من الواضح أنّ موضوع تقنين الإرهاب ومحاولة زجره ومكافحته ترتبط أساسا بظروف سياسية واجتماعية أمنية معينة في كل إقليم يشهد مثل هذه الظروف، والاتفاقية العربية التي أبرمت في أواخر القرن العشرين، أي في 22 أفريل 1998 لا تمثل استثناءا فلقد شهدت المنطقة العربية عدة حوادث إرهابية ازدادت حدتها خلال التسعينات وبخاصة في كل من الجزائر ومصر وليبيا ونذكر على سبيل المثال "حادثة 21 ديسمبر عام 1988 أين انفجرت في الجو طائرة ركاب مدنية تابعة لشركة بان أمريكان (PAN AM) في رحلتها رقم 103 فوق قرية لوكري باسكوتلندا مما أسفر عن مصرع 270 شخصا. وفي 19 سبتمبر 1989 انفجرت في الجو طائرة ركاب مدنية أخرى من طراز دي سي 10 تابعة لشركة برتي إيه (UTA)( [66]) الفرنسية في رحلتها رقم 772 فوق النيجر مما أسفر عن مصرع 171 شخصا ومنذ انفجار الطائرتين أشارت أصابع الاتهام إلى العديد من الجهات باعتبارها مسؤولة عن هذا العمل الإرهابي دون أية دامغة تؤكد ذلك. وفي رسالة مؤرخة في 20 ديسمبر 1991 وموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة من الممثلين الدائمين لفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، أرف إعلان ثلائي بشأن الإرهاب الصادر عن حكومات الدول الثالث في 27 نوفمبر 1991 بنتائج التحقيق في تفجير طائرتين الرحلتين، وقد نظمت الإعلان تحميل ليبيا المسؤولية عن الحادثتين مع مطالبتها بالامتثال لمطالب الدول الثلاث والتي تتصل بالإجراءات القضائية الجارية وأن تلتزم على نحو ملموس وقطعي بوقف جميع أشكال الأعمال الإرهابية ووقف كل مساعدة للجماعات الإرهابية مع اتخاذ إجراءات ملموسة تبرهن عن تخليها عن الإرهاب"( [67]). ولم تكن تلك الظاهرة تمثل هاجسا للدول العربية، إلا أنّه مع تعدد وتنوع أساليب العنف والتي اتخذت أشكالا جماعية ومنظمة تنبهت تلك الدول لمخاطره"( [68]). وتشير الأرقام إلى حجم الظاهرة الخطيرة في العالم العربي، ففي اجتماع عقد بتونس في جانفي 1997 أعلن وزراء الداخلية العرب أنّ ضحايا: "العمليات الإرهابية" في الوطن العربي خلال التسعينات بلغ 60 ألف شخص( [69])، ولذلك، ولأجل التصدي لهذه الظاهرة، بذلت جهود كبيرة من طرف الحكومات العربية( [70]). لقد مثّلت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب ثمرة وخلاصة هذه الجهود التي سبقتها والتي انطلقت منذ سنة 1993 محاولة تجاوز معضلة التعريف، فسعت إلى وضع تعريفين، الأولى تعريف لمصطلح أو لظاهرة الإرهاب، والثاني، تعريف للجريمة الإرهابية. ذلك أنّ تعريف الإرهاب ينص على أنّه: "كل فعل من أفعال العنف والتهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو تخويفهم أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر..."