مصطلح شجرة النسب آدابه وأحكامه

مصطلح شجرة النسب : آدابه وأحكامه

بسم الله الرحمن الرحيم

مصطلح شجرة النسب : آدابه وأحكامه
مجلة العرب التاريخ : 9/18/2004

حفظ النسب من مقاصد الشرع الشريف، وقد تنوّعت طُرقه في إثبات الأنساب، وحمايتها من عوامل الضياع والادعاء . والناظر في أحوال الناس يجد أنهم يحفظون أنسابهم بعدة وسائل وطرائق، فهناك من اكتفى بالروايات، وهناك من نحت اسمه منسوبًا إلى قبيلته على أحجار المقابر والشواهد، وهناك من ذكر المآثر والأجداد العظام في قصائد الشعر، وهناك من كتب وصنّف في أنساب قومه . ومن الوسائل القديمة وسيلة : " صنع شجرة النسب ". ما هي " شجرة النسب " ؟ وما معنى " الشجرة " في الاصطلاح ؟ ومن أول من صنع الشجرة ؟ وما آدابها وأحكامها ؟

هذه المقالة المختصرة تجيب عن شيء من تلك التساؤلات، ويحاول كاتبها من خلال جُمَلِها التأصيل لمصطلح " شجرة النسب ". وقد كانت على النحو الآتي :-

- الأصل اللغوي .
- المعاني الاصطلاحية للفظ " الشجرة ".
- الشجرة وما يرادفها عند النسابين .
- أولية التشجير في النسب لمن ؟
- التشجير صنعة لها آداب .
- آداب وأحكام في صنع الشجرة .
- خطوات عمل الشجرة .
- الفروق بين المبسوط والمشجر في النسب .
- حكم العمل بالشجرات ؟

- الأصل اللغوي :-

جاء في القرآن الكريم :  فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ْ . وقوله :  لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، وقوله :  وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ، وغير ذلك من المواضع .

قال / ابن فارس : " الشين والجيم والراء أصلان متداخلان، يقرب بعضهما من بعض، ولا يخلو معناهما من تداخل الشيء بعضه في بعض، ومن علو في شيء وارتفاع " أهـ (1).

وفي لسان العرب : " ويقال : فلان من شجرة مباركة، أي من أصل مبارك " (2). وفيه أيضًا : " والمشجَّر من التصاوير : ما كان على هيئة الشجر؛ وديباجٌ مشجّر : نقشه على هيئة الشجر ". أهـ (3).

وورد في السنّة المشرّفة ما يدلّ على تمثيل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم للإنسان بالخط على الأرض، ودليل ذلك ما رواه / البخاري في صحيحه عن / عبدالله بن مسعود  قال : " خطّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم خطًّا مربّعًا، وخطّ خطًّا في الوسط خارجًا منه، وخطّ خططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال : " هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أو : قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا " (4).

وورد في السنّة المطهّرة أيضًا ما يدلّ على تشبيه الإنسان ببعض أنواع الشجر، فورد تمثيل المؤمن بـ " النخلة "، و " خامة الزرع "، وورد تمثيل الكافر والمنافق بـ " شجرة الأرز "، و " الريحان "، وغير ذلك من الآثار .

وذكر / أحمد تيمور في معجم الألفاظ العامية أنّ العامة، تقول للشجرة : " سجرة، ولكنها تطلق الشجرة على الحشيش كناية، ويقولون : فلان بيشجَّر، أي : يدخّن الحشيش؛ كأنهم جعلوه اسمًا بالغلبة " (5).

- المعاني الاصطلاحية للفظ " الشجرة " :-

توارد جمع من أرباب الفنون والمعارف على استخدام هذا اللفظ وما يقاربه، ليدللوا به على معانٍ تخصهم . من أولئكم : معاشر النسابين، والشعراء، والصوفية، والأطباء . والاستعمال عندهم لمصطلح " شجرة النسب " على النحو الآتي :-

1- مفهوم " الشجرة "، و " المشجر " عند النسابين :-

تقدّم أن " ش ج ر " أصلان متداخلان يدلاّن على : تداخل، وارتفاع . ومن هنا حكى بعضهم أنّ مأخذ " التشجير " مأخوذ من : " السبط "، وهو : ضربٌ من الشجر، فجعل الأب الذي يجمعهم كالشجر الذي يتفرع عنه الأغصان الكثيرة، ولذلك ينقش شكل الشجر في الأنساب "، قاله / ابن فندق البيهقي (6).

