أ-وجود قواعد دولية تخاطب الفرد مباشرة:
إن هذه القواعد قد تمس الشخص في حياته ، مثال ذلك الأحكام الخاصة بالقرصنة حيث يعتبر القرصان مجرما دوليا ويجوز لكل دولة أن تعاقبه ، وقد تمسه في عمله ، مثال ذلك الأحكام الخاصة بمنتظم العمل الدولي والتي تجيز أن يحضر ممثلون عن العمال وأصحاب العمل لهم عدد من الأصوات يماثل عدد أصوات ممثلي حكومتهم ، وهكذا نجد أن مصالح العمال وأصحاب الأعمال قد مثلت أمام جهاز دولي على نحو يسمح لها – ولو على حد محدود – بان تؤثر في القرارات التي يتخذ ذلك الجهاز .
إن اعتراف القانون الدولي يحق الفرد يظهر كذلك في إجراءات نظام الوصاية التي تمنح سكان الأقاليم الخاضعة لنظام الوصاية حق التقدم بعرائض لكل من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الوصاية .
*الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر سنة 1948 ، والذي يمثل الخطوة الأولى في برنامج رسم بقصد إعداد قائمة بحقوق الإنسان تقوم على قواعد تلتزم بها الدول ويسهر على تنفيذه جهاز إداري .
*معاهدات باريس للسلام سنة 1947 مع ايطاليا ورومانيا وبلغاريا وهنغاريا وفلندا ، تضمنت تلك المعاهدات تعهدا باحترام حقوق الأفراد.
*الاتفاق الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية : والاتفاق الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اللتين أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 دجنبر سنة 1966 وأضيف إليها الاتفاق الخاص بتحريم ومعاقبة جريمة إبادة ***** البشري سنة 1948 والاتفاق الخاص بإزالة كافة صور التمييز العنصري سنة 1965.
*الاتفاق الخاص بمنع الاتجار بالأفراد واستغلال البغاء ، الذي عرض للتوقيع اعتبارا من 31 مارس سنة 1950.

ب-مساهمة الأفراد مباشرة في الإجراءات القضائية الدولية :
من أمثلة ذلك ما نصت عليه المادة 4 من اتفاق لاهاي الثاني عشر المؤرخ ب 18 أكتوبر 1907 إذ أنشئت محكمة غنائم دولية كان من حق أفراد الدولة المحايدة أو المحاربة أن تتقاضى أمامها .
ويرى الكثيرون في المحكمة الإدارية للأمم المتحدة سابقة تؤيد الطبيعة الدولية لحقوق وواجبات الموظفين الدوليين ويستندون في قولهم إلى الفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في 22 أكتوبر 1906 بخصوص المحكمة الإدارية لمنتظم العمل الدولي ، وهي الفتوى التي أكدت الصفة الدولية لتلك المحكمة .
ومن خلال هذه الأمثلة يتضح لنا بان هناك إقرار واضح للفرد بذاتية دولية تتمثل في حقوق وواجبات دولية .

الفرع الثاني : تطور وضعية الفرد في القانون الدولي الإنساني

يتميز القانون الدولي الإنساني عن حقوق الإنسان من حيث الظروف التي يطبق فيها ، حيث أن قانون حقوق الإنسان يتضمن القواعد الإنسانية عامة التطبيق في الزمان والمكان مع استثناء تطبيق بعض الحقوق زمن الحرب والطوارئ كما جاء في المادة 4 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، أما القانون الدولي الإنساني يطبق في الحالات الاستثنائية لحياة الإنسان كحالة الحرب والنزاع المسلح ، والمبتغى هنا هو التقليص من شرارة الحرب والنزاع وحماية رعايا الأعداء الذين انسحبوا من القتال كالجرحى والمرضى والمفقودين والمدنيين ...

مركز الفرد في القانون الدولي الإنساني
الفقرة الأولى : القانون الدولي الإنساني وآليات حماية الحريات الشخصية .
أ-أصل القانون الإنساني الدولي :
القانون الإنساني الدولي هو مجموعة من القوانين الدولية التي تهدف في حالات النزاع المسلح حماية الأشخاص الذين يعانون ويلات هذا النزاع وكذا حماية المباني والممتلكات التي ليس لها علاقة مباشرة بالعمليات التي تحد من استخدام العنف غير المبرر أثناء النزاع المسلح.
وقد ساهمت ثلاث تيارات في تكوين القانون الإنساني الدولي وهي :
قانون جونيف: نشا مع معركة سولفرينو الحربية بين الجيش الفرنسي والنمساوي في شمال ايطاليا والتي نتجت عنها مآسي دفعت السويسري هنري دونان إلى نشر كتابه عام 1862 داعيا إلى السرعة في نجدة وإنقاذ الجرحى والمرضى في العمليات العسكرية، وذلك بمطالبته بتكوين جمعيات للقيام بذلك ، وقد تم إنشاء اللجنة الدولية لمساعدة الجرحى والمرضى في العمليات العسكرية وأصبح اسمها فيما بعد اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، وتم عقد مؤتمر دبلوماسي عام 1864 (16 دولة ) هذه الاتفاقية دعت إلى تحسين حالة الجرحى العسكريين في الميدان ، إلى حدود 1949 انعقد المؤتمر الدبلوماسي لوضع اتفاقيات دولية لحماية صحابا الحرب ( 63 دولة ).
قانون لاهاي : يرجع إلى مؤتمر لاهاي عام 1899 و1907 حيث اعتمدت اتفاقيات تهدف إلى وضع قواعد منظمة للعمليات الحربية وتقليل الأضرار الناجمة عنها إلى أقصى حد ويحدد قانون لاهاي حقوق المتحاربين وواجباتهم في إدارة العمليات ويشمل قانون لاهاي كذلك إعلان سان بطرسبرج لعام 1868 الذي يحضر استعمال الرصاص المتفجر، وبرتوكول جنيف لعام 1925 الذي يس استعمال الغازات الخانقة والسامة .
اتفاقية الأمم المتحدة : منها اتفاقية منع الجريمة والإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي أقرتها الجمعية العامة في 1948 ، ومعاهدة خطر تجارب الأسلحة النووية في الجو والفضاء الخارجي وتحت سطح الماء لعام 1963، برغم أن هذه المعاهدات لم تعقد تحت مظلة الأمم المتحدة إلا أن الجمعية العامة أقرتها في سلسلة الحد من شرور أسلحة الجرائم الحديثة واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 لحظر أو تقييد استعمال أسلحة معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر وعشوائية الأثر .

ب-مركز الفرد في القانون الدولي الإنساني :
بعد الحرب العالمية الثانية تحديدا ، وتغيير بنية النظام العالمي من خلال التأكيد على حقيقة التنظيم الدولي ، ووراثة الأمم المتحدة لعصبة الأمم ، فغن العالم بدأ يعيد صياغة الكثير من قواعده ونظمه ، وفلسفاته من أجل وضع الفرد في مكانه تضمن له إنسانيته . فيتم إقرار ميثاق الأمم المتحدة ، وصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 وتواصل تنامي ترسانة تشريعية دولية متشابكة في مجال القانون الدولي الإنساني . وحظي موضوع حقوق الإنسان بمكانة متميزة ، متنامية وكذلك فغن الحيز القانوني الذي بدأ يحتله الفرد ازداد اتساعا ، وقطعت حقوقه ( الجماعية والفردية ) خطوات كبيرة ، وتنامت النصوص على المستوى التطبيقي ، وبدأت بعض الاتفاقات والمعاهدات الدولية (العهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية ، والاقتصادية والاجتماعية ، والثقافية لعام 1966 تنشئ قضاء تشريعيا ( على مستوى القانون الدولي الهام ) يؤكد على حقوق الفرد ، بل وتجرأت على مخاطبته ( في بعض الأحيان ) ولو بشكل غير مباشر ( الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950) بحيث أصبح الفرد الأوربي بالفعل أسبق في التمتع بمركز قانوني أوربي متميز لا يقارن خصوصا فيما يتعلق بالأهلية الإجرائية للفرد، ولم يعد الجدل العقيم حول مصادر حق الفرد داخليا وخارجيا ، يلاقي الالتفات بسبب صرامة القواعد الوطنية المقررة لهذا الحق وصرامة القضاء والبرلمان والإعلام والمجتمع الحارسين لهذا الحق فضلا عن المؤسسات الأوربية ، وسلطة القانون الأوربي النافذة ، بل أصبحت جزءا من القانون الدولي العرفي .
ولكي تكتمل الصورة تجب الإشارة إلى تطور التزامات الفرد في مجال القانون الدولي الجنائي الذي عرف قفزات واسعة منذ بدايته البسيطة بعد الحرب العالمية الأولى وبين الحربين ، وبشكل خاص عقب الحرب العالمية الثانية ، وبسبب فضائعها أصبح فأصبح القانون الدولي الجنائي من أهم ضمانات حقوق الإنسان ، حيث أصبح الفرد مسؤولا بشكل مباشر عن انتهاكات هذا القانون الذي يحمي الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات .
ومن خلال الطبيعة الإلزامية للقانون الدولي الإنساني يمكن صيانة كرامة الفرد بشكل خاص وحقوق الإنسان بشكل عام، باعتبار أن القانون الدولي الإنساني جاء بمجموعة من المبادئ التي تضمن للفرد مكانته في القانون الدولي، ويمكننا أن نلخص هذه المبادئ فيما يلي:
-لا يحق لأطراف النزاع شن هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم.
-يجب التمييز بين فئة الأشخاص الذين يشتركون في الأعمال العدائية و بين أفراد السكان المدنيين بهدف حماية الفئة الأخيرة وتجنبها الضرر بقدر الإمكان .
-الأشخاص العاجزين عن القتال يجب احترامهم وحمايتهم ومعاملتهم معاملة إنسانية .
-تصان حرمة من يسقط في المعركة ويجب الحفاظ على حياة من يستسلم من الأعداء .
-تحظر ممارسة التعذيب والتحقير والمعاملة غير الإنسانية .
-لكل إنسان حق احترام شرفه وحقوقه العائلية ومعتقداته وعاداته.
-لكل شخص حق تبادل الأنباء مع أسرته .
-لا يمكن حرمان أي شخص على نحو تعسفي.
-يجب معاملة الأفراد دون أي تمييز على أساس العنصر والجنس واللغة ...
-لكل إنسان الحق في السلامة الشخصية ، فلا يحمل شخص مسؤولية عمل لم يرتكبه .
-تخطر أعمال الانتقام والعقوبات الجماعية وأخذ الرهائن والنفي .
-لكل إنسان حق الانتفاع بالضمانات القانونية المعتادة .
-على الدولة أن تكفل الحماية الوطنية والدولية للأشخاص الواقعين تحت سلطتها .
-لكل فرد الحق في سرية الحياة الخاصة: تكرس هذا الحق بالشرعية الدولية (المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 17 من عهد الأمم المتحدة والمادة 8 من الاتفاقية الأوربية ) .

ج- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومكانة الفرد في القانون الدولي الإنساني:
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 دجنبر 1948 جاء بمجموعة من الحقوق الأساسية للإنسان ، فقد تم التنصيص في ديباجته على انه :" لما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى إعمال همجية أدت الضمير الإنساني ... ولما كان من الضروري أي يولي القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم ... فغن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان " . وقد جاء هذا الإعلان ليعطي قيمة عليا للفرد في القانون الدولي وذلك من خلال مجموعة من النصوص القانونية التي جاءت في هذا الإعلان : فمثلا المادة الثالثة من هذا الإعلان تنص على أنه " لكل فرد الحق في الحياة وحرية وسلامة شخصه " والمادة الخامسة ذكرت أنه " لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الخاصة بالكرامة " . وأكد المادة 11 منه على أن " كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه ". وجاء في المادة 12 أنه " لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته .." وتنص المادة 13 على أنه " لكل فرد حرية التنقل ... ويحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق العودة إليه ".
وقد تمت تكملة هذا الإعلان بواسطة العهدين الدوليين الصادرين بتاريخ 16/12/1966 ، الأول خاص بالحقوق الاقتصادية والثقافية والثاني خاص بالحقوق المدنية والسياسية .
وقد عززت الجمعية العامة هذه الجهود بعدة اتفاقيات سهرت على إصدارها منها : الاتفاقية الدولية المتعلقة بقمع جريمة الإبادة سنة 1948 والاتفاقية الخاصة بالقضاء على نظام الميز العنصري لسنة 1973 والاتفاقية المرتبطة بالقضاء على الميز بسبب ***** عام 1979 ثم اتفاقية محاربة التعذيب ومعاملات الإنسانية أو الخاصة سنة 1984 .,
إذن القانون الدولي الإنساني حاول إعطاء الفرد مكانة هامة في القانون الدولي من خلال مجموعة من الإجراءات كما سبب أن تحدثنا عنها ، لكن تخاذل هيئة الأمم المتحدة في تطبيق القانون الدولي الإنساني من خلال تعنت إسرائيل ورفضها الالتزام باحترام مبادئ القانون الدولي ، يمكن اعتباره بمثابة تحدي واضح للمنظمة الأممية .بالإضافة إلى محدودية العقوبات الجزافية في القانون الدولي الإنساني ، فاتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والبرتوكولان الإضافيان لسنة 1977 تخاطب الإرادة السياسية للدول وحسن نيتها في التصرف كضوابط أخلاقية تأخذ أحيتنا شكل أدبيات لا تتضمن إثارة المساءلة القانونية في حالة الخروقات الخطيرة ، ففي الباب الخاصة بقمع المخالفات العديدة إن المواد من 49 إلى 52 من الاتفاقية الأولى و50 إلى 53 من الاتفاقية الثانية و129 و131 من الاتفاقية الثالثة و146 إلى 149 من الاتفاقية الرابعة تعتبر أن توقيع الجزاء رهين بالسلطان الداخلي للدول وعقوبة الانتهاكات الجسيمة هي مجال خصب للإرادة السياسية للدول .