( [71]). بينما جاء في تعريف "الجريمة الإرهابية" أنها "تنفيذ لغرض إرهابي" دون أن تعرف جيدا ماهو "الغرض الإرهابي". وباستثناء الإضافة البارزة التي تضمنتها الاتفاقية عندما أشارت إلى أنّ الاعتداء على البيئة، يعد عملا من أعمال الإرهاب، وهو ما لم تشر إليه اتفاقية سابقة في هذا المجال( [72])، مع تأكيدها على ضرورة التمييز بوضوح بين الإرهاب والكفاح الشرعي ضد الاحتلال الأجنبي الذي ورد في مادتها الثانية( [73])، فإنّ الاتفاقية لا تغدو أن تكون نصا قانونيا رسميا يبلور مجالا للتعاون القضائي والأمني بين حكومات الدول العربية، فالاتفاقية تصدت للعديد من الثغرات التي كان يقوم أفراد الجماعات الإرهابية باستغلالها ومن ذلك يحق لكل دولة متعاقدة أن تطلب من أيّ دورة أخرى القيام في إقليمها نيابة عنها، بأيّ إجراء قضائي متعلق بدعوى ناشئة عن جريمة إرهابية( [74]). إنّ التركيز الواضح لهذه الاتفاقية على المجالين الأمني والقضائي جعل الاتفاقية عرضة لنقد لاذع من عديد الملاحظين والفقهاء وكذلك ساهمت عديد منظمات حقوقية في هذا النقد، فقد أصدرت منظمة العفو الدولية وثيقة تنتقد فيها هذه الاتفاقية وتنتقد هذه المنظمة في هذا التقرير التعريف الغامض والفضفاض والقابل للتمطط لأفعال الإرهاب حيث جاء في التقرير: "ويساور منظمة العفو الدولية القلق الشديد من إمكانية خضوع هذا التعريف الواسع لتفسيرات وانتهاكات واسعة وهو في الحقيقة لا يفي بمتطلبات الشرعية في القانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان، وبالمثل لا يرد في الاتفاقية تعريف للفظة "العنف" ولا يوضح هذا الغموض للقضاة والخبراء القانونيين وللرأي العام بدقة ما الأفعال التي تعتبر "إرهابا" وهذا ما يزيد من خطر اتهام بعض الأشخاص أو محاكمتهم رغم عدم وجود دليل كاف على ارتكابهم جرما محددا دائم الإقرار به كجرم في القانون عند ارتكابه. وعلاوة على ذلك ينصّ التعريف على نطاق فرض عقوبات قاسية على ارتكاب جرائم "الإرهاب" تحت ذريعة أنّ الأفعال اتسمت "بالعنف" من دون معايير واضحة تحدد درجة العنف، ويمكن أن تشمل مثلا، أفعال المعارضة السياسية، بما فيها حريتها في التعبير وتأسيس الجمعيات( [75]). ولعل ما يثير الانتباه، والدهشة، عند الاطلاع على فصول الاتفاقية، وهو ما انتقدته أيضا وثيقة منظمة العفو الدولية هو اعتمادها في تحديدها لبعض "الأفعال الأرهابية" إمّا على بعض الأفعال المضمنة أصلا في عدة معاهدات دولية، وهو ما سبقتها إليه الاتفاقية الأوروبية لسنة 1977، وإمّا ما يدفعنا إلى طرح التساؤل: من يتكفل بمهمته تعريف الإرهاب ؟ هل هو القانون الدولي ؟ أم الاتفاقيات الثنائية والإقليمية ؟ أم القوانين الجنائية الوطيئة ؟ وقد يدفعنا هذا التساؤل في حدّ ذاته إلى البحث عن مساهمة القانون الجنائي التونسي في مسألة تعريف الإرهاب وتقنين "الجريمة الإرهابية" وردعها.
الفقرة الثانية:محاولة تحديد المفهوم في القانون الجزائي التونسي.
