المرحلة الثالثة :
تحديد من هي الجهة القضائية المختصة.

هذه المرحلة تخص حل إشكالية تنازع الاختصاص القضائي. فكل دولة تحدد اختصاص محاكمها, ولذلك فقواعد تنازع الاختصاص القضائي هي قواعد أحادية الجانب.

إذا أخذنا مثال على ذلك, زيد من جنسية سعودية وزوجته ليلى متوطنة بسوريا.

فهنا نطرح التساؤل التالي لمعرفة ما هي الجهة القضائية المختصة بالنظر في النزاع, هل هوالقاضي السعودي أي المحكمة السعودية, طبقا لقواعد الاختصاص القضائي السعودية,أم القاضي السوري أي المحكمة السورية بحكم قواعد الاختصاص القضائي السورية ؟؟

لا يمكن بأية حال من الأحوال أن يكون اختصاص المحكمة السعودية مؤسسا على القواعد السورية للاختصاص او المتعلقة بالاختصاص القضائي الدولي .

إن التأكيد على ما يتعلق بقواعد الاختصاص القضائي بكونها قواعد أحادية الجانب, تكون في هذه المرحلة واضحة المعالم، وهذا طبقا لمعايير داخلية جددها المشرع الوطني.

لكن القواعد التي يكون مصدرها اتفاقية دولية, تقضي بتخطي مسالة السيادة الوطنية التي تتمتع بها الدولة لإعمال وتطبيق قواعد أو نصوص الاتفاقية او المعاهدة لأنها في الواقع قواعد ثنائية لا أحادية الجانب أي تطبيقها مستند إلى رغبة وإرادة الدولتان أو الدول الموقعة على هذه الاتفاقية .

لذلك فالقواعد الموضوعة من طرف المشرع الوطني لمعرفة هل القاضي السعودي مختص بالنظر في النزاع الذي تتضمنه القضية, نرجع إلى القواعد التي وضعها والتي تحدد الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم السعودية. (المواد من 24 إلى 30 من نظام المرافعات الشرعية السعودي).

تنبيه :
قبل الأخذ بالقواعد الموضوعة من طرف النظام السعودي والمتعلقة بتحديد اختصاص المحاكم السعودية بالنظر في المنازعات ذات العنصر الأجنبي, يعد لازما البحث عن ما إذا كانت هناك اتفاقية دولية متضمنة لقواعد الاختصاص القضائي الدولي والتي تكون السعودية قد وقعت وصادقت عليها كما هو الحال بالنسبة للاتفاقية العربية للتعاون القضائي في إطار جامعة الدول العربية.

ملاحظة هامة:
إذا كانت الدولة قد وقعت وصادقت على اتفاقية دولية في مجال معين كالتعاون القضائي الموحدة لقواعد الاختصاص القضائي الدولي, وتعترف بأولوية وأسبقية الاتفاقية على القوانين الداخلية ( انظر موضوع تعارض الاتفاقية مع تشريع سابق وتعارض الاتفاقية مع تشريع لاحق المفصل في موضوع المصادر الدولية للقانون الدولي الخاص),
فانه يتوجب علينا مراعاة الترتيب التالي :

أ – هل يوجد قاعدة دولية او اتفاقية تستوجب التطبيق الفوري او المباشر(القواعد المباشرة) ؟

يجب دائما البحث في هذه الحالة ما إذا كانت هناك اتفاقية دولية تتضمن قواعد مباشرة تحل إشكالية تنازع الاختصاص القضائي للاستناد إليها وتطبيقها في النزاع او الإشكال المطروح.

يجب كذلك التأكد من تاريخ الاتفاقية وهذا لمعرفة ما إذا كانت الاتفاقية سابقة او لاحقة لرفع الدعوى, أي معرفة من خلال وقائع القضية تاريخ رفع الدعوى وبالتالي تحديد ما إذا كان سابقا او لاحقا لتاريخ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ .

ففي حالة رفع الدعوى قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ, فلا مجال للجوء إلى إعمال و تطبيق نصوص الاتفاقية خاصة في حالة نصها صراحة بعدم تطبيقها بأثر رجعي .

أما إذا كان تاريخ رفع الدعوى لاحقا لتاريخ الاتفاقية, فهنا يستوجب علينا اللجوء إلى نصوص الاتفاقية لتطبيقها اعتبارا لقوة نفاذها وأسبقيتها على القوانين الداخلية.

والجدير بالذكر, لابد من مراعاة شروط تطبيق نصوص او قواعد الاتفاقية ومدى ارتباط الدعوى بهذه الشروط : موطن المدعى عليه, جنسية المدعى عليه, محل نشأة وتنفيذ الالتزام, محل وقوع الفعل الضار,...الخ .

