بسم الله الرحمن الرحيم








حذرت دراسة حول أوضاع الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، اليوم، من أن التمادي في قمعهم وإذلالهم، والتجاهل والتنكر لحقوقهم الأساسية، سيدفع بالشعب الفلسطيني لا محالة لخوض انتفاضة ثالثة عنوانها "إنتفاضة الأسرى".

ولفتت الدراسة، التي أعدها عبد الناصر عوني فروانة، المختص بقضايا الأسرى، إلى أنه منذ العام 1967 ولغاية الآن، اعتقلت قوات الإحتلال الإسرائيلي قرابة (700 ألف مواطن فلسطيني)، أي ما يعادل قرابة ( 25 % ) من عدد مواطني الأراضي الفلسطينية.
وأوضحت في هذا الصدد، أن هذه النسبة تعد أكبر نسبة في العالم، علاوةً على من تم اعتقالهم قبل هذا التاريخ، ومن اعتقلوا من الأراضي التي أحتلت عام 48، والآلاف من المواطنين العرب.
وشددت على أن أن الأمن والإستقرار في المنطقة لم ولن يتحقق يوماً إلا بالسلام القائم على العدل، الذي يبدأ بإنهاء الإحتلال وإطلاق سراح كافة الأسرى دون قيد أو شرط أو تمييز وفي مقدمتهم الأسرى القدامى، وضمن جدول زمني واضح وملزم.
وكان فروانة، قدم هذه الدراسة للمؤتمر الخامس لمؤسسة القدس الدولية، الذي عقد في العاصمة الجزائرية الجزائر، في الفترة ما بين 26-28 آذار- مارس الماضي، والتي تحمل عنوان " أوضاع الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي عامةً والأسرى المقدسيين خاصةً"، حيث شدد على أهمية مساندتهم ودعمهم والعمل على تحريرهم.
وأشارت إلى أنه رغم ضمّ الجزء الشّرقيّ من القدس لحدود دولة الاحتلال رسميّاً في الثامن والعشرون من حزيران - يونيو عام 1967، إلاّ أنّ المجتمع الدولي لم يعترف بهذا الضم، واعتبر هذا القسم أرضاً محتلّة شأنه شأن بقيّة أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، التي احتُلّت عام 1967م، إلاّ أن السلطات المحتلّة فرضت قانوناً على مدينة القدس، وتعاملت مع سكّانها على أنّهم مقيمون دائمون لديها، لكنّهم لا يملكون حقّ المواطنة كبقيّة السكّان، ومنحتهم على هذا الأساس بطاقات الهويّة الزّرقاء، وتعني بطاقات إقامة دائمة، تجدد كل عشر سنوات، وتُسحب من صاحبها في حال "فشل" في إثبات أنه كان يقيم في القدس فعلاً طوال الفترة السابقة من خلال كشوف الضريبة وفواتير الضمان والماء والكهرباء.
وبينت الدراس أنه بناءً على الحالة القانونية، التي أعطاها الاحتلال لسكان القدس كمقيمين دائمين في دولة الاحتلال، فإنّه يعامل الأسرى المقدسيّين معاملة السجناء الإسرائيليين الجنائيين، ويعتبر سجنهم والأحكام الصادرة بحقهم شأناً داخليّاً، فلا يقبل إدخالهم في أيّ صفقةٍ لتبادل الأسرى، ولا يعطيهم حقوق أسرى الحرب، وفي نفس الوقت لا يمنحهم امتيازات السّجناء الإسرائيليين، بل يتعامل معهم بنفس الأساليب الوحشيّة واللاإنسانيّة، التي يعامل بها بقيّة الأسرى الفلسطينيين، فهم بذلك محرومون من حقّ المعاملة الدستوريّة، التي يحصل عليها السّجناء الإسرائيليّون، ومن جهة أخرى محرومون من امتياز الأسرى الفلسطينيين بالإفراج عنهم ضمن أيّ عمليّة تبادل أو في إطار المفاوضات السياسية، حتى أن اتفاق "أوسلو" وما تبعه من اتفاقيات، لم يأتي على ذكرهم باستثناء عملية التبادل عام 1985.