يعكس إصدار التشريعات الجنائي الوطنية الرادعة
للإرهاب في وقتنا الراهن( [76]) التزام الدولة بإيفاء تعهداتها الاتفاقية( [77]) والانصياع للقرارات الدولية الملزمة بمكافحة الإرهاب( [78]). ويبرز هذا الالتزام عبر الانضمام إلى الجهود القانونية والمساعي السياسية الدولية المنصبة نحو تحقيق هذا الهدف. ويبدو وأنّ المشرّع التونسي قد بني مفهوم الجريمة العادية (جريمة الحق العام) في مرحلة أولى مع بعض الخصوصية، وذلك عندما أحدث "الجريمة المتصفة بالإرهابية" بمقتضى القانون عدد 12 لسنة 1993 مؤرخ في 22 نوفمبر 1993، أضاف بموجبه فصـلا وحيدا إلى المجلـة الجنائيـة هـو الفـصل 52 مكـرر (وقع إلغاؤه بمقتـضى الفصـل 103 مـن القانون عدد 75 لسنـة 2003 مؤرخ في 10 ديسمبـر 2003)(أ). وفي مرحلة ثانية وارتباطا بظروف دولية معينة أصدر المشرع التونسي قانونا جديدا في 10 ديسمبر 2003 يتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع "غسل الأموال"( [79]). تتميّز هذه المرة بكثير من الخصوصيات وإن لم يتغيّر من حيث المبدأ في كيفية تعريف الإرهاب عموما أو "الجريمة الإرهابية بصفة خاصة"(ب).
أ – المرحلة الاولى:الجريمة المتصفة بالإرهابية.
يعبّر الفصل 52 مكرر قديم من المجلة الجزائية الذي أحدث "الجريمة المتصفة بالإرهابية عن إرادة المشرّع التونسي في عدم إفراد مسألة الإرهاب بتشريع خاص وجريمة مستقلة من حيث المفهوم والأركان والإجراءات( [80]). وقد صدر هذا القانون كشكل من أشكال التضامن مع الدول الأخرى في مقاومة الإرهاب والتعصب بالإضافة على أنّه سعى إلى سدّ فراغ تشريعي في مجال مقاومته جرائم الإرهاب( [81]). وفي قراءة مختلفة عن هذه الرواية الرسمية لأسباب وخلفيات إحداث قانون يردع الإرهاب في تونس، يرى أحد الباحثين في هذا المجال "أنّ المشرّع كانت له نية مقاومة أشخاص لهم دوافع وأهداف سياسية ويتأكد ذلك بالنظر إلى المناخ السياسي الذي تمّ فيه سنّ الفصل 52 مكرر من المجلة الجزائية، حيث سيطرت في تلك الفترة مسألة المتطرفين الدينيين وأعمال العنف والتخريب التي أحدثوها بغاية الوصول إلى السلطة( [82])، بينما اعتبر أحد الدارسين في مجال الجريمة السياسية والحريات بتونس، أن جريمة الفصل 52 مكرر أحدثت بغرض توحيد العقوبات مع تشديدها لردع بعض الجرائم المتعلقة بالانتماء أو الاحتفاظ بجمعية أو حزب غير مرخص فيه( [83]). إلاّ أنّ الاتجاه الذي بناه المشرع التونسي لم يتّسم بالوضوح والشفافية اللازمين، خصوصا وأنّ الأمر يتعلق بمجال التجريم والزجر وما يمكن أن ينعكس من جراء انعدام الدقة فيه، على العدالة عموما وحقوق الفرد وحرياته بصفة خاصة، فرغم أن التشريع التونسي تلخص ويجسد في فصل وحيد ابتدع "جريمة متصفة بالإرهابية"( [84]) يبدو في الظاهرة محدودا من حيث الشكل والمضمون والأبعاد ومجال التطبيق( [85])، فإنّ المدقق والمتعمق في دراسته وتحليله يلاحظ دون عناء مدى اتساعه وشموليته، كما يلاحظ عدم ثبات ووضح العناصر التي اعتمدها المشرع التونسي في تحديد الأفعال التي تجسد الركن المادي للجريمة المتصفة بالإرهابية أو الجرائم التي تعامل معاملتها الذاتية. إنّ غياب التعريف إلى جانب الصياغة غير الدقيقة لنص الفصل 52 مكرر قديم م.