ثانيا- عمل المحكمة


أصدرت المحكمة لغاية سنة 2001 عدة أحكام منها 20 سنة سجن ضد الجنرال الصربي "تاديش" ، و هناك أحكام مازالت أمام الدرجة الأولى متمثلة في عقوبات من 6 إلى 25 سنة ضد خمسة كرواتيين متهمين بجرائم ضد الإنسانية . إضافة إلى حكم مدته 45 سنة ضد الجنرال الكرواتي " بلازيش" . و هناك 28 متهم مقبوض عليهم بالمقارنة مع 69 متهم لم يتم القبض عليهم ، و نجد من المتهمين الرئيس الصربي " ميلوزيفيتش" و أربع من مسئوليه متهمين بإعداد ، تنفيذ ، أمر و تشجيع حملة عنف و إبادة و ارتكاب جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية بين سنتي 1998 و 1999 ضد الشعب الألباني في كوسوفو . إضافة إلى ارتكاب أعمال إبادة جماعية و التورط فيها أثناء الحرب في البوسنة و الهرسك ، و اعتبروا أيضا مسئولين عن عدم منع مرؤوسيهم من القيام بهذه الجرائم . فهذه هي أول مرة يتهم فيها رئيس دولة بجرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية ، فقد كلفت هذه الحرب حوالي 300000 قتيل منهم 200000 مسلم ، وأكثر من 3 ملايين شخص مرحل منهم 2.3 مليون مسلم .
و قد أكدت المحكمة في كثير من المرات على الصفة الجنائية لجرائم الحرب التي ترتكب في المنازعات المسلحة الداخلية .


الفرع الثاني : المحكمة الجنائية الدولية لرواندا


كان هناك نزاع كبير بين قبائل التوتسي و الهوتو في إقليم رواندا ، فقد وقعت اشتباكات كبيرة بين الميليشيات المسلحة وقوات الحرس . خلفت عدد كبير من الضحايا المدنيين. فقد كان الأفراد من قبيلة التوتسي يجمعون داخل الكنائس و المستشفيات بغرض حمايتهم من الاعتداءات ، لكن يتم ذبحهم و القضاء عليهم من قبل القوات الحكومية ، و كانت الإبادة لا تفرق بين طفل أو امرأة أو شيخ . و قد خلفت هذه الجرائم حوالي 800 ألف ضحية من التوتسي و الهوتو .

و قد تم التحضير لهذه الجرائم حتى من جانب الوسائل ، فلأسلحة وردت من جنوب إفريقيا و فرنسا ، و وزعت على أفراد الشعب .و قد استمر مرتكبو الإبادة في رواندا في تلقي الأسلحة رغم قرارات الحظر الدولي على توريد الأسلحة إليهم ، و أيضا من الجانب الإعلامي الداخلي الذي كان يساند هذه الجرائم ، فقد كانت إحدى الإذاعات الداخلية تردد "اقطعوا أرجل الأطفال لكي يسيروا طول حياتهم على أركابهم"، " اقتلوا البنات لكي لا تكون أجيال أخرى في المستقبل " .


أولا – إنشاء المحكمة


بسبب تفاقم الانتهاكات الصارخة لقواعد ومبادئ القانون الإنساني في نزاع رواندا قرر مجلس الأمن إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد الإنسانية وذلك بموجب القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 955 في 8 نوفمبر 1994 و تختص بمحاكمة الأشخاص المسئولين بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني ، و المرتكبة فوق الإقليم الرواندي ، و أيضا المواطنين الروانديين الذين ارتكبوا نفس الانتهاكات فوق أراضي الدول المجاورة و في الفترة ما بين 1 جانفي و 31 ديسمبر 1994 .

وقد أصدر مجلس الأمن النظام الأساسي لمحكمة رواندا الدولية، وذلك ملحقاً بقراره رقم 955 حيث جاء في 32 مادة.