وأوضحت الدراسة، أن الأسرى المقدسيين يعانون أكثر، مما يعانيه باقي الأسرى، فهم ليسوا بمعزل عن باقي الأسرى، وإن كانت إدارة السجون تعمل أحياناً لعزلهم وتجميعهم بأقسام لوحدهم، وهذا الإجراء يواجه بالرفض والإحتجاج من كافة الأسرى، وأن الإحتلال الإسرائيلي استخدم ولا زال يستخدم الوسائل الأكثر دماراً ودموية دون مراعاة للجنس أو العمر، ودون تمييز ما بين سكان الضفة أو القطاع أو القدس، فالكل مستهدف.
وشدد فروانة في دراسته، على أن الاعتقالات التي شنتها ولازالت قوات الاحتلال لم تستثنِ أحداً، فلم تقتصر على فئة عمرية معينة أو شريحة محددة، حيث طالت رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً، أمهات وزوجات، كما وطالت أطباء ومحامين وطلاب .
إلخ، ولم يبقَ هناك عائلة في فلسطين إلا و اعتقل أحد أبنائها، بل وطالت الاعتقالات في بعض الأحيان عائلات بأكملها.
ونوه إلى أن معظم تلك الاعتقالات تتم في ساعات الليل، من خلال اقتحام المنازل وتفتيشها بعنجهية واتلاف وتخريب محتوياتها ، بالإضافة إلى تحويل المعابر الحدودية والداخلية والحواجز العسكرية المنتشرة بكثافة على الطرقات ومداخل المخيمات والمدن إلى كمائن لاصطياد المواطنين .
وأضاف بأن هناك اعتقالات تتم في وضح النهار من خلال اجتياح المدن والقرى والمخيمات وحتى المؤسسات العامة والمدارس والمستشفيات والأماكن المقدسة هي الأخرى اقتُحمت ودُنست، تحت غطاء جوي من الطائرات الحربية وإطلاق الرصاص بغزارة بهدف اختطاف المواطنين، وأحياناً أخرى يتخللها هدم منازل واقتلاع أشجار وتدمير محال تجارية ومركبات خصوصية، وفي كثير من الأحيان، استخدمت قوات الاحتلال المواطنين الفلسطينيين العزل كدروع بشرية أثناء عمليات الاعتقال.
ولفت إلى استخدام المنازل والمؤسسات العامة، وحتى المدارس كأماكن اعتقال واحتجاز للمواطنين، وفي أحياناً أخرى تم تجميعهم في حفر كبيرة حفرت خصيصاً لهذا الغرض، كما حصل في بيت حانون شمال قطاع غزة أواخر العام الماضي، كما لم يسلم الصيادون من الإعتقال، حيث تم اعتراض مراكب الصيد الفلسطينية في عرض البحر، واعتقال الكثير من الصيادين.
وتطرق إلى قضية إختطاف النواب والوزراء، مشيراً إلى إقدام قوات الاحتلال منذ أواخر حزيران- يونيو من الماضي على اختطاف ( 10 وزراء) لا يزال منهم (4وزراء) رهن الاعتقال، إضافةً إلى اختطاف العشرات من النواب في المجلس التشريعي، لايزال منهم ( 25 نائباً) في سجون الإحتلال، وقدمتهم أمام محاكمات عسكرية جائرة، موضحاً أن هناك (10 نواب) معتقلين من قبل، وخاضوا الانتخابات وهم خلف القضبان.
وشدد في هذا الصدد، على أن اختطاف واستمرار احتجاز هؤلاء النواب والوزراء، يشكل انتهاكاً فاضحاً لأبسط الأعراف والمواثيق الدولية ، وعدواناً سافراً على المؤسسات الشرعية الفلسطينية، وحقوق الإنسان وحصانة النواب والوزراء.
