فن الحرب
فن الحرب art of war هو مجموع النظريات والتطبيقات المتعلقة بالتحضير للأعمال الحربية وخوضها في البر والبحر والجو، وهو أهم فرع من فروع علم الحرب.
يشتمل فن الحرب على ثلاثة أقسام أساسية هي: الاستراتيجية العسكرية[ر] وفن العمليات والتكتيك[ر]. وبين هذه الأقسام الثلاثة ارتباط وثيق وعلاقة متبادلة ، فهي تكمل بعضها بعضاً وتساعد على تحقيق المهمات المطلوبة من فن الحرب وتحقيق الغاية من الحرب. تحتل الاستراتيجية المكانة الأعلى من فن الحرب، وهي على ارتباط وثيق بالسياسة وتعتمد عليها، وتؤثر تأثيراً أساسياً في تطوير فن العمليات والتكتيك. ويعد التكتيك المستوى الأدنى من فن الحرب، ويتناول كل ما يتصل بقتال الوحدات والقطعات والتشكيلات. أما فن العمليات فهو وسط بين هذين المستويين، ويعنى بالمسائل المتعلقة بالإعداد للعمليات الحربية وخوضها بما يتفق والأهداف والمهمات التي تحددها الاستراتيجية. تقتصر النظريات الحربية الغربية على تقسيم فن الحرب إلى استراتيجية وتكتيك، ولا تستخدم مصطلح فن العمليات، غير أنها قد تستخدم مصطلح «التكتيك الكبير» أو «الاستراتيجية الصغرى» بديلاً منه.
كذلك يقسم فن الحرب إلى أنواع بحسب أنواع القوات المسلحة. فثمة فن حرب للقوات البرية، وفن حرب للقوات الصاروخية وقوات الدفاع الجوي، وفن حرب للقوات الجوية وفن حرب للقوى البحرية. ولكل صنف من صنوف القوات في أنواع القوات المسلحة أيضاً فن حرب يختص به. ومثل هذا التقسيم بطبيعة الحال تقسيم اصطلاحي ويمكن استخدامه في شروط معينة.
تطور فن الحرب في العصور القديمة
يتطور فن الحرب وفق مستوى الإنتاج والاقتصاد والنظام الاجتماعي للدولة (أو حلف الدول)، ووفق تطورها تاريخياً وخصائصها القومية والجغرافية وتقاليدها. فقد كان فن الحرب في المجتمعات القديمة معنياً بجيوش لا يزيد تعدادها على بضعة آلاف من المقاتلين المسلحين أساساً بالسيوف والرماح والهراوات، والنوع الرئيسي هم المشاة والفرسان. وكانت دول الشرق القديم تجنّد، إلى جانب المشاة والخيالة، مفارز من المقاتلة على عربات القتال والفيلة والإبل. وكان قوام قواتها وعتادها يحددان استراتيجيتها وتكتيكها. واقتصرت استراتيجيات دول الشرق القديم والهند والصين على حملات قصيرة الأجل وإلى مسافات غير بعيدة. ومع التبدلات التي طرأت على طرائق إمداد القوات ووسائلها باستثمار مصادر الدول المقهورة، وخاصة في اليونان القديمة ورومة القديمة، أخذت أبعاد الحملات تزداد باستمرار، وغدا دور الاستراتيجية في تلك العصور يقتصر على الإعداد للحرب واختيار مكان الموقعة الفاصلة وزمانها، وتحديد هدف الضربة الرئيسية. أما التكتيك فكان يراوح بين أبسط أشكال التراتيب القتالية والمواجهة الجبهية إلى أشكال أكثر تعقيداً من حشد القوى والمناورة في حقل المعركة وفي العمق. وكانت المدن- الممالك اليونانية القديمة تتحد غالباً في تحالفات سياسية عسكرية، والنوع الرئيسي من قواتها المشاة الثقيلة. وكانت تصطف للمعركة في كتائب phalanges متلاصقة وصفوف عميقة (معركة ماراتون نحو 490 ق.م.)، وتباشر القتال من مسافة رمي الأسلحة القاذفة، وتكمل الضربة من الجبهة بضربة جانبية تنفذها المشاة الخفيفة والخيالة وتنتهي بالمطاردة. وفي الحرب البونية (370 ق.م) ابتكر القائد إيبامينونداس واحداً من أهم مبادئ التكتيك بتوزيع قواته جبهياً توزيعاً غير متساو وحشد قواه على اتجاه الضربة الرئيسية. وحول الاسكندر المقدوني الخيالة إلى قوة ضاربة رئيسية بدل المشاة. وفي رومة عدّل تنظيم الجيش الروماني ليتألف من فرق مشاة ثقيلة مستقلة دعيت ليجيون legion تعمل على جناحيها وحدات مشاة خفيفة مدعومة بالخيالة فازدادت قدرتها على المناورة. واستخدم القائد القرطاجي حنيبعل (هنيبال) عام 216 ق.م الهجوم من الجناحين في آن واحد، وحقق بذلك تطويق قوات رومانية كبيرة وتدميرها بقوة أقل منها. وابتكر يوليوس قيصر تنظيم الأركان لمساعدته على قيادة القوات وطبق المناورة بالأنساق الخلفية باتجاه أجنحة العدو ومؤخراته، وكان ذلك بداية وجود احتياط للجيش.