جهود الدول في مكافحة الإِرهاب الدولي في إِثر حادثة ميونيخ بألمانية الاتحادية (5/9/1972), حيث احتجز أربعة فدائيين فلسطينيين فريقاً رياضياً إِسرائيلياً, للضغط على إِسرائيل كي تطلق سراح معتقلين فلسطينيين تسجنهم, بلا محاكمة وتعذبهم حتى الموت, وبضغط واضح من أمريكة وإِسرائيل وحلفائهما, طلب الأمين العام للأمم المتحدة من الجمعية العامة (الدورة 27 عام 1972) أن تدرج في جدول أعمالها بنداً عنوانه «التدابير الرامية إِلى منع الإِرهاب وغيره من أشكال العنف التي تعرّض للخطر أرواحاً بشرية بريئة, أو تودي بها, أو تهدد الحريات الأساسية». وعندما ناقشت الجمعية العامة هذا العنوان, وجد مندوبو دول العالم الثالث, أنه غير متكامل, فهو يُهمل الإِشارة إِلى الأسباب والدوافع الكامنة وراء الأعمال التي تسمى «إِرهابية» وهو يوحي بأن حدود الإِرهاب تمتد حتى تشمل أنشطة حركات التحرير الوطني. ولهذا فقد أيدت وفود هذه الدول اقتراحاً عربياً بتعديل العنوان الذي أصبح كما يأتي :«التدابير الرامية إِلى منع الإِرهاب الدولي الذي يعرّض للخطر أرواحاً بشرية بريئة, أو يودي بها, أو يهدد الحريات الأساسية, ودراسة الأسباب الكامنة وراء أشكال الإِرهاب وأعمال العنف التي تنشأ عن البؤس وخيبة الأمل والشعور بالضيم واليأس, والتي تحمل بعض الناس على التضحية بأرواح بشرية, وفيها أرواحهم هم, محاولين بذلك إِحداث تغييرات جذرية».
وهكذا توجهت الأمم المتحدة إِلى معالجة أسباب الإِرهاب الدولي والتوصية باتخاذ تدابير عملية لمكافحته منذ عام 1972. وقد ألّفت لجنة أسمتها «اللجنة المتخصصة المعنية بالإِرهاب الدولي», تعرض الدول فيها مواقفها وتصاغ التوصيات التي يتفق عليها.
وتدل مراجعة وثائق الأمم المتحدة ومؤتمراتها في هذا الشأن على أن الخلاف حول تعريف «الإِرهاب الدولي» كبير, ولا أمل في الاتفاق على نص توفيقي. ومن هنا جاءت مجاوزة الأمم المتحدة لأمر التعريف, وعكفت على دراسة الأسباب والتدابير.
وقد أجمعت مواقف الدول على أن الأنشطة الإِرهابية تهدّد المجتمع الدولي, لأنها تعتمد على استخدام القوة بقصد ارتكاب أعمال العنف ضد شعوب بأكملها, وضدّ بلدان وأفراد, وتؤثر في حياة أناس أبرياء, وفي صحتهم وأمنهم وممتلكاتهم, وتعطّل النشاط الاقتصادي والاجتماعي اليومي للناس, وتزرع بذور الخوف وعدم الثقة بين الدول والشعوب, وتهدّد جهوداً, عمرها سنوات, هدفت إِلى تنمية العلاقات الثنائية ومتعدّدة الأطراف بين الدول. وتمثّل تهديداً خطيراً للسلم والأمن الدوليين, وتنتهك مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التي أجمعت الدول والشعوب عليها.
