- السلطة التقديرية للمدعي العام :

تمارس جهات الادعاء في العديد من البلدان التي تأخذ محاكمها بمبدأ الاختصاص العالمي, مثل بريطانيا وهولندا والدنمارك وبلجيكا والنرويج وألمانيا, سلطة تقديرية للموافقة علي مباشرة الدعوي, بينما يمكن في فرنسا وإسبانيا رفع الدعاوي مباشرة أمام القضاء دونما اشتراط موافقة النيابة العامة. وعلي الرغم من أن هناك وسائل في الكثير من هذه البلدان للطعن علي قرارات المدعي العام, إلا أن هذه السلطة التقديرية قد تصعب من توظيف الاختصاص العالمي للمحاسبة علي جرائم حقوق الإنسان.


3- استنفاد الوسائل الوطنية :


حيث إنه يشترط في الغالب اللجوء إلي المحاكم الوطنية ذات الاختصاص العالمي في مرحلة لاحقة لاستنفاد الوسائل الوطنية للتقاضي, أو أن يكون النظام القضائي الوطني غير قادر أو غير راغب في نظر الجرائم التي تدخل ضمن اختصاصات المحاكم ذات الاختصاص العالمي, ففي عام 2000 رفضت إحدي المحاكم الإسبانية ممارسة اختصاصها علي جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في جواتيمالا بمبرر إعطاء فرصة للمحاكم في جواتيمالا لنظر هذه الجرائم, ولكن رفضت ذلك المحكمة الدستورية في إسبانيا عام 2005, مقررة أن المحكمة الإسبانية يمكنها نظر هذه الجرائم, مادام متوافرا لديها دلائل تفيد بعدم رغبة ومقدرة المحاكم في جواتيمالا علي نظر هذه الجرائم.


4- شرط وجود المدعي عليه :


تشترط بعض الدول أن يكون المدعي عليه موجودا علي أراضي الدولة لمباشرة الدعوي ضده. فمثلا, رفضت السلطات الدنماركية التحقيق في شكاوي ضد مسئول صيني قبل وصوله إلي الدنمارك للمشاركة في مؤتمر في كوبنهاجن, علي اعتبار أنه لم يأت بعد إلي الأراضي الدنماركية, ولم تكتمل عملية التحقيق أو إصدار أمر بالقبض عليه أثناء وجوده لفترة خمسة أيام. وعليه, لم تسفر الشكوي المقدمة عن أية نتائج قانونية تجاه هذا الشخص. يتطلب القانون الفرنسي أيضا شرط وجود المدعي عليه في فرنسا لبدء التحقيق, ولكن يمكن مباشرة الدعوي غيابيا إذا كان المدعي عليه قد غادر الأراضي الفرنسية.


5- تضييق نطاق ممارسة الاختصاص العالمي :


عملت بلجيكا بنظام الاختصاص العالمي منذ عام 1993, ولكن الحكومة وجدت نفسها تحت ضغط سياسي ودبلوماسي بسبب تعدد القضايا التي كانت تنظرها المحاكم البلجيكية ضد العديد من القيادات والمسئولين السياسيين والعسكريين. فأدخلت الحكومة عام 2003 تعديلات علي القانون المعني بالاختصاص العالمي, بحيث أصبحت ممارسة هذا الحق مقصورة علي من يحمل الجنسية البلجيكية أو من يقيم علي الأراضي البلجيكية, ويشتبه في ارتكابه جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جريمة الإبادة الجماعية, أو من أقام في بلجيكا ثلاث سنوات وارتكب خلالها واحدة من هذه الجرائم. وقد ترددت أنباء صحفية عن أن الحكومة الإسبانية تنوي تغيير تشريعاتها فيما يتعلق بالولاية القضائية العالمية لتنظر في الدعاوي فقط, إذا كان الضحايا من الإسبان. وقد صرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية, تسيبي ليفني, بأن نظيرها الإسباني ميجيل موراتينوس أبلغها عن هذه النوايا(14).


فرص الملاحقة القانونية أمام المحاكم العربية :


لا تأخذ المحاكم في الدول العربية بالاختصاص العالمي في جرائم حقوق الإنسان. وقد تصاعدت المطالب بأن يتم إدخال التعديلات القانونية المطلوبة علي قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية, بحيث يتم تبني الجرائم الخطيرة الواردة في الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني(15), ويتمكن بالتبعية المحامون والمنظمات الحقوقية العربية من مقاضاة القيادات السياسية والعسكرية في المحاكم العربية. ورغم القول إن الملاحقة في الأراضي الغربية قد تكون ذات جدوي أكبر, علي اعتبار أنه قد يتم التشكيك في نزاهة هذه العملية إذا جاءت من أطراف عربية, علي اعتبار أنه قد ينظر إليهم علي أنهم أطراف غير محايدة في الصراع, فإن ملاحقة هذه القيادات داخل الأراضي العربية إلي جانب الدول الغربية قد تزيد من حالة الحصار والعزلة لهؤلاء القادة. والحقيقة, فإنه من المستبعد أن تستجيب الحكومات العربية لهذه المطالب, نظرا لما تشكله من حساسية سياسية خاصة للدول التي تقوم بينها وبين إسرائيل علاقات دبلوماسية, فضلا عن أنه لا توجد سوابق للقضاء العربي في التصدي لجرائم حقوق الإنسان بشكل عام, وسط حالة غياب العدالة التي تعانيها كثير من الشعوب العربية كنتاج لهشاشة وعدم استقلالية الأنظمة القضائية, وخوف الأنظمة العربية هي الأخري من أن يمثل رموزها أمام القضاء الدولي أو المحاكم الوطنية ذات الاختصاص العالمي علي جرائم خطيرة ارتكبتها في حق شعوبها.