الوضع القانوني للمدنيين بعد انتهاء الحرب


في القانون الدولي العام والشريعة الإسلامية



تمهيد


من أهم الآثار التي تترتب على انتهاء الحرب هي تلك الآثار التي تمس الوضع القانوني للمدنيين لا سيما عند انقراض الشخصية الدولية لدولتهم ، أو في حالة اكتساب أقاليمهم لشخصية دولية خلاف التي يحملون جنسيتها كما هو الحال في استقلال الإقليم الثائر ، وتختلف تلك الآثار وفقا للكيفية التي تنتهي بها الحرب ، والوضع القانوني للمدنيين بعد انتهاء الحرب يختلف فى الشريعة الإسلامية عما عليه الوضع في القانون الدولي ، ومناقشة ذلك يتطلب بحث هذا الموضوع على النحو التالي .



اولاً :الوضع القانوني للمدنيين بعد انتهاء النزاع المسلح في القانون الدولي العام



قد يطرأ لإنهاء الحرب نتائج قانونية تنعكس على الرعايا المدنيين تكون مرجعها تغيير السلطة التي تباشر السيادة على الدولة وأكثر الأوضاع تأثرا بانتهاء الحرب جنسية السكان حيث أنها تدور إيجابا وسلبا ببقاء الشخصية الدولية لدولتهم أو أقاليمهم ،وقد تصل إلى فقد جنسيتهم واكتساب جنسية عدوهم أو اكتساب جنسية دولة جديدة ، والأوضاع القانونية التي تنشئ في حق المدنيين متعددة ومتباينة ومختلفة وفقا للكيفية التي تنتهي بها الحرب ، نكتفي هنا بالإشارة إلى الوضع القانوني للمدنيين عند الاحتلال الحربي للإقليم أو فقد الدولة أو الإقاليم للشخصية الدولية ، وذلك فيما يلي :



1/ الوضع القانوني للمدنيين عند فقدان الدولة أو الإقليم للشخصية الدولية :


تفقد الدولة شخصيتها القانونية بالفتح وضم إقليمها للدولة أخرى أو عند اندماج الدول واتحادها كاتحاد جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية مكونة الجمهورية العربية المتحدة عام 1969 ، أو عند انفصال دولة اتحادية إلى دويلات كانفصال جمهوريات الاتحاد السوفيتي ، أو عند استقلال الإقليم الثائر كانفصال إقليم إرتريا عن الجمهورية الأثيوبية وإعلانها قيام جمهورية الإرترية عام 1992 ، وأي كانت الطريقة التي تفقد بها الإقليم لشخصيتها القانونية والدولية فإن الوضع القانوني لسكان الإقليم يتأثر من جراء ذلك سوى تم بالقوة المسلحة أو صلحا ، ذلك أن الإقليم يفقد شخصيته القانونية الدولية السابقة وتكتسب شخصية دولية جديدة ، ولهذا تساءل بعض فقهاء القانون الدولي إذا كان من اللازم الحصول على موافقة الشعب الذي يمسه الضم أو الانفصال ، وعموما جرت العادة على منح الرعايا في الإقليم حق الاختيار فيما يتعلق بتغيير الجنسية بين أن يكونوا على جنسيتهم القديمة على أن يغادروا الإقليم مع تصفية أموالهم وبين أن يكتسبوا جنسية الدولة التي قامت بضم أقاليمهم ، ذلك أن ضم الإقليم يترتب عليه فقدانها لشخصيتها الدولية القديمة وبالتالي فقدان سكانها لجنسيتهم الأصلية إن رغبوا في البقاء في أقاليمهم على أن يكتسبوا جنسية الدولة الجديدة ويلزم في هذا المجال تحديد سكان الإقليم المنفصل وفي هذا تأخذ الدول بعدة معايير لتحديد السكان ، فمنهم من يأخذ بمعيار الإقامة في تحديد معنى سكان الإقليم ، وبعضها يعتد بالأصل أو ***** والبعض الأخر بمعيار مشترك فيشترط فيمن يكتسب جنسية الدولة الوارثة أن يكون منتميا بجنسية إلى سكان الإقليم المنضم وأن يكون مقيما فيه وقت الضم(1) ويمكن تصور حق المغادرة مع الحفاظ على الجنسية في حالة الضم الجزئي لأقاليم الدولة أو في حالة استقلال الإقليم الثائر ، ولا يمكن تصوره في حالة الفتح وضم كامل إقليم الدولة حيث ينتفي مع هذا حق المغادرة مع الحفاظ على الجنسية حيث أن اضمحلال الدولة وفقدانها لشخصيتها القانونية يؤدي إلى فقدان وثائق الدولة الزائلة لصفتها القانونية ، فيترتب على ذلك أن يقبل سكان الإقليم بالواقع الجديد واكتساب جنسية عدوهم أو اكتساب صفة اللاجئ وحمل الوثيقة الدولية للاجئين كما هو الحال لدى لاجئ الفلسطيني قبل الاعتراف بدولتهم .