ج جعلت منه نصا فضفاضا أو نصا مفتوحا وهو يؤدي لا محالة إلى ما اصطلح الفقه على تسميته بالتجريم المفتوح( [86]). يتدعّم هذا الاستنتاج بالنظر إلى عدم الثبات والوضوح والدقة العناصر الربط في تحديد الجرائم المتصفة بالإرهابية أو التي تعامل معاملتها، وتتألف هذه العناصر من عنصر مادي أو عنصر موضوعي إذ يبدو واضحا أنّ المشرّع قد بنى في تحديد الجريمة الإرهابية معيار الباعث أي اخذ بالمعيار الذاتي وفي نفس الوقت بالمعيار الموضوعي لما قرر صراحة: "كل جريمة لها علاقة بمشروع فردي أو جماعي تستهدف النيل من الأشخاص أو الممتلكات لغرض التخويف والترويع فالركن الأوّل يتمثّل في وجود جريمة لها علاقة بمشروع فردي أو جماعي يستهدف النيل من الأشخاص ومن الممتلكات وهو بمثابة الركن المادي للجريمة المقترفة وأما الثاني فهو يتمثل في الغرض المنشود من الجريمة الإرهابية وهو التخويف والترويع وعلاوة عن هذين الركنين لابد من توفر جريمة عامة تستهدف النيل من الأشخاص أو الممتلكات. وتأسيسا على ذلك وطالما أن الفصل 52 مكرر من المجلة الجنائية لم يحدد ماهية الجرائم العامة المقصودة، فإنّ الغموض يسيطر من هذه الناحية على نص الفصل المذكور. ولئن كان الفصل 52 مكرر لم يبين بوضوح ماهية الجرائم العامة التي تستهدف النيل من الأشخاص أو الممتلكات فإنّه من نافذة القول التأكيد على أنّ عبارات أحكام الفصل المشار إليه كانت مطلة وبالتالي تقييدها وهي تؤخذ على إطلاقها غير أنّ المنطق التشريعي يأبى هذا التأويل الموسع لأحكام الفصل 52 مكرر ضرورة أنّ عبارات النيل من الأشخاص أو الممتلكات لها مدلولها اللغوي الواضح فضلا على أنّ نية المشرّع التونسي لم تكن منصرفة إلى التعميم لاحتواء كل الجرائم العامة التي تستهدف النيل من الأشخاص أو الممتلكات( [87]). وأمّا الإشكال الثاني المطروح من خلال أحكام الفصل 52 مكرر فهو يخص النظام القانوني الواجب تطبيقه على الجرائم العامة المرتبطة بأخرى وصفت بالإرهابية، وبالرغم من سكون المشرع التونسي عن هذه الناحية الهامة فالرأي في هذه المسألة أنّ الجريمة العامة المرتبطة بأخرى إرهابية تخضع للنظام القانوني لهذه الأخيرة مراعي في ذلك الارتباط الوثيق بينهما فضلا على أنّ ارتكابها كان لمقصد وغرض واحد( [88]). ويجدر التذكير في هذا الصدد بأنّ المشرع الفرنسي ضبط بمقتضى أحكام الفصل 706/16 من مجلة الإجراءات الجنائية( [89])، وعلى سبيل الحصر، قائمة في الجرائم العامة التي يمكن وصفها بالإرهابية كما ألحق بها الجرائم المرتبطة بها درءا لكل اجتهاد من طرف المحاكم وتكرسيا للمبدأ القانوني: لا جريمة بدون نص متصلا بحرمة الأشخاص والأخرى متعلقة بالممتلكات والأخيرة تخص بعض الجرائم المسهلة للجريمة الإرهابية. إنّ ربط المشرّع جرائم الاعتداء على الأشخاص أو الممتلكات بمشروع فردي أو جماعي لا يكفي لوحده لتتحول الجريمة في عادته إلى "إرهابية" بل يلزم لحصول ذلك توفر العنصر الثاني وهو العنصر الشخصي أو الذاتي الذي يجب أن يتوفر في الفاعل أو المجرم، ويتجسد هذا العنصر في الباعث أو éغرض التخويف والترويع"( [90])، وقد اعتبر العديد من الفقهاء والباحثين أن هذا العنصر هو