المطلب الثاني : المحاكم الدولية المؤقتة


في العقد الماضي تعرضت عدة مناطق من العالم لأحداث خطيرة انتهكت فيها كل الأعراف و المواثيق الدولية و أبيدت أجناس و أعراق بشرية ، تحت سمع و بصر العالم و المنظمات الدولية كما حدث للأكراد ، والصومال ، ويوغسلافيا سابقا ، ورواندا و هايتي ... .

إن الأحداث التي وقعت في يوغسلافيا منذ 1991 حركت المشاعر المطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب اليوغسلافيين ، نفس الشيء تم بالنسبة للمجازر المرتكبة في رواندا في 1994 . فتبعا لذلك أنشأت كل من المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا سابقا إضافة إلى المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ، وهذا ما ستأتي معالجته في هذا المطلب ، من خلال دراسة كل محكمة على حدة .


الفرع الأول : المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا سابقا


في النزاع الذي كانت يوغسلافيا سابقا مسرحا له ارتكبت عدة مجازر يندى لها الجبين ، فقد أبيدت قرى بأكملها و قتل عدد كبير من المدنيين ، وارتكبت أفعال تعذيب و معاملات لا إنسانية و دمرت المستشفيات ...فمثلا في 18 نوفمبر 1991 قام الصرب بحصار مدينة "Vucovar " لمدة ثلاث أشهر ، وقاموا بقتل حوالي 5000 شخص ،و فقد حوالي 4000 شخص . أيضا كارثة "Srebrenica" أين قامت القوات الصربية في 10 جويلية 1995 بقتل حوالي 10000 شخص من نساء و رجال وأطفال .كل هذا دفع مجلس الأمن إلى التدخل في العديد من المرات و ذلك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، فأصدر بذلك عدة قرارات بخصوص النزاع .


أولا – إنشاء المحكمة


سنة 1993 قام مجلس الأمن بإنشاء المحكمة الجنائية الطارئة ليوغسلافيا ، عن طريق القرار 808 الصادر في 22 فيفري 1993، المنشأ لمحكمة يوغسلافيا السابقة. و القرار 827 بتاريخ 25 ماي 1993 المتضمن الموافقة على النظام الأساسي الخاص بتلك المحكمة الذي يضم 34 مادة . و ذلك بعد الطرح الذي تقدمت به فرنسا إلى المجلس لاستصدار قرار منه لإنشاء محكمة دولية لمحاكمة مجرمي الحرب اليوغسلافيين نظرا للأفعال الفظيعة المرتكبة في يوغسلافيا سابقا. وبالتالي تعتبر محكمة يوغسلافيا محكمة جنائية دولية مؤقتة منشأة لغرض خاص ، حيث يتحدد اختصاصها العام بحالة أو حالات محددة ، فهي هيئة قضائية مكلفة بمهمة خاصة .

بالنسبة للاختصاص المكاني للمحكمة فهو حسب المادة 8 من النظام الأساسي عن الجرائم التي وقعت على إقليم الجمهورية الفدرالية الاشتراكية ليوغسلافيا بما في ذلك الإقليم البري و البحري و الجوي . أما بالنسبة للاختصاص الزمني فقد حددته نفس المادة ، وذلك بذكر تاريخ بدايته أي من 1 جانفي 1991 بدون تحديد نهاية المدة ، الشيء الذي ترك لمجلس الأمن .
إن المحكمة أنشأت من أجل محاكمة الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات خطيرة لقواعد القانون الدولي الإنساني ، والأشخاص هنا هم الأشخاص الطبيعيين فقط دون الأشخاص المعنوية .

وقد حددت المادة الثانية إلى غاية المادة الخامسة من النظام الأساسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة الاختصاص الموضوعي بثلاث طوائف من الجرائم : جرائم الحرب ، جرائم الإبادة ، الجرائم ضد الإنسانية .

و بالنسبة لجرائم الحرب فنجد أن المادة 2 و 3 قسمتها إلى طائفتين :

أ- الجرائم المتضمنة الخروق الجسيمة لاتفاقيات جنيف 1949 و الواردة في نصوص المواد 50 و 53 من الاتفاقية الأولى ، إضافة إلى المادتين 44 و 51 من الاتفاقية الثانية والمادة 130 من الاتفاقية الثالثة ، و المادة 147 من الاتفاقية الرابعة و هي تشمل :
- القتل العمد .
- التعذيب .
- المعاملة الغير إنسانية ، و تدخل في ذلك التجارب البيولوجية و تعمد تسبيب آلام شديدة أو اعتداء خطير على جسم الإنسان أو صحته .
- تدمير الممتلكات أو مصادرتها على نطاق واسع دون ضرورة عسكرية وعلى نحو غير مشروع.
- إحداث آلام كبرى عمدا .
- التخريب الواسع للأموال .
- إكراه أسير أو شخص مدني على الخدمة في قوات معادية .
- حرمان أسير حرب أو مدني من محاكمة عادلة .
- طرد أو نقل غير مشروع للمدنيين أو حبسهم بوجه غير مشروع .
- أخذ الرهائن .
- سوء استعمال علم الصليب الأحمر.

ب- انتهاكات قوانين وأعراف الحرب و هي تشمل :

- استعمال الأسلحة السامة أو ما يماثلها و التي تسبب آلاما غير ضرورية .
- هدم المدن و القرى بدون ضرورة عسكرية.
- الهجوم أو إلقاء القنابل بأي طريقة على المدن و القرى المأهولة بالمدنيين أو التي ليس لها وسيلة دفاعية .
- مصادرة أو تدمير أو تخريب أماكن العبادة و التعليم و الآثار التاريخية و الفنية و العلمية و المؤسسات الإنسانية و المستشفيات . إضافة إلى نهب الممتلكات العامة و الخاصة .


إن المادة 7 من النظام الأساسي تنص على محاكمة كل من شارك أو ساعد أو حرض على ارتكاب الجرم ، و هذا ما يبين أخذ النظام الأساسي بالمسؤولية الشخصية عن ارتكاب الجرائم أيا كانت صفتهم الرسمية ، كما لا تعتبر الصفة الرسمية ظرفا مخففا للعقوبة كما حدث في محكمة طوكيو العسكرية . و لا يعتد بالدفع بأمر الرئيس ، فكل هذه المبادئ الواردة هنا تم إقرارها منذ النظام الأساسي لمحكمة نورمبورغ ، وأصبحت بالتالي مبادئ هامة في القانون الدولي الجنائي .