السيادة الدولية الليبرالية
أزاحت هيمنة النظام التقليدي للسيادة ضمن حدود الدول – الأمم موجات متعاقبة من إشاعة الديمقراطية. وفي حين سعت تلك الموجات لإعادة تشكيل الحكومة الوطنية، كان لها تأثيرات إضافية على نظام العلاقة ما بين الدول. وعلى الرغم من أن نموذجاً جديداً للتنظيم الدولي لم يتبلور بالكامل قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن تتبع آثار أصول نظام السيادة الدولية الليبرالية أمر ممكن. يمكن رصد بداياته في محاولات توسيع مسارات تعيين حدود سلطة عامة في المجال الدولي والمحاولات اللاحقة لتحويل معنى السلطة السياسية الشرعية من السيطرة الفعالة إلى صيانة المعايير الأساسية أو القيم التي لا يستطيع وفقها موظف سياسي سواء أكان ممثلاً لحكومة أو دولة القيام بإلغائها. كما واجهت السلطة الفعالة مبادئ حق تقرير المصير والديمقراطية وحقوق الإنسان بوصفها قاعدة ملازمة للسيادة
.
من المفيد إبراز بعض التحولات القانونية التي حدثت في ميادين الحرب، جرائم الحرب وحقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية إضافة إلى البيئة، والتي أحدثت هذا التبدل. تمت هذه التحولات أساساً بموافقة الدول، لكن التفويض وتغير السيادة اكتسب، كما بدا، وضعاً وزخماً مستقلاً.

قواعد الحرب والتسلح
استند تكوين قواعد الحرب إلى افتراضٍ مفاده أنه نظراً لعدم إلغاء حالة الحرب بالكامل، فيتوجب قنونة بعض عواقبها المروعة التي تطال العسكريين والمدنيين على حد سواء. الهدف من هذه القواعد إخضاع ممارسات الحرب للحد الأدنى من معايير التحضر التي ستلتزم بها جميع أطراف أي نزاع مسلح. وعلى الرغم من أن قواعد الحرب غالباً ما تنتهك، لكنها ساعدت في الماضي على لجم بعض أسوأ أشكال العنف العشوائي. تعود الاتفاقات الرئيسية متعددة الأطراف التي حكمت الحروب إلى إعلان باريس 1856، الذي سعى إلى الحد من حروب البحر بحظر مراكب القراصنة وتعيين الشروط التي يكون فيها الحصار فعالاً وخاضعاً لاعتبارات قانونية. تتضمن المعالم الأساسية اتفاقية جنيف 1864 (المعدلة في العام 1906)، واتفاقيتي لاهاي 1899 و1907، واتفاقيتي جنيف 1929 و1949 اللتين ساعدتا على قنونة المعاملة الإنسانية لجرحى المعركة، والممارسات المقبولة في المعارك البرية، وحقوق وواجبات أطراف النزاع والدول المحايدة، ومجموعة من القواعد تحكم معاملة الأسرى وحماية المدنيين. علاوة على تلك الاتفاقات وغيرها من المعاهدات الإقليمية. فقد حددت ممارسات المتحاربين، من حيث المبدأ، وفق عناصر القانون الدولي المتعارف عليه، والإقرار العام بقانون إنساني يحرم الوحشية غير المبررة أو الأفعال الأخرى التي تزدري المبادئ الأخلاقية.
شكلت قواعد الحرب إطاراً متطوراً من إجراءات تسعى لتقييد ممارسات أطراف النزاعات الدولية المسلحة. اعتمدت القواعد على مفهوم ثنائي، ضرورة التخفيف قدر المستطاع من التأثيرات الجانبية للحرب، وتقييد حرية اللجوء إلى وسائل الحرب وطرائقها. هذه التوجهات والاتفاقات ميزت بمرور الزمن، ومن حيث المبدأ، تغيراً هاماً في الوجهة القانونية للدولة الحديثة، لأنها تحدت مبدأ الاستقلالية العسكرية ومسألة السيادة الوطنية في واحدة من مكوناتها الأكثر حساسية - العلاقة بين الجيش والدولة وقدرة كل منهما على تحقيق أهدافها بصرف النظر عن النتائج.
أكملت الاتفاقات المتعلقة بممارسات الحرب سلسلة من المعاهدات تتصل باستخدام مختلف صنوف الأسلحة، من القواعد التي تحكم استخدام الذخائر المتشظية (لاهاي 1907) واستخدام الغواصات ضد السفن التجارية (بروتوكول باريس 1936) وصولاً إلى المعاهدات الأخيرة المتعلقة بالأسلحة البيولوجية والكيميائية والنووية والتقليدية – نتيجة لذلك أصبح الحد من التسلح أحد معالم السياسة الدولية. فوكالات الحد من التسلح ونزع السلاح القائمة في كل دول العالم الرئيسية، تدير في الوقت الحاضر عملية تنظيمية ودبلوماسية متواصلة. أقامت الاتفاقات الأخيرة فضلاً عن ذلك آليات للتحقق تنتهك عنوة السيادة الوطنية والاستقلالية العسكرية. فاتفاقية الأسلحة الكيميائية 1993، على سبيل المثال، تنشئ منطقة تفتيش دولية للإشراف على تطبيقها (وهو ما أقلق مجلس الشيوخ الأمريكي بشأن التنازل عن السيادة). وفقاً لذلك، يبدو مفهوماً إدعاء أن القوانين الدولية حول الحرب ومراقبة التسلح تشكل وتساعد على إنشاء بنية تحتية عالمية لإدارة التسلح والنزاعات.