الكفيل بتمييز "الجريمة الإرهابية" عن الجريمة العادية( [91]): إلاّ أنّ هذا العنصر أو الباعث لا يختلف عن العنصر الأوّل كثيرا من حيث غموضه وضبابيته( [92]). وإذا كان العنصر الأهم في تحديد وتمييز الجريمة المتصفة بالإرهابية أو الجريمة الإرهابية بطبيعتها، وهو باعث، "التخويف والترويع" على الجريمة، يبرز بهذا الضعف وبهذه الهشاشة، فبماذا يمكن أن نصف الجريمة الإرهابية بحكم القانون التي "ابتدعها" المشرع التونسي وضمنها بالفقرة الثالثة من الفصل 52 مكرر قديم وهي لا تتضمن هذا المعيار ولا تقوم عليه أصلا ! ؟( [93]) وتنص هذه الفقرة على أنّه "تعامل معاملة الجرائم المتصفة بإرهابية أعمال التحريض على الكراهية أو التعصب العنصري أو الديني مهما كانت الوسائل المستعملة"( [94]). والمتأمل في هذه الفصيلة من الجرائم الإرهابية، يعتقد بأنّ التشريع التونسي كان قد جزم مظاهر وأعمال التحريض على الكراهية أو التحريض على العصب الديني أو العنصري بمقتضى قوانين ردعية خاصة، ولكن حقيقة الأمر لا تعكس ذلك في الواقع. إذ أنّه لا توجد بالتشريع التونسي جرائم عامة تسمى التحريض على الكراهية أو التحريض على التعصب الديني، كما انّه لم تحدد لها عقوبات بصريح النص الجزائي، وغاية ما في الأمر أنّ المشرّع التونسي جرم بمقتضى أحكام متفرقة بين المجلة الجنائية والنصوص الاستثنائية بعض الأفعال التي قد تؤدي إلى نوع من التشابه مع مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 52 مكرر قديم، وتتمحور هذه الأفعال المجرمة حول مفهوم التحريض على التباغض بين الأجناس( [95]) وبعض الأفعال الأخرى التي تتعلق بالتعرض لمباشرة الأمور الدينية أو الاحتفالات الدينية( [96]). ورغم غياب كل العناصر والشروط والمعايير التي اعتمدها المشرّع في الفقرة الثانية من الفصل 52 مكرر قديم م.ج ليحدث ويقر مفهوما لجريمة متصفة بإرهابية (العنصر المادي أو الموضوعي الإطار التنظيمي العام وباعث أو غرض التخويف والترويع)، فإنّه اعتبر من منطلق المماثلة أو المطابقة أنّ أعمالا تحريضية للكراهية أو التعصب العنصري أو الديني تجسد أو تكون جرائم إرهابية، وذلك في غياب كل مظاهر استعمال العنف أو الاعتداء، وانتفاء الفعل الأساسي الذي يقوم عليه معنى الإرهاب وهو فعل التخويف والترويع، ولعل التبرير الذي قدمه وزير العدل السابق في محاولته تفسير هذا الغموض أو الاختلال يزيد الأمر تعقيدا وضبابية، ويعمق الشكوك نحو النوايا الحقيقية للمشرع في ابتداع هذه النوعية من الجرائم( [97])، وبالفعل، فلقد تعددت الإدانات والمحاكمات اعتمادا على هذه الفقرة الغامضة التي لا تحدد الأعمال المجرمة وتركت المجال مفتوحا للإدانة كلما اقتضت الحاجة، رغم أنّ العديد من هؤلاء المدانين بارتكاب جرائم إرهابية على معنى الفقرة الثالثة من الفصل 52 مكرر قديم م.