بعد صدور قرار اعتقال الرئيس البشير
الدكتور عادل عامر
[/gdwl]
قررت المحكمة الجنائية الدولية، ، الموافقة على مذكرة المدعى العام للمحكمة باعتقال الرئيس البشير وتوقيفه لمحاكمته عن التهم التي نسبها إليه المدعى العام، فإن العالم يشهد مرحلة جديدة غير مسبوقة من تجاسر الغرب على العالم العربي. ذلك أن اتهام الرئيس البشير بجرائم ارتكبت فى دار فور، والادعاء بأنه هو الذي أمر بارتكابها وتعمد أن ترتكب أمر ينافى أصول العدالة الجنائية، ولكن هذه القضية كما هو واضح جزء من مخطط سياسي بدأته الولايات المتحدة فى النصف الثاني من عام 2004 ضد السودان بسبب دار فور، وألبت واشنطن العالم كله ضد السودان، وبالغت فى المآسي الإنسانية التي يعانيها سكان دار فور، وانضم إليها بالطبع الحركة الصهيونية حيث ثبتت العلاقة الوثيقة بين متمردي دار فور وإسرائيل. وقد اتهمت الحكومة السودانية رسمياً إسرائيل بمساندة التمرد فى دار فور، كما أن الحركة الصهيونية جندت مواقعها وحملاتها من أجل دار فور، وذلك حتى تروج لذكرى المحرقة اليهودية فى ألمانيا. والغريب أن المؤامرة السياسية ضد السودان التي بدأت فى مجلس الأمن قد تحولت إلى المحكمة الجنائية الدولية عندما حول المجلس بموجب القرار 1593 واحد وخمسين شخصية سودانية للتحقيق من جانب المدعى العام للمحكمة، فإن المحكمة قد بدأت عملها بمخالفات قانونية خطيرة، حيث أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى حكماً باختصاصها فى القضية رغم أن السودان ليس طرفاً فى نظام المحكمة، وقررت المحكمة موقفاً غريباً وهو أن إحالة القضية من جانب مجلس الأمن يسقط جميع القواعد القانونية التي تحتمي بها الدول غير الطرف فى نظام المحكمة، وفى قضية البشير لم تلق المحكمة أي اعتبار لحصانة رئيس الدولة، وفسرت المادة 27 من نظام روما تفسيراً واسعاً لا يتفق مع حقائق العلاقات الدولية الراهنة، كما أنها أغفلت تماماً جرائم المتمردين، وأن شروع المحكمة فى التحقيق فى هجومهم على القوى الهجين كان ذراً للرماد فى العيون لإخفاء تحيزها الفاضح ضد الرئيس البشير، بل إن المحكمة أغفلت تماماً سلامة الفوات الدولية العاملة فى الجنوب فى دار فور، مثلما أغفلت بشكل واضح الجانب الأخر من المشهد المأساوي وهو تدمير المجرمين الإسرائيليين لغزة وإحراقهم للبشر والحجر فيها، وتقاعس المدعى العام عن تحريك الدعوى ضد هؤلاء المجرمين، الذين ارتكبوا على مرئي ومسمع العالم كله وبمشاركة غربية وأمريكية صريحة، وأن جرائمهم هي نفسها كل أنواع الجرائم التي تختص بها المحكمة كما ورد فى المادة الخامسة من نظامها الأساسي. فإذا كانت المحكمة الجنائية الدولية قد تجاوزت القانون الدولي فإن محكمة العدل الدولية هي التي تعلو فى الاختصاص لهذه المحكمة، ولذلك يمكن للسودان أن يطلب عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة بمساندة دول العالم الثالث لكي تطلب الجمعية رأياً استشارياً حول المسائل القانونية التي تضمنها قضية البشير، وبشكل خاص حدود سلطات مجلس الأمن فى المادة 13 من نظام المحكمة. بل إن الأمين العام للأمم المتحدة قد تواطىء أيضاً فى هذه المؤامرة عندما طالب الحكومة السودانية بأن تتصرف بمسئولية