ب – قواعد القانون الداخلي: في غياب اتفاقية دولية, نستند إلى قواعد تنازع الاختصاص الموضوعة من طرف المشرع الوطني لتطبيقها ولمعرفة الجهة القضائية المختصة بالنظر في النزاع المطروح.

وفي الأخير, ننوه بان الإجراءات القضائية تخضع لقانون دولة القاضي المرفوع أمامه الدعوى.

المرحلة الرابعة:
معرفة القانون الواجب التطبيق.

ينبغي هنا حل إشكالية تنازع القوانين, أي بعد تحديد القاضي المختص بالنظر في النزاع, يتوقف علينا معرفة القانون الواجب تطبيقه على الدعوى المعروضة.

مما لاشك فيه, إن القاضي في هذه الحالة يلجا إلى قواعده الإسنادية أي قواعد تنازع القوانين في مجال القانون الدولي الخاص.

ويستلزم على القاضي إتباع الخطوات المشروحة أنفا الخاصة بتطبيق قواعد تنازع الاختصاص القضائي الدولي .

أما فيما يخص التساؤل حول ما إذا كان القاضي سيطبق قاعدة تنازع القوانين المنصوص عليها في قانونه الداخلي والتي تعتبر قواعد غير مباشرة أي لا تفصل في النزاع مباشرة بل تحدد القانون الواجب التطبيق على موضوع الدعوى, سواء أكان القانون الوطني او القانون الأجنبي التي تشير إليه قاعدة الإسناد .

ملاحظة هامة:
على خلاف ما رأينا سابقا فيما يخص قواعد تنازع الاختصاص القضائي التي نظمها ضمن نظام المرافعات الشرعية, فإن النظام القانوني السعودي يخلو من قواعد تنازع القوانين.

وعليه إذا ثبت اختصاص المحاكم السعودية بالنظر في الدعاوى المرفوعة إليها, فان القاضي السعودي يطبق مباشرة النظام السعودي .




المرحلة الخامسة :
تطبيق الحكم الصادر عن المحكمة و إجراءات تطبيقه .

بعد معرفة الجهة القضائية المختصة بالنظر في النزاع المعروض, معرفة القانون الواجب التطبيق على الدعوى المعروضة وصدور الحكم فيه مما يستدعي ذلك معرفة ماهي إجراءات او كيفية تطبيقه.

مثلا لو صدر حكم قضائي من المحكمة الأردنية ونود تطبيقه في المملكة السعودية, هل سيكون له تنفيذ مباشر في المملكة أم هل سيشترط أن يكون هذا الحكم مستوفيا لشروط حددها المشرع السعودي؟

مما لاشك فيه أن المملكة, كباقي دول العالم, تتمتع بالسيادة ونظام قانوني مستقل يستجيب لخصوصيات ومميزات المجتمع السعودي.

و لهذا, فان الحكم الصادر عن جهة قضائية أجنبية تابعة لدولة أجنبية, سوف لن يكون تنفيذه في السعودية بالسهولة التي يمكن أن نتصورها او قياسا للأحكام الصادرة عن مختلف الجهات القضائية الداخلية في الدولة, بل لابد من استيفاء هذا الحكم لعدة شروط حددها المشرع السعودي.

وبما أن المملكة وقعت وصادقت على الاتفاقية العربية للتعاون القضائي في سنة 2000 م, التي ألغت اتفاقية تنفيذ الأحكام الأجنبية المبرمة سنة 1952 م, فلقد حددت شروطا نوجزها فيما يلي:

1 – أن يكون الحكم صادرا من محاكم دولة طرف في الاتفاقية, أو صادرا من جهة إدارية او دينية منحها القانون المحلي اختصاصا بإصدار أحكام او قرارات قضائية.

2 – ثبوت الاختصاص للمحكمة التي أصدرت الحكم أي ثبوت اختصاصها طبقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المعتمدة في دولة التنفيذ, أو أن الاختصاص منعقد لها وفقا للشروط الواردة في الاتفاقية العربية الموحدة.

3 – التأكد من سلامة الإجراءات وكفالة حق المحكوم عليه.

4 – التأكد من أن الحكم حاز حجية الأمر المقضي به أي أصبح نهائيا وكونه قد استنفذ جميع طرق الطعن العادية وغير العادية في الدولة المصدرة للحكم القضائي, أن لا يكون هناك أيضا حكم سابق حائز لقوة الأمر المقضي به في نفس النزاع, وفي الأخير أن لا تكون القضية نفسها منظورة أمام إحدى محاكم الدولة المطلوب منها التنفيذ.

5 – أن لا يكون مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية.

ففي حالة استيفاء الحكم الصادر عن المحكمة الأردنية لهذه الشروط, فانه يكون في هذه الحالة قابلا للتنفيذ في المملكة العربية السعودية.