جاء ذكر الاختصاص الموضوعي في ثلاث مواد ، المادة الثانية التي تدخل في الاختصاص جرائم الإبادة ، المادة الثالثة تدخل الجرائم ضد الإنسانية ، المادة الثالث تدخل الانتهاكات الجسيمة لمادة 3 مشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 و أيضا انتهاكات البروتوكول الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف 1949 وهي :


- الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله.
- المعاملة القاسية والتعذيب.
- أخذ الرهائن .
- الاعتداء على الكرامة الشخصية.
- الحرمان من المحاكمة العادلة .
- الجزاءات الجنائية.
- أعمال الإرهاب.
- والاغتصاب والإكراه على الدعارة .
- الرق وتجارة الرقيق بجميع صورها.
- السلب والنهب.
- التهديد بارتكاب أي من الأفعال المذكورة.

أما الاختصاص الشخصي للمحكمة ينحصر في من خطط ،أو حرض على ارتكاب الجرائم أو أمر أو ساعد ، أو شجع على التخطيط لارتكاب الجرائم السالفة الذكر.
إن كل من المحكمة الجنائية ليوغسلافيا و رواندا يختلفان في الاختصاص الموضوعي من ناحية جرائم الحرب ، فنجد أنه بعدما كانت محكمة يوغسلافيا تختص بجميع انتهاكات قوانين وأعراف الحرب سواء تلك الانتهاكات التي تقع على الأشخاص أو الأموال ، فإن محكمة رواندا تختص فقط بالانتهاكات الواردة في المادة 3 مشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 و أيضا البروتوكول الثاني ، و التي تشمل فقط الانتهاكات الواقعة على الأشخاص و ذلك في النزاع المسلح الغير دولي .


و بالتالي فإن اختصاص محكمة رواندا بالنسبة لجرائم الحرب محدد و ضيق عن اختصاص محكمة يوغسلافيا سابقا.


بالنسبة للاختصاص الشخصي فنجد التشابه بين المحكمتين، فمحكمة رواندا أيضا تختص بالأشخاص الطبيعية دون المعنوية، وبغض النظر عن صفة الشخص


ثانيا – عمل المحكمة


بدأت محكمة رواندا عملها في نوفمبر1995 و قامت بأول محاكمة في 9 جانفي 1999 .

و إلى غاية نوفمبر 2001 قامت المحكمة باتهام 65 شخص و نطقت بثمانية أحكام، ووضعت تحت الحبس المؤقت 45 متهم، و قامت بالقبض على مسئولين سامين. لكن المحكمة عانت بعض الشيء بحيث أنها لم تلاقى الصدى و الاهتمام الإعلامي كما لاقته محكمة يوغسلافيا سابقا، فقد تم اتهام المحكمة في بعض الأحيان بأنها استعملت كمحققين مجرمين سابقين. و أيضا غياب الأشخاص الروانديين عن لجان التحقيق .


قد أخذ على محكمة يوغسلافيا سابقا و رواندا أنهما يستندان في إنشائهما إلى قرار صادر عن مجلس الأمن و ليس معاهدة دولية ، وهذا يعني أنها تعتبر أحد الأجهزة التابعة لمجلس الأمن ، وبالتالي لا يتوافر لها الاستقلال الكافي و الحياد ، فهي تتأثر بالظروف السياسية للمجتمع الدولي بصفة عامة و مجلس الأمن بصفة خاصة .خاصة وأن المدعي العام و باقي موظفي المحكمة يتم تعيينهم من قبل مجلس الأمن أو الأمين العام للأمم المتحدة . و بالتالي كان من اللازم لتفادي هذه الانتقادات إنشاء المحكمتين بشكل تعاقدي ، أي على شكل معاهدة دولية ، يفتح الباب للانضمام إليها من طرف الدول .

ساهمت المحكمتين الدوليتين ليوغسلافيا سابقا و رواندا في توفير كابح يضبط أعمال القادة السياسيين ، وذلك بتطوير معيار المسؤولية الفردية في زمن الحرب ، وقد طورتا مفهوم الجرائم الدولية ، وخاصة جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية ، و أيضا أنهما قننتا بشكل بارز القانون الدولي الإنساني ، بغض النظر عن مساهمتهما الكبيرة في الاجتهاد القضائي الدولي ، ومهد نجاحهما السبيل لتكوين محكمة جنائية دولية دائمة .