وأظهرت الدراسة أن غالبية الأسرى، هم من الشباب وغير المتزوجين، إذ أنه بالرغم من شمولية الفئات المستهدفة، إلاَ أن فئة الشباب كان لها النسبة الأكبر، وخاصةً ممن تتراوح أعمارهم ما بين ( 18-30 عاماً )، وأن قرابة ثلاثة أرباع المعتقلين ( 74 % ) هم من غير المتزوجين.
وبينت أنه يوجد في سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي الآن ( 10400 أسير)، ووراء كل منهم أحبة وأصدقاء، أطفال وأمهات يتجرعون ألم الفراق ومرارة الحرمان, و لكلٌ منهم قصصه وحكاياته، فمنهم ( 8828 أسير) من الضفة الغربية، و( 850 أسير ا) من قطاع غزة، و( 525 أسيرا) من القدس، و( 142 أسيرا) من أراضي عام 1948، والعشرات من المعتقلين العرب من لبنان وسوريا والأردن ومصر، لافتةً، إلى أنه في الأشهر الأخيرة اعتقلت قوات الإحتلال الإسرائيلي العشرات من المواطنين المصريين بتهم مختلفة، ووضعتهم في عدة سجون.
وأوضحت أنه يوجد من بين الأسرى ( 118 أسيرة) و( 330 طفلاً) تتراوح أعمارهم ما بين 12- 18 عاماً، بالإضافة للمئات من كبار السن، وأن من بين هؤلاء الأسرى، منهم ( 525 أسيراً) من القدس، من ضمنهم ( 6 أسيرات)، و(12 طفلاً)، أي ما نسبته 5 %، وأن ( 5110 أسرى) من هؤلاء الأسرى محكومون أي ما نسبته 49.2 % ، و( 800 أسير ) محكومين إدارياً وبدون تهمة أي مانسبته 7.7 % ، أما الموقوفين فعددهم ( 4484 ) ونسبتهم 43.1%.
وكشفت أن جميع هؤلاء الأسرى اعتقلوا خلال إنتفاضة الأقصى، باستثناء ( 553 أسيرا) أي ما نسبته 5.3 % معتقلون منذ ما قبل الإنتفاضة، التي اندلعت في 28 أيلول سبتمبر 2000، موزعين على قرابة ثلاثين سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف، كسجن نفحة وعسقلان وبئر السبع، ومعتقلات النقب وعوفر و مجدو. . . إلخ، وأن هذه السجون والمعتقلات موزعة على كافة الأراضي الفلسطينية، حيث لم تعد هناك بقعة في فلسطين إلاَّ وأقيم عليها سجناً ، أو معتقلاً أو مركز توقيف.
وذكرت أن هذه السجون عبارة عن مبانٍ وغرف صغيرة ومعتمة، باستثناء نافذة صغيرة جداً، يتخللها القضبان الحديدية وشبكة من الاسلاك الحديدية، و تفتقر تلك الغرف للهواء اللازم للتنفس بسبب الازدحام، وتكدس عشرات السجناء في غرفة واحدة، أما المعتقلات فهي عبارة عن خيم ممزقة تالفة ومحاطة بالأسلاك والجنود المدججين بالسلاح وهي أشبه بالمعتقلات إبان النازية، وبكل الأحوال فالسجون والمعتقلات أعدت خصيصاً كبدائل لأعواد المشانق وتحكمها وتديرها عقلية واحدة، فالحياة بداخلها قاسية جداً.
وأكدت أن هذه السجون والمعتقلات، تشهد أوضاعاً لاإنسانية، تتنافى وأبسط الحقوق الإنسانية، من كافة النواحي كالتعذيب المميت والإهمال الطبي المتعمد، وسوء التغذية كماً ونوعاً، والحرمان من زيارة الأهل ومواصلة التعليم، وشحة المياه الساخنة ومواد التنظيف، وقساوة المعامل ، والتفتيشات الاستفزازية والإعتداءات المتكررة بالعصى والغاز المسيل للدموع، والعبث بحاجياتهم ومصادرتها أحياناً تحت حجج واهية، إضافةً إلى التحرش ****** والاغتصاب أحياناً، والتفتيش العاري أثناء التنقل ما بين السجون أو إلى المحاكم، والعزل الإنفرادي في زنزانة إنفرادية لفترات طويلة لتصل لسنوات طوال، وفرض الغرامات المالية واستقطاعها من رصيد الأسير، أو من رصيد تنظيمه وذلك لأتفه الأسباب.
