وعلى سبيل المثال، المعاهدة بين طرفين، إذا لم تتضمن بندًا يضمن إمكانية انتهاء مفعولها يومًا ما عند الحاجة أو الضرورة، مثل تحديدها بفترة زمنية معينة، أو تثبيت حق أحد الطرفين بنقضها إن صنع الطرف الآخر ما يوجب ذلك، مثل هذه المعاهدة يقرر القانون الدولي اعتبارها لاغية باطلة، وهذا شأن معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية على سبيل المثال، ويوجد في الوقت الحاضر عدد ضخم من مثل هذه المعاهدات، أو ما ثبت أنه جرى بأسلوب إملاء الطرف القوي على الطرف الضعيف، أو ما تفاوض حوله ووقع عليه طرف أو أكثر لا يمثل الجهة التي يتحدث باسمها، مثل حاكم غير منتخب انتخابًا شرعيًّا نزيهًا في إحدى الدول، أو مجموعة دول تقرر بشأن أرض أو وضع لا يدخل في نطاق سيادة الدول الأعضاء فيها.

أنصار القانون الدولي التطبيقي يرون أنه لا بد من التعامل مع المعاهدات والاتفاقات القائمة وإن كانت مخالفة لبعض أسس الشرعية الدولية، فهم لا يسقطون عنها هذه الصفة، ولكن ينظرون في نتائجها، فيفصلون بما لا يتسع المجال لسرده، ويمكن القول: إنه يدور حول محور رئيسي وهو ما يمكن أن يسببه إلغاء معاهدة قائمة، بعد تطبيق محتواها فترة من الزمن، وتأثير ذلك على عناصر القانون الدولي، سواء الدول ذات السيادة أم الشعوب، تأثيرا يولِّد أضرارًا بالجهات المعنية، تتجاوز إلغاء المعاهدة نفسها، وفي هذا الإطار يدخل - على سبيل المثال - مبدأ التعامل بالتعويضات عند استحالة إعادة الأمور إلى نصابها.

الشاهد فيما سبق هو أن المشروعية الدولية - بغض النظر عن التطورات التطبيقية - صفة لا تزول عن وضع من الأوضاع عن طريق معاهدة ما، أو وضع جديد يوصف بأنه يتناقض مع الشرعية الدولية، أي مع الأسس المقررة في القانون الدولي العام، ولا يغير من ذلك الاضطرار إلى التعامل مع التطبيقات الباطلة القائمة على أرض الواقع.

بهذا المنطق تعاملت الدول الغربية – مثلاً - مع الاحتـلال السـوفييتي لدول البلطيق، فلم تعترف بمشروعية هذا الاحتلال، ولكن تعاملت لأكثر من خمسين سنة مع ما نجم عنه من تمثيل تلك البلدان عن طريق الحكومـة السـوفييتية في موسكو، كذلك فبهذا المنطلق تعاملت الدولتان الألمانيتان وتفاوضتا وعقدتا المعاهدات في أواخر حقبة الحرب الباردة، دون أن تعترف ألمانيا الغربية قط بالمشروعية الدولية لوجود ألمانيا الشرقية كدولة إلى أن اتحدتا مرة أخرى. ونعلم كمثال أخير أن اليابان رغم هزيمتها العسكرية لم تعترف قط باحتلال الروس لبعض الجزر الشمالية منها حتى الآن. كذلك على صعيد الدول الأصغر توجد أمثلة عديدة مثل تعامل الأرجنتين مع جزر فولكلاند والسيطرة البريطانية عليها سيطرة استعمارية، فلم تعترف بمشروعية تلك السيطرة رغم اضطرارها إلى التعامل مع الأمر الواقع الناجم عن عجزها عن تحرير تلك الجزر بالقوة العسكرية.

إن مفهوم الشرعية الدولية مفهوم ثابت عند علماء القانون الدولي، ومعروف للقوى الدولية، وهو موضع تعاملها مع الأحداث والتطورات الجارية بأسلوب انتقائي، فهي - اعتمادًا على قوتها وهيمنتها - تعود إلى الحديث عن المشروعية الدولية بمفهوم القانون الدولي العام، عندما يكون الأمر محققًا لتصوراتها ومصالحها وأطماعها، فإذا انعكس الوضع لا تتجاوز في استخدامها لتعبير الشرعية الدولية أن تفصله تمامًا على تلك التصورات والمصالح والأطماع، وإن خالفته ولجأت إلى قرارات "الهيئة التنفيذية" للقانون الدولي، أي مجلس الأمن الدولي الذي تهيمن عليه، أو لجأت إلى منطق القوة بصورة مباشرة.

ولئن كان تجاوزها للشرعية الدولية على هذا النحو منتظرًا في ظل منطق القوة الباطلة، فكيف نتجاوز في تعاملنا مع قضايانا - كقضية فلسطين - مفهوم الشرعية الدولية بأسلوب التزييف، فالتوظيف فيما لا يحقق لنا هدفًا مشروعًا، بدلاً من الحديث عن مشروع السلام من كامب ديفيد إلى أوسلو وما بعدها بلغة أخرى، ولتكن مثلاً: هو السلام الاضطراري رغم تناقضه مع الشرعية الدولية؟