عِنْدَمَا لا تَحْتَاجُ الْمَلِكَةُ تَلْقِيحًا يَأْتِي إِبْرَاهِيمُ


فِي الطَّرِيقِ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ يَحُثُّ إِبْرَاهِيمُ الْخُطَى ، مُتَجَاوِزًا ذَاتَهُ الْمُتْعَبَةَ ، يُرِيدُ أَنْ يَتَنَاسَى آلامَ الْبَارِحَةِ ، وَهُوَ يَمْسَحُ السَّيَّارَاتِ طََوَالَ اللَّيْلِ أَمَامَ الاسْتِرَاحَةِ الْمُتَلأْلِئَةِ عَلَى الطَّرِيقِ الزِّرَاعِيِّ تُحِيطُهَا أَشْجَارُ التُّوتِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ، يَصْعَدُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَصْحَابِ السَّيَّارَاتِ الْمُنْتَفِخِينَ كَحَقِيبَةِ طِفْلٍ فِي الْمَدْرَسَةِ تَسْتَوْعِبُ آلافَ الأَشْيَاءِ 000
ـ قُلْتُ لَكَ أَلْفَ مَرَّةٍ : إِنَّكَ لَسْتَ شَيْخًا فِي الْمَسْجِدِ 000 تَمْسَحُ السَّيَّارَاتِ ، وَحَبَّاتُ التُّوتِ لا تَنْظُرُ إِلَى أَشْجَارِهَا الدَّافِئَةِ 000
لا تَشْغَلْ بَالَكَ بِمَا لا يَعْنِيكَ !!
ـ إِنْ شَاءَ اللهُ 0
فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَخْرُجُ صَاحِبُ السَّيَّارَةِ حَامِلاً بَيْنَ يَدَيْهِ غُصْنًا مُمْتَلِئًا بِالتُّوتِ الأَحْمَرِ اللَّذِيذِ 000
وَقَبْلَ أَنْ يَدُسَّ فِي جَيْبِهِ جُنَيْهًا أَوْ جُنَيْهَيْنِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُعِيدَ مَسْحَهَا ثَانِيَةً 000
ـ اتَّقِ اللهَ فِي عَمَلِكَ 000 مَا زِلْتَ شَابًّا 000 مَاذَا تَفْعَلُ عِنْدَمَا تُصْبِحُ فِي السِّتِّينَ مِثْلِي ؟
إِنَّهَا لا تَلْمَعُ جَيِّدًا 000 أَعِدْ مَسْحَهَا بِضَمِيرٍ يَا رَجُلُ !!
يَبْتَسِمُ فِي مَرَارَةٍ ، وَيَبْدَأُ ـ مِنْ جَدِيدٍ ـ إِعَادَةَ تَنْظِيفِهَا0 000000
000000
000000
000000
يَعُودُ مَعَ الْفَجْرِ ، لِيَتَنَاوَلَ لُقْمَةً سَرِيعَةً مَعَ أُمِّهِ الْعَجُوزِ ، وَأَخَوَاتِهِ الصَّغِيرَاتِ 000
ـ بَعْضُ حَبَّاتِ التُّوتِ أَخْفَيْتُهَا لَكَ يَا أُسْتَاذُ 0
يَضْرِبُ مُنْفَعِلاً طَبَقَ التُّوتِ 000
يَتَمَاسَكُ فِي وَجَعٍ 000
ـ يَا مَرْيَمُ إِلا حَبَّاتِ التُّوتِ 000
ـ لِمَاذَا يَا أُسْتَاذُ ؟
ـ حَبَّاتُ التُّوتِ تَزِيدُ جُوعَكِ دَائِمًا ، لا تَقْرَبِي أَشْجَارَهَا أَبَدًا ، وَإِنْ جُعْتِ فَاصْبِرِي عَلَى الْجُوعِ أَفْضَلُ لَكِ ، الْحُرَّةُ لا تَأْكُلُ مِنْ حَبَّاتِ التُّوتِ يَا مَرْيَمُ 000 هَلْ تَفْهَمِينَ ؟
ـ لا أَفْهَمُ يَا أُسْتَاذُ !!
ـ غَدًا تَفْهَمِينَ إِنْ شَاءَ اللهُ 0
ـ أَكْمِلْ إِفْطَارَكَ يَا وَلَدِي 000 أَنْتَ تَتْعَبُ كَثِيرًا مِنْ أَجْلِنَا 000
ـ لُقَيْمَاتٌ بِالْفُولِ وَالزَّيْتِ الْحَارِّ تَكْفِي
يَا أُمِّي 000