ونوهت الدراسة، كذلك إلى حرمان الأسرى من تأدية الشعائر الدينية بحرية، وانتهاك حقوقهم الشخصية، عبر مراقبتهم الدائمة من خلال وضع كاميرات وأجهزة تنصت في بعض الأقسام، كما حدث في بعض السجون، أو من خلال التجوال الدائم للحراس، مشيرةً إلى أن ما نشر عن سجن "أبو غريب" في العراق، يحصل في سجون الإحتلال الإسرائيلي، منذ عقود ولكن بلا تصوير، وبلا رقابة وشهود، وذكرت بما نشرته صحيفة واشنطن بوست في تقرير مفصل لها بعد فضيحة "أبو غريب" وعلى صفحتها الأولى بأن ما يحدث في السجون الإسرائيلية للأسرى الفلسطينيين والعرب أكثر سوءاً مما حدث في " أبو غريب".
وأضاف: أنه في الذكرى الأولى لفضيحة "أبو غريب" أقدم السجانون الإسرائيليون في قسم 7 في سجن هشارون الإسرائيلي المخصص للأسرى الأطفال في أواخر نيسان- إبريل 2005على التقاط صور فاضحة للأطفال الأسرى وهم عراة، وهددتهم بها بهدف قمع اضرابهم، وبعدها بأيام قليلة جرت اعتداءات على المصحف وتدنيسه من قبل حراس المعتقل المدججين بالسلاح في معتقل "مجدو"، وفي حزيران- يونيو من نفس العام اقتحمت وحدة " نحشون " غرف الأسرى في سجن نفحة، وارتكبت جريمة تمثلت بقيام عناصرها بتدنيس القرآن الكريم، وداسوا عليه بأقدامهم بشكل متعمد ومزقوه، وفي سبتمبر- ايلول من نفس العام أيضاً تعرض مجموعة من الأسرى في سجن " المسكوبية " الى التعرية الكاملة من ملابسهم أمام عيون بعضهم البعض وأصبحوا كما خلقهم ربهم، من قبل وحدة " نحشون " الذين لم يكتفوا بذلك، بل انهالوا عليهم بالضرب المبرح بالعصي والهراوات وبأرجلهم وبساطيرهم على جميع أنحاء أجسامهم، مما أحدث إصاباتٍ كثيرة بينهم. وصاحبَ عملية الاعتداء صراخ وشتائم بذيئة ونابية بحق الأسرى، وشتم الذات الإلهية ، وبعد ذلك وضعوا الأسرى بجانب بعضهم البعض وهم عراة، وقاموا بوضع أسير فوق أسير آخر وهم عراة، مما يذكر بالمشاهد الأليمة التي حدثت في سجن "أبو غريب" في العراق ، وكأنهم يحتفلون بالذكرى السنوية الأولى لفضيحة "أبو غريب" على طريقتهم الخاصة.
وفيما يتعلق بأثار جدار الفصل العنصري على الأسرى وذويهم، أوضحت الدراسة أن "الجدار" أمتد ليشمل الأسرى، فاستبدل الشبك الحديدي، الذي يفصل ما بين الأسير وذويه، بحاجز زجاجي واتسعت المسافة الفاصلة ما بين الطرفين إلى عشرات السنتيمترات، وأن الحديث فيما بينهم يتم عبر سماعة هاتف، وهذا حرم الأسير من ملامسة أصابع أمه وأطفاله، وبات الحديث يتم بين الطرفين بصعوبة بالغة.