أولاً: الشرعية الدولية بين القانون والسياسة

ثانيًا: الشرعية الدولية والنظام العالمي

ثالثًا: الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن



الشرعية الدولية بين القانون والسياسة

والمصطلح لا يتبدل مقصوده بكثرة استخدامه في غير موضعه، فمصطلح الشرعية الدولية وسواها من مصطلحات القانون الدولي- قد وُضِع ليسري على مدى أجيال وحقب زمنية متوالية، وأوضاع متشابهة ومختلفة، وأحداث وتطورات جارية، دون أن يفقد مغزاه، ولا أن تُمَيَّع معالمه.

وليس لأي طرف من الأطراف الدولية بمفرده أو في إطار مجموعة دولية ينتسب إليها وينتظم فيها، أن يكون هو وما يصنع ويرى "مرجعًا" للشرعية الدولية ومفهومها، بحيث تتبدل مقتضياتها في "عصره وعالمه" بما يوافقه، العكس هو الصحيح، فالشرعية الدولية هي المرجعية للحكم على سائر الأطراف الدولية وتصرفاتها، وعند الانطلاق من مفهومها المحدد بأسلوب علمي منهجي يمكن أن نقول بمنظور الشرعية الدولية: إن ما صنع هذا الطرف القوي أو هذا الطرف الضعيف على الساحة الدولية، متفق مع الشرعية الدولية، أو مخالف لها ينبغي تقويمه، أو باطل لا يعتدّ به، حتى وإن استمر وجوده وكان "واقعًا قائمًا" وتم التعامل معه إمّا مقاومة أو خضوعًا، وهو بعد أن يسقط بطريق ما يكون وضع لاغٍ قد انتهى أمره فيتم التخلص من سائر نتائجه الباطلة.

جوهر "الشرعية الدولية" باق على حاله، ولا يسمح بتبدل المفهوم إلى درجة تجعل الحق بالأمس باطلاً اليوم، أو الباطل بالأمس حقًّا اليوم!.

يمكن العودة إلى الكتب الأساسية المعتمدة في معاهد العلوم السياسية والقانون الدولي، فنجد فيها على صعيد تعريف القانون الدولي - مصدر الشرعية الدولية - مدرستين متكاملتين:

الأولى تركز على أن القانون الدولي هو ما استقر من قيم ومبادئ وقواعد أساسية وحقوق إنسانية متعارف عليها عبر التجارب الماضية وتمَّ تثبيتها في مواثيق دولية ملزمة، وهذا ما يوصف بالقانون الدولي العام، أو القيم والمبادئ الدولية الأساسية، مثل عدم مشـروعية اغتصاب الأراضي بالقوة، وحق تقرير المصير، وسنستخدم فيما سيلي كلمة "الأسس" تعبيراً عنها.

وتركز المدرسة الثانية على مجموعة المواثيق والمعاهدات والاتفاقات وقرارات المنظمات الدولية، مما ينبثق جميعه عن القانون الدولي العام، أو ينبغي أن ينبثق عنه وأن يلتزم بالأسس المقررة فيه، وهذا ما يوصف بالقانون الدولي التطبيقي، وسنستخدم في التعبير عنه كلمة "التطبيقات".

لم يكن العلماء المتخصصون يرون تناقضًا بين الأسس والتطبيقات، ولكن كانت نظرتهم "مثالية" لفترة من الزمن امتدت إلى السبعينيات الميلادية من القرن التاسع عشر تقريبًا، وإليها تستند الأحكام التي ترد في دراساتهم وبحوثهم عندما يقولون عن إجراء أو اتفاق دولي إنه يتناقض مع الشرعية الدولية. ويقومون بذلك على الصعيد العالمي بدور "المحكمة الدستورية العليا" في الدولة، مع فارق لا يستهان به، وهو أن أحكامهم لا تلزم أحدًا، ولا يأخذها بعين الاعتبار أحد. وبدلاً من أن تتحول تلك الأحكام والدراسات المنهجية التي تقوم عليها، إلى ضغوط معنوية وأدبية على صانعي القرار، بدأت الساحة العلمية نفسها تتأثر بالواقع القائم، وتحاول بالتالي إيجاد حلول توفيقية بين الشرعية الدولية القائمة على الأسس، وبين الواقع الدولي القائم على التطبيقات.