الفرع الثاني : محكمة طوكيو


بعد حوالي ستة أشهر من افتتاح المحاكمات في نورمبورغ ، أي في 3 ماي 1946 بدأت محكمة الشرق الأقصى التي اتخذت طوكيو مقرا لها محاكمة 25 مجرم حرب ياباني .



أولا – إنشاء المحكمة وعملها


ففي جانفي 1945 عقد مؤتمر موسكو الذي تم الاتفاق فيه على وجوب إنشاء محكمة لمحاكمة مجرمي الحرب اليابانيين ، وأن يكون مقرها في طوكيو . و في 19 جانفي 1946 قام الجنرال " دوغلاس ماك آرثر " القائد العام لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى بإصدار لائحة أنشأت المحكمة العسكرية للشرق الأقصى و صدق على نظامها التأسيسي .


إن لائحة محكمة طوكيو لا تختلف في مضمونها عن لائحة محكمة نورمبورغ . فنجد نفس الاختصاص بين المحكمتين ، ونفس الإجراءات . لكن هناك اختلاف وحيد يتمثل في أن النظام الأساسي لمحكمة طوكيو في المادة 7 نص على أن الصفة الرسمية يمكن اعتبارها ظرفا من الظروف المخففة للعقاب بينما في لائحة نورمبورغ ليس لتلك الصفة أثر على العقاب .


بدأ عمل محكمة طوكيو في 3 ماي 1946 إلى غاية 4 نوفمبر 1948 و قد أصدرت في مجمل أحكامها 7 أحكام بالإعدام ، و 16 حكم بالسجن المؤبد ، و حكم واحد لمدة 20 سنة ، وحكم لسبع سنوات .


ثانيا – المبادئ التي جاءت بها كل من محكمة طوكيو و نورمبورغ

صاغت كل من المحكمتين عددا كبيرا من المبادئ الهامة منها :

  • - كل شخص يرتكب أو يشترك في ارتكاب فعل يعد جريمة طبقا للقانون الدولي يكون مسئولا عنه و يستحق العقاب .

  • - إن الضرورات العسكرية مهما كانت ملحة لا تبرر بأي حال من الأحوال ارتكاب أي نوع من الجرائم الدولية ، وإن كان بالإمكان اعتبارها أحد الظروف المخففة في بعض الأحيان .
  • - إذا كان القانون الوطني الداخلي لا يعاقب على عمل يشكل جريمة حرب فإن هذا لا يعفي من ارتكبه من المسؤولية بحسب أحكام القانون الدولي ، لأن تلك الجرائم تعتبر مرتكبة في حق الإنسانية جمعاء و ليست متعلقة بمنطقة جغرافية معينة .
  • - إذا تصرف الشخص الذي ارتكب الجريمة بصفته رئيس دولة أو مسئولا فيها ، فهذا لا يعفيه من المسؤولية الجنائية .
  • - عدم الاعتداد بالدفع بأمر الرئيس أو المسئول .
  • - الحق في محاكمة عادلة لكل متهم .
- مبدأ الشرعية المعروف في القانون الداخلي يمكن التجاوز عن تطبيقه في القانون الدولي .


لكن هاتين المحكمتين كانتا من قبيل إخضاع الدول المنهزمة في الحرب لإرادة الدول المنتصرة ، فهي في باب الثأر أكثر منها في باب المحاكمات القانونية العادلة ، فمثلا انتقدتا في إهمال تعيين قضاة محايدين ، فقيل أنها محاكم متميزة و لا تتوافر فيها ضمانات الحياد القضائي .

و أشد نقد هو أنها خالفت مبدأ عدم رجعية القانون الجنائي و مبدأ الشرعية ، بحيث أن هذه القوانين سنها الحلفاء الذين لا يحق لهم سن القانون و تطبيقه على غيرهم . فلقد خلقت جرائم لم تكن معروفة من قبل . مما جعل هاتين المحكمتين بلا معنى قانوني أو أي شرعية دولية ،

رغم الانتقادات التي وجهت لمحكمتي نورمبورغ وطوكيو إلا أنهما اتخذتا أساساً لإنشاء قضاء جنائي دولي ، فبعد محاكمات نورمبورغ صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 95 الذي تم إقراره بالإجماع في 11 ديسمبر عام 1946 وأكد هذا القرار أن مبادئ نورمبورغ تعتبر مبادئ للقانون الدولي . و طلبت الجمعية العامة في نوفمبر 1947 من لجنة القانون الدولي إعداد مشروع قانون للجرائم ضد سلم و أمن البشرية .


في 9 ديسمبر 1948 وضعت اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية و المعاقبة عليها من طرف الجمعية العامة . وصاغت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة مبادئ القانون الدولي المعترف بها في نظام محكمة نورمبورغ والحكم الصادر عنها ، وناقشت في عام 1950 مشروعاً بهذا الخصوص . فالمادة الأولى من مشروع قانون الجرائم ضد سلم و أمن البشرية نصت على أن " أي شخص يرتكب عملاً إجرامياً من حيث القانون الدولي عليه أن يتحمل المسؤولية عنه ويخضع للعقاب " . ووفقاً للمادة 6 من نفس المشروع تشكل انتهاكات قوانين النزاعات المسلحة جرائم في نظر القانون الدولي . و بالتالي فان المبادئ التي أسفرت عنها محاكمات نورمبورغ و طوكيو أصبحت جزءا مؤكدا من القانون الدولي المعاصر .


ثم بعد ذلك صدرت اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 26 نوفمبر 1968 . لقد ساهمت الأمم المتحدة مساهمة كبيرة في إظهار ماهية جرائم الحرب و كيفية مكافحتها، فأصدرت بصدد هذا الموضوع عدة قرارات منها :

- القرار رقم 3 الصادر في فيفري 1946 الخاص بتسليم مجرمي الحرب .
- القرار 180 الصادر في أكتوبر 1947 الخاص بمعاقبة مجرمي الحرب .
- القرار 2338 الصادر في 18 ديسمبر 1967 الخاص بمعاقبة مجرمي الحرب .
- القرار 2583 الصادر في 15 ديسمبر 1969 المتضمن معاقبة مجرمي الحرب .