إزاء قرار المحكمة، أي أن الأمين العام يحث الحكومة السودانية على تسليم الرئيس البشير إلى المحكمة، فى الوقت التي تدوس فيه إسرائيل والولايات المتحدة على كل قواعد العدالة الدولية. صحيح أن أهل غزة وأهل دار فور ضحايا الجرائم التي ارتكبت فى المنطقتين، إلا أن الفارق هو الفاعل ونوعية الجرائم وخطورتها فى المنطقتين، ولكن الضحايا فى نهاية المطاف هم جزء من الجسد العربي، فالمجرمون الإسرائيليون هم الذين قاموا بإحراق غزة حقداً وغلاً ورغبة فى التخلص من أصحاب الأرض الفلسطينيين، أما فى دار فور فإن هذه الجرائم التي ارتكبت ضد شعبها لم تكن جرائم متعمدة من جانب الحكومة السكانية لأن السكان جزء من شعب السودان، وتتحمل حركات التمرد المسئولية عن هذه الجرائم التي ارتكبت بعضها عمداً لمعاقبة السكان الذين تحالفوا مع الحكومة. وفى نهاية المطاف فإن الحكومة تدافع عن وحدة الأراضي السودانية ضد هؤلاء المرتزقة الذين ينفذون مخططات أجنبية. ولهذا السبب التقى المتمردون مع الصهاينة على التآمر ضد الحكومة السودانية. اتاح القدر فرصة بقرار اكوامبو الى للسودانين الوطنين ان هنالك من الجماعات السودانية وللاسف الشديد بعيدة كل البعد عن مفهوم العزة والكرامة فهم مستعدون لبيع اخلاقهم مقابل ابخص الاسعار. وهي فرصة جيدة لمعرفة اعداناء بالداخل وهم اكثر فتكاً بوحدة السودان العدو الخارجي وعلى الحكومة ان تضع هذا في الاعتبار لاعداد قوائم كاملة عن كل مواطن او بمعنى اصح كان مواطنا ًتجاوب مع القرار بشكل ايجابي وعدم اتاح لهم الفرصة في المشاركة او العمل في جميع الدوائر الحكومية وبالاخص العسكرية منها. والمعروف ان قرار محكمة الجنايات الدولية سيتبخر كما تبخرت اعظم القرارات الصادرة منظمات اعلى منها شئناً. ويبقى الوطن للوطنيين ويستمر الحقد على كافة المتواطئن اتاح القدر فرصة بقرار اكوامبو الى للسودانين الوطنين ان هنالك من الجماعات السودانية وللاسف الشديد بعيدة كل البعد عن مفهوم العزة والكرامة فهم مستعدون لبيع اخلاقهم مقابل ابخص الاسعار. وهي فرصة جيدة لمعرفة اعداناء بالداخل وهم اكثر فتكاً بوحدة السودان العدو الخارجي وعلى الحكومة ان تضع هذا في الاعتبار لاعداد قوائم كاملة عن كل مواطن او بمعنى اصح كان مواطناًتجاوب مع القرار بشكل ايجابي وعدم اتاح لهم الفرصة في المشاركة او العمل في جميع الدوائر الحكومية وبالاخص العسكرية منها. والمعروف ان قرار محكمة الجنايات الدولية سيتبخر كما تبخرت اعظم القرارات الصادرة منظمات اعلى منها شئناً. ويبقى الوطن للوطنيين ويستمر الحقد على كافة المتواطئن أسئلة ما بعد قرار اعتقال البشير؟ بصدور قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير اليوم 4 مارس 2009، بناء على طلب سابق للمدعي العام للمحكمة في 14 يوليو 2008، وبتكليف من مجلس الأمن الدولي، يكون السيف قد سبق العزل وأصبحت الخرطوم أمام واقع داخلي وإقليمي ودولي جديد. عشرات التساؤلات والسيناريوهات المستقبلية العديدة مطروحة، وتحتاج بدورها لعشرات التصورات والإجابات العاجلة والآجلة معا:ـ• كيف ستتنفذ المحكمة هذا الحكم وتعتقل البشير؟ هل يصل الأمر لحد تنفيذ قوات غربية خاصة مثلا عملية خاطفة لاعتقال البشير عبر حدود تشاد، والتي سبق أن شهدت محاولة انقلاب لفصيل دارفوري وصلت حتى مشارف العاصمة الخرطوم؟.. هل يصدر قرار ملزم من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع يجبر الدول على اعتقاله بالقوة بعد رفض فكرة قرار إفريقي عربي بتجميد المحاكمة؟.• ماذا سيحدث داخل السودان؟ هل يستمر جناحي الصقور والحمائم في المؤتمر الوطني الحاكم موحدين أم يسعى الصقور (أنصار فكرة التضحية بالرئيس ودفعه للاستقالة) لحماية المشروع الإسلامي وحماية السودان من خطر الغزو والحصار الخارجي؟ أم يقنعون وزير الشئون الإنسانية (أحمد هارون) بتسليم نفسه لتخفيف الضغط على البشير وإظهار حسن نية السودان وتجميد الحكم ضده؟ وهل يبادر متمردو دارفور لشن هجمات على الخرطوم بعد الاستقواء بقرار "الجنائية" كما هددوا مؤخرا؟ وهل تؤجل خطط السلام في الجنوب وتؤجل انتخابات البرلمان والرئاسة المرتقبة في يوليو المقبل 2009؟ وهل يسعي الجنوب للانفصال في ظل هذه الأجواء المشحونة؟ وهل تتسارع خطط تفتيت وتجزئة السودان لأربعة أقاليم وفق مخطط قديم معروف؟.• ماذا عن الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية: هل تنسحب 37 دولة من الدول الإفريقية الموقعة على اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية (عدد الموقعين 108 دولة)، ما يضرب مصداقية المحكمة، احتجاجا على حكم المحكمة السياسي؟، وهل تنسحب الدول العربية الثلاثة الأعضاء في المحكمة أيضا أم يظل الموقف العربي كما هو مجرد التضامن الكلامي مع السودان خصوصا أن هناك تكهنات بأن الدول العربية "باعت" البشير وتخشى ربط مصيرها به – على غرار الرئيس الراحل صدام حسين – والصدام مع إدارة أوباما الجديدة، فتحال هي الأخرى لاحقا للمحاكمة أمامها لأنها تعارض الرغبة الأمريكية والغربية في عقاب البشير؟.• ماذا عن مصير ومستقبل محاكم الجزاء الدولية الخاصة، والتي أصبح ينظر لها رغم كثرتها (لبنان، ورواندا، ويوغسلافيا، وكامبوديا) على أنها غير عادلة ولا توزع العدالة بالقسط بدليل أنها تحاكم الدول الضعيفة الفقيرة المغلوبة على أمرها وتترك جرائم الأمريكيين في العراق وأفغانستان وجرائم حلفاءهم الصهاينة التي لاحصر لها في فلسطين؟ وماذا عن مستقبل المحكمة الجنائية خصوصا وأنها لا تنظر سوى قضايا إفريقية (أربع قضايا لدول إفريقية أمامها)، فيما ترفض النظر في جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة أو جرائم أمريكا في العراق؟.قد تكون كل هذه التساؤلات وما يعتريها من سيناريوهات سابقة لأوانها ويظل الوضع في السودان كما هو مستقر، خصوصا أنه سبق وصدر عن مجلس الأمن بشأن النزاع في دارفور 20 قرارا منذ عام 2005 كلها لم تنفذ وذهبت أدراج الريح وظل السودان صامدا.. لكن المؤكد أن قرار توقيف البشير ستكون له تداعيات عاجلة وآجلة في السودان وفي إفريقيا والعالم ككل. هذه التداعيات قد تصل لمرحلة الفوضى وتصاعد مخططات الانفصال ومن ثم تفتيت السودان، خصوصا لو ارتبط صدور الحكم برغبة غربية شرسة في تنفيذه واللجوء لمجلس الأمن (والفقرة السابعة من الميثاق) لتنفيذه بالقوة بدلا من المطالب الإفريقية والعربية باللجوء للمادة 16 من النظام الأساسي لتجميد القرار.