ـ اللهُ مَعَكَ يَا وَلَدِي 0
000000
000000
000000
لَمْ يَبْقَ غَيْرُ خَمْسِ دَقَائِقَ ، وَيُدَقُّ الْجَرَسُ 000
يُسْرِعُ مُتَجَاهِلاً تَحِيَّةَ الْمَارِّينَ الْمَدْهُوشِينَ مِنْ
شُرُودِهِ 000

ـ صَبَاحُ الْخَيْرِ يَا أُسْتَاذُ
ـ صَبَاحُ الْخَيْرِ
ـ لِتَكُنْ مُهْتَمًّا بِالأَوْلادِ يَا أُسْتَاذُ
ـ إِنْ شَاءَ اللهُ 0
ـ قَلَّتْ دَرَجَاتُ الْوَلَدِ فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي 000
نُرِيدُ دَرَجَاتٍ أَعْلَى 0

ـ إِنْ شَاءَ اللهُ 0
ـ اضْرِبْهُمْ يَا أُسْتَاذُ ، وَلا تَخَفْ !! كَسِّرْ ضُلُوعَهُمْ !!
ـ إِنْ شَاءَ اللهُ 0
يَصِلُ إِلَى بَوَّابَةِ الدُّخُولِ فِي اللَّحْظَةِ
الأَخِيرَةِ 000

يُحَيِّي نَاظِرَ الْمَدْرَسَةِ الَّذِي يَسْتَغْرِقُ شَارِدًا فِي كَيْفِيَّةِ تَجْهِيزِ الْبِنْتِ الْمَخْطُوبَةِ مِنْ خَمْسِ سِنِينَ حَتَّى ذَبُلَتْ وَرْدَتُهَا ، وَجَفَّ عُودُ الْيَاسَمِينِ 0
كَذَكَرِ النَّحْلِ فِي خَلِيَّةٍ يَتَنَقَّلُ إِبْرَاهِيمُ مِنْ فَصْلٍ إِلَى فَصْلٍ ، وَهُوَ يُدْرِكُ أَنَّ الْمَلِكَةَ ـ وَحْدَهَا ـ تَحْيَا ، وَتَمُوتُ الذُّكُورُ جَمِيعُهَا فِي مَوْسِمِ
التَّلْقِيحِ 000

ـ صَبَاحُ الْخَيْرِ يَا إِبْرَاهِيمُ
ـ صَبَاحُ الْخَيْرِ يَا سُعَادُ
ـ كَيْفَ حَالُكَ ؟
ـ لا بَأْسَ ، مَا زِلْتُ أَعِيشُ 000
ـ لِمَاذَا لَمْ تَأْتِ الْبَارِحَةَ إِلَى الْمَنْزِلِ لِتُقَابِلَ
أَخِي ؟

ـ الْيَوْمَ يَا سُعَادُ 000
ـ مُؤَكَّدٌ ؟ لا تَنْسَ كَالْعَادَةِ !!
ـ إِنْ شَاءَ اللهُ 0
لَنْ أَنْسَى ، سَوْفَ أَجِئُ 0000
كَبِنْتِ النَّاظِرِ صَارَتْ سُعَادُ الْجَمِيلَةُ ذَابِلَةً تَجِفُّ
فِي انْتِظَارِ لَحْظَةِ أَنْ يَأْتِيَ إِبْرَاهِيمُ لِيَرْوِيَ شَجَرَتَهَا الظَّمْأَى 000

ـ فَصْلُكَ فِي الدَّوْرِ السَّابِعِ يَا أُسْتَاذُ 0
ـ يَا اللهُ 000 مَا زَالَ الدَّوْرُ بَعِيدًا ، وَالطَّرِيقُ طَوِيلاً لا يَنْتَهِي 000
ـ هِيهِ يَا أُسْتَاذُ 000 أَيْنَ النَّشَاطُ يَا شَبَابَ
الْيَوْمِ ؟000