ج اعتبروا أنفسهم يمارسون حقهم الطبيعي والقانوني في التعبير عن آرائهم وأفكارهم السياسية( [98]). ولا ندري كيف أمكن للقضاء الالتجاء إلى هذه الفقرة الغامضة من الفصل 52 مكرر قديم والإدانة بمقتضاها وعلى أساسها الهش رغم أنّ أغلب الفقهاء والدارسين والباحثين والأكادميين يعتقدون جازمين بأنّه غير قابل للتطبيق. ونعتقد بدورنا أنّ صياغة هذه الفقرة من هذا الفصل تغلب عليها الصبغة الفنية للمقررات أو الخطابات السياسية والدعائية وتبتعد عن الصياغة الصارمة للفصول القانونية، خصوصا في المادة الجزائية التي تستلزم الصياغة الدقيقة والواضحة والصارمة لنصوص التجريم وما يمكن أن تتضمنه من أركان وعناصر وأفعال، وما تستوجبه هذه الجرائم من عقوبات محددة، حتى لا تضيع الحقوق وتغيب العدالة ويختنق الرأي. وما يدعونا للاستغراب والدهشة أكثر من ذلك، وبرغم النقائص والشوائب التي اتسم بها الفصل 52 مكرر م.ج من حيث المفهوم والمضمون والصياغة، وما أفرزه ذلك من انتقادات ومطالبات بالتعديل، إنّ المشرّع احتفظ في القانون الجديد لمكافحة الإرهاب بنفس المفهوم والمضمون تقريبا مع تغييرات شكلية في الصياغة وفي توزيع الفقرات التي جسدت كل فقرة منها في فصل مستقل، ورغم بعض الإضافات البسيطة في مضمون الجريمة الإرهابية التي جاء بها قانون 10 ديسمبر 2003 فإنّ القانون التونسي الرادع للإرهاب أبقى على ذات الروح والمفهوم والمعاني التي حملها وتضمنها الفصل 52 مكرر م.ج الملف بمقتضى القانون الجديد. وما يدعونا للاستغراب والدهشة أكثر من ذلك، وبرغم النقائص والشوائب اتسم بها الفصل 52 مكرر م.ج من حيث المفهوم والمضمون والصياغة، وما أفرز ذلك من انتقادات ومطالبات بالتعديل، إنّ المشرّع احتفظ في القانون الجديد لمكافحة الإرهاب بنفس المفهوم والمضمون تقريبا مع تغييرات شكلية في الصياغة وفي توزيع الفقرات التي جسدت كل فقرة منها في فصل مستقل، ورغم بعض الإضافات البسيطة في مضمون الجريمة الإرهابية التي جاء بها قانون 10 ديسمبر 2003، فإنّ القانون التونسي الرادع للإرهاب أبقى على ذات الروح والمفهوم والمعاني التي حملها وتضمنها الفصل 52 مكرر م.ج الملف بمقتضى القانون الجديد.

ب – المرحلة الثانية: "الجرائم الإرهابية".
يعتبر إصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب في تونس استجابة للأحداث والمستجدات العالمية( [99]) وإبقاء بالتزامات وتعهّدات دولية، مختلف مصادرها وتتفاوت أهميتها وقوتها الإلزامية( [100])، وقد جاء في تقديم مشروع القانون المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال وشرح أسباب إصداره "أنّه تبعا لتطور نظم المجتمعات وتطلعها إلى الاستقرار ونبذ العنف والتطرف، أصبح العالم ينظر إلى الجريمة الإرهابية على أنّها أخطر تهديد للسلم الاجتماعي على المستويين الداخلي والخارجي، خصوصا مع ظهور شبكات إرهابية وتنظيمات إجرامية ذات بعد عالمي تمكنت من إقامة مسالك مالية غير مشروعة لغسل مواردها وتمويل أنشطتها الإجرامية مما استوجب تكافئ الجهود وتدعيم التعاون الدولي للتصدي لهذه الظاهرة. وقد أصدرت أغلب الدول تشريعات جديدة تعني الجرائم غسل الأموال ومكافحة الجريمة الإرهابية، تضمنت أساسا وضع نظام خاص فيما يتعلق بإجراءات تتبع هذه الجرائم والتحقيق فيها ومحاكمة مرتكبيها، إلى جانب سن عقوبات خاصة، تتميز بالصرامة والحزم. كما صدر هذا القانون في وقت نشطت فيه الجهود والمبادرات الدولية والإقليمية لتوثيق وتفعيل آليات التعاون السياسية والأمنية والقانونية والقضائية في مكافحة الإرهاب( [101]).