2/ الوضع القانوني للمدنيين عند الاحتلال الحربي :


نظمت اتفاقيات لاهاي سنة 1899 وسنة 1907 ، وكذلك اتفاقية جنيف الخاصة بحماية السكان المدنيين أبان النزاعات المسلحة المعقودة عام 1949م والمعروفة باتفاقية جنيف الرابعة(*) الوضع القانوني للإقليم المحتل ووضع المدنيين المقيمين عليها ، ولقد اهتمت هذه الاتفاقيات بوضع النصوص التي تكفل للمدنيين وضعا إنسانيا يحفظ لهم حقوقهم ، بجانب إعطاء سلطة الاحتلال سلطات واسعة للحفاظ على الوضع القائم ، وأهم تلك الحقوق التي منحت للمدنين تتمثل في ضرورة احترام حياتهم وشرفهم وأملاكهم ومعتقداتهم وأن تكفل لهم مباشرة عباداتهم ، كما تضمن حماية النساء ضد أي اعتداء على شرفهن وخاصة ضد الاغتصاب(2) ، وهذه الحقوق فصلتها المادة 46 من أنظمة لاهاي ، وتوسعت في تفصيلها المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تنص على " للأشخاص المحميين في جميع الأحوال حق الاحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم ويجب معاملتهم في جميع الأوقات معاملة إنسانية وحمايتهم بشكل خاص ضد أعمال العنف أو التهديد ، وضد السباب وفضول الجماهير ، ويجب حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن ، ولا سيما ضد الاغتصاب ، والإكراه على الدعارة وأي هتك لحرمتهن "


وبما أن العدو المحتل لا يكتسب حق ملكية الأراضي التي يحتلها فلا يسمح له بفرض يمين الولاء والطاعة على المواطنين المحليين ، وذلك بموجب المادة 45 من أنظمة لاهاي ، وهذا النص لا يمنع إطاعة الأمر الصادرة من سلطات الاحتلال لا سيما قوانينهم التي يضعونها ، وإن كان له حق إجبار الموطنين على القسم بأن يكونوا على الحياد ، ويلاحظ أن هذا القول يخالف حق الشعب في مقاومة الاحتلال والتي تنص عليها المادة 2 من اتفاقية لاهاي ، وإن كانت تشترط أن تكون المقاومة من أرض تقع خارج سلطة الاحتلال (3 ) .


وعدم انتقال ملكية الأراضي إلى الدولة المحتلة يترتب عليه بقاء السكان على جنسية دولتهم الأصلية ، ذلك أن الشخصية القانونية للدولة لا تنتفي باحتلال أراضيها إنما تظل شخصيتها الدولية قائمة ، حيث أن الاحتلال ما هو إلا استحواذ مؤقت للأقاليم مع انتقال السلطات إلى القوات العسكرية لعدو . أي أن الاحتلال الحربي لا يستتبع نقل السيادة ولكنه يستتبع حلول دولة الاحتلال مؤقتا محل الدولة المحتلة لإدارة الإقليم المحتل من حيث سلطة التشريع والقضاء والإدارة وعلى شكل الوصاية ، إلى أن يزول الاحتلال بطريقة أو بأخرى ، ويترتب على هذا عدم جواز ضم الإقليم أو تعديل هيكله السياسي أو جعله دولة مستقلة ، ويقع على عاتق سلطة الاحتلال مسئولية دولية للمنطقة التي يحتلها (4 )


ويقابل واجبات العدو نحو سكان الإقليم المحتل التزام هؤلاء بالا يقوموا من جانبهم بأي عمل عدائي ضد سلطات الاحتلال كالاعتداء على أفرادها أو التجسس لصالح سلطات البلاد الأصلية من داخل المنطقة المحتلة وحق مقاومة سلطة الاحتلال يكون من خارجها (5 )