وَجْهٌ مَلائِكِيٌّ




لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَتَجَسَّدَ حُلْمِي الْقَدِيمُ ،
وَأَرَى وَجْهَهَا الْمَلائِكِيَّ الْمُشْرِقَ مُتَلأْلِئًا فِي
سَمَاوَاتِي ، مُضِيئًا أَرْجَاءَ رُوحِي كَقُرْصِ
الشَّمْسِ فِي صَبَاحٍ شِتَائِيٍّ ، وَقَدْ حَجَبَتْهُ
سَحَابَةٌ مُمْطِرَةٌ ، ثُمَّ انْجَلَتْ عَنْهُ بَازِغًا ،
وَقَدْ أَرْسَلَ لِلنَّخِيلِ الْحَزِينِ الدِّفْءَ فِي
سَكِينَةٍ 0

لا أَتَذَكَّرُ الْمَرَّةَ الأُولَى الَّتِي سَكَنَتْ مَلامِحُهَا الْبَرِيئَةُ ذَاكِرَتِي ، ثُمَّ اسْتَقَرَّتْ فِي سَلامٍ 0
000000
000000
000000
وَأَنَا فِي الرَّابِعَةِ مِنْ عُمْرِي نَادَتْنِي حَانِيَةً ، وَدَخَلَتْ حُقُولَ الْقَمْحِ 000
أَسْرَعْتُ نَحْوَهَا مَأْخُوذًا 000
أَخَذَتْنِي بَيْنَ أَحْضَانِهَا ، وَقَرَأَتْ بَيْنَ عَيْنَيَّ :
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ } ، { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا } ،
{ فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى } 000

000000
000000
000000
عَالِقًا بَيْنَ أَعْوَادِ الْقَمْحِ ، أَتَسَمَّعُ نَقِيقَ الضَّفَادِعِ ، وَصُرَاخَ أُمِّي ، وَاسْتِغَاثَةَ أَبِي مُتَمْتِمًا :
{ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى
مَعَادٍ } 0

الْهَمْهَمَاتُ تَتَزَايَدُ ، وَأَهْلُ الْقَرْيَةِ يَتَدَفَّقُونَ عَلَى
شَاطِئِ التُّرْعَةِ بَحْثًا عَنْ الْغَرِيقِ الْمُحْتَمَلِ ،
لَكِنَّنِي لَمْ أَرَ إِلا وَجْهَهَا ، وَذَلِكَ الْبَدْرَ الْمُضِيءَ فِي السَّمَاءِ 0

أَخَذَتْنِي بَيْنَ عَيْنَيْهَا الْعَسَلِيَّتَيْنِ ، وَأَدْخَلَتْنِي مَدِينَةَ النُّحَاسِ حَيْثُ تَقْبَعُ فِي مَدْخَلِهَا الشَّرْقِيِّ مَسَلَّةُ
دَاوُدَ000
دَخَلْتُ خَلْفَهَا مُدُنَ الرُّخَامِ حَيْثُ مَرْقَدُ
سُلَيْمَانَ 000

طَرَقَتْ بَابَ الأَرْوَاحِ 000
أَدْخَلَتْنِي وَانْتَظَرَتْ خَارِجًا 000
كَانَ جَدِّي إِبْرَاهِيمُ عَلَى رَأْسِ الْمَائِدَةِ ، يَجْلِسُ مُوسَى وَعِيسَى وَلُوطٌ وَنُوحٌ حَوْلَهَا 000
جَلَسْتُ فِي الْمِقْعَدِ الْخَالِي 000
أَعْطَانِي جَدِّي وَرَقًا مُزْدَحِمًا بِاللَّوْنِ
الأَخْضَرِ 000

لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ غَيْرُ وَجْهِهَا الرَّقِيقِ ، وَنَخْلَةٍ فِي صَحْرَاءِ الرُّوحِ بَاكِيَةٍ 0
فِي الصَّبَاحِ قَبَّلَتْنِي مُوَدِّعَةً 0
وَأَمَامَ دَهْشَةِ الْجَمِيعِ ـ مُبْتَسِمًا ـ كُنْتُ خَارِجًا مِنْ حُقُولِ الْيَاسَمِينِ 000
لَمْ تُفَارِقْنِي مَلامِحُ وَجْهِهَا النَّقِيِّ كَمَوْجَةٍ فِي عُمْقِ الْمُحِيطِ بَاحَتْ بِالْخُلُودِ 0
000000
000000
000000
أَرْبَعُونَ عَامًا مَضَتْ ، وَأَنَا فِي صَحَارِي الرُّوحِ أُفَتِّشُ عَنْ بَقَايَا الْحُلْمِ فِي دَمِي 000
أَرْبَعُونَ عَامًا مَضَتْ ، وَأَنَا رَاكِبٌ جَوَادِي فِي انْتِظَارِ قُدُومِهَا 000
000000
000000
000000
دُقَّ الْبَابُ 000

كَشَجَرَةِ بُرْتُقَالٍ مَغْرُوسَةٍ فِي حَقْلِنَا الْقَدِيمِ ـ
ابْتَسَمَتْ 000

تَقَدَّمَتْ نَحْوِي 000
مَسَحَتْ عَلَى كَتِفِيَّ 000
اهْتَزَّتْ أَعْوَادُ الْقَمْحِ ،
وَتَلأَلأَ الْقَمَرُ فَوْقَ التُّرْعَةِ الْمُنْسَابَةِ تَرْوِي حُقُولَ الْقَرْيَةِ الظَّمْأَى 000
كَعُصْفُورٍ ضَلَّ الطَّرِيقَ إِلَى عُشِّهِ ثُمَّ اهْتَدَى ـ أَلْقَيْتُ بِوَجْهِي فَوْقَ صَدْرِهَا 000
غَطَّتْنِي بِشَعْرِهَا الْمُسْتَرْسِلِ كَجَدْوَلٍ شَقَّ طَرِيقَهُ بَيْنَ حُقُولِ اللَّيْمُونِ 000
بَيْنَ عَيْنَيْهَا السَّاحِرَتَيْنِ تَبَدَّتْ ـ سَافِرَةً ـ مُدُنُ الأَرْوَاحِ 000
أَخْرَجَتْ بَعْضَ أَوْرَاقِي الْقَدِيمَةِ 000
تَجَلَّتْ رُوحُهَا كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ 000
أَتَهَجَّى حُرُوفَ اللَّوْحَةِ 000
أَتَنَقَّلُ بَيْنَ الأَوْجَاعِ 000
مُحْتَضِنًا وَجْهَهَا الْمَلائِكِيَّ الْبَرِيءَ 0