نَحْنُ عِنْدَمَا كُنَّا فِي مِثْلِ سِنِّكَ 000
ـ أَعْرِفُ أَعْرِفُ 000 تَعِبْتُ وَاللهِ 000 أَصْبَحْتُ لا أَنَامُ سِوَى سَاعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَأَظَلُّ مُعَلَّقًا طَوَالَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، كَثَوْرٍ فِي سَاقِيَةٍ ، يَضْرِبُهُ الفَّلاحُ الْغَشِيمُ بِالسِّيَاطِ دُونَ رَحْمَةٍ 000
ـ اللهُ مَعَكَ 0
ـ سُكُوتٌ يَا أَوْلادُ 000
دَرْسُنَا الْيَوْمَ عَنْ أَنْظِمَةِ الْحُكْمِ الرَّشِيدَةِ ، وَوُجُوبِ الطَّاعَةِ لِلسُّلْطَانِ 000
ـ شَرَحْنَاهُ يَا أُسْتَاذُ فِي الْحِصَّةِ السَّابِقَةِ 0
ـ لا بَأْسَ نُعِيدُهُ ثَانِيَةً حَتَّى يَفْهَمَ الْحِمَارُ النَّائِمُ فِي أَوَّلِ الصَّفِّ ، وَيُفِيقَ الْجَحْشُ الْخَائِفُ خَلْفَ الصُّفُوفِ 000
000000
000000
000000
فِي الطَّرِيقِ مِنَ الْمَدْرَسَةِ إِلَى الْبَيْتِ ـ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ ، مُنْهَكًا جَائِعًا 000
يَزْدَادُ الدُّوَارُ ، فَلا يَسْتَطِيعُ مُقَاوَمَةَ صُدَاعِ
الرَّأْسِ ، كَعَرَبَةِ أُجْرَةٍ عَتِيقَةٍ تَتَنَقَّلُ دُونَ تَوَقُّفٍ بَيْنَ الْكُفُورِ عَلَى طَرِيقٍ تُرَابِيٍّ ضَيِّقٍ بَيْنَ
الْحُقُولِ 0

يُلْقِي بِجَسَدِهِ الثَّقِيلِ فَوْقَ كُرْسِيٍّ قَدِيمٍ مُمَدِّدًا سَاقَيْهِ فِي مَاءٍ دَافِئٍ مَخْلُوطٍ بِالْمِلْحِ 0
ـ عَاوِدِي ثَانِيَةً يَا مَرْيَمُ الْجَمِيلَةُ ضَاغِطَةً عَلَى كَعْبَيَّ !!
ـ حَاضِرٌ يَا أُسْتَاذُ
ـ آهِ 000 مُمْتَازٌ يَا مَرْيَمُ 000
ـ كُنْتُ أَتَسَاءَلُ يَا أَخِي 000
مَتَى يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَدَّمَ لِي أَحْمَدُ ؟
صِرْتُ فِي الثَّلاثِينَ ، وَأَخْشَى أَنْ يَمُرَّ الْقِطَارُ وَلا يَتَوَقَّفَ أَمَامَ بَيْتِنَا 0
ـ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ الله
ـ يَا وَلَدِي ، الْيَوْمُ أَوَّلُ يَوْمٍ فِي الشَّهْرِ ،
وَفَوَاتَيرُ الْمَاءِ وَالْكَهْرُبَاءِ وَالْهَاتِفِ ، وَأُجْرَةُ الْمَنْزِلِ ، وَمَصَارِيفُ الأَطْفَالِ ، وَالدُّرُوسُ ، وَالدَّوَاءُ ، وَ000

ـ حَاضِرٌ حَاضِرٌ حَاضِرٌ 000 فِي جَيْبِ قَمِيصِي الأَسْوَدِ مِائَتَا جُنَيْهٍ يَا أُمِّي 0
ـ وَهَلْ تَكْفِي يَا وَلَدِي ؟
ـ فِي اللَّيْلِ رُبَّمَا يَكُونُ فِي جَيْبِ قَمِيصِي
مِثْلُهَا 000

