ثانيا- المحاكم الدولية الخاصة المؤقتة :


يصدر قرار بتشكيل هذه المحاكم من مجلس الأمن بالأمم المتحدة, باعتباره الهيئة السياسية المسئولة عن الأمن والسلام العالمي. تتسم هذه المحاكم بالانتقائية إلي حد كبير, وتكون رهينة للحسابات السياسية للدول الأعضاء بمجلس الأمن, خاصة الدول الخمس دائمة العضوية. ومن أبرز الأمثلة علي هذه المحاكم نموذج محكمة رواندا (1993), أو محكمة يوجوسلافيا السابقة (1992). وفي كلا النموذجين, شكلت المحكمة بموجب قرارات ملزمة من جانب مجلس الأمن علي عكس رغبة كلتا الحكومتين.


بينما هناك نوع آخر من المحاكم الدولية الخاصة التي تتم بشكل توافقي بين الدولة المعنية والأمم المتحدة. ومن الأمثلة علي هذه المحاكم: المحكمة المختصة بمحاسبة المسئولين عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري, والتي صدر قرار بشأنها من مجلس الأمن في مايو 2007, بناء علي طلب من حكومة الأغلبية في لبنان, ومحكمة سيراليون الخاصة بجرائم الحرب, والتي تأسست في 12 يناير 2002, والتي جاءت بمبادرة من حكومة سيراليون, لمحاسبة المتورطين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في سيراليون, بدءا من 30 نوفمبر 6991.


ثالثا- المحاكم الوطنية ذات الاختصاص العالمي :


جذب مفهوم الاختصاص العالمي انتباه الرأي العام عام 1998, عندما ألقي القبض علي الديكتاتور الشيلي أوجيستو بينوشيه في لندن بتهمة ارتكاب جريمة التعذيب. وقد أثار هذا المفهوم جدلا واسعا, حيث اعتبره المؤيدون وسيلة مهمة لإنصاف ضحايا حقوق الإنسان, عندما يكون قضاؤهم الوطني غير راغب أو غير قادر علي محاسبة المنتهكين, وأن الدول لديها التزام قانوني وأخلاقي للتصدي للجرائم التي تهدد المجتمع الدولي. بينما انتقده البعض, معتبرين أن الاختصاص العالمي ينتهك مبدأ الحصانة الدولية التي تمنح للرؤساء والمسئولين السياسيين, وأن المحاسبة علي الصعيد الدولي لا بد أن تقتصر فقط علي المحاكم الدولية المتعارف عليها, مثل المحكمة الجنائية الدولية.


يتيح القانون الدولي لحقوق الإنسان, والقانون الدولي الإنساني, للدول المختلفة أن تجعل أنظمتها القضائية ذات اختصاص عالمي, لمحاكمة المشتبه في تورطهم بارتكاب جرائم حرب, أو جرائم ضد الإنسانية, أو جريمة الإبادة الجماعية, أو القتل خارج نطاق القانون, أو التعذيب, أو الاختفاء القسري. وقد أخذت العديد من دول العالم هذا الاختصاص العالمي, مثل إسبانيا, بريطانيا, الدول الإسكندنافية, نيوزيلندا, سويسرا, لكن لكل حالة قواعدها الخاصة.


من الأمثلة البارزة والحديثة لممارسة الاختصاص العالمي في المحاكم الوطنية الأوروبية, المحاكمة الغيابية التي جرت في مدينة ستراسبورج لدبلوماسي تونسي سابق, بتهمة ممارسة التعذيب خلال تسعينيات القرن الماضي, عندما كان ضابط شرطة, وقد أصدرت المحكمة في حقه حكما غيابيا بالسجن لمدة 8 سنوات(9).