ومع أنّ الشجرة تستخدم في ألفاظ وكلام النسّابين كثيرًا، إلا أنني لم أعثر على مَن عرّفها تعريفًا اصطلاحيًّا، فكأنهم اكتفوا بما هو متقرر من معناها اللغوي . ويمكن للمرء أن يقول " شجرة النسب " : ورقة مفردة في نسب قوم ما دون غيرهم، منسوبين إلى رجل واحد، فرعت أنسابهم من أعلى أو أسفل على هيئة شجرة أو ما يشبهها، يتبين من النظر فيها اسم كل فرد وعقبه، وكيفية اتصال نسبه بذلك الرجل المنسوبين إليه .

وقد يطلق على " الشجرة " أنها : " كتاب "، كما وقع في كلام / أبي حامد الغزالي في فضائح الباطنية (7)، وكما في اللباب (8) لــ / ابن الأثير، حيث نصّا على : " كتاب الشجرة "، لما ذكرا نسب / إسماعيل بن جعفر، وربما قصدا " المشجر "؛ لأنه على هيئة كتاب، وسيأتي الحديث عنه بعد قليل .

وقال بعضهم : إنّ طريقة أهل الشام والحجاز في كتابة الشجرة من أعلى إلى أسفل، وأهل العراق بالعكس (9). والمعروف من عادة أهل الحجاز في شجراتهم القديمة والحديثة أنها من أسفل إلى أعلى . وقد اطلعت على بعض الشجرات الحديثة لأهل فلسطين وغيرها من بلاد الشام، فرأيتها من أعلى إلى أسفل، فيبدو أنّ هذا من عادة أهل الشام فحسب، على أنها مخالفة للأصل اللغوي لمادة " شجر "، إذ الشجر ينبت من أصل إلى أعلى لا العكس .

تنبيه : المقصود من الشجرة عند معاشر النسّابين وصل الأسماء من أسفل على أعلى بـ : " ابن "، ثم يذكرون الأسماء، هذا هو المتبادر، وهو الذي يوجد في شجرات النسابة، كشجرة أبي قناع، وشجرات الزبيدي وغيرهما، ولا يرسمون أوراق الشجر مجردة، ويضعون فيها الأسماء، كما هي عادة كثير من العصريين؛ فهذا خلاف عمل المتقدمين، والأَولى متابعة مَن تقدّم، فإنّ إثبات لفظ " ابن " مِن سُنن العرب، وترْكها من عادة العجم، فلا ينبغي ترْكها في كتابة الأنساب .

وبسبر كلام متقدّمي النسابين نجد ألفاظًا مقاربة للفظ " الشجرة "، وهي تحتاج إلى تبيين وتوضيح لضرورة ضبط الاصطلاح . فمن ذلك :-

1- جريدة النسب : كقولهم - مثلاً - في جرائد العلوية (10) : " جريدة الري "، و " جريدة نيسابور "، و " جريدة طبرستان "، و " جريدة أصفهان "، و " جريدة الكوفة العتيقة " (11)، و " جريدة البصرة العتيقة " (12)، و " جريدة شيراز " (13)، و "جريدة بغداد " (14). واستعمل هذا اللفظ حتى أصبح للحمام : " دفاتر بأنسابها، كأنساب العرب ". وقد بالغ العبيديون القرامطة في العناية بالحمام حتى " أفردوا له ديوانًا وجرائد بالأنساب ".

وهذه الجرد يحتمل أن تكون على هيئة " الديوان " - إذا اعتبرنا الأصل اللغوي لمادة " جرد " - فهي إثبات مجرد لأسماء من ينتسب إلى فلان وأسماء آبائهم كما في " ديوان الجند "، و " ديوان عمر "، ونحو ذلك . وفي كلام بعضهم ما يشير إلى أنّ هناك فرقًا بين " الجريدة "، و " الشجرة " (15). وهذا هو المناسب لمعنى مادة " جرد "، فإنّ " الجيم والراء والدال أصل واحد، وهو بدو ظاهر الشيء حيث لا يستره ساتر ... " (16)، فتكون " جريدة النسب " إذًا كالديوان الذي تسجّل فيه الأسماء ظاهرة، فتعرف من أولها، فلا تحتاج إلى نظر خاص، كما يحصل لمن ينظر في " الشجرة "، فإنه يحتاج أن ينظر في الأصول والبطون ويتابع تسلسلها لمعرفة مكان شخص ما فيها .