ـ اللهُ مَعَكَ 0
ـ يَبْتَلِعُ ـ فِي صُعُوبَةٍ ـ لُقَيْمَاتٍ مَغْمُوسَةً فِي الْجُبْنِ الْبَيْتِيِّ الْمَالِحِ ، نَاهِضًا ، حَامِلاً تَعَبَ النَّهَارِ فَوْقَ ظَهْرِهِ ، وَأَوْجَاعَ رُوحِهِ الْحَزِينَةِ فَوْقَ الرَّأْسِ ، مُسْرِعًا نَحْوَ الطَّرِيقِ 000
ـ يَا وَلَدِي تَرْكَبُ حَتَّى الاسْتِرَاحَةِ 000
لا تَمْشِ كَالْعَادَةِ ، فَأَنْتَ مُتْعَبٌ هَذَا الْيَوْمَ 000

ـ إِنْ شَاءَ اللهُ 0
كَطَاحُونَةِ الدَّقِيقِ يَدُقُّ رَأْسُهُ السَّاخِنُ كَخُيُولٍ تَكِرُّ جَامِحَةً نَحْوَ حُقُولِ الْبِرْسِيمِ 000
لا يَلْتَفِتُ 000
تَتَزَايَدُ نَبَضَاتُ الْقَلْبِ كَذَبِيحٍ يُحَاوِلُ أَنْ يَسْتَعِيدَ بَقَايَا الرُّوحِ مُغَادِرَةً جَسَدَهُ 000
تَتَسَاقَطُ حَبَّاتُ الْعَرَقِ فَوْقَ جَبِينِهِ الْمُجْهَدِ 000
يَمْسَحُهَا مُتَجَاهِلاً هَذَا الْهُبُوطَ الْمُفَاجِئَ 000
تَهْوِي قَدَمَاهُ إِلَى الأَرْضِ ، مَغْشِيًّا عَلَيْهِ 000
يَتَسَانَدُ نَحْوَ السَّيَّارَةِ 000
يُعَاوِدُ الْوُقُوفَ 000
يَخْرُجُ الرَّجُلُ السَّمِينُ مُتَلَفِّتًا يَمِينًا وَيَسَارًا فِي ثِيَابِهِ الأَنِيقَةِ كَطَاوُوسٍ 000
ـ خُذْ يَا وَلَدُ
ـ حَاضِرٌ سَعَادَتَكَ
ـ أُرِيدُكَ أَنْ تُعِيدَ تَنْظِيفِهَا ثَانِيَةً ، فَالْيَوْمَ تَرْكَبُهَا أَجْمَلُ يَمَامَةٍ 000
فَاهِمٌ يَا وَلَدُ !!
يُقَهْقِهُ مَازِحًا مُثيِرًا غَضَبًا مَكْتُومًا يَكْظِمُهُ
إِبْرَاهِيمُ 000

ـ إِنْ شَاءَ اللهُ 0
يُعَاوِدُ مَسْحَ السَّيَّارَةِ دُونَ تَوَقُّفٍ ، مُرْتَفِعًا فَوْقَ
الأَوْجَاعِ 0

000000
000000
000000
فِي الصَّبَاحِ تَسْتَوْقِفُهُ سُعَادُ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهَا كَطِفْلٍ يَضِلُّ الطَّرِيقَ فِي شَوَارِعِ الِقَاهِرَةَ 000
مَاشِيًا بَيْنَ الزِّحَامِ الْمُتَزَايِدِ 000
لا يَدْرِي إِلَى أَيْنَ تَدْفَعُهُ الأَقْدَامُ 000
ـ لِمَاذَا لَمْ تَأْتِ الْبَارِحَةَ ؟
ـ إِنْ شَاءَ اللهُ 0
ـ مَتَى تَأْتِي ؟
ـ قَرِيبًا 000 إِنْ شَاءَ اللهُ 0
عِنْدَمَا أَدْخُلُ الْفَصْلَ ، وَيُفِيقُ الْجَحْشُ الصَّغِيرُ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ ، وَتَثُورُ ذُكُورُ النَّحْلِ 000
ـ مَاذَا تَقُولُ ؟
قَرِيبًا أَجِئُ 000
عِنْدَمَا يَفْهَمُ الْحِمَارُ فِي أَوَّلِ الصَّفِّ ، وَلا تَحْتَاجُ الْمَلِكَةُ تَلْقِيحًا 000
ُ