ويستدل من مناقشات الجمعية العامة والدراسات التي عالجت موضوع الإِرهاب الدولي, أن هذه الظاهرة معقدة وشائكة, وأنها ذات أصول وأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية, متعددة الجوانب. وإِذا كانت بعض الدول تدّعي أنها تحمي حقوق الإِنسان الأساسية, ولاسيما حقه في الحياة, فإِنها تخفي رغبتها في استغلال ظاهرة الإِرهاب الدولي لتحويل انتباه العالم عن الظلم الواقع على بعض الشعوب وحركات التحرير الوطني المكافحة في سبيل استقلالها واستعادة حقوقها وفق مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وقد برز في أثناء المناقشات التي استمرت سنوات كثيرة, اتجاهان رئيسان في معالجة موضوع الإِرهاب الدولي.
تكتلت معظم الدول الغربية, والدول التي تدور في فلكها, في الاتجاه الأول. وقد رأت هذه الدول أن الإِرهاب الدولي قد استفحل ضرره, واتسع نطاقه, وتنوعت أشكاله, وكثرت ضحاياه. فلا يجوز, والحالة هذه, تعليق أمر مكافحة الإِرهاب, أو تأجيل اتخاذ التدابير الرامية إِلى القضاء عليه, على معالجة الأسباب الكامنة وراءه, وحلّ المشكلات التي أدت إِلى نشوئه. وإِن كان من الضروري معالجة هذه الأسباب, وحل تلك المشكلات, فيما بعد.
وترى هذه الدول أن على أولئك الذين يريدون جذب أنظار العالم إِلى قضاياهم, أن يجدوا طريقة أكثر تمدناً من الإِرهاب, وتكون مقبولة من الجميع, لنشر آرائهم من دون عنف. وفي غير هذه الحال, تبقى أعمال الإِرهاب الدولي مدانة وبغيضة, وتجب مكافحتها بغض النظر عن دوافع مرتكبيها, لأن الدوافع وراء ارتكاب الجريمة ليس ذا شأن, وإِن كان عاملاً مخففاً في تحديد العقوبة. يضاف إِلى ذلك, أن الأعمال التي يشمئزّ منها الضمير الأخلاقي للبشريّة لا تعود بالضرر إِلا على القضية نفسها التي يسعى أصحابها إِلى خدمتها.
وعلى هذا, يذهب الاتجاه الأول إِلى ضرورة قمع الإِرهاب الدولي بشدّة, من دون النظر إِلى أسبابه ومسوّغاته السياسية, ويدعو إِلى قيام تعاون دولي لمكافحته ولاسيما فيما يتعلق بتبادل المعلومات وتسليم الفاعلين ومحاكمتهم.
ويشير أصحاب هذا الاتجاه إِلى أن حق الشعوب في الكفاح من أجل التحرير وتقرير المصير لا يجوز أن يتضمن أعمالاً إِرهابية ضدّ مدنيين أبرياء, أو أن يؤلف خرقاً أو انتهاكاً لحقوق الإِنسان الأساسية, وإِنما يمارس ذلك الحق وفق أحكام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بوجه عام.
أما الاتجاه الثاني, فقد تكتلت فيه معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة, ولاسيما دول العالم الثالث والدول الاشتراكية. ويؤسس أصحاب هذا الاتجاه موقفهم المبدئي على رفض الإِرهاب الدولي بمختلف أشكاله, وإِدانة أعماله وفاعليها, وعلى أن دراسة التدابير الرامية إِلى منعه يجب أن تقترن, في الوقت نفسه, بدراسة الأسباب الكامنة وراءه, من أجل إِزالة هذه الأسباب التي يتمثل بعضها بالسياسات الاستعمارية والاحتلالية والعنصرية, واستعمال القوة من أجل التوسع والسيطرة وبسط النفوذ, والتدخل في الشؤون الداخلية للدول. فذلك كله يولد لدى الشعوب والجماعات المقهورة الشعور باليأس والضيم وخيبة الأمل, ويدفعها إِلى القيام بأعمال عنف قد تؤدي إِلى سفك دماء بريئة.
