلس الأوروبي لتبني مثل هذه الاتفاقية، فماهي الظروف التي حفت بالدول العربية لإبرام اتفاقية مكافحة الإرهاب تحت مظلة جامعتها ؟ وماهي الأهداف والغايات المحددة لهذه الاتفاقية ؟ وماهو حكم الفقه على مثل هذه الاتفاقية.

2-2-الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.
لسائل أن يسأل: لماذا أبرمت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب بعد 26 عاما من تكفل الأمم المتحدة بدراسة موضوع الإرهاب ؟ وكذلك بعد ما يقارب الـ20 عاما من إبرام سابقتها في إطار المجلس الأوروبي ؟