الحرب الثانية استخدم السلاح الذري والطيران النفاث والصواريخ الموجهة، وأدخلت تحسينات كبيرة جداً على أنواع العتاد ووسائل الاستطلاع والتنصت والاتصال. وتسبب تطور الاقتصاد والعلم والتقانة في النصف الثاني من القرن العشرين في حدوث تبدلات عميقة ومهمة في وسائل الصراع وقيادة القوات، وأدخلت الوسائل الصاروخية والإلكترونية وغيرها في جميع أنواع القوات المسلحة وصنوفها فتبدل تنظيمها وأساليب استخدامها وزادت قدراتها القتالية، و تنامى دور الاستراتيجية إلى درجة كبيرة جداً فشمل جميع مجالات الحرب، إذ أتاح وجود القوات النووية الاستراتيجية إمكانات التأثير في مجرى الحرب كلها وتحقيق نتائج حاسمة فيها، الأمر الذي تطلب إعادة النظر في طبيعة الحرب من الأساس وفي وسائل خوضها وأساليبها في البر والبحر والجو مع استخدام أسلحة التدمير الشامل أو من دونها.
إدارة الحرب

تلجأ الدولة إلى الوسائل العسكرية عادة حين تعجز عن تحقيق أغراضها السياسية بأساليب ووسائل أخرى. وهي تلجأ إلى القوة والسلاح بهدف فرض إرادتها على العدو. ولتحقيق هذا الهدف عليها وقبل كل شيء نزع سلاح الخصم وحرمانه من وسائل المقاومة التي يملكها فلا يستطيع دفع العدوان ويعجز عن إبداء مقاومة مسلحة منظمة أو لايجد لها فائدة ترجى، أو تتفاقم لديه تكاليف الحرب فيعجز عن توفيرها ويتضاءل لديه الأمل بالنصر وينهار معنوياً فيستسلم. وعليه فإن نزع سلاح الخصم هو الهدف الخاص لكل عمل عسكري، ويقول كلاوزفيتز «إذا أردنا أن نهزم الخصم (أي ننزع سلاحه) علينا أن نكافئ جهدنا مع قدرته على المقاومة، ويعبر عن ذلك في عاملين لا يفترقان: ما يملكه من وسائل وما لديه من قوة العزيمة، والعامل الأول قابل للتقدير، أما قوة العزيمة أو الإرادة فأقل من أن تقدر، ولاتقاس إلا بالتقريب بالاستناد إلى قوة الحوافز التي تقف وراءها»، وينسحب هذا الكلام على الهدف السياسي الذي تسعى الجهة المحاربة لتحقيقه بالوسائل العسكرية، وعلى الأهمية التي تعيرها لهذا الهدف. ولعل نزع أسلحة العدو اليوم أصعب بكثير عما كانت عليه في السابق. فقد بدلت الثورة الصناعية والتطور التقني اليوم طبيعة الحرب وأثرت في خصائصها إلى درجة كبيرة، مع أن مبادئ الحرب لم تتبدل. فقد أتاح تطور الطيران وحاملات الطائرات وسفن الإنزال والدعم بين الحربين العالميتين مثلا إمكانية خوض حرب طويلة الأمد بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان عبر المحيط الهادي. ومع أن سباق التسلح ليس جديداً في ذاته، فقد أتاحت الإنجازات التقنية في السنوات الأخيرة إحداث تبدلات سريعة ومستمرة في وسائل الصراع وأساليبه إلى درجة حولت العلماء والمخترعين إلى أداة مهمة في الحرب على قدم المساواة مع القيادة السياسية - العسكرية والقوات المقاتلة. فقد كانت الحرب العالمية الأولى أول نزاع شامل يلجأ فيه الخصمان إلى الاستفادة من كل مصادر الصناعة والعلوم، ويقف العالم اليوم مشدوهاً من تلك المجالات التي فتحها العلم والتقنية أمام متخذي القرارات في حروبهم واعتمادهم كلياً على علمائهم في تحقيق استراتيجيتهم. ففي العصر الحاضر لايمكن أن تكون هناك حوافز منطقية للحرب بين قوتين تملكان قدراً كبيراً من التسلح النووي والكثير من التقانات والأسلحة العالية الدقة الشديدة التدمير، إذ لا يمكن تصور مدى المخاطرة التي تكمن وراء ذلك الهدف، ومدى التدمير الشامل للوطن في حال القيام بهذه المغامرة. ولعل هذا هو السبب الذي يدفع الدول في العصر النووي إلى حل نزاعاتها بطرائق سلمية وتجنّب الدخول في حرب معلنة، كما أنها تلجأ إلى خوض الحرب بأسلحة تقليدية من دون اللجوء إلى السلاح النووي أو أسلحة التدمير الشامل الأخرى، وبالتالي تبقى خبرة الماضي غير النووي ذات فائدة في حل مشكلات الحاضر والمستقبل. وتنتهي الحرب عادة حين يفقد أحد الطرفين الأمل في تحقيق هدفه منها أو يفقد إرادة القتال ويقتنع بعدم جدوى الاستمرار في الصراع أو حين يزول الدافع السياسي الذي هو سببها أو تتضاءل فرص النجاح في تحقيقه أو تصبح تكاليفه باهظة ولا يمكن تحملها. وتتولد تلك القناعة عادة حين يتمكن طرف من تدمير القوات المسلحة للطرف الآخر أو تحييدها بتشتيتها أو محاصرتها أو وضعها في مأزق يهدد بدمارها، كما تتولد حين ينجح ذلك الطرف في احتلال أرض الطرف الآخر أو دخول عاصمته أو المناطق الحيوية من بلده أو تهديدها. وقد تنتهي الحرب بتدخل طرف ثالث في الصراع أو توسطه بين المتحاربين، وتقوم منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن في العصر الحاضر بدور كبير في الحفاظ على السلم والحيلولة دون نشوب الحروب بين الدول وإيجاد الحلول الوسط لوقف أي صراع مسلح.

محمد وليد الجلاد، أحمد يوسف
__________________
منقول