ويذهب أصحاب هذا الاتجاه إِلى ضرورة أن تشمل دراسة الإِرهاب الدولي مختلف أشكاله وأنواعه, ومنها إِرهاب الدولة خارج حدودها أي «إِرهاب الدولة» الموجه ضد الدول المستقلة والشعوب وحركات التحرر الوطني. ويبنون موقفهم على أساس أن الكفاح من أجل التحرير الوطني, والمقاومة ضد المعتدي في الأراضي التي يحتلها, والمظاهرات التي يقوم بها المعارضون للاستغلال والظلم الاجتماعي, هي قيم إِنسانية, لا يجوز قرنها أو شملها بمفهوم الإِرهاب.فأي فعل من هذا القبيل, هو مسّ بتلك القيم, وإِهانة للعاملين في سبيلها, وخاصة أنهم يناضلون من أجل مبادئ وحقوق أيدتها الأمم المتحدة. وترى هذه الدول أن جميع الصيغ القانونية, التي عالجت بعض أشكال الإِرهاب الدولي, وغيرها من الصيغ التي يمكن أن تعالج أشكالاً أخرى منه, مهما كانت تتسم بالكمال, لن تكفي لحل مشكلة الإِرهاب, ما لم تتخذ التدابير لإِزالة الأسباب التي تكمن وراءها. وما إِعادة الحقوق إِلى الشعوب المستعمرة, أو المنفية من وطنها, أو المسلوبة حقوقها, سوى بعض الطرائق التي يمكن التوصل بها إِلى حل حقيقي لمشكلة الإِرهاب الدولي.
وفي إِثر مناقشات استمرت ثماني سنوات, وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة (الدورة 34- القرار 34/145 تاريخ 17/12/1979) على مجموعة من التدابير العملية من أجل القضاء على مشكلة الإِرهاب. وقد تكررت التوصية باتخاذ هذه التدابير - مع تدابير إِضافية أخرى - في جميع القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة بعد ذلك في الموضوع نفسه. وكانت جميع هذه القرارات تتضمن في ديباجتها النص التالي:«وإِذ تؤكد (الجمعية العامة) الحق غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال لجميع الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية وعنصرية ولغيرها من أشكال السيطرة الأجنبية, وإِذ تقر شرعية كفاحها, وخاصة كفاح حركات التحرير الوطني, وفقاً لمقاصد ومبادئ الميثاق ولإِعلان مبادئ القانون الدولي المتعلق بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة».
وفيما يلي موجز لمجموعة هذه التدابير:
ـ إِدانة جميع أعمال الإِرهاب الدولي التي تعرّض للخطر أرواحاً بشرية, أو تودي بها, أو تهدد الحريات الأساسية, بوصفها أعمالاً إِرهابية, أينما وجدت, وأيّاً كان مرتكبها.
ـ أن تقضي الدول, بصورة تدريجية, فرادى وبالتعاون فيما بينها, على الأسباب الكامنة وراء أعمال الإِرهاب الدولي, وأن تلتمس الحلول العادلة من أجل التصدي لها.
ـ أن تفي الدول بالتزاماتها, وفقاً للقانون الدولي, بالامتناع عن تنظيم الحرب الأهلية, أو الأعمال الإِرهابية في دولة أخرى, أو التحريض عليها, أو المساعدة أو المشاركة فيها, أو قبول تنظيم نشاطات في داخل إِقليمها تهدف إِلى ارتكاب مثل هذه الأعمال.
ـ أن تنضم الدول إِلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بجوانب مختلفة من مشكلة الإِرهاب الدولي, وأن تجعل تشريعها الداخلي منسجماً مع هذه الاتفاقيات, وأن تتخذ على الصعيد الوطني, جميع التدابير المناسبة بغية القضاء السريع والنهائي على مشكلة الإِرهاب الدولي.
ـ أن تتعاون الدول فيما بينها لتبادل المعلومات المتعلقة بمنع الإِرهاب الدولي ومكافحته, وأن يتعاقد بعضها مع بعض على تسليم الإِرهابيين الدوليين ومحاكمتهم.
ـ أن تعمل الجمعية العامة لعقد اتفاقية أو اتفاقية دولية إِضافية تقوم, في جملة أمور, على مبدأ التسليم أو المحاكمة للإِرهابيين الدوليين.
ـ أن تولي الجمعية العامة ومجلس الأمن, من أجل الإِسهام في القضاء على مشكلة الإِرهاب الدولي والأسباب الكامنة وراءه, اهتماماً خاصاً لجميع الحالات التي تتولد فيها تلك الأسباب, ومنها الاستعمار والعنصرية والاحتلال الأجنبي, أي الحالات التي تدفع إِلى الإِرهاب الدولي, وقد تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر, وذلك بقصد تطبيق ما يتصل بالموضوع من أحكام ميثاق الأمم المتحدة. أن تطبق الدول التدابير التي أوصت بها منظمة الطيران المدني الدولي, والتي وردت في الاتفاقيات الدولية, لمنع الهجمات الإِرهابية على النقل الجوي المدني, وسائر أشكال النقل العام.
وإِلى جانب هذه التدابير, نادت بعض الدول بضرورة عقد اتفاقيات دولية جديدة, ترسخ التعاون الدولي لمكافحة الإِرهاب, وتؤسس آلياته, وتحدد سبله ووسائله. في حين أشارت دول أخرى إِلى أن كثرة المعاهدات والاتفاقيات في هذا الشأن لا تحلّ مشكلة الإِرهاب الدولي, لأن المطلوب هو حل جذري, يقضي على الأسباب الجذرية للمشكلة.
وكانت الأمم المتحدة عقدت عدّة اتفاقيات تعالج جوانب معينة من الإِرهاب الدولي, من دون معالجة الأسباب والدوافع. وهذه الاتفاقيات هي :«اتفاقية طوكيو بشأن ما يرتكب على متن الطائرات من جرائم وأفعال معيّنة أخرى - 1963», و«اتفاقية لاهاي بشأن قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات - 1970», و«اتفاقية مونتريال لقمع الأفعال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الطيران المدني - 1971», و«اتفاقية نيويورك بشأن منع الجرائم المرتكبة ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية وفيهم الموظفون الدبلوماسيون والمعاقبة عليها - 1973», و«الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن - 1979».
وفي خارج إِطار الأمم المتحدة, هنالك «اتفاقية منظمة الدول الأمريكية بشأن منع أعمال الإِرهاب التي تتخذ شكل جرائم ترتكب ضدّ الأشخاص وما يتصل بذلك من أعمال الابتزاز ذات الأهمية الدولية والمعاقبة عليها -1971» و«الاتفاقية الأوربية بشأن قمع الإِرهاب1977».
ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد قدمت إِلى «اللجنة المتخصصة المعنية بالإِرهاب الدولي» التابعة للأمم المتحدة, مشروع اتفاقية دولية, جوهرها إِقامة «نظام أمن دولي مشترك» يهدف إِلى مكافحة الإِرهاب عن طريق منع الإِرهابيين الحصول على أي مأوى أو مكان آمن بعيد عن الملاحقة أو العقاب, في أية منطقة من العالم, ويعدّ المشروع أيّة هجمة إِرهابية على أية دولة طرف في الاتفاقية هجمة على جميع الدول الأطراف.
وفي الوقت نفسه, أهمل المشروع أية إِشارة إِلى نضال الشعوب ضد الاستعمار والاحتلال والعنصرية والصهيونية, أو إِلى حركات التحرير الوطني, أو حق تقرير المصير.
ولم تأخذ اللجنة بالمشروع الأمريكي, إِذ لم تناقشه, ولم تصر الولايات المتحدة على دراسته, بعد أن تأكد لها أن الاتجاه العام في اللجنة يرفض المفاهيم التي تضمنها.