الفقرة الثانية : آليات وضع القواعد الدولية الخاصة بالحريات الشخصية موضع التنفيذ.
تختلف وسائل حماية الحريات الشخصية تبعا لاختلاف طبيعة الأجهزة التي تقوم بها إلى : حماية عن طريق تدخل المنظمات الدولية الحكومية وأخرى عن طريق اللجوء للمنظمات الدولية غير الحكومية .
أ-تدخل المنظمات الدولية الحكومية لحماية الحريات الشخصية :
تسعى هذه المنظمات التي أبرمت في إطارها الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحريات الشخصية صوب ممارسة نوع من الإشراف على اطلاع الدول الأعضاء بالالتزامات التي تلقيها على عاتقها هذه الاتفاقيات . ويمارس هذا الإشراف من خلال سلسلة من الإجراءات المتتابعة تأخذ على سبيل المثال لا على سبيل الحصر إجراءات الرقابة التي تفرضها المنظمات الدولية على تطبيق الدول الأعضاء لالتزاماتها الدولية الخاصة بالحريات الشخصية والتي تمر بمراحل متعددة ، حيث تبدأ بتلقي المعلومات الخاصة بادعاء حدوث انتهاك لهذه الحريات وتنتهي بالتصرف في هذه الادعاءات ، مرورا بمناقشتها في الأجهزة الدولية المعينة . حيث تضمن بعض الاتفاقيات الدولية لمواطني دولها الأطراف إمكانية عرض القضايا الخاصة بانتهاك حرياتهم الشخصية أمام بعض المحاكم الخاصة بحقوق الإنسان ( المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان – المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان ) وتساهم الأحكام التي تصدرها هذه المحاكم في تعزيز احترام الحريات الشخصية لمواطني هذه البلاد. ولفضح الممارسات القمعية لبعض الدول، تجتهد لجان حقوق الإنسان بالإشادة بما قد يحدث من تقدم في مجال احترام الحريات الشخصية لدى البعض الآخر . إذ أي إصرار لدولة عضو في المنظمات الدولية على انتهاك الحريات الشخصية لمواطنيها يمكن أن يعد سببا كافيا لطردها من هذه المنظمات. فعلى سبيل المثال عندما اتهمت اليونان بانتهاك حقوق الإنسان عام 1969 ، شرع مجلس أوربا في اتخاذ الإجراءات اللازمة لطرد هذه الدولة غير أن الحكومة العسكرية اليونانية سارعت فأخطرت مجلس أوروبا في 12 دجنبر 1969 بنيتها في الانسحاب على أن يعتبر قرارها نافذا اعتبارا من 31 دجنبر 1970.
ب-تدخل المنظمات الدولية غير الحكومية لحماية الحريات الشخصية :
انتشرت هذه المنظمات انتشارا ملفتا للنظر باعتبار أن العالم اليوم أصبح يضم أكثر من ثلاث آلاف منظمة غير حكومية تغطي أنشطتها مختلف نواحي الحياة البشرية السياسية والإدارية والعلمية والرياضية والسياحية والدينية... إلخ ، وإدراكا لأهمية الدور التي تقوم به هذه المنظمات على الصعيد العالمي فقد عمل ميثاق الأمم المتحدة إلى ضمان التنسيق بينها وبين المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، فتنص المادة 71 من الميثاق على أن " المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يجري الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئات غير الحكومية التي تعنى بالمسائل الداخلة في اختصاصه ".
ونظرا لما يمثله احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية من أهمية بالنسبة لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية فإن عدد غير قليل من هذه المنظمات قد تأسست بغرض تعزيز احترام هذه الحقوق ونذكر منها:
*منظمة العفو الدولية : وهي أكثر المنظمات شهرة ونشاطا في مجال حقوق الإنسان ومقاومة التعذيب إذ يبلغ عدد أعضائها أكثر من سبعمائة ألف نسمة ينتشرون في أكثر من 150 بلدا ومقاطعة في جميع أنحاء العالم ، وتصدر هذه المنظمة تقارير سنوية ونشرات تتبع من خلالها حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في العالم.
*المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: تقوم هذه المنظمة بتجميع المعلومات الخاصة بالتعذيب ونشرها في النشرات التي تقوم بإصدارها كل شهرين، والتي تناشد من خلالها الأفراد والهيئات سرعة التدخل لإنقاذ ضحايا التعذيب عن طريق الكتابة للسلطات الحاكمة في البلدان المعنية. والاتصال بالمنظمات الأخرى المبينة بحقوق الإنسان ومنع التعذيب لأخطارها بأسماء الضحايا وحالتهم وتناشدها سرعة التدخل لإنقاذهم.
*جمعيات الهلال والصليب الأحمر الدولية: توجد في سائر أنحاء العالم، حيث تقوم هذه الجمعيات بزيارة السجون والمعتقلات لملاحظة المعتقلين والتأكد من عدم ممارسة التعذيب ضدهم.
*المنظمة العربية لحقوق الإنسان :تمارس نشاطها على أساس إقليمي ، إذ تعتمد لمتابعة انتهاكات حقوق الإنسان في البلدان العربية ولا سيما ما قد يتعرض له مواطنيها من أعمال التعذيب على أيدي السلطات الحاكمة ، كما تقوم بإصدار نشرات عن حالات التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان في العالم العربي .

خاتمـــة :
من خلال ملامستنا البسيطة لهذا الموضوع نلاحظ أن ما اتفق عليه الفقه الدولي هو أن حقوق الإنسان لم تعد بالكامل جزءا من الاختصاص الداخلي للدول في منظور المادة 2/7 ، ولكن الدولة لا تزال هي أساس النظام الداخلي والنظم الدولية . ويزدهر مركز الفرد دوليا كلما كان نظام الدولة ديمقراطيا، وهذه الضمانة الأكيدة لإزالة اللبس في مركز الفرد في القانون الدولي. ذلك أن الدعوة إلى أن يكون الفرد من أشخاص القانون الدولي كانت تهدف إلى تجاوز بطش الدولة وتسلطها ، ولكن الحقيقة هي أن ما قضى الفرد من أشواط بعيدة يدفعها إلى القول – مع غالبية الفقه الدولي- أن الفرد أصبح يتمتع بشخصية قانونية دولية محدودة من نوع خاص تتفق مع وضعه ، وهو وضع أشبه بوضع المنظمات الدولية أحيانا ، لكنها بالقطع تختلف عن شخصية الدولة ، وهو ما عبر عنه بدقة وزير خارجية بريطانيا في 27 يناير 1993 من أن المادة 2/7 من ميثاق الأمم المتحدة قد تقوضت بشكل مطرد مع طغيان الاهتمامات الإنسانية على احترام حق كل دولة في أن تدير شؤون رعاياها أو تسيء إدارتها ، وعلى أية حال فكما أكد إعلان فينا وبرنامج العمل لعام 1993 فإن كل حقوق الإنسان أصبحت عالمية مترابطة لا تقبل التجزئة ، وحمايتها تتمتع بأولوية مطلقة في المجتمع الدولي بسبب ارتباطها بالأخلاق الدولية العامة وكرامة الإنسان ، بحيث تتمتع بحجية في مواجهة الكافة ، أصبحت هذه الحقوق من القواعد الآمرة في النظام الدولي وقاصرة ومع ذلك يتردد الفقه في منحه الشخصية القانونية الدولية ، ولكنه يتمتع بشخصية قانونية دولية محدودة ومحتملة وممكنة ، وفي ضوء ما سبق لا يزال السؤال ملحا : هل مجمل الحقوق والالتزامات والقدرة على مقاضاة الفرد دولته ومقاضاة الدولة الطرف في منازعات الاستثمار دوليا ، والاهتمام الدولي الكاسح بقضايا حقوق الإنسان ، قد جعلت الفرد شخصا من أشخاص القانون الدولي خلال العقود الأربعة الأخيرة التي ازدهرت فيها الحقوق والالتزامات

المراجع المعتمدة

1- محمد سامى عبد الحميد : أصول القانون الدولى العام ، بيروت 1988
2-منشورات الأمم المتحدة ، نيويورك 1990.
3-القانون الدولي العام وحماية الحريات الشخصية . . حسام أحمد محمد هنداوي، دار النهضة العربية 1992 .
4-القانون الدولي وحقوق الإنسان قديما وحديثا . ذ. سعيد بن سليمان العبري ،دار النهضة العربية للطبع والنشر .
5-حقوق الإنسان والحريات الشخصية ، روبير شارفان ، جارجاك سويبر ، سلسلة الترجمة ، منشورات المؤسسة العربية للنشر والإبداع ، ترجمة د. علي ضوي طبعة فبراير 1999.
6-الإنساني القانون والممارسة : د. يوسف البحيري ، د محمد مسكيني سلسلة الندوات والأيام الدراسية العدد 21 مارس 2002.
7-التداعيات الدولية الكبرى لأحداث 11 شتنبر من غزو أفغانستان إلى احتلال العراق ، د. إدريس لكريني ، الطبعة